الثلاثاء 28 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قصف الحديدة وتفجير مسقط يضع جنوب شبه الجزيرة العربية فوق صفيح ساخن الصراع بين إيران وإسرائيل يشتد وإسرائيل ترد بقصف ميناء الحديدة القريب من مضيق باب المندب

الخليج فوق صفيح ساخن، الصراع الممتد «المحسوب» بين إسرائيل وإيران يأخذ منحنيات تثير الكثير من الأسئلة، والمزيد من الاستغراب والتأمل، ويزيد من التهاب أجواء منطقة الخليج  الملتهبة بفعل قيظ فصل الصيف الشديد الحرارة، وفيما يبدو أن شهر يوليو القائظ يرفض أن يمر بسلام ويصر على وضع المنطقة الأكثر ثراءً فى العالم فوق فوهة بركان تمتد شظاياه من ميناء الحديدة اليمنى الذى تحتله ميليشيا الحوثى فى البحر الأحمر إلى العاصمة العمانية مسقط الواقعة على بحر العرب.



 لماذا الآن الرد الإسرائيلى الذى جاء متأخرًا وبعد أكثر من ثمانية أشهر من قصف الحوثيين لها بالصواريخ والمسيرات؟ ومن الذى أطلق داعش لتخرج من قبرها وتستهدف البلد الآمن أهلها وتقتل المصلين فى المحراب وهم يؤدون صلواتهم فى مسجد مسقط التى لم يزرها الإرهاب من قبل، ولم تطأ خفافيش الظلام أقدامها هناك؟ وهل هناك رابط بين التفجرين؟ فمن يا ترى يدير المشهد الدامى من خلف الستار؟ ومن يحرك أذناب الإرهاب ليضرب بها فى رسائل واضحة لا يخطئها العقل، وتنتبه لها متأخرة دوائر صنع القرار فى دولنا العربية التى تصحو وتستيقظ فى معظم الأحيان بعد فوات الأوان وبعدما ينتهى الإرهابيون من ارتكاب جرائمهم ومجازرهم؟

 

 

 

أسئلة كثيرة تتزاحم، وأجوبة أكثر تدور فى الأذهان، لكنها تشير من بعيد إلى الأصابع التى تحرك من يعبثون بأمن منطقة الخليج، إذن لماذا فى دولنا ودوائرنا السياسية لا نشير صراحة ونوجه الاتهامات التى لا تقبل الشك أو النقض إلى الأطراف سواء كانت دولاً أو جماعات التى تعبث بأمننا وتسعى إلى الهيمنة على مقدرات منطقتنا التى تمتلك من القدرات والإمكانيات التى تؤهلها لأن تكون فاعلة عالميًا وليست هدفًا للابتزاز السياسى أو الأمنى؟ لعل تفجيرات عدن وإعادة إطلاق داعش يقذف بحجر ثقيل فى مياه الخليج ليستيقظ العقل العربى ويضع كلاً أمام مسئولياته، ويبرهن أن الأمة العربية قادرة على الردع، وحماية أمنها القومى فى مواجهة قوى إقليمية تعمل كأداة للمشروع الغربى الذى يعلن مرارًا وصراحة أطماعه فى ثروات وموارد المنطقة.

لقد وضعت الضربة الجوية الإسرائيلية لميناء الحديدة جنوب البحر الأحمر مطلع الأسبوع المنصرم الأمن الإقليمى والسلم العالمى فوق برميل من البارود مرشح للانفجار فى أى لحظة نظرًا للأهمية الجيوإستراتيجية التى يمثلها مضيق باب المندب للتجارة الدولية والملاحة العالمية، كما جاء تبنى  تنظيم داعش الإرهابى تفجير مسجد للشيعة يعج بالمصلين بمدينة مسقط «الهادئة» قبل حرق الحديدة بأيام قليلة ليعمق من أزمات المنطقة، ويعيد داعش إلى المشهد المأسوى والسوداوى مجددًا، ويحمل رسائل متعددة ومزدوجة لكل من أذرع إيران ودول المنطقة، فلم يكن الرد الإسرائيلى انفعاليًا أو مفاجئًا، عكس تفجيرات مسقط التى أعادت داعش إلى ساحة الإرهاب مجددًا بعدما توارت فى أعقاب دحرها وهزيمتها فى العراق وسوريا، وهو ما يجعلنا نعيد طرح علامات الاستفهام مجددًا: من هى الدول التى تقف وراء داعش؟ ومن الذى يحدد أهدافها؟ ومن الذى يطلقها فى أى وقت يشاء؟ المؤكد أن إسرائيل تدرك أن جماعة الحوثى المتمردة لا تمتلك قرارها لتحريك الصواريخ الباليستية أو الطائرات المسيرة لاستهداف العمق الإسرائيلى ومن قبلها جدة والرياض وبقيق إلا بموافقة الحرس الثورى الإيرانى، ودعم وإسناد من باقى أذرع إيران فى المنطقة، الجميع يعلم يقينا من يقف خلف الحوثيين، فمن يقف إذن خلف تنظيم داعش؟

اللافت هو تقارب المدة الزمنية الفاصلة بين استهداف إسرائيل لميناء الحديدة الاستراتيجى الذى يعتبر أهم منفذ لجماعة الحوثى، وتفجير ســـلطنة عمـــان التى تعد من أكثـــر الدول أمانًا فـــى الشـــرق الأوســـط ولم يطالها فى السابق عنف الجماعات المتطرفة التى جالت تخريبا وتدميرا فى المنطقة، ألا يدعونا ذلك إلى مساحة أوسع وأعمق فى التفكير أنه ربما «أقول ربما»  يكون قرار التفجيرين صدر من غرفة عمليات واحدة، أو من جهتين لهما ارتباط وثيق الصلة يتم التنسيق فيما بينهما، بهدف التصعيد فى مضيق باب المندب وبحر العرب اللذين يشكلا معًا أهمية استراتيجية كبرى للملاحة الدولية، ونقل الحرب إلى جنوب شبه الجزيرة العربية والمزيد من الضغط على مصر اقتصاديًا بتكبيد قناة السويس المزيد من الخسائر الفادحة، الحقيقة أننا أمام مشهد ملتهب فى منطقة تستدعى الكثير من التروى والتأنى والحذر لأنها تضم أكبر الدول المنتجة والمصدرة للنفط فى العالم، وتمتلك موقعًا استراتيجيًا يشكل نقطة تلاقٍ للطرق البرية التجارية والملاحة البحرية والثقافات المتنوعة، ويربط بين القارات الأفريقية والأوروبية والآسيوية، كما أن التحديات الأمنية فى المنطقة تفرض تواجد قواعد عسكرية على أراضيها وموانيها للعديد من الدول الكبرى للحفاظ على مصالحها وضمان حرية الملاحة والتجارة الدولية والأمن الإقليمى والاستقرار العالمى.

 يبدو أننا أمام فصل جديد وتحول مرحلى فى المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران آخذ فى التصعيد، لكنه يظل على أرض بعيدة ويستهدف مواطنين آخرين لا يمثلون ذات القيمة بالنسبة لكليهما، هى حرب بالوكالة تخوضها كل من إيران وإسرائيل لممارسة مزيد من الضغط على دول الخليج من خلال جماعات مارقة وتنظيمات مأفونة امتهنت ثلاثية القتل والتدمير والتخريب تحت غطاء شعارات ترفعها لمحاربة إسرائيل التى من جانبها يجب عليها إعادة صياغة سياساتها على نحو أكثر اعتدالاً يتيح لها التفاعل مع الوضع الإقليمى والتعايش السلمى مع جيرانها بالانصياع للقوانين الدولية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة عاصمتها القدس، هذا هو الحل الأمثل لتبريد الصراع المتأجج منذ ثمانية عقود.

 كل من إيران وإسرائيل فى سباق مع الزمن لتعزيز نفوذهما الإقليمى بعيدًا عن المواجهات العسكرية المباشرة وبدلاً عن ذلك استخدام كل منهما للتنظيمات المتطرفة والميليشيات المارقة للعبث بأمن ودول المنطقة فى إطار أهداف استراتيجية مرسومة وممنهجة تتلاشى المواجهة العسكرية المباشرة بين الدولتين المرتبطتين عضويًا بالمشروع الغربى الذى يستهدف الهيمنة على ثروات منطقة الخليج فى ظل غياب مشروع عربى يحمى الأمن القومى العربى ويحرس ثرواتها ومواردها ويقف حائلاً ضد أى اعتداء على أى من الدول العربية، فهل آن الأوان لإحياء معاهدة الدفاع العربى المشترك التى أبرمت عام 1950، والتى تقضى بأن الاعتداء على أية دولة عربية يعتبر اعتداءً على جميع الدول العربية؟ حماية دول الخليج العربية هو أهم أولويات الأمن القومى العربى وفرض عين على كل عربى، فهل قصف ميناء الحديدة وتفجيرات العاصمة العمانية مسقط تجعلنا نستفيق  قبل أن تتدحرج كرة اللهب من جنوب الجزيرة العربية إلى عمقها؟ وفى المقابل هل أدركت بعض دول الخليج التى سارعت إلى التطبيع مع إسرائيل لحماية نفسها أن إسرائيل غير قادرة على حماية نفسها فى مواجهة فصائل فلسطينية لا تمتلك دبابات ولا طائرات ولا جيوش جرارة؟ الخلاصة أن الدول العربية قادرة بما تمتلكه من إمكانات تؤهلها لتكون القوة الإقليمية الأكبر والأكثر قوة إذا توحدت كلمتها وأقامت مشروعها الخاص بها للأمن القومى العربى.>