فى ظل تخوفات من التصعيد الإيرانى الإسرائيلى تساؤلات -ربما- بلا إجابات

آلاء شوقى
يحبس العالم أنفاسه بعدما أصبحت منطقة «الشرق الأوسط» قاب قوسين من الدخول فى مستقبل غامض، نتيجة التصعيد سريع الوتيرة، بدءاً من العدوان الإسرائيلى على «غزة» الذى يستمر منذ أكثر من 300 يوم، وصولاً إلى مقتل أرفع مسئول عسكرى فى «حزب الله»، «فؤاد شكر»، فى قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، ثم اغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة حماس «إسماعيل هنية» فى «إيران»، الأخيرة التى تواصل إطلاق وابل من التهديدات ضد «إسرائيل».
ولكن، إلى أى مدى يصل العداء بين الجانبين الإيرانى والإسرائيلي؟!
يتحدث العالم أجمع، وتحديداً الدول الغربية عن العداء العنيف بين إسرائيل و«إيران»؛ مستدلين بالتصريحات الإعلامية لمسئولى الجانبين.. ومع ذلك، هل يعد الطرفان فى الحقيقة أعداء؟
تساؤلات عديدة تشوب هذا الملف منذ بدء تعاملات الجانبين حتى الآن، إلا أنها تظل دون إجابة واحدة صريحة.
> الرد العسكرى المحدود
فى ظل التصعيد الأخير بين حزب الله وإسرائيل، بسبب العدوان على «غزة»، وجدت «إيران» نفسها فى موقف إحراج عدة مرات، بداية من الهجوم على القنصلية الإيرانية فى العاصمة السورية «دمشق»، وصولاً إلى اغتيال «هنية» فى قلب العاصمة «طهران».
فبعد اغتيال «هنية»، تعهد المرشد الأعلى الإيرانى «آية الله على خامنئي» بالانتقام لاغتيال «هنية»، الذى وقع بعد تنصيب الرئيس الإيرانى الجديد فى العاصمة؛ كما أعلنت «إيران» مراراً، عبر تصريحات مسئوليها- أن الرد على عملية اغتياله سوف يكون من خلال عمليات خاصة، وأشد صرامة وتهدف إلى غرس الندم العميق فى نفوس مرتكب الجريمة؛ إلا أنها أكدت - فى الوقت ذاته- أنها لا ترغب فى التصعيد؛ موضحة أن ما ستفعله سيكون فى إطار القوانين والأعراف الدولية.. دون توضيح المزيد من التفاصيل!!
يأتى ذلك، بعد أسابيع قليلة من قصف «إيران» للمرة الأولى فى التاريخ، صواريخ تنطلق مباشرة من الأراضى الإيرانية لاستهداف الأراضى الإسرائيلية؛ رداً على استهداف قنصليتها فى «دمشق»؛ وهو ما ردت عليه إسرارئيل بشن هجوم جوى على الأراضى الإيرانية، بصواريخ وطائرات مسيرة فى «أصفهان» وسط «إيران».
وقالت مصادر أمنية وحكومية إسرائيلية لصحيفة «جيروزاليم بوست» إن إسرائيل شنت الهجوم على إيران، لكنها لن تعلن مسئوليتها عنه «لأسباب استراتيجية»؛ موضحة أن ذلك جاء رداً على وابل إيرانى من الصواريخ والطائرات المسيرة التى أطلقت ضد إسرائيل.. وهو ما لم ترد عليه «إيران» حتى الآن، نافية من الأساس تعرضها لهجوم جوى مباشر!!
إن تلك الحادثة التى وقعت فى أبريل الماضى بين الطرفين، أثير حولها العديد من التساؤلات، ومنها لما لم ترد «طهران» على الضربات الإسرائيلية التى استهدفت «أصفهان»، وهو ما جاوب عليه وزير الخارجية الروسى «سيرجى لافروف»، إن «إيران» التى لا تسعى للرد على الهجوم، ولا تريد تصعيداً إضافياً مع إسرائيل!!
المثير للريبة أكثر، هى تصريحات وزير الخارجية الإيرانى «حسين أمير عبد اللهيان»، أن «طهران» أبلغت «واشنطن» أن الهجمات الإيرانية ضد إسرائيل ستكون محدودة وللدفاع عن النفس؛ موضحاً أنها لم تستهدف مواقع اقتصادية ولا مدنية؛ ومضيفاً أن «إيران» أبلغت «الولايات المتحدة» ودول المنطقة، قبل التنفيذ بـ48 ساعة!!
وهو ما يثير التساؤل الأهم: أليست الحرب خدعة؟
على كل، علقت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية بأن رد الفعل الخافت بعد الضربة الإسرائيلية من كلا البلدين يشير إلى أنهما يريدان تخفيف التوترات.. وذلك رغم تواصل لغة الوعيد والتهديد التى تسود المشهد بين الطرفين حتى الآن!
> العدوان على غزة
لطالما قدمت إيران نفسها علنياً كقوة إقليمية تدافع عن الفلسطينيين فى ظل استمرار الحرب فى قطاع غزة.. كما جاءت القضية الفلسطينية فى مقدمة اهتمامات أچندة السياسة الخارجية الإيرانية.
ومنذ اللحظات الأولى لبدء العدوان انتظر العالم التحركات الإيرانية لدعم القضية.. إلا ما حدث –ولا يزال- يعد غامضاً.
فعلى المستوى الداخلى لم تنشر الصحف الإيرانية جميعها فى 11 أكتوبر الماضى، ولا صورة واحدة عن دمار غزة والهجوم الإسرائيلى عليها، بل اكتفوا بجزء من خطاب «خامنئى» الذى أثنى فيه على المقاومة الفلسطينية، وأن ما حل بإسرائيل هى هزيمة لا يمكن ترميمها بأى شكل من الأشكال.
أما على المستوى الخارجى.. فكان تصعيد المسئولين الإيرانيين من تصريحاتهم العدائية حول العدوان الإسرائيلى على القطاع، وتهديداتهم بتوسيع الصراع ليشمل أطرافاً إقليمية أخرى، هو سيد الموقف فقط.
كما أكدت «طهران» –خلال تلك الفترة- أنها لم تشارك نهائياً فى أحداث السابع من أكتوبر، ولم تنخرط بأى شكل فى التخطيط والإعداد للعملية.
وعلى مدار أكثر من 300 يوم من العدوان والحصار الإسرائيلى للقطاع، لم تضرب إيران –كقوة حامية للفلسطينيين ومعادية لإسرائيل- قوات الاحتلال دفاعاً عن الفلسطينيين.
ورغم أن لإيران حق اختيار موقفها –وإن كانت بعكس ما تعلنه- إلا أن المثير للريبة، أنه فى ظل التحركات الدولية والجهود المضنية شرقاً وغرباً لتوصيل المساعدات الإنسانية لسكان القطاع بكافة الوسائل الممكنة، تكاد تذكر مساعدات «إيران» لهذا الشعب المكلوم!!
> علاقات خفية
رغم العداء الظاهر الذى تتبناه إيران لإسرائيل، والتراشق الإعلامى بينهما، وإبراز بعضهما البعض على أنهما أعداء، إلا أن العلاقات التاريخية بين الجمهورية الإيرانية وبين إسرائيل تشير إلى صورة غامضة وفقاً للعديد من التقارير الإعلامية وتصريحات بعض المسئولين.
فبين العديد من المواقف الدولية، كانت حرب العراق وإيران ساحة خصبة للعديد من الأقاويل الإسرائيلية التى أشارت لوجود علاقات بين تل أبيب وطهران.. إذ عقد وزير الخارجية الإسرائيلى سابقاً «موشى دايان» مؤتمراً صحفياً حث فيه «الولايات المتحدة» على دعم «إيران» فى حربها ضد «العراق».
وعندما علمت إسرائيل حينها- بحاجة «إيران» للدعم العسكري، فأبلغها بإمكانية دعمها عسكرياً وتحسين العلاقات بينها وبين الحكومة الأمريكية، وهو ما رحبت به إيران.. ومن ثم تحسنت العلاقات الدبلوماسية السرية بينهما عبر وسطاء.
ويقال إنه حينها اجتمع مساعد وزير الدفاع الإسرائيلى مع عدد من المسئولين الإيرانيين فى «باريس»، وجرى الاتفاق بينهما على إمداد «إيران» بالأسلحة اللازمة، مقابل تعهد الحكومة الإيرانية بعدم المساس باليهود هناك وتسهيل خروجهم إذا ما رغبوا فى ذلك.
كما أشارت تقارير إعلامية أخرى، أنه مع اشتداد الحرب، وجدت «إيران» أنها بحاجة ماسة لمزيد من السلاح.. وعليه، اجتمع مجلس الشورى الإيرانى فى 26 نوفمبر 1981، وأصدر قرارًا بشراء السلاح من إسرائيل بنحو 200 مليون دولار.. فيما استغلت إسرائيل الحرب للحيلولة دون امتلاك «العراق» أى أسلحة نوويةـ وقامت فى يونيو 1981 بقصف المفاعل النووى العراقى «أوزيراك».
بدورها، زعمت صحيفة «صنداى» البريطانية أن إسرائيل استعانت بصور فوتوغرافية، وخرائط إيرانية للمنشآت النووية العراقية!!
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فخلال زيارة وزير دفاع جيش الاحتلال الإسرائيلى «شارون» للولايات المتحدة فى مايو 1982، أكد أن إسرائيل صدرت لإيران أسلحة بقيمة ملايين الدولارات، كما أدلى بتصريحات صحفية أكد فيها أن «إيران» تعد صديقًا استراتيجيًا لإسرائيل على الرغم من كراهية «الخميني» لها؛ وهو ما نفاه الأخير، واصفاً تلك التصريحات بالادعاءات.
وفى الوقت الذى تؤكد فيه «إيران» طى صفحات الماضى، وتغيير سياستها منذ السبعينيات–وهو ما يظهر جلياً فى التصريحات النارية لكبار المسئولين- إلا أن هناك العديد من الأسئلة التى لا تزال تحتاج لإجابة، ومنها:
ألم ترفع «إيران» منذ السبعينيات حتى الآن، شعار «محاربة الشيطان الأكبر»، فى وصف للولايات المتحدة وكل الجهات المتحالفة معها؛ ألم تكن إسرائيل على رأس قائمة الجهات؟؛
أين شعار تحرير القدس، وإغراق الصهاينة بالماء، الذى تبناه الإيرانيون الجدد؟؛
لماذا لم تتخذ «الولايات المتحدة»، وإسرائيل حذرهم من التهديدات الإيرانية طوال تلك المدة، او شن ضربات استباقية مثلما حدث فى مناطق أخرى؟؛
كيف نشأ ذراع عسكرى إيرانى عسكرى على حدود الاحتلال الإسرائيلى فى فترة قصيرة فى ظل تمتع «الولايات المتحدة» وإسرائيل بأقمار اصطناعية ترصد كل كبيرة وصغيرة فى المنطقة؟؛
لما سمحت الغرب بدخول تلك الأذرع العسكرية إلى دول أخرى مجاورة؟.