الإثنين 9 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
هل عــــاد فرسان الهيكل للانتقام من فرنسا؟

فك شفرة حفل أولمبياد باريس 2024

هل عــــاد فرسان الهيكل للانتقام من فرنسا؟

ما كان يقال همسًا أو يتم السخرية منه أصبح اليوم علنًا، نصب الغرب سيرك الصوابية السياسية بوجه العالم أجمع يوم الجمعة 26 يوليو 2024 بحفل افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية أولمبياد باريس 2024، ووضع الغرب العالم أجمع أمام الأمر الواقع.



منذ أولمبياد لندن 2012 قررت تلك الدوائر التى تحكم الغرب أن يصبح استغلال الأوساط الرياضية لنشر أفكار الصوابية علنًا، أصبح لزامًا على كل رياضى ناجح حتى يجد الرعاة أو عقود الإعلانات أن يشهر قبضة الإلحاد أو يضرب وشمًا من ثقافة عبدة الشيطان، أو يدعم حقوق الشواذ والمخنثين وهستيريا التحول الجنسى أو اللاجنسانية وغيرها من أفكار الصوابية السياسية التى أصبحت المذهب الفكرى الحقيقى لنظام العولمة.

الصوابية السياسية كانت ابتكارًا يساريًا فى بادئ الأمر، يتعلق بتحويل موبقات الإنسان المعاصر الأخلاقية والجنسية إلى طوائف جندارية معارضة، تسييس الشذوذ والسحاق وتعاطى المخدرات والبيدوفيليا وغيرها، ومع التقارب الذى جرى بين اليسار والليبراليين فى الغرب فى سبعينيات القرن العشرين وصولًا إلى الائتلاف بين اليمين المحافظ والليبراليين والاشتراكيين والخضر فى بوتقة واحدة تسمى اليوم بـ«النيوليبرالية» أو الليبرالية الجديدة بوجه اليمين القومى، فإن أيديولوجيا الصوابية انتقلت من خانة اليسار إلى خانة النيوليبرالية، والفكر الذى أنتج فى مختبر اليسار الفكرى أصبح اليوم هو الفكر الذى تروج له العولمة.

والمطلوب هو القضاء على كل أنماط الانتماء، الانتماء للوطن أو الدين أو الجنس أو المؤسسات العسكرية أو الدولة الوطنية، المطلوب إنسان العولمة المحايد، فلا هو ذكر أو أنثى، لا هو مسلم أو مسيحى أو يهودى أو غير ذلك، المطلوب هو الولاء التام للعولمة والفيدرالية العالمية للنظام العالمى الذى تقوده شبكات المصالح الغربية من خلف الستار.

المطلوب نشر الإلحاد والبيدوفيليا وعبادة الشيطان، وأن يتوقف الرجل عن اشتهاء المرأة جنسيًا وأن يشتهى الرجل، أو يشتهى المتحول الجنسى، والمطلوب ألا تصبح المرأة مثيرة للرجل بل تصبح أشبه بالرجل وهذه هى مهمة النسوية الراديكالية الابنة البكر للصوابية السياسية اليسارية النيوليبرالية.

العشاء الأخير

تعتبر لوحة العشاء الأخير من أبرز أعمال عصر النهضة فى إيطاليا، رسمها الفنان الإيطالى ليوناردو دا فينشى (1452 - 1519) فى تسعينيات القرن الخامس عشر، ما بين عامى 1495 و1498، ورغم أهميتها اليوم للعالم المسيحى فإنها كانت محل انتقادات عديدة من رجال الدين المسيحى، ولكنها مع الوقت تحولت إلى أيقونة حقيقية فى عالم الفن، وهى تجسد العشاء الأخير للسيد المسيح مع الرسل الاثنى عشر فى العقيدة المسيحية، أو حوارييه الذين سوف ينتشرون حول العالم لنشر المسيحية لاحقًا.

ينظر الكثير من المفكرين فى الغرب إلى اللوحة باعتبارها بداية العهد الذى بشر به المسيح، إنها بداية العهد الجديد، لذا فإن شبكات المصالح الغربية لم تجد أفضل من لوحة العشاء الأخير لكى توظفها فى محاكاة تبشر بها ببدء عهد وعصر جديد.

فى محاكاة العشاء الأخير نسخة 2024، فإن رسل الصوابية ليسوا رجال دين أو فكر، ولكنهم ممثلو البيدوفيليا والشذوذ والمركزية الإفريقية والعابرون جنسيًا والتحول الجنسى والملاحدة وعبدة الشيطان ومدمنو المخدرات والجنس الجماعى.

أما الرجل الأزرق الذى وقف أمام مائدة الصوابية، فهو محاكاة لـ«الإله اليونانى ديونيسوس»، إله الخمر والجنون والاحتفال والمجون والطبيعة الوحشية والسادية وكل أنواع الانحرافات الجنسية، إله يجمع بين الكثير من المتناقضات، هو ذكر وأنثى فى نفس الوقت أى حامل للصفات الذكورية والأنثوية فى آن واحد، حكيم ومجنون، إله وإنسان، غنى وفقير، متحضر ومتوحش، سادى ولطيف، أجنبى ومحلى فى نفس الوقت، هو ابن الإله زيوس من امرأة بشرية اسمها سيميلى، مات وولد مرة أخرى مرتين، يرى أن الفجر والمجون هو أسلوب العبادة الأمثل!

فى الميثولوجيا اليونانية كان ديونيسوس يتنقل بين المدن ومعه موكبه الاحتفالى الذى يضم نساءً أفقدهن عقلهن يُعرفن بـ«الباكوسيات»، هؤلاء الباكوسيات لا يتركن انحرافا جنسيا أو غير جنسى إلا يأتينه، مع أفعال سادية ووحشية مرعبة نحو الأطفال والحيوانات. وعلى خطى ديونيسوس كان عُباده وكاهناته الباكوسيات فى الواقع يسيرون فى مواكب احتفالية ماجنة لتعظيمه تجوب مختلف مدن اليونان وحتى البحر المتوسط إلى أن منعهم من ذلك الرومان، لكنهم واصلوا طقوسهم بشكل سرى إلى أن تحولت أوروبا للمسيحية وقامت بالقضاء على تلك الطقوس الوثنية.

هو نموذج مثالى لإنسان العولمة، الإنسان اللامنتمى لأى شيء، ولكن هذا ليس كل شيء، ولكنها محاولة لإحياء جدل ثقافى جرى فى القرن السادس عشر، حاول خلاله بعض العلماء القول أن أنجيل يوحنا ورسائل بولس الرسول قد تأثرت بالديانة الديونيسية فى وصف يسوع باعتباره ابن الإله من امرأة بشرية إلى جانب معجزة الخمر والقيامة من الموت، وذهبت تلك المناقشات إلى أن اليهود الأوائل قد تأثروا بدورهم بالديانة الديونيسية!

استحضار هذا الصنم اليونانى أمام لوحة العشاء الأخير، وإحياء هذا الجدل الفلسفى الرخيص، يأتى فى إطار محاولة سادة الصوابية فى إسقاط الدين المسيحى بالتجديف والهرطقة.

منذ تطور الرياضة والفنون بداية القرن العشرين، كان مستحيلًا على عالم السياسة بكل أفكاره ألا يقوم بتوظيف الرياضة والفنون والآداب فى الصراعات السياسية الجارية، ومنذ اللحظة الأولى لتطور الرياضة والفنون والآداب فى القرن العشرين، عمدت السياسة للسيطرة على تلك المجالات وتحويلها إلى أدوات لبث الأيديولوجيات فى المجتمعات المستهدفة شرقًا وغربًا.

ورغم  أن تاريخ  فرنسا عامر بالثورات، وعامر بالإعدامات الثورية، ولكن الحفل اختار الملكة مارى أنطوانيت على وجه التحديد، التى قامت الثورة الفرنسية بإعدامها فى 16 أكتوبر 1793، ما جعل البعض يتساءل عن أسباب استحضار ذكرى تلك الثورة الدموية على وجه التحديد.

ولم يطل الانتظار طويلًا للإجابة عن هذا السؤال، إذ ظهر فى الحفل فارس بلا رأس  يحمل الشعلة الأولمبية، يجسد تلك الأسطورة التى سرت بين الفرنسيين عقب إعدام سادة تنظيم فرسان الهيكل على ضفاف نهر السين فى القرن الرابع عشر، بأن أرواح فرسان التنظيم عقب قطع رؤوسها تجوب شوارع فرنسا ليلًا للانتقام من رجال الملك فيليب الرابع، وهنا فقط.. فهم الجميع حزمة الرسائل الجارية على الهواء مباشرة على ضفاف نهر السين، إنه ثأر فرسان الهيكل، اللعنة التى ضربت فرنسا حتى يومنا هذا.

فرنسا وفرسان الهيكل

ان ما جرى فى فرنسا يعتبر أحدث حلقة من محاولات شبكات المصالح الغربية القضاء على الدولة الفرنسية، ولهذا الصراع تاريخ طويل يمتد إلى الف عام.

عقب نجاح الحملة الصليبية الأولى فى تأسيس أربع دول أوروبية بالشرق الأوسط، أطلق عليها أربع إمارات صليبية، سارت حالة من النشوة الدينية فى عموم أوروبا، واجتمع عدد من النبلاء والفرسان النافذين فى الدول الأوروبية من أجل بحث كيفية تأمين الدول الأوروبية الجديدة.

ورغم الانتصار الأوروبى المهم وقتذاك، فإن الفقر والمرض وسوء التخطيط العسكرى والتموين كان عنوان الحملة الصليبية الأولى، وقد مات بسبب المرض والجوع المئات من الجنود المسيحيين.

من هنا نشأت جمعية فرسان هيكل سليمان عام 1119 فى القدس إبان الحكم الصليبى، البداية تحت اسم «جنود يسوع المسيح الفقراء»، وأقسموا على «المبادئ الثلاثة الفقر والعفة والطاعة».. ولاحقًا أصبح اسمها جمعية فرسان الهيكل، لتصبح أول طائفة مسيحية مسلحة تابعة للكنيسة الكاثوليكية.

وخلال بضع سنوات تطور تنظيم فرسان الهيكل، سمح لهم بابا روما باستقبال المتطوعين والتبرعات، أصبحوا المسئولين عن تنظيم الحج المسيحى من أوروبا إلى القدس وتأمين هذا الطريق ذهابًا وايابًا، وأصبحت أموال الحج من حقهم، على ضوء انتصاراتهم العسكرية على المسلمين افتتنت الشعوب الأوروبية بهم، واعتبرهم بابا روما حرسًا ثوريًا لكنيسة روما، فأصدر سلسلة من الإعفاءات الخاصة بفرسان الهيكل، عفو عن القوانين والسلطات القضائية فى البلدان الأوروبية، وإعفاءات جمركية على تجارتهم وأصبح لهم حق المرور بالدول الأوروبية دون أدنى اعتراض، فكانت جيوش فرسان الهيكل تمر فى جميع دول أوروبا دون استئذان حكام وجيوش تلك الدول.

توسعت تجارة وميزانية فرسان الهيكل على ضوء تلك الإعفاءات، أصبحت لهم عشرات القلاع والكنائس والأديرة والمزارع وشركات السفن والشحن والموانئ والمعارض التجارية فى جميع الدول الأوروبية بالإضافة إلى الإمارات الصليبية فى الشرق، كانت قلاعهم تعتبر مستقلة ذاتيًا عن أى سلطة حولها ولها سوق تجارية واقتصادية خاصة بها.

مع مرور الوقت أصبح فرسان الهيكل دولة داخل دولة فى كل دولة انتشروا فيها، وأصبحوا كنيسة داخل كنيسة روما، أسسوا نظام البنوك الذى نعرفه اليوم وكانت لهم مساهمة مهمة فى تأسيس نظام الإيداع والصرف والاقتراض والفائدة، وقامت مصارف فرسان الهيكل بإقراض أغلب العروش الأوروبية والحكومات الصليبية وصولًا إلى بابا روما ذاته.

أصبح فرسان الهيكل أول شركة متعددة الجنسيات وعابرة للقارات، ورغم تعدد جنسيات رجالاتها؛ فإن مؤسسيها وقادتها وأبرز نبلائها وفرسانها كانوا من فرنسا التى كانت تعتبر مقرهم الأوروبى الرئيسى، لم يعد مجرد تنظيم دينى مسلح بل امبراطورية تجارية واقتصادية، زراعية وصناعية، بل وكان لديهم جهاز مخابرات وجهاز دبلوماسى للسياسة الخارجية والتفاوض أيضًا.

على المستوى العسكرى كان تنظيم الهيكل تنظيمًا دينيًا يدار بطريقة السمع والطاعة والقتال حتى الموت من أجل الظفر بالشهادة، ولم يكتف التنظيم بمحاربة المسلمين فى بلاد الشام والسلاجقة فحسب ولكن بعث برجاله إلى ملك البرتغال وممالك إسبانيا من أجل تحرير غرب أوروبا من الأندلس.

ولم يكتف فرسان الهيكل بتلك الانتصارات ولكن تواصلوا مع دولة الإسماعيليين فى الشام، وهو الاسم الذى أطلقته طائفة الحشاشين على أنفسهم، الزعيم الخامس للتنظيم «أندريه دى مونتبارد» سيد فرسان الهيكل صعد إلى جبل الحشاشين وقلعتهم الرئيسة فى الساحل السورى وقابل زعيم الحشاشين راشد الدين سنان أعظم قادة الحشاشين فى الشام، فأقام عنده لفترة وتشرب منه فنون التنظيمات السرية الباطنية، ولاحقًا تحالف الحشاشين وفرسان الهيكل وقاتلوا معًا ضد الدولة الزنكية وحاكمها نور الدين زنكى فى حلب خلال معركة عناب فى 29 يونيو 1149 والتى انتصر فيها نور الدين زنكى وقتل ريموند الثانى أمير انطاكية وعلى بن وفا أمير الحشاشين، ولاحقًا تعارك الحشاشين وفرسان الهيكل قبل أن يقوم الحشاشون بدفع الجزية السنوية لفرسان الهيكل نظير الحماية!

وعلى ضوء الانتصارات التى ساهم فيها فرسان الهيكل، نظر إليهم المسيحيون فى عموم أوروبا باعتبارهم أبطال الأمة المسيحية، إلى أن نهضت مصر من كبوتها وبدأ الجيش المصرى فى هزيمة الصليبيين خاصة فرسان الهيكل فى سوريا وفلسطين والأناضول وصولًا إلى قبرص بالتزامن مع هزيمة فرسان الهيكل أمام التتار فى أوروبا الشرقية.

هذه الهزائم العسكرية خلخلت الصورة الأسطورية لفرسان الهيكل فى  أعين الشعوب الأوروبية وكنيسة روما وملوك أوروبا.

فى تلك الأثناء كان ملوك أوروبا وباباوات روما لديهم هلع حقيقى من اللحظة التى سوف يتمرد فيها فرسان الهيكل، أصبح الأمر حتميًا على ضوء نفوذهم، أصبحوا مشروع إمبراطورية مسيحية بل مشروع كنيسة بديلة موازية لكنيسة روما.

اقتربت نهاية التنظيم مع صعود فيليب الرابع إلى الحكم فى فرنسا بتاريخ 5 أكتوبر 1285، ورأى أن ديونه وديون الدولة الفرنسية وديون العائلة الملكية الفرنسية لفرسان الهيكل تمثل خطرًا وجوديًا على فرنسا، استطاع فيليب الرابع أن يوصل رجل دين فرنسى إلى منصب بابا روما ألا وهو البابا كليمينت الخامس فى انتصار مهم على الرغبة الألمانية فى تنصيب المرشح جيلبيرت.

وعلى ضوء صعود فرنسا السياسى وقتذاك، وظف فيليب الرابع هذا النفوذ للضغط على بابا روما من أجل بدء محاكمة تنظيم فرسان الهيكل.

وبتاريخ الجمعة 13 أكتوبر 1307 استطاعت فرنسا إلقاء القبض على 5000 فارس ونبيل من رجالات فرسان المعبد، فمن فيهم قادة التنظيم العائدون للتو من قبرص عقب قيام الجيش المصرى بطرد الصليبين من الجزيرة وتحولها إلى ولاية مصرية.

استمرت المحاكمة سبع سنوات، تم خلالها اتهام فرسان الهيكل بالانشقاق عن «الدين الكاثوليكي» وكنيسة روما، وعبادة الأوثان، إضافة إلى ممارسة الشذوذ الجنسى وعبادة الشيطان والتجديف والهرطقة.

تعرض عناصر فرسان الهيكل للتعذيب الشديد فى السجون الفرنسية، وانتزع فيليب الرابع الاعترافات التى يريدها من زعماء التنظيم، وهكذا وافق البابا على ضغوط فيليب الرابع وأعلن حل جمعية فرسان الهيكل فى 22 مارس 1312.

قام فيليب الرابع بمصادرة ممتلكات فرسان الهيكل فى فرنسا والتى كانت تبلغ ما يوازى ثلث مساحة فرنسا اليوم، من مزارع وأديرة وكنائس ومقرات، إضافة إلى ثروات هائلة، وحصلت كنيسة روما على نصيبها، وسارع ملوك أوروبا إلى فعل الأمر ذاته من مصادرة لممتلكات وثروات فرسان الهيكل، وتنفس ملوك أوروبا الصعداء على ضوء التخلص من هذا التنظيم القادر على إعلان الاستقلال عن العروش والكنيسة خاصة عقب هزيمتهم فى الشام والأناضول وقبرص على يد الجيش المصرى ولم يعد لديهم بديل سوى الداخل الأوروبى.

أقر البابا كليمنت الخامس فى وثائق نشرت عقب وفاته بــ 300 عام بكذب تلك الاتهامات وأن ضغوطًا فرنسية أجبرته على الموافقة على تلك التهم وحل التنظيم.

فى سبتمبر 2001، عثرت العالمة الإيطالية/باربرا فلاير Barbara Frale فى أرشيف الفاتيكان السرى على وثيقة مؤرخة 17 - 20 أغسطس 1308، تضم تدوينًا لأحداث محاكمات فرسان الهيكل، وتظهر بأن البابا كليمينت قد أقر ببراءة فرسان الهيكل من جميع تهم الهرطقة، وأن جميع فرسان الهيكل لا يزالون داخل نسيج الكنيسة والإيمان بمقدساتها.

هذه الوثيقة الأخيرة لم تكن بمنأى عن المؤرخين؛ إذ نشرها العالم إيتين بالود عام 1693، والعالم بيير دوبى عام 1751.

أرشيف الفاتيكان السرى يوضح أن تلك الوثائق رفعت إلى الملك الفرنسى فيليب الرابع وأنه كان على علم ببراءة فرسان الهيكل!

نشرت تلك التفاصيل فى كتاب بعنوان «البابوية ومحاكمة فرسان الهيكل»

‏Il papato e il processo ai templari

ثم نشر الفاتيكان (كنيسة روما سابقًا) تلك الوثائق عام 2007 فى كتاب مستقل.

لم يكن لدى فرسان الهيكل طقوس سرية ولا شيطانية ولا أهداف خفية، لم يكن لديهم أجندة سرية أو كنوز مخفية، لم يعثروا على علوم سرية فى جبال الشرق ومعابدها أو امتلكوا سرًا آثارًا تعود إلى المؤمنين الأوائل من أتباع اليهودية والمسيحية والإسلام، كانت أفعالهم كلها تجارية واقتصادية بحتة، وكانت عملية شيطنة فرسان الهيكل مطلع القرن الرابع عشر غرضها الاستيلاء على امبراطوريتهم الاقتصادية وتصفية ديون العروش الأوروبية لتنظيم فرسان الهيكل.

هذا لا يعنى أن فرسان الهيكل جوقة من الملائكة، فقد كانوا مجرمين فى الشرق والغرب، من القدس إلى الأندلس مرورًا بالممالك المسلمة والأوروبية، ولكن ملوك أوروبا وبابات روما لم يكونوا سوى شركاء لهم فى تلك الجرائم، وبعد انتهاء الغرض منهم وتضخم خطرهم تقرر التخلص منهم.

فى مارس 1314 تم إعدام قادة فرسان الهيكل حرقًا حتى الموت بعد محاكمة صورية فى كنيسة نوتردام الباريسية، ثم توالت المحارق الفرنسية والأوروبية بحق عناصر فرسان الهيكل.

لم تتقبل الشعوب الأوروبية ببساطة أن أبطال الأمة قد أصبحوا بين عشية وضحاها حفنة من الشواذ والوثنيين وممارسي طقوس شيطانية لهدم الكنيسة.

لم تتم إبادة تنظيم فرسان الهيكل بالكامل أوائل القرن الرابع عشر، فقد هرب فلولهم بثروات طائلة إلى إسكتلندا التى كانت خارج سطوة كنيسة روما، كما أن ملك البرتغال رفض المساس بفرسان الهيكل فى مملكته لأنهم حائط الصد أمام الأندلس وطلب منهم قطع صلاتهم بالتنظيم المنحل وتأسيس تنظيم جديد وبالفعل أعلن فى البرتغال عن قيام تنظيم فرسان المسيح.

ما بعد فرسان الهيكل

بعد تأسيس تنظيم فرسان الهيكل بفترة بسيطة بدأت فكرة الجمعيات السرية أو الأدق جمعيات النخب السرية تنتشر فى أوروبا بداية بفرسان الإسبتارية وفرسان تيوتون وفرسان مالطا وفرسان القديس يوحنا وصولًا إلى جمعية النور البافارى وجمعية البستان البوهيمى.

أصبح فرسان الهيكل أول تنظيم سرى للنخب فى أوروبا، ومن بعده توالى تأسيس تلك التنظيمات خلف الستار، حتى أصبحت ما نعرفه اليوم بـ«شبكات المصالح الغربية»، التى تحكم عمليًا الغرب بينما حكامه وقادته مجرد موظفين لتلك الشبكات.

فى إسكتلندا قام فلول فرسان الهيكل بتأسيس أول محفل للماسونية وتأسيس التنظيم الماسونى، ولاحقًا الانضمام لشبكات المصالح الغربية بعد أن تخلصوا من الولاء للكنيسة والدين وأصبح ولاؤهم للمال والسياسة فحسب، وللمفارقة فإن التنظيم الذى نسب إليه زورًا ذات اليوم أفكار شيطانية، أصبح أحفاد أحفاده اليوم ضمن شبكات مصالح ينظرون إلى تلك الأفكار الشيطانية باعتبارها المحقق الأول والأبرز لمصالحهم السياسية والاقتصادية.

ولكنّ قسمًا من شبكات المصالح لم ينس ثأر فرسان الهيكل من فرنسا، وهكذا نظمت الخلايا الماسونية بتكليف من شبكات المصالح الغربية قيام الثورة الفرنسية عام 1789، وإعدام الملك لويس السادس عشر عام 1793 فى نفس مكان إعدام قادة فرسان الهيكل.

لم تنس تلك الشبكات ثأرها مع فرنسا بعد مرور أكثر من 400 عام، لم تكن الثورة الفرنسية سوى حرب أهلية بشعة سيطر خلالها الإرهاب على الحكم فى فرنسا وسادت الفوضى والسلب والنهب واغتصاب الأراضى الفرنسية لسنوات، قبل أن تختار تلك الشبكات الضابط نابليون بونابرت لحكم فرنسا ولكن هزيمته عام 1815 أنهت الجولة الأولى من حكم شبكات المصالح لفرنسا.

لاحقًا دركت شبكات المصالح أن كنزها الحقيقى هو الثورة الأمريكية وقيام الولايات المتحدة الأمريكية وصناعة القطب الأمريكى، ومن أمريكا حكمت شبكات المصالح الغرب بل العالم أجمع فى بعض الأوقات.

ومن أمريكا انطلقت أفكار العولمة والصوابية والقرن الأمريكى والشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة والنيوليبرالية، ومع ذلك ظل حلم محو فرنسا من الخارطة هو حلم أزلى لشبكات المصالح الغربية، وكلما اقتربت شبكات المصالح من هذا الحلم، يظهر فى الأمة الفرنسية رجالات مثل شارل ديجول أو جاك شيراك، ويتم إنقاذ الأمة الفرنسية.

إن العديد من الأحداث الجسام التى تضرب فرنسا بين الحين والحين هى مجرد أفعال إرهابية من شبكات المصالح التى لا تزال بعض عائلاتها تحمل روح الثأر مما فعلته فرنسا بأرواح أجدادهم فرسان ونبلاء تنظيم فرسان الهيكل.

فى 15 أبريل 2019 كانت شبكات المصالح هى من أشعلت النار وتسببت فى حريق كنيسة نوتردام، الكنيسة التى حاكمت وشهدت على الإعدام حرقًا حتى الموت لقادة تنظيم فرسان الهيكل، بعد أكثر من 700 عام لم تنس فلول فرسان الهيكل هذا الثأر.

وفى حفل أولمبياد باريس 2024، كان الإعلان واضحًا، التفاخر بقطع رأس الملكة مارى أنطوانيت، وأسطورة الفارس بلا رأس، إلى جانب مائدة الصوابية والصنم اليونانى.

للمفارقة  فإن زعماء شبكات المصالح الغربية لا يؤمنون بجميع تلك الأفكار الشيطانية، هم يسعون إلى نشرها بينما الكثير منهم أبعد ما يكون عن تلك الأفكار.

ينتظر فرنسا الكثير من التحديات بعد دخول المواجهة هذا الشكل العلنى، ترفض شبكات المصالح صعود اليمين القومى فى فرنسا وتنظر إليه باعتباره ممثلًا للكنيسة التى أحرقت يومًا فرسان الهيكل.