القوات الأوكرانية تثبت أقدامها داخل الأراضى الروسية وموسكو تتوعد برد يحافظ على الهيبة من «كورسك» إلى «نيويورك» هل دخلت الحرب «الروسية - الأوكرانية» «المنعطف الأخطر»؟!

إبراهيم محمود
اشتد الصراع الروسى - الأوكرانى ودخل مرحلة جديدة «خطيرة»، منذ التوغل الأوكرانى البرى فى مقاطعة كورسك الروسية قبل أكثر من أسبوعين، فى عملية تقول كييف إنها تهدف إلى إنشاء منطقة عازلة واستنزاف آلة الحرب الروسية، وهو ما يُعد «أول غزو لأراضٍ روسية من قبل قوات أجنبية منذ عام 1941»، حيث لا تزال القوات الأوكرانية ثابتة وتحقق نجاحات داخل حدود روسيا، وهو ما تسبب فى إحراج شديد للكرملين، الذى يحاول تعويض هذا الإخفاق بتصعيد الحرب من جهته ضد كييف.
وأسفر الهجوم الأوكرانى المباغت عن مقتل حوالى 20 شخصا وإصابة العشرات، لكن الأشد إيلامًا لموسكو من الخسائر البشرية، هو «الإهانة المريرة» للكرملين، بعدما شكل الهجوم صفعة مفاجئة للقوات الروسية، حيث تمكنت القوات الأوكرانية من التقدم فى المقاطعة دون مقاومة تذكر، فيما استسلم العديد من المجندين الروس الذين كانوا على الحدود مع تقدم الأوكران.
منطقة عازلة وحُكم عسكرى
أعلن قائد الجيش الأوكرانى أوليكساندر سيرسكى أن قوات بلاده تقدمت لمسافة تتراوح من 28 إلى 35 كيلومترًا فى منطقة كورسك، بينما تحرك موسكو بعض قواتها من اتجاهات أخرى لتعزيز مواقعها هناك. وأوضح سيرسكى أن روسيا ترسل أيضا قوات إضافية إلى منطقة بوكروفسك فى شرق أوكرانيا، التى شهدت أعنف المعارك فى الآونة الأخيرة خلال الغزو الروسى المستمر منذ عامين ونصف العام.
وأكدت أوكرانيا أن قواتها نجحت فى تحصين مواقعها فى كورسك، وأعلنت إطلاق عمل مكتب لقواتها فى بلدة سودجا، وتحدثت عن خطط لإقامة منطقة عازلة داخل الأراضى الروسية، واحتمال فرض «حكم عسكرى» فى بعض المناطق التى سيطرت عليها. وحذرت كييف من احتمال لجوء روسيا إلى استخدام قاذفات استراتيجية ضد قواتها.
فى المقابل، قال مساعد الرئيس الروسى لشئون السياسة الخارجية، يورى أوشاكوف، إن موسكو: «لن تدخل فى أى عملية تفاوض أو حوار» بعد توغل كييف فى كورسك. واتهم جهاز المخابرات الخارجية الروسى أجهزة مخابرات من الولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا بالمشاركة فى الإعداد لتوغل أوكرانيا فى كورسك، وقال إن: «الوحدات الأوكرانية المشاركة فى التوغل خضعت لتنسيق قتالى فى مراكز تدريب فى بريطانيا وألمانيا». بدوره، قال البيت الأبيض إن الولايات المتحدة لم تتلق إخطارا مسبقا من كييف بأنها تخطط لتوغل عسكرى فى كورسك.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، يوم الثلاثاء الماضى، تشكيل 3 مجموعات عسكرية جديدة لتعزيز الأمن فى المناطق المتاخمة لأوكرانيا، وسميت المجموعات على اسم مناطق كورسك وبيلجورود وبريانسك. ولم تكتف كييف بالتوغل فى كورسك، بل شنت هجومًا كبيرًا على العاصمة الروسية، حيث أعلنت الدفاعات الجوية الروسية إسقاط 11 مسيّرة استهدفت موسكو فى «أحد أكبر» الهجمات على العاصمة، وفق ما أفاد مسئولون روس الأربعاء.
روسيا تسيطر على نيويورك
من جانبه، وفى سبيله لتوسيع مناطق نفوذه، أعلن الجيش الروسى يوم الثلاثاء الماضى السيطرة على مدينة نيويورك فى منطقة دونيتسك، فى سياق تقدمه المتواصل فى شرق أوكرانيا. وأفادت وزارة الدفاع الروسية عن «تحرير نوفغورود سكوى (الاسم الروسى للمدينة)، إحدى أكبر بلدات منطقة توريتسك والمركز اللوجستى ذى الأهمية الاستراتيجية».
وتجدر الإشارة إلى أن البلدة كانت تُعرف باسم نيويورك حتى عام 1951، عندما أطلق عليها السوفييت اسم «نوفغورود سكوى» خلال فترة الحرب الباردة، لكنها استعادت اسمها الأصلى فى صيف 2021 تحت ضغط ناشطين أوكرانيين. وتقع البلدة على بعد ستة كيلومترات جنوب توريتسك، التى تعرضت لهجمات روسية مستمرة منذ عدة أسابيع، مما أسفر عن دمار كبير فيها.
وبينما يتركز الهجوم الأوكرانى على منطقة كورسك الروسية منذ السادس من أغسطس، مما يجذب الانتباه إلى المعركة داخل الأراضى الروسية، إلا أن الصراع لا يزال يتركز بشكل رئيسى فى شرق أوكرانيا، حيث تواصل القوات الروسية، التى تتمتع بتفوق فى العتاد والعدد، تقدمها البطىء. وقد جعل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين السيطرة على كامل منطقة دونباس، التى تشمل دونيتسك ولوغانسك، أولوية فى استراتيجيته العسكرية تجاه أوكرانيا.
وفى خضم هذا التوتر، نقلت مجلة «نيوزويك» الأمريكية عن الخبير العسكرى الروسى ستانيسلاف كرابيفنيك قوله: إن موسكو فى حالة حرب بالفعل مع حلف شمال الأطلسى (الناتو)، ودعا إلى الانتقام بتدمير القوات المسلحة الأوكرانية بالكامل وضرب مدن مثل نيويورك ولندن بالسلاح النووى.
بوتين يرد الجميل للشيشان
وهدد الرئيس الروسى بمعاقبة المسئولين عن هجوم كورسك، وقال بوتين خلال أول زيارة له للشيشان منذ عام 2011 «كما حاربنا الإرهابيين فى السابق، نحارب الآن أولئك الذين يرتكبون الجرائم فى منطقة كورسك ودونباس ونوفوروسيا. ولكن بنفس الطريقة التى حققنا بها أهدافنا فى مكافحة الإرهاب، سنحقق أهدافنا فى مكافحة النازية الجديدة. وبالتأكيد سنعاقب المجرمين، ولا شك فى ذلك».
ووصل بوتين، مساء الثلاثاء الماضى، إلى الشيشان التى يتزعّمها حليفه ومسانده فى الحرب ضد أوكرانيا رمضان قديروف، الذى قال إن: «الناس سيكونون سعداء. سيكونون مسرورين بمجىء الرئيس إلى الجمهورية. بالنسبة إلينا، إنه أمر محفّز، وشاحن للطاقة». ووصل بوتين إلى الشيشان فى أعقاب زيارة أجراها إلى بيسلان فى جمهورية أوسيتيا الشمالية الواقعة أيضًا فى منطقة القوقاز.
وتأتى زيارة بوتين للشيشان فى وقت تساعد فيه قوات قديروف موسكو فى حربها داخل أوكرانيا، كما تنشر فى كورسك قوات شيشانية تساعد القوات الروسية على التصدى للهجوم الأوكرانى. وقال قديروف إن الشيشان أرسلت أكثر من 47 ألف جندى للقتال فى أوكرانيا منذ بداية الحرب، من بينهم نحو 19 ألف متطوع. بدوره، قال الكرملين إن بوتين والزعيم الشيشانى تفقدا قوات ومتطوعين شيشانيين يستعدون للمحاربة فى أوكرانيا.
وقال بوتين للقوات فى جامعة القوات الخاصة الروسية فى جوديرميس بالشيشان: «ما دام لدينا رجال مثلكم، فلن نُقهر على الإطلاق». وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على قديروف فى 2020 بسبب انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان وفى 2022 فيما يتعلق بتعبئة قوات شيشانية لمحاربة أوكرانيا.
وفى انتظار الرد الروسى على التوغل الأوكرانى، ذكرت وكالة «بلومبيرج» نقلًا عن مصادر وصفتها بالقريبة من الكرملين ووزارة الدفاع أنه قد يتم الإعلان عن التعبئة فى روسيا فى نهاية العام الحالى. بدورها، أكدت وزارة الخارجية أن رد روسيا «الصارم» على الهجمات الأخيرة التى شنتها القوات المسلحة الأوكرانية على مناطق روسية «لن يطول انتظاره».