بعد تأجيل زيارة الوفد الحكومى للقاهرة «ضباب» الخلافات يحجب رؤية طريق السودان إلى بر الأمان؟

داليا طه
حالة من التخبط والغموض يمر بها المشهد السودانى حيث كان من المنتظر أن يجرى الوفد الحكومى السودانى المكلف من قبل مجلس السيادة الانتقالى، زيارة إلى القاهرة لإجراء نقاشات مع الوفد الأمريكى تتصل بمباحثات جنيف.
وكشفت مصادر سودانية عن فشل مباحثات القاهرة ، وذلك لعدم توصل الميسرين لاتفاق، مما دفع المبعوث برييلو إلى مغادرة القاهرة والعودة إلى جنيف..وقبل التأجيل، جاءت الموافقة على إرسال وفد الحكومة السودانية إلى القاهرة استجابة لدعوة الإدارة الأمريكية لمناقشة تنفيذ اتفاق جدة حول السودان، الذى صدر فى 11 مايو 2023، قبل الشروع فى أى مفاوضات بشأن ملفات أخرى.
وكان مجلس السيادة السودانى قد أعلن أن الحكومة قررت إرسال وفد إلى القاهرة لمناقشة تنفيذ نتائج اتفاق جدة، وذلك بناءً على اتصال مع الحكومة الأمريكية ممثلة فى المبعوث الأمريكى إلى السودان توم بيرييلو، بالإضافة إلى اتصال من الحكومة المصرية تطلب فيه اجتماعاً مع وفد حكومى فى القاهرة، بعد رفض حكومة السودان المشاركة فى الاجتماع الذى عُقد فى جنيف الأسبوع الماضى مع قوات الدعم السريع.
وقالت مصادر سودانية إن مشاورات وفد الحكومة السودانية مع المبعوث الأمريكى تُجرى على مدى يومين، وأشارت إلى أن الوفد الحكومى يضم وزير المعادن السودانى محمد بشير عبد الله، وسفير السودان فى القاهرة عماد عدوى، بجانب مفوضة العون الإنسانى سلوى آدم بنية، وقيادات من الجيش السودانى
وأعلن توم بيرييلو، المبعوث الأمريكى الخاص إلى السودان إن «المشاورات تستهدف تعزيز وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين فى السودان، وضمان الامتثال للالتزامات الواردة فى (إعلان جدة)، فضلاً عن وقف الأعمال العدائية فى السودان».
وقد أكد الرئيس المصرى، عبدالفتاح السيسى، حرص مصر على وقف إطلاق النار، وحماية مقدرات السودان وشعبه الشقيق، ومؤسسات الدولة وسيادتها، مشددًا على ضرورة تضافر جميع الجهود، الدولية والإقليمية، لتقديم سبل الدعم كافة، لإنهاء الأزمة السياسية والمأساة الإنسانية التى يتعرض لها الشعب السودانى الشقيق.
كما شدد وزير الخارجية المصرى، بدر عبد العاطى، خلال مباحثاته مع نظيره الأمريكى، أنتونى بلينكن، فى القاهرة، على «موقف مصر المطالب بالتوصل لوقف فورى وشامل لإطلاق النار، والعمل على احتواء التداعيات الإنسانية للصراع، وتسهيل العمل الإنسانى، ووفاء الدول المانحة بتعهداتها السابقة على صعيد تقديم المساعدة للسودان ودول الجوار للتعامل مع التداعيات الإنسانية للأزمة».
وقلّل محللون من جدوى المشاورات التى تقودها الإدارة الأمريكية فى جنيف والقاهرة مع الأطراف السودانية، موضحين أن الدور الأمريكى تجاه السودان يحتاج إلى إعادة نظر، حتى يصبح أكثر واقعية فى التعاطى مع الأزمة.
وأرجعوا ذلك إلى مشاركة (الدعم السريع) فى مفاوضات وقف الحرب فى وقت تواصل فيه استهداف المدنيين فى مناطق كثيرة بالسودان دون إدانة من المسئولين الدوليين.
من جهة ثانية، أكد بيان مشترك صدر فى جنيف (من الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا والسعودية ومصر والإمارات والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي) أنه فى «إطار الجهود الجارية لتعزيز حماية المدنيين والوصول الإنسانى، ووقف الأعمال العدائية فى السودان، التقت الوفود بممثلى (قوات الدعم السريع)، وشددت على الاحتياجات الإنسانية الملحة للشعب السودانى، وضرورة تنفيذ الالتزامات التى تم التعهد بها بموجب (إعلان جدة)، ويشمل ذلك مسئولية كلا الطرفين عن حماية المدنيين».
وحضّت «الدعمَ السريع» على «ضرورة السماح بالمرور الآمن، ومن دون عوائق، للمساعدات الإنسانية والعاملين فى جميع المناطق التى تسيطر عليها؛ لتوسيع إمكانية وصول المساعدات إلى 12 مليون سودانى عبر عدة ولايات».
وأعلنت الوفود اعتزامها مقابلة «وفد القوات المسلحة السودانية فور وصوله، أو الاتصال به بأى طريقة يختارها».
وكرر البيان دعوة الطرفين إلى «الالتزام بالقانون الإنسانى الدولى بحماية البنية التحتية المدنية؛ بما فى ذلك الجسور والطرق اللازمة لوصول المساعدات الإنسانية».
نقاط الخلاف
وقد تمت دعوة الحكومة السودانية لحضور اجتماع جنيف فى 18 يوليو الماضى، إلا أنه لم يتم الإعلان عن ذلك بشكل رسمى ، وأعربت الحكومة السودانية عن تحفظها على عدة نقاط، بما فى ذلك المسألة الشرعية المتعلقة بدعوة الفريق عبد الفتاح البرهان باعتباره رئيس مجلس السيادة وليس قائد الجيش. كما كان هناك شرط واضح بأن يتم توقيع الاتفاق من قبل الحكومة السودانية وليس الجيش السودانى.
فى هذا السياق، تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية بمرونة مع القضايا السودانية، وتراجعت عن موقفها الرسمى تجاه الحكومة السودانية، وتعاونت مع عبدالفتاح البرهان بصفته رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السودانى وتم التوصل إلى اتفاق حول الأجندة السودانية فى جنيف، وبالتالى فإن الاجتماع الذى عُقد فى جدة بداية أغسطس الجارى كان بين المبعوث الأمريكى ووفد من الحكومة السودانية وليس مع الجيش السودانى ومع ذلك، لم يسفر الاجتماع الأخير فى جدة عن اتفاق بشأن القضايا المطروحة من جانب وفد السودان.
لذا – وفقا للمحللين - اتخذت الحكومة السودانية قرارًا بعدم الذهاب إلى جنيف، وتأجيل اجتماع القاهرة لأجل غير مسمى استجابة لموافقة الإدارة الأمريكية على طلبات الحكومة السودانية، وضرورة التشاور بشأن تنفيذ اتفاق جدة الذى يتضمن حماية المدنيين وتلبية المطالب الإنسانية. فقد حول الدعم السريع الحرب من نزاع مسلح إلى حرب ضد المدنيين واحتلال المنازل، بالإضافة إلى عمليات التهجير الواسعة والتعدى على الممتلكات العامة.
اجتماع القاهرة كان سيبحث ورقة قدمتها الحكومة السودانية تتضمن آليات الجدول الزمنى لتنفيذ اتفاق جدة، كما كان سيمثل تراجعًا عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية السابق بشأن الدعوة إلى اجتماع جنيف.
مسار جدة
وتلتزم الحكومة السودانية بمسار جدة، وأن الاجتماعات فى القاهرة تتم تحت رعاية جدة وليس جنيف. وهناك دلالة على التوافق بين القاهرة والسودان وتداخل العلاقة بينهما. لذا، كان من المتوقع أن تسفر اجتماعات القاهرة عن وضع آلية لتنفيذ اتفاق جدة، كان على رأسها خروج الدعم السريع من الأحياء المدنية.
وتتنوع خسائر الحرب بين جوانب «اجتماعية وعسكرية وسياسية»، وتأتى الخسائر المادية فى المقدمة نتيجة التدمير المنهجى الذى طال المرافق العامة والمؤسسات الاقتصادية، بالإضافة إلى عمليات النهب الواسعة لموارد الدولة ومدخرات المواطنين، سواء كانت فى المصارف أو المنازل. كما توقف النشاط الاقتصادى فى السودان، الذى يتركز معظمه فى العاصمة الخرطوم، مما أثر سلباً على الصادرات والواردات للحكومة السودانية.
إعادة الاعمار
وستتطلب عملية إعادة إعمار السودان تكلفة كبيرة، ومن المؤكد أن السودان فقد مئات المليارات بسبب هذا العدوان الخارجى الذى نفذته الدعم السريع. كما أن التعليم فى البلاد تعرض لخسائر كبيرة حيث توقف نتيجة التفجيرات والتخريب الواسع لكافة المؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى أن القطاع الصحى قد دُمّر بشكل لم يسبق له مثيل.
بجانب ذلك، تأثيرات الحرب فى السودان على الدول المجاورة ملحوظة، خاصة أن السودان يحيط به مجموعة من الدول، مما يجعل الأمن القومى مرتبطًا بشكل كبير بالسودان. وبالتالى، فإن الدول المجاورة تتأثر سلبًا وإيجابًا بما يحدث داخل السودان. كما أن مخاطر انهيار الدولة السودانية ستؤدى إلى فقدان السيطرة المركزية، مما سيدفع البلاد إلى حالة من الفوضى، وهذا سيمثل تهديدًا أمنياً مباشراً على الدول المجاورة.