البداية.. لم تكن من العدوان الإسرائيلى فى 7 أكتوبر.. خدعوك فقالوا اقتراب حرب عالمية ثالثة
آلاء شوقى
أحداث سريعة متتالية، تتصاعد ساعة تلو الأخرى، بسبب جماح الاحتلال الإسرائيلى المستعر فى المنطقة، لمحاولة إخفاء فشله فى تحقيق أهدافه فى قطاع «غزة» المكلوم، رغم استهدافه عشرات الآلاف من الفلسطينيين فى حرب إبادة جماعية تخالف جميع القوانين والأعراف الدولية والإنسانية.
تساؤل أول
من ناحية أخرى، يسود المشهد تساؤل مثير للريبة، وهو لماذا لا يكبح الغرب -وتحديدًا «الولايات المتحدة»- عدوان الاحتلال الغاشم؟!
ولعل الإجابة الأكثر تداولًا هى -بالطبع- أن «الولايات المتحدة، وإسرائيل» حلفاء.. ورغم صحة الإجابة، فإنها قد لا تكون شاملة للمشهد.
فقبل أى شيء لن تسمح «واشنطن» لنفسها بالتورط فى حرب عسكرية مفتوحة مثلما تشير بعض الصحف الغربية، بأن الاحتلال الإسرائيلى يورط «الولايات المتحدة» فى مواجهات عسكرية، وهو ما ادعاه تقرير فى مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية، بأن الدفاع عن إسرائيل يزيد من أعباء الجيش الأمريكى، ويؤثر على أولوياته فى جبهات أخرى، مشيرًا إلى إرسال «الولايات المتحدة» حاملة الطائرات «لينكولن»، التى كانت من المقرر أن تغطى المحيطين الهندى والهادئ، إلى المنطقة بعد التصعيد الأخير.
بصورة أبسط، إن رغبة «الولايات المتحدة» فى التهدئة ووقف إطلاق النار ومنع التصعيد، أو رغبتها فى خوض بعض المواجهات العسكرية، أمر يخص صناع السياسية والقرار الأمريكى فقط، وذلك لحسابات تخص الأمن القومى الأمريكى فى الأساس، وليس رغبة فى الدفاع عن طرف آخر.
تساؤل ثانٍ
يبقى التساؤل الأكثر حيرة، لماذا قد ترغب «واشنطن» فى إبقاء المنطقة مشتعلة؟ وهنا، تتوارد الإجابة الأكثر شيوعًا، وهى تحقيق بعض المكاسب، وهى إجابة صحيحة أخرى؛ ولكنها منقوصة بشأن طبيعة تلك المكاسب.
فبعيدًا عن تفاصيل المكاسب الصغيرة، صارت هناك أولوية مختلفة بالنسبة للغرب، وهى الحفاظ على موطئ قدم فى منطقة «الشرق الأوسط» لتصبح منطقة نفوذ غربية بحتة، بعد أن اكتشفت الدول الغربية -بقيادة «الولايات المتحدة»- تراجع نفوذها الدولى، أمام صعود لاعبين آخرين على الساحة الدولية، وتحديدًا «روسيا»، و«الصين»، ما أدى لتغير الأجواء الجيوسياسية بسرعة إلى أجواء قاتمة، لتسفر عن بدء حرب عالمية ثالثة من الناحية الاقتصادية، والسيبرانية، والتكنولوجية.. والأهم، الحروب بالوكالة.
ولعل الحروب بالوكالة، هى كلمة السر فيما يحدث فى المنطقة بين الدول الكبرى.
حرب بالوكالة
فى وقت ترفض فيه الدول الكبرى المواجهات العسكرية المباشرة، أو ترغب فى تأجيلها، لعدم تأجيج الأوضاع التى قد تخرج عن نطاق السيطرة، تمثل الحروب بالوكالة بديلًا لرغبات الدول الكبرى لفرض واقع جديد، عبر استخدام دول أو مجموعات أصغر حجمًا؛ عبر تقديم الدعم القوى لتلك المجموعات، وتجهيزها، وتمويلها فى الحرب.
وقبل الحديث عن منطقة «الشرق الأوسط» من الضرورى الإشارة إلى جبهتين أخريين اشتعلت فيهما المنافسة بين الدول الكبرى، وهى «أوكرانيا»، و«تايوان».
بالنسبة لتايوان، التى تدعمها «الولايات المتحدة» فى مواجهة «الصين» فهى نقطة شرارة لمواجهة عسكرية مباشرة بين «واشنطن»، و«بكين»، حال إعلان «تايبيه» انفصالها الرسمى عن «الصين»، رغم أنها لم تلتزم -فى المقابل- بإعادة التوحيد معها.
أما «أوكرانيا» الساحة المفضلة لحلف شمال الأطلسى (ناتو) لأنها تعد وكيلا للغرب، لمواجهة «روسيا»، والتى أنفقت «الولايات المتحدة» مليارات الدولارات للتدخل فى شئون «كييف»، فوصل الصراع فيها إلى منعطف خطير، مع اكتساب «روسيا» المزيد من الأراضى الأوكرانية بشكل مطرد؛ بالتزامن مع تعثر بعض التمويلات الأمريكية؛ فى ظل ضجر المواطنين الأمريكيين والأوروبيين -على حد سواء- من الحرب على نحو متزايد، وارتفاع معدلات التضخم، وتصاعد أزمة تكلفة المعيشة فى دولهم، وهو ما أدى إلى اكتشاف الغرب أنه من الصعب فعل المزيد لتغيير الأمور فى «أوكرانيا»، خاصة فى ظل تأكيد الروس أن التدخل الغربى المباشر، سيُعتبر بمثابة إعلان حرب مفتوحة، مما قد يؤدى إلى تبادلات نووية، إلى جانب تأكيد الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، أن بلاده ستبدأ فى توريد الأسلحة إلى الدول المتنازعة مع «الولايات المتحدة».
وبشكل أكثر وضوحًا، لم يعد فى مقدور الجانب الأمريكى -فى الوقت الحالي- سوى التدخل بشكل مباشر فى ساحتى «تايوان»، و«أوكرانيا»، وهو ما لا يرغب فيه الجيش الأمريكى، لأن «الصين»، «وروسيا»، هما الدولتان الوحيدتان اللتان تمتلكان ترسانات نووية متطورة بما يكفى لمنافسة «الولايات المتحدة» على قمة سلم التصعيد العسكرى
ومن هنا، يركز (الغرب) دائرة الضوء على منطقة «الشرق الأوسط» المشتعلة، لبسط نفوذه أمام القوى الشرقية الصاعدة، الأخيرة التى لم تتمتع بعد بالسيطرة على مجريات الأحداث فى المنطقة.
ويعد الهدف من رغبة (الغرب) فى بسط نفوذه فى المنطقة، هو موازنة القوى فى عالم متعدد الأقطاب، بعد اكتشافه صعوبة السيطرة على المناطق الشرقية من العالم والشمالية.
وعليه، قد يصير الوضع فى «الشرق الأوسط» أسوأ كثيرًا، لتصبح المنطقة ثالث حرب بالوكالة فى الحرب العالمية الثالثة المندلعة بالفعل، عبر محاولات الغرب، وتحديدًا «الولايات المتحدة» بمحاولة أخيرة لإحباط ظهور النظام العالمى متعدد الأقطاب، والحفاظ على النظام العالمى الذى تقوده «واشنطن» فى منطقة «الشرق الأوسط».
ولعل أحد الدلائل التى يمكن الاستشهاد بها فى هذا الصدد، هو قيام جماعات مسلحة عراقية -بشكل مفاجئ- بالتدخل فى التصعيد الأخير الذى يؤججه الاحتلال الإسرائيلى فى المنطقة، عبر ضرب أهداف أمريكية، بذريعة أنها تدعم إسرائيل؛ وذلك بعد أيام قليلة من مباحثات بين «بغداد»، و«واشنطن»، تهدف إلى إخراج (قوات التحالف الدولى بقيادة «الولايات المتحدة») من الأراضى العراقية، بسبب انتهاء الحجة الأمريكية لتواجدها، وهى (الحرب على الإرهاب)، لتعود الجماعات المسلحة فى «العراق» من جديد إلى الساحة فى هذا الوقت الحرج!!
كما يعد التصعيد الأخير بين الجماعات الموالية لإيران وإسرائيل، ذريعة أخرى لبقاء القوات الغربية فى المنطقة، من أجل حماية أمن إسرائيل.
باختصار.. يبدو أن (الغرب) اكتشف أن الحروب بالوكالة فى «أوكرانيا»، و«تايوان» من المرجح أن تنتهى لصالح المعسكر الشرقى، ولهذا السبب قد يسعى المعسر الغربى فى القيام بمحاولة أخيرة لإحباط ظهور النظام العالمى متعدد الأقطاب، والحفاظ على النظام العالمى الذى تقوده «الولايات المتحدة» فى «الشرق الأوسط».
تحديات أمام الغرب فى الشرق الأوسط
رغم الطموح الغربى الواسع فى منطقة «الشرق الأوسط»، فإن عقلية الحروب الغربية تواجه معضلة كبيرة فى المنطقة، ومنها، أن «الشرق الأوسط» يمثل أكثر من %35 من سوق النفط العالمية، و%18 من سوق الغاز الطبيعى، ما يعنى أن الفوضى واسعة النطاق فى هذه المنطقة، تعنى أزمة اقتصادية على نطاق، قد تكون الأولى منذ عقود.
كما أن نحو %30 من إجمالى صادرات النفط تمر عبر مضيق «هرمز»، وهو ممر ضيق تستطيع دولة مثل «إيران» أن تغلقه بسهولة لفترة، ومن شأن إغراق بضع سفن فى المضيق، أن يعوق حركة سفن الشحن وناقلات النفط.
ورغم عدم احتمالية أن تتورط «إيران» فى حرب مع (الغرب)، فإن مضيق «هرمز» إحدى ورقات الضغط، وذلك إلى جانب الاتفاقيات الدفاعية المشتركة مع حكومات متعددة فى المنطقة، بما فى ذلك: «لبنان، وسوريا»، إلى جانب روابطها العسكرية مع «روسيا».
وفيما يخص الأزمة الثانية التى تواجه الغرب، هى عدم سماح بعض دول المنطقة أن تكون طرفًا فى الأزمة المشتعلة، فيما ستمنع الدول الأخرى استخدام أراضيها للقوات الأجنبية، من أجل مساعدة إسرائيل.
بعبارة أخرى، يمكن القول إنه إذا اندلعت حرب أوسع نطاقًا، فلن تنتهى بسهولة وفى وقت وجيز، لأن عواقبها الوخيمة ستنعكس على العالم أجمع، لأنها تدور فى الأساس بين مجموعتين جيوسياسيتين مختلفتين لكل منهما نفوذه.
فى النهاية.. يمكن القول، إنه على الرغم من أن التصعيد الأخير فى المنطقة لا يعد نقطة انطلاق لحرب عالمية -لأنها بدأت بصورة مختلفة عن الحربين السابقتين منذ فترة- فإنها قد تكون ساحة حاسمة تحدد من يفوز، ومن يتمكن من تشكيل النظام العالمى الجديد.. وذلك حال عدم احتواء هذا التصعيد.