«فوبيا» غير مبررة أم عنصرية؟ المهاجرون واللاجئون «مطاريد» أوروبا!

مرڤت الحطيم
حطم محتجون مناهضون للهجرة نوافذ فنادق وأشعلوا النيران فى صناديق قمامة فى شمال إنجلترا فى أحدث موجة من الاضطرابات التى تمثل اختبارا كبيرا لحكومة رئيس الوزراء الجديد كير ستارمر؛ واندلعت احتجاجات عنيفة شارك فيها مئات المناهضين للهجرة فى مدن بجميع أنحاء بريطانيا؛ وسوف تطلق وزارة الخارجية والتنمية البريطانية حزمة تمويل تبلغ 84 مليون جنيه إسترلينى على مدار السنوات الثلاث القادمة لمعالجة العوامل التى تدفع بالناس إلى الهجرة غير الشرعية لإنشاء مشاريع فى أنحاء إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط لمعالجة الأسباب التى تدفع الناس إلى الفرار من أوطانهم؛ كما أعلن عن خطط للعمل مع الشركاء الأوروبيين ودول الجنوب العالمى للتصدى للهجرة غير الشرعية فى مصدرها؛ منها خطط جديدة تستند إلى التزامات الحكومة الواردة فى بيانها الانتخابى للقضاء على العصابات الإجرامية، وتأمين حدود المملكة المتحدة، وحماية المعرضين لخطر الاستغلال.
ففى كلمته فى قمة المجموعة السياسية الأوروبية وهو أكبر اجتماع منذ عقود تستضيف فيه المملكة المتحدة الزعماء الأوروبيين والذى عقد فى 18 يوليو الماضى، دعا رئيس الوزراء كير ستارمر الزعماء لاتخاذ مقاربة دولية لمعالجة أزمة الهجرة غير الشرعية المتنامية، حيث أعلن عن خطط للعمل مع الشركاء الأوروبيين ودول الجنوب العالمى لمعالجة دوافع القادمين على القوارب الصغيرة؛ إذ يهاجر ملايين الأشخاص كل سنة بسبب النزاع وتغير المناخ والأزمات الإنسانية، وهو ما يفرض أعباء على كاهل المجتمعات المضيفة ويجعل المحتاجين لمساعدة عرضة لمخاطر الاستغلال. وسوف يدعم التمويل مشاريع فى أنحاء إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط لتحسين مستوى التعليم، وزيادة فرص العمل، إلى جانب إطلاق مبادرات تساعد فى بناء القدرة على مجابهة الصدمات العالمية، مثل النزاع وتغير المناخ، وهما سببان من بين الأسباب المؤدية إلى الهجرة غير الشرعية. وقد حضر القمة 45 زعيما أوروبيا لبحث بعض من المسائل الجيلية الأكثر إلحاحا التى تواجهها أوروبا بداية بالحرب فى أوكرانيا، ووصولا للهجرة غير الشرعية والتعاون الأمنى باعتبارها جزءا من تجديد الحكومة لعلاقاتها الأوروبية؛ كما أعلن رئيس الوزراء عن مبادرات جديدة مع سلوڤينيا وسلوڤاكيا للتصدى للجريمة المنظمة الخطيرة، ووقف العصابات التى تتربح من عدم الاستقرار فى العالم؛ وهذه الاتفاقات سوف تتيح تعزيز التعاون بين أجهزة إنفاذ القانون، وتساعد فى ترسيخ الأمن فى المملكة المتحدة فى مواجهة الإرهاب العابر للحدود والجريمة الخطيرة والمنظمة وتهريب الأشخاص.

وقال وزير الخارجية البريطانى ديڤيد لامى إذا كنا نريد التصدى للأزمة المتفاقمة للهجرة، فلا بد من معالجة الأسباب التى تدفع بالأشخاص إلى الفرار من أوطانهم، والمخاطرة بالقيام برحلات خطيرة للوصول إلى المملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى؛ وحزمة التمويل التى سنقدمها البالغة 84 مليون جنيه إسترلينى سوف ترتقى بمستوى التعليم، وتعزز فرص العمل، وتبنى القدرة على مجابهة مخاطر النزاع وتغير المناخ فى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بهدف خفض أعداد المهاجرين وفى نفس الوقت تحسين حياة الأشخاص الأكثر حاجة للمساعدة بالعالم. وجمعت هذه القمة نظراءنا الأوروبيين الرئيسيين باعتبارها خطوة نحو تجديد علاقاتنا معهم وهى لا تقتصر على التصدى للهجرة غير الشرعية، بل أيضا لمجابهة التحديات المشتركة الأخرى، بما فى ذلك تعزيز التعاون الأمنى ومواصلة الدعم لأوكرانيا فى مواجهة العدوان الروسى؛ من بين ما سوف يركز عليه عمل المملكة المتحدة فى المستقبل رفع مستوى الفرص طويلة الأجل للأشخاص فى المنطقة المحيطة ببلدانهم، بمساعدتهم فى الحصول على التعليم وفرص العمل. وأضاف سنقدم برامج جديدة لمساعدة اللاجئين السوريين فى الأردن ولبنان للالتحاق بالتعليم، وتحسين مهاراتهم، والعثور على فرص عمل، لثنيهم عن السفر من هذين البلدين إلى دول أخرى؛ وستساعد هذه المبادرات فى تعزيز الالتزامات التى تعهدت بها المملكة المتحدة أمام المنتدى العالمى للاجئين لمفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين الذى عقد فى ديسمبر الماضى لضمان تمكين الأطفال اللاجئين من الالتحاق بالتعليم، وهو ما يحسن سبل العيش ويقلل التهميش ومخاطر التعرض للأذى.
فى الوقت نفسه، فإن تخصيص تمويل لمنطقة شمال وشرق إفريقيا بما فى ذلك لبرنامج إدارة إقليمية أفضل للهجرة، سيساعد المهاجرين لسد الفجوات المحلية فى المهارات، بينما يضمن حماية حقوقهم. وفرص مساهمة الأفراد بشكل إيجابى فى اقتصادهم المحلى يمكن أن تساعدهم فى تحسين اندماجهم فى المجتمع، وأن تثنيهم عن السفر فى المستقبل من خلال طرق خطرة بحثا عن فرص فى أماكن أخرى. كما ستقدم معونات إنسانية إلى المجتمعات المحلية المتضررة من النزاع، باعتبارها جزءا من الحزمة المعلن عنها؛ وذلك يتضمن تخصيص التمويل لتوفير الغذاء والمياه والمأوى والتدخلات الصحية لما يزيد على 210.000 شخص فى السودان، حيث نزح أكثر من 8.7 مليون شخص بسبب النزاع. كما ستقدم المساعدة إلى اللاجئين السودانيين فى شرق تشاد، التى تستضيف حاليا أعدادا منهم أكبر من أى بلد آخر. هذه المساعدات تمثل ضرورة بالغة الأهمية، علاوة على أنها ستساعد أيضا الأشخاص على البقاء فى المنطقة المحيطة ببلدانهم كى يتسنى لهم العودة إلى أوطانهم عندما تسمح لهم الأوضاع بذلك.
وستزيد أيضا المملكة المتحدة حجم التمويل الذى تخصصه لعدد من المنظمات متعددة الأطراف لمساعدة الحكومات التى تستضيف أعدادا هائلة من اللاجئين، ولتعزيز قدرة الدول المعرضة لآثار تغير المناخ والكوارث الطبيعية على مجابهتها. ستساهم أيضا المملكة المتحدة بتمويل يصل إلى مليونى جنيه إسترلينى لمساعدة العمل التى تؤديه المنظمة الدولية للهجرة فى ليبيا، بما فى ذلك للعودة الطوعية فى الحالات الإنسانية. إذ تساعد المبادرة المهاجرين المعرضين للخطر فى ليبيا للعودة إلى بلدانهم، ومعاودة الاندماج فى مجتمعاتهم المحلية بما يضمن لهم الأمان والكرامة. هذا المشروع يلقى أيضا دعما من الاتحاد الأوروبى وتؤيده إيطاليا من خلال عملية روما.

ومبلغ التمويل البالغ 84 مليون جنيه إسترلينى المخصص من الميزانيات الحالية للمساعدة الإنمائية الرسمية يتضمن 13 مليون جنيه للتوسع فى برامج الهجرة من أجل التنمية فى شمال وشرق إفريقيا؛ و21 مليون جنيه للدعم متعدد الأطراف للدول المضيفة ودول المرور الرئيسية بما فيها ليبيا وإثيوبيا ومصر وتشاد؛ و26 مليون جنيه لبرامج فى أنحاء الشرق الأوسط والمنطقة الأوسع نطاقا لمساعدة اللاجئين السوريين؛ و24 مليون جنيه من التمويل المباشر لمساعدة المجتمعات المحلية فى السودان وتشاد وإثيوبيا؛ إضافة إلى ذلك، سوف يخصص ما يبلغ مليونى جنيه إسترلينى لدعم عمل المنظمة الدولية للهجرة فى ليبيا.
وتتراكم طلبات اللجوء فى بريطانيا والهجرة؛ حيث سجلت تراكم قياسى لطلبات اللجوء والذى تخطى حاجز 130 ألف طلب حتى بداية عام 2023، حيث تلقت المملكة المتحدة ما يقرب من 75 ألف طلب لجوء عام 2022 فقط، وهو يمثل أعلى رقم منذ عام 2002. ومنذ بداية عام 2023 حتى يونيو 2023 رصد عبور أكثر من 10 آلاف مهاجر قناة المانش على متن زوارق صغيرة؛ وأشارت الداخلية البريطانية فى تقريرها الصادر فى 24 فبراير 2023، وصول أكثر من 45 ألف مهاجر على متن قوارب صغيرة إلى سواحل جنوب شرق إنجلترا عام 2022، فى زيادة سنوية نسبتها 60 % على الطريق المحفوف بالمخاطر الذى يستخدم بشكل متزايد منذ عام 2018. وقد تمركزت طلبات اللجوء حول عشرة دول تتقدمهم ألبانيا، ويليها بالترتيب أفغانستان وإيران والعراق وسوريا وبنجلاديش وإريتريا، والسودان، والهند، وباكستان.
وتعتبر إيطاليا الأكثر تضررا من الأزمة، حيث حتى يوم 23 أغسطس 2023 وصل 105 آلاف و909 مهاجرين إلى إيطاليا بحرا، وفقا لما ذكرته وزارة الداخلية الإيطالية مقارنة ب51 ألفا و328 فى نفس الفترة فى عام 2022 ومنذ بداية العام الحالى 2024 وصل أكثر من 12 ألف قاصر غير مصحوبين لإيطاليا كما قالت صحيفة الجورنال الايطالية. وكانت الحكومة الإيطالية أعلنت حالة الطوارئ فى أبريل الماضى لمدة 6 أشهر، بسبب ارتفاع أعداد المهاجرين. أما فى إسبانيا، فقد شهد وصول المهاجرين غير الشرعيين إلى إسبانيا، غالبيتهم عن طريق البحر فى قوارب غير مستقرة، زيادة طفيفة فى شهرى يوليو وأغسطس، حيث وصل إلى 21780 حتى الآن هذا العام 2024، وفقا للبيانات الرسمية.
وفى إسبانيا يظهر تقرير صادر عن وزارة الداخلية أنه من بين العدد الإجمالى للمهاجرين غير الشرعيين الذين تم إحصاؤهم فى الفترة من 1 يناير إلى 31 أغسطس 2023 وصل 21.025 على متن مراكب غير مستقرة. منهم 8770 بين يوليو وأغسطس. ويمثل هذا الرقم زيادة بنسبة 22.5 % عن الفترة من يناير إلى أغسطس 2023 عندما وصل 17170 مهاجرا إلى السواحل الإسبانية بشكل غير نظامى. وحتى شهر يوليو، كان الاتجاه تنازليا فى وصول القوارب، لكنه انكسر فى الأسبوعين الأولين من ذلك الشهر وكان يتزايد، خاصة فى أغسطس 2023 بأكثر من 5000. وسجلت جزر الكنارى أكبر عدد من الوافدين حيث بلغ 11.439 شخصا، أى أكثر بنسبة 7.5%، على الرغم من أن الزيادة بالنسبة المئوية كانت أكبر من 48 % فى أرخبيل جزر البليار المتوسطى وسواحل البر الرئيسى لإسبانيا. أما الباقى فيتعلق بالوافدين إلى سبتة ومليلية، المدينتين الإسبانيتين فى شمال إفريقيا.
وأعلنت الشرطة الإسبانية خلال الشهر الماضى يوليو تفكيك شبكة من المهربين أدخلت ألف مهاجر جزائرى وسورى إلى إسبانيا من الجزائر، ونقلتهم إلى دول أوروبية مقابل مبلغ وصل إلى 21 ألفا و700 دولار أمريكى للشخص الواحد. وقالت الشرطة الإسبانية فى بيان على صفحتها على منصة إكس إن الشبكة الإجرامية مسئولة عن الدخول غير القانونى إلى إسبانيا بواسطة قوارب سريعة مستأجرة وقادمة من الجزائر، لأكثر من 750 مهاجرا من سوريا و250 مهاجرا من الجزائر؛ وشاركت فى العملية، إضافة إلى الشرطة الإسبانية، وكالة يوروبول (الشرطة الأوروبية)، ونجحت فى القبض على 21 شخصا فى العاصمة الإسبانية مدريد، وفى إقليم الأندلس الواقع جنوب إسبانيا حيث وصلت قوارب المهاجرين غير الشرعيين، وفى إقليم الباسك شمال البلاد والواقع على الحدود مع الجارة فرنسا. وأضافت الشرطة فى بيانها أن الشبكة التى يعتقد أنها حققت أرباحا تقدر بـ1.6 مليون دولار، كانت توفر للمهاجرين غير الشرعيين مساكن للإقامة فى إسبانيا، وجوازات سفر مزورة وتذاكر طيران، وحافلات، وقطارات قبل تنظيم نقلهم إلى دول التكتل. وأشارت الشرطة إلى أن المجموعة الإجرامية تملك فرعا لها يقع مقره فى مدينة وهران غرب الجزائر مكلفا بإرسال المهاجرين غير الشرعيين على متن قوارب سريعة. ووصل المهاجرون الجزائريون والسوريون إلى السواحل الإسبانية ليلا حيث كان فى استقبالهم أعضاء الشبكة الإجرامية لتهريب البشر.
وفى هولندا قدرت السلطات فى 20 يناير 2023 وجود حوالى 220 ألف طالب لجوء ومهاجر يقيمون فى مساكن مؤقتة، حيث توافدت أغلب هذه الأعداد منذ بداية 2022 واستقبلت هولندا حوالى 47 ألف طالب لجوء العام الماضى من بينهم 25 ألف لاجئ أوكرانى؛ وتسببت الهجرة الوافدة إلى هولندا فى زيادة عدد سكانها، وأشارت هيئة الإحصاء الهولندية CBS فى 8 يونيو 2023 إلى زيادة سكان هولندا فى الربع الأول من 2023 بمقدار حوالى 27500 شخص لذا من المتوقع أن يصل عدد سكان هولندا إلى 20 مليون شخص بحلول 2056. كما رصدت السلطات الهولندية فى 29 يناير 2022، وجود نحو 3000 مهاجر وطالب لجوء بلا مأوى أو فى أماكن إقامة مؤقتة، مما تسبب فى ظهور حالات إصابة بأمراض معدية بين المهاجرين فى الشوارع. ولاحقا أعلنت هولندا فى 26 أغسطس 2022، وفاة رضيع فى صالة مخصصة لاستقبال طالبى اللجوء بمركز تير أبيل ويتواجد حوالى 700 شخص فى الشوارع بالقرب من هذا المركز.
أما فرنسا فتعتبر الدولة الأكثر عنفا فى الاتحاد الأوروبى، مع وقوع 1000 جريمة قتل سنويا و100 هجوم بالسكاكين يوميا ولذلك فهناك مخاوف من أن ارتفاع نسبة المهاجرين فى البلاد يزيد من عمليات العنف. وتظاهر الكثيرون من اللاجئين فى باريس وعدد من المدن الفرنسية، احتجاجا على التغييرات المرتقبة فى قانون الهجرة الفرنسى، وعملية طرد المهاجرين من جزيرة مايوت فى المحيط الهندى. وفى باريس، سار المتظاهرون خلف لافتة كتب فيها لا لقانون دارمانان. ضد القمع والسجن والترحيل، فى إشارة إلى وزير الداخلية جيرالد دارمانان.