الأحد 8 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
العالم مهدد بالتقدم إلى الخلف!‏

العالم مهدد بالتقدم إلى الخلف!‏

ما حدث فى العالم صباح يوم الجمعة قبل الماضى يثير قدرًا من الأسئلة الخطيرة، ‏تتجمع فى سؤال محورى مفزع: هل صار مستقبل البشرية أسيرًا فى قبضة الفضاء ‏الإلكتروني؟، نعم.. فحين تعطل ما يقرب من تسعة ملايين كومبيوتر فى أربعة ‏أرجاء المعمورة بسبب خطأ صغير فى تحديث أجرته شركة أمن سيبرانى على ‏برنامج حماية، تحول إلى سلسلة متعاقبة من الأعطال فى نظام تشغيل ويندوز، ‏أصابت الحياة بالشلل فى مطارات وبنوك وشركات ومؤسسات وبورصات ومطاعم ‏ومستشفيات ومراكز اتصال..إلخ، وخسر العالم 300 مليار دولار فى 24 ساعة ‏فقط!‏



يا ترى ما الذى يمكن أن يحدث لو تعطلت «نظم التشغيل» أيامًا أو أسابيع أو ‏شهورًا؟، سواء كان العطل مصادفة أو عملاً إجراميًا منظمًا؟

قولًا واحدًا.. يعود العالم إلى الوراء، تحديدًا إلى منتصف القرن العشرين، وربما إلى ‏بداياته، فبدون ملايين المعلومات المخزنة على السيرفرات والهاردات سيبدو العالم ‏مثل سائح تائه فى الصحراء الإفريقية الكبرى، فى ليلة معتمة، عليه أن يعتمد على ‏النجوم فى تحديد الاتجاهات والمسارات.‏

تخيلوا مثلاً لو أن «قرصانًا فضائيًا» محترفًا تسلل إلى قمر صناعى، أو إلى مسبار ‏فضائى، وتلاعب فى بياناتهما.‏

القمر الصناعى هو آلة مرسلة إلى الفضاء الخارجى تدور حول الأرض، لجمع ‏المعلومات وتسهيل عمليات الاتصال، مثل أقمار الملاحة والطقس والتجسس ‏والاتصالات ودراسة البيئة ومراقبة النجوم والكواكب.‏

المسبار مركبة فضائية آلية لا تدور حول الأرض ويمكنها الهبوط على الأجرام ‏السماوية، وتستعمل لاكتشاف الفضاء الخارجى، محملة بأدوات علمية مختلفة على ‏غرار كاميرات شديدة التطور، وأجهزة مطياف، ومقياس الطاقة الإشعاعية، ومقياس ‏المغناطيسية..إلخ.‏

ونشرت الإصدارات المتخصصة فى نظم المعلومات دراسات كثيرة فى السنوات ‏العشرين الأخيرة، عن الهجمات السيبرانية واستخدامها فى الصراعات المستعرة فى ‏العالم، ولأن معظمها دراسات غربية فقد أولت اهتمامها بالهجمات القادمة من ‏الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران، دون أن يكتب حرفًا واحدًا عن عشرات ‏الهجمات المماثلة التى تشنها الدول الغربية على منافسيها.‏

ويعد الفضاء الإلكترونى ساحة قتال مفتوحة، أخطر من القتال التقليدى على ‏الأرض، ليس فى الصراعات السياسية والعسكرية والاقتصادية فحسب، وإنما فى ‏الجريمة المنظمة بدرجة لا يمكن تخيلها، حتى إن جرائم القرصنة زادت من 13 ‏مليون عملية فى عام 2009 إلى 165 مليونًا فى عام 2013، ثم قفزت إلى 813 ‏مليون عملية فى عام 2018!، وقدرت الأموال الطائرة فيها بحوالى خمسة ‏تريليونات دولار سنويًا، ويتوقع أن ترتفع إلى 11 تريليون دولار فى العام القادم ‏‏2025، أى ما يعادل الناتج المحلى الإجمالى لمجموعة دول متقدمة هى «ألمانيا ‏واليابان وبريطانيا» معًا، وقد يقترب من إجمالى الناتج المحلى الإجمالى لنصف ‏سكان الكوكب، بالطبع نستبعد أمريكا والصين وبعض الدول الأوربية من الحسبة.‏

وتفيد دراسات أن أكثر من 200 ألف شركة على مستوى العالم فقدت القدرة على ‏الوصول إلى ملفاتها بسبب الهجمات السيبرانية، منها ملفات مرضى فى مستشفيات ‏فى إنجلترا واسكتلندا.‏

وعلى سبيل المثال.. وقف العالم على رأسه حين وقع الهجوم الشهير المعروف ‏باسم «هجوم وناكرى» فى 12 مايو 2017، واستطاع فيها القراصنة اختراق 230 ‏ألف جهاز إلكترونى فى 99 دولة حول العالم، وشفروا ملفاتها جميعًا بطريقة يصعب ‏تفكيكها، وطلبوا فدية 300 دولار بالعملات الافتراضية «البتكوين»، ممن يريد ‏تحرير ملفاته.‏

وقبل الخطأ الصغير الأخير الذى ارتكبته شركة «كراود سترايك»، كشف تقرير ‏لشركة «ميدى سكيور» المتخصصة فى أمن المعلومات أن بيانات شخصية لما ‏يقرب من 13 مليون استرالى قد تعرضت للخطر فى إبريل الماضى، من هجوم ‏‏«الفدية»، مما أجبر الشركة مقدمة الخدمات إلى غلق موقعها الإلكترونى وخطوط ‏تليفوناتها إلى نهاية مايو.‏

عمومًا ينتج القراصنة والمحتالون فى اليوم الواحد ما يقرب من 230 ألف عينة من ‏برمجيات خبيثة، أغلبها يتعامل مع أنظمة الدفع الإلكترونى فى المصارف، وتأتى ‏اليابان وإسبانيا وتركيا وفرنسا وألمانيا والنرويج وإيطاليا وكرواتيا والنمسا فى ‏مقدمة الدول، التى يستهدفها القراصنة، ويتسللون إلى نظام أندرويد على تليفونات ‏المستخدمين المحمولة.‏

باختصار القراصنة يصنعون نوعًا من الفوضى فى نظم تشغيل أجهزة المعلومات.‏

فماذا يحدث لو كانت نظمًا عسكرية خاصة بالتسليح وإدارة عمليات قتالية؟

حتى هذه اللحظة لم يقع هجوم إرهابى كبير يهدد العالم، لكنه احتمال قائم، وكما ‏توقعت السينما أشكال «الجرائم الفضائية» قبل أن تحدث على أرض الواقع، لم تغفل ‏احتمالات الأخطار الرهيبة التى تحلق فى فضاء العالم الإلكترونى.‏

تخيلوا مثلًا أن أول فيلم عن القرصنة على أجهزة الكومبيوتر صنعته هوليوود فى ‏عام 1992، وتدور أحداثه فى عام 1969، حين كان الكمبيوتر فى حجم ‏ديناصور، والفيلم اسمه «سنيكرز» عن طالبين جامعيين اقتحما شبكة كمبيوتر وأعادا ‏توزيع موارد مالية من مؤسسات رأسمالية جشعة لمصلحة قضايا تحررية، وانقض ‏عليهما البوليس فى مكان إقامتهما، وجند أحدهما للسطو على «صندوق أسود»، ‏يحتوى على ابتكار لعالم رياضى شهير، صنعه للحكومة الروسية، وتمكن وفريقه ‏من الاستيلاء على الصندوق، ووجدوا بداخله ما يشبه آلة الرد على التليفون، وفى ‏الحقيقة كانت آلة فك أكواد ورموز لأى كمبيوتر مهما كان تأمينه.‏

أما الطالب الآخر فقد تعرف فى السجن على عصابات الجريمة المنظمة، التى ‏هربته، وأصبح من رجالها الأثرياء، وكان ينوى الاستيلاء على الصندوق الأسود ‏لإثارة الفوضى فى الاقتصاد العالمى، وتقاطعت الطرق مع صديقه، وحاول أن ‏يستميله للعمل معه فى صناعة هذه الفوضى، لكنه رفض.. إلخ.‏

الفيلم لعب بطولته نجوم كبار، روبرت رادفورد، بن كنجسلى، وسيدنى ‏بواتييه،‎ ‎‏ وكتبه ثلاثة من كبار كتاب السيناريو: لورانس لاسكر، ولتر باركيز، وفيل ‏ألدين روبنسون الذى أخرجه أيضًا.‏

لكن سلسلة أفلام تيرميناتور «المدمر» هى أول من تعاملت مع «أخطار الفضاء ‏الإلكترونى» التى تهدد البشرية بأسرها، ستة أفلام بدأت فى عام 1984، إلى عام ‏‏2019، وهى تحكى عن عقول إلكترونية تُطور نفسها بالذكاء الاصطناعى وتفرض ‏سيطرتها على كوكب الأرض، وتخطط فى الوقت نفسه لتقويض مقاومة الإنسان ‏لهذه السيطرة، فتُرسل إنسانًا آلياً من المستقبل، لقتل قائد هذه المقاومة قبل أن تبدأ ‏عملية السيطرة الآلية.‏

تخيلوا هذه الفكرة كانت فى عام 1984، أى قبل اختراع برنامج التشغيل ويندوز ‏بعشر سنوات، ولم يكن الكمبيوتر المحمول قد انتشر فى العالم وقتها، إذ كانت ‏الولايات المتحدة قد أنتجت أول نسخة منه قبل الفيلم بعامين، وبالكاد توصلت إلى ‏حزمة بروتوكولات الإنترنت، وكانت شبكة الإنترنت مجرد عدة مراكز بحثية داخل ‏الولايات المتحدة تتصل ببعضها البعض.‏

لم تكتف السينما بهذ التحذيرات ورفعت من حجم المخاطر التى تهدد ‏البشرية، والتى تنتهى باستعباده، مثل فيلم‎‏ «أنا والإنسان الآلى، وفيه يخرج الآليون ‏عن السيطرة البشرية، ويتحكم فيهم عقل إلكترونى، يأمر هؤلاء الآليين بالتمرد على ‏البشر، الذين أصبحوا خطرًا على البيئة والحياة فى الكوكب، وأن يعزلهم عن مراكز ‏صناعة القرار، ويضعهم تحت التحفظ فى بيوتهم، وفى فيلم عين الصقر «إيجل أى» ‏فى عام 2008، يستطيع نظام كمبيوتر باستخدام الذكاء الاصطناعى أن يتحرر من ‏أوامر الإنسان، بل ويقتله، ويتحكم فى وزارة الدفاع الأمريكية بكل ما تملكه من ‏أسلحة ويخطط لاغتيال الرئيس الأمريكى شخصيًا.‏

أما فيلم «عش حرًا أو مت بصعوبة»، وهو الجزء الرابع من سلسلة أفلام «ضاى ‏هارد»، فقد حدد بدقة ما يمكن أن يفعله القراصنة بالعالم، ليس بسرقته ولا ابتزازه، ‏وإنما بإعادته إلى العصر الحجرى، إذ تسللت مجموعة إلى أجهزة كمبيوتر الإدارة ‏الأمريكية، وسيطروا على شبكات الكهرباء والغاز والمياه والمرور والاتصالات ‏والمصارف والطائرات العسكرية..إلخ، وقد اقتبس السيناريست «مارك بومباك» ‏فكرته من مقال كتبه «جون كارلين» فى مجلة «وايرد» عام 1997، بعنوان وداعًا ‏للسلاح ، الذى تنبأ فيه بتراجع الحروب التقليدية التى عاشها العالم أمام حروب جديدة ‏باستخدام الفضاء السيبرانى.‏

‏ ورسمت السينما التسجيلية أيضًا ملامح جديدة لهذه الأخطار، فأخرج راسل مايكلز ‏وسيمون أرتيزون فيلمًا عنوانه «قرصنة الديمقراطية» فى عام 2006، يدور حول ‏إمكانية تزوير إرادة الناخبين فى التصويت الإلكترونى، وتساءل: هل يمكن ‏للقراصنة أن يختاروا رئيسًا أمريكيًا بالتسلل إلى نظام التصويت؟، وكانت الإجابة ‏نعم، وهذا ما قاله دونالد ترامب عند خسارته الانتخابات السابقة أمام جو بادين، وما ‏أشارت إليه كتابات عن خسارة آل جور أمام جورج بوش الابن سنة 2000.‏

نعم المخاطر مخيفة، لكن أشدها هو «سرقة العقول» بنشر طوفان من المعلومات ‏المغلوطة يوميًا على الفضاء السيبرانى، فيفقد العقل القدرة على الفهم الصحيح ‏والقرار الصحيح.‏