
د. نادر مصطفى
تشابهار الإيرانى.. وسلاح الموانئ
عين على الهند
تفتح روزاليوسف بابًا على الشرق يعرض لمظاهر الحياة فى واحدة من أعرق الحضارات، نتعرف خلاله على تفاصيل من شبه القارة الهندية. فمصر هى أم الدنيا، والهند هى أم العجائب.
لماذا الهند؟
اقتصاديا: المركز الخامس على مستوى العالم بحجم اقتصاد يصل إلى 3.5 تريليون دولار، وتتفوق على إنجلترا وفرنسا، وتوقعات بحلول 2050 أن تصبح ثانى أكبر اقتصاد فى العالم متجاوزة الولايات المتحدة، ولديها العديد من الصناعات الاستراتيجية.
سياسيًا: أكبر النظم الديمقراطية فى العالم.
ديموجرافيا: الأولى عالميًا من حيث السكان 1٫428 مليار نسمة، ولديها تنوع بشرى، ولغوى، وثقافى ودينى.
جغرافيا: سابع دولة على مستوى العالم فى المساحة 3.2 مليون كيلومتر مربع.
عسكريا: رابع أقوى جيش عالميًا، ولديها ترسانة نووية.
تكنولوجيا: تحتل مكانة رائدة فى هندسة البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات.
شريك لمصر فى تأسيس حركة عدم الانحياز، وتسعى لأن تصبح قوة عظمى.
نجحت الهند مؤخرًا بعد ما يزيد على 20 عامًا من المحاولات فى توقيع اتفاقية لتطوير وإدارة ميناء تشابهار الإيرانى لمدة 10 سنوات.. تحديات كثيرة واجهت الهند فى طريقها لهذا الهدف كان أبرزها العقوبات التى تفرضها واشنطن على إيران نتيجة طموحها النووى. ولكن استطاعت نيودلهى عام 2016 فى عهد الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب أن تحصل على موافقة واشنطن بالسماح لها بالتعامل مع ميناء تشابهار ومنذ ذلك الحين عظمت الهند من طموحاتها للسيطرة على هذا الميناء الاستراتيجى.
لا تتوقف أهمية ميناء تشابهار بالنسبة للهند عند البعد التجارى؛ وإنما هناك أهداف جيوسياسية وأمنية أيضًا، فالهند القوة الاقتصادية الصاعدة التى أضحت منافسًا قويًا للصين بل وتتفوق عليها فى بعض المجالات، بدأت مساعيها لتقويض النفوذ الصينى فى وسط آسيا ومجابهة مبادرة الحزام والطريق التى أطلقتها الصين عام 2013 وتشارك فيها أكثر من 100 دولة، بإنشاء ممر دولى للنقل والعبور بين الشمال والجنوب يكون ميناء تشابهار الإيرانى نقطة عبور مركزية فيه، يربط هذا الممر المحيط الهندى والخليج العربى ببحر قزوين عبر إيران، ثم إلى شمال أوروبا عبر سانت بطرسبرج فى روسيا، ومن ثم يساهم فى تعزيز علاقات الهند ونفوذها لما له من إمكانات تجارية حيث يعد من الموانئ ذات المياه العميقة والمؤهلة للتعامل مع السفن الضخمة ذات الحمولة الثقيلة.
تكمن أهمية هذا الميناء أيضًا فى موقعه، إذ يطل على خليج عمان عند مدخل مضيق هرمز على ساحل إقليم مكران فى محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية، كما أن المسافة بينه وميناء كندلا فى ولاية جوجارات الهندية أقصر من المسافة بين مدينتى نيودلهى ومومباى وعلى بعد 170 كيلومترًا من ميناء جوادر الباكستانى، حيث تستثمر الصين بكثافة.
كما أنه الوحيد الذى يحظى بإمكانية الوصول المباشر إلى المحيط الهندى، ومن ثم يوفر للهند منفذًا بديلًا للبحر الأحمر فى أعقاب الحرب على غزة، ويمكن أن تمر من خلاله البضائع الهندية للقارة السمراء. كما يوفر الميناء طريقًا تجاريًا بديلًا للطرق التى تمر عبر باكستان الصديق المقرب للصين والمستثمر الرئيسى فى ميناء جوادر الباكستانى الذى يعتبر المعبر الرئيسى للبضائع الصينية لغرب آسيا.
كما تتيح مشاركة الهند فى تشابهار نفوذًا جيوسياسيًا كبيرًا؛ إذ يمكن ميناؤها نيودلهى من التعامل مع إيران وأفغانستان ودول آسيا الوسطى، ودعم حساباتها للاستقرار الإقليمى، ويدعم ذلك كون أفعانستان شريكًا فى اتفاق نيودلهى وطهران حول ميناء تشابهار، حيث يتيح ميناء تشابهار أمام أفغانستان إمكانية التنويع وتقليل الاعتماد على الموانئ الباكستانية التى اعتمدت عليها أفغانستان لسنوات طويلة فى وارداتها وصادراتها، ولا سيما فى ضوء العلاقات المتوترة بين أفغانستان وباكستان، ويمكن أفغانستان من الوصول إلى البحار المفتوحة متجاوزة ميناءى كراتشى وجوادر الباكستانيين. كما يعد هذا الاتفاق إحدى أدوات طهران غير المباشرة لمواجهة تداعيات العقوبات المفروضة عليها وربما قد يساهم مستقبلًا فى تخفيف هذه العقوبات فى ظل الحاجة الأمريكية لتقويض الطموح الصينى.
كما يضمن تطوير ميناء تشابهار استقرار إمدادات الطاقة إلى الهند، فقد كانت إيران قبل تجدد العقوبات الأمريكية عليها عام 2018 مصدرًا رئيسيًا للنفط الخام للهند ثم توقفت مع العقوبات. كما يؤمن ميناء تشابهار للهند طريقًا لاستيراد النفط والغاز بعيدًا عن مضيق هرمز، من دول آسيا الوسطى، وخاصة كازاخستان التى تمتلك موارد نفطية هائلة. كما يؤدى تطوير تشابهار إلى مشاربع مستقبلية مثل خط الأنابيب البحرى المقترح بين إيران والهند، الذى سيمكنها من الحصول على الغاز الطبيعى مباشرة من إيران وآسيا الوسطى.
كل المنافع السابقة التى تحققها الدول الثلاث من اتفاق تطوير ميناء تشابهار يظل مرهونًا بحجم وطبيعة العقوبات الأمريكية التى تفرضها واشنطن وتجددها كل فترة على طهران وبعض الدول التى تتعامل معها، وبالفعل هددت واشنطن الشركة الهندية «آى بى جى إل» بفرض العقوبات عليها إذا مضت قدمًا فى المشروع.
لكن الواقع العملى يوضح لنا حاجة الولايات المتحدة قبل الهند للسيطرة على هذا الميناء لأن البديل هو سيطرة الصين عليه، كما أن واشنطن فى حاجة لوجود صديق لها على علاقة جيدة مع أفغانستان ووسط آسيا بعد انسحاب قواتها من أفغانستان فى أغسطس 2021 فى ظل التنافس «الأمريكى - الصينى».