الأربعاء 9 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تحذيرات من أعمال شغب هل تنقذ الهدنة الأوليمبية «ماكرون» من سيناريوهات التصعيد السياسى والاقتصادى؟

بعد «هدنة» استمرت نحو أسبوعين بسبب ألعاب باريس الأوليمبية، تستعد الأوساط السياسية فى فرنسا لاستئناف معركة اختيار رئيس للوزراء ومفاوضات تشكيل حكومة جديدة، إذ من المرتقب أن تحث الرئيس إيمانويل ماكرون على تنفيذ وعده المقرر بحلول منتصف أغسطس، قبل افتتاح دورة الألعاب البارالمبية. ووفق مصدر وزارى فإن «الضغط الداخلى سيكون قويا جدا لأنه سيتحتم إقرار الموازنة» فى سبتمبر، فيما اعترف المعسكر الرئاسى بأن الفرنسيين يجب أن «يشعروا بأن أصواتهم تتحقق».



مع مرور الوقت، تتزايد الضغوط على ماكرون للإسراع فى تعيين رئيس وزراء جديد، إذ تنقل لوموند عن جاسبار جانتزر، المستشار السابق للرئيس فرانسوا هولاند، انتقادات حادة لتأخر ماكرون فى اتخاذ هذه الخطوة.

يقول جانتزر: «عدم تعيين رئيس وزراء فى أعقاب الاقتراع الذى عاقبه بشدة (ماكرون) هو شذوذ ديمقراطى، إنه يتصرف كما لو أن الانتخابات التشريعية لم تحدث، رغم أن الفرنسيين شاركوا فيها بكثافة».

ويضيف جانتزر: إن هذا التأخير «يعزز فكرة أن التصويت لا يجدى نفعًا، وأن المؤسسات لا فائدة منها»، وهو ما يمثل خطرًا على الديمقراطية الفرنسية على المدى الطويل.

 

 

 

وبعد الهدنة السياسية التى فرضت نفسها وكان يتمناها ماكرون، إذ نظمت فرنسا الألعاب الأوليمبية، فاستقبلت العالم وسط أجواء احتفالية وحصد رياضيوها مجموعة من الميداليات، يطفو من جديد إلى الواجهة الحديث عن ضرورة التعجيل بتشكيل حكومة طال انتظارها، إثر دورتى الانتخابات التشريعية المبكرة اللتين أجريتا فى 30 يونيو و7 يوليو وأفرزت نتائجهما ثلاث كتل بدون غالبية، ما بين تحالف يسارى تشكل بصورة مفاجئة تحت تسمية «الجبهة الوطنية الجديدة»، والكتلة الرئاسية المتحالفة مع اليمين الجمهورى، والتجمع الوطنى اليمينى المتطرف.

>سيناريوهات التصعيد

رسم محللون سياسيون فرنسيون، سيناريوهات محتملة للوضع السياسى فى بعد انتهاء أوليمبياد باريس الذى أعلن خلاله الرئيس الفرنسى إيمانويل هدنة سياسية لعملية اختيار رئيس حكومة، خلفًا لغابريال أتال.

وحذروا فى الوقت ذاته من تصاعد الأمور فى حال عدم تشكيل حكومة جديدة، إلى اندلاع احتجاجات وأعمال شغب من قبل اليسار المتطرف، واليمين المتطرف.

أستاذ العلوم السياسية الفرنسى برونو كورتريه قال «إن ماكرون قد فاز برهانه الأول»، وهو الهدنة الأوليمبية، مضيفًا، أنه راهن أيضًا على الجماعات السياسية التى وقفت فى طريق اليمين المتطرف، وفاز أيضًا فى قطع الطريق على حزب التجمع الوطنى (يمين متطرف) فى الحصول على الأغلبية المطلقة.

وأضاف كورتريه أن الفرنسيين كانوا غارقين خلال الفترة الماضية فى مغامرات الألعاب الأوليمبية، «لا أحد يتحدث عن السياسة، أو حكومة فرنسا المستقبلية، أو امتداد العنف فى الشرق الأوسط نحو اليمن ولبنان، أو مقاومة الأوكرانيين لضغوط الجيش الروسى».

وحذر كورتريه من أن تأخر ماكرون بعد الأوليمبياد فى تشكيل الحكومة قد يدفع اليسار المتطرف للخروج فى احتجاجات عنيفة تتخللها أعمال شغب وتخريب قد تجر البلاد إلى حرب أهلية.

وقال، إنه «بعد استبعاد فرضية لوسى كاستيتس، شرح ماكرون كيف يرى الطريق، كما أن مماطلته فى مرحلة ما بعد الانتخابات تعزز تلك الشكوك، بأنه لا يرغب فى تعيين رئيس للوزراء من اليسار، الذين حصلوا على 193 مقعدًا بعدما تحالفوا معه فى الانتخابات التشريعية بسياسة الانسحابات لتجنب تشتت الأصوات، حتى لا يحصل التجمع الوطنى على المزيد من الأصوات».

من جهته، قال الباحث السياسى الفرنسى، إيمانويل ريفييه، إن من بين السيناريوهات المقترحة، أن يدعو ماكرون كل من أسهم فى فشل اليمين المتطرف، ويطلب منهم الاتفاق على برنامج حكومى ائتلافى واسع، وفى مخيلته أن هذه الحكومة ستتمحور بالضرورة حول الأغلبية الرئاسية السابقة الممتدة نحو اليمين الوسطى لحزب الجمهوريين الذى حصل على (47 ​​مقعدًا) فقط، والذى يتودد إليه منذ سنوات. 

وأضاف: «لكن يجب علينا أيضًا إغراء جزء من اليسار الذى أسهم فى هزيمة اليمين المتطرف لصالح المعسكر الرئاسى للوصول إلى أغلبية فى الجمعية الوطنية»، محذرًا من أن مثل هذا التحالف المختلط لا يمكنه تلبية طموحات ماكرون السياسية، وسيهدم فى أول اختبار حقيقى بالتصويت فى البرلمان لأى إصلاح مستقبلى.

>حكومة تكنوقراط

أما السيناريو الثالث المحتمل، الذى طرحه الباحث السياسى الفرنسى، إيمانويل ريفييه، فهو حكومة فنية من الخبراء (تكنوقراط) «خبراء فى السياسة والاقتصاد بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية».

وأضاف: «علينا أن نتصور حكومة مكونة فقط  من شخصيات من المجتمع المدنى يمكنها أن تقترح سياسة معقولة تحت سلطة إيمانويل ماكرون».

ولفت إلى أن ذلك السيناريو أيضًا سيكون غير منطقى لأن الحكومة، حتى لو كانت غير سياسية، سيتعين عليها اتخاذ خيارات واتخاذ قرارات واقتراح ميزانية لعام 2025، وسيكون لهذه الميزانية بالضرورة لون سياسى، ربما نيوليبرالى، كما ستكون معرضة لسحب الثقة فى أى وقت لعدم وجود أى ثقل سياسى لها.

وتكشف لوموند عن ملامح الشخصية التى يبحث عنها ماكرون لمنصب رئيس الوزراء، إذ إن الأخير يريد شخصية «معترف بها» و«تتمتع بخبرة قوية فى شئون الدولة» و«محترمة على جميع مقاعد القوى الجمهورية». ومع ذلك، فإن خياراته محدودة بسبب رفضه تغيير سياساته الأساسية.

وقد أشارت الصحيفة إلى احتمال تعيين شخصية من اليمين، رغم أن حزب الجمهوريين حل رابعًا فى الانتخابات التشريعية ولا يملك سوى 47 نائبًا. هذا الخيار، إن تحقق، سيثير حفيظة اليسار الذى يرى أنه يتجاهل نتائج الانتخابات ورغبة الناخبين فى التغيير.

>التحديات الاقتصادية

بعيدًا عن التعقيدات السياسية، تواجه الحكومة الفرنسية القادمة تحديات اقتصادية عاجلة، فحسب لوموند، يتعين على فرنسا تقديم خطتها متوسطة المدى لتصحيح مسارها المالى إلى المفوضية الأوروبية بحلول 20 سبتمبر، بعد وضعها تحت إجراء العجز المفرط.

كما أن إعداد الميزانية يجب أن يكتمل بحلول نهاية سبتمبر لتقديمها إلى الجمعية الوطنية فى أوائل أكتوبر، ما يضع ضغوطًا إضافية على ماكرون للإسراع فى تشكيل حكومة قادرة على التعامل مع هذه الملفات الحساسة.

ورغم التحديات السياسية، يسعى ماكرون للاستفادة من النجاح الكبير للألعاب الأوليمبية فى تعزيز الوحدة الوطنية، إذ نقلت الصحيفة الفرنسية عن الرئيس الفرنسى قوله: «الفرنسيون أعادوا اكتشاف أنهم يستطيعون فعل أشياء عظيمة معًا»، مضيفًا أنه يريد «الاستفادة» من هذا النجاح.

ماكرون يحاول تقديم نموذج التعاون بين مختلف الأطراف السياسية فى تنظيم الألعاب الأوليمبية كمثال يمكن تكراره فى إدارة شئون البلاد، لكن المعارضة ترى فى هذا الخطاب محاولة لتجاهل نتائج الانتخابات والالتفاف على إرادة الناخبين.

وإن كانت حكومة غابريال أتال استمرت بعد الانتخابات لتصريف الأعمال، فمن المتوقع أن تدعو الأوساط السياسية ماكرون إلى تنفيذ وعده بتكليف رئيس وزراء تشكيل حكومة جديدة بحلول منتصف أغسطس، قبل افتتاح دورة الألعاب البارالمبية فى 28 منه.

فى هذا السياق، يقول الخبير السياسى ستيفان روزيس «فى بلد يشهد شرخا مثل فرنسا، الرياضة تقليد يسمح للأمة بأن تجد نفسها بدون وساطة سياسية» مضيفا «لكن سرعان ما سنصطدم بالواقع... المنبثق من الانتخابات».

وعشية الألعاب الأوليمبية، طرح اليسار اسم لوسى كاستيه لتولى رئاسة الحكومة، لكن ماكرون اعتبر أن الجمعية الوطنية لن تتأخر فى الإطاحة بحكومتها

>فترة تفكير

ويواصل الرئيس بالتالى مساعيه لتشكيل غالبية متينة حول الكتلة الوسطية محاولا ضم الاشتراكيين إليها، فى حين يتهمه خصومه برفض حكم صناديق الاقتراع.

ولم تتسرب أى معلومات فى باريس عن المشاورات الجارية واكتفى أحد المقربين من ماكرون بالقول إنه «ما زال يفكر».

وبعدما طرح عقد اجتماع لمجلس الوزراء الإثنين، أرجئ إلى وقت لاحق وعلق أحد أعضاء الحكومة «من يقول لكم إن لديه أصداء، فهو إما كاذب وإما متوهم».

>اتفاق حكومی

ولفت مصدر وزارى إلى أن «الضغط الداخلى سيكون قويا جدا لأنه سيتحتم إقرار الموازنة» فى سبتمبر، فيما اعترف المعسكر الرئاسى بأن الفرنسيين يجب أن «يشعروا بأن أصواتهم تتحقق». وتوقع البعض فى أوساط ماكرون صدور إعلان بحدود العشرين من أغسطس.

وترد أسماء وزراء سابقين، سواء من اليمين أمثال كزافييه برتران وميشال بارنييه وجان لوى بورلو، أو من اليسار المعتدل على غرار برنار كازنوف.

لكن إن كانت دول ديمقراطية أوروبية كثيرة تتعامل منذ عقود مع ائتلافات برلمانية هشّة، فإن فرنسا لم تنجح يوما فى ذلك.

ولا بد بالتالى أن يتمتع رئيس الحكومة المقبل بهيبة معنوية وخبرة سياسية، حتى يضطلع بمهمة تشكيل فريق متماسك وإبرام «اتفاق حكومى» من شأنه أن يقنع غالبية من النواب فى الجمعية الوطنية، ولو بشأن كل ملف على حدة.

تمكن ماكرون من الخروج لفترة وجيزة من المأزق السياسى الكبير الذى أثاره بحلّه الجمعية الوطنية، غير أن المراقبين يعتبرون أنه سرعان ما سيضطر إلى مواجهة الواقع المرير الذى نتج من أسوأ قرار اتخذه خلال ولايتيه الرئاسيتين.

ولم تبدل أجواء البهجة التى واكبت الألعاب، جوهر الوضع فى فرنسا.

ورأى خبير الرأى العام إيمانويل ريفيير أن «هذا يبدل الأجواء العامة، لكنه لا يبدل المعطيات السياسية. فالوضع لا يزال فى مأزق، ويشعر العديد من الناخبين بخيبة أمل.. الفرنسيون يبقون الواقع نصب أعينهم وما زالوا ناقمين على إيمانويل ماكرون».

هناك سابقة، حين استفاد الرئيس جاك شيراك عام 1998 من فوز المنتخب الفرنسى فى كأس العالم لكرة القدم فى باريس، فازدادت شعبيته بعشر نقاط مئوية متخطية 60 % من الآراء الإيجابية.

غير أن ماكرون لن تكون له هذه الفرصة، إذ كشف استطلاع للرأى أجراه معهد إيلاب فى أواخر يوليو أن ثقة الفرنسيين برئيسهم تقدمت نقطتين فقط إلى 27 %.

وقال مسئول فى المعسكر الرئاسى «سيكون هناك نوع من التسامح فى فترة ما بعد الأوليمبياد، لكنه لن يستمر طويلا»، مضيفا «إن كنا التقطنا صور سيلفى أمام المرجل الأوليمبى مع نصف باريس، فهذا لا يعنى أننا سنشكل فجأة ائتلافًا».