التوتر يتصاعد ويفتح ساحات أخرى للحرب اشتباكات «رد الاعتبار» بين إسرائيــل واليمـــن «عرض مستمر»

داليا طه
حالة من الارتباك فى المشهد الدولى عقب الأحداث المؤسفة التى وقعت فى مدينة الحديدة باليمن عقب سلسلة غارات جوية إسرائيلية تسببت فى وقوع عدد من القتلى والجرحى فى عدة مواقع بالحديدة، وتأتى الغارات على الحديدة بعد يوم من الهجوم الحوثى عبر طائرة مسيرة على مدينة تل أبيب.
وأكد الحوثيون أن الهجوم الإسرائيلى استهدف منشآت مدنية بينها خزانات النفط (بميناء الحديدة) ومحطة الكهرباء فى الحديدة، وأنه يأتى بهدف مضاعفة معاناة الناس، والضغط على اليمن للتوقف عن مساندة غزة.
أعلنت اليمن سقوط قتلى وجرحى جراء غارات إسرائيلية على ميناء الحديدة، بدون ذكر عددهم، وأضافت أن الغارات استهدفت خزانات النفط فى ميناء الحديدة، إضافة إلى محطة كهرباء المحافظة، كما عرضت القناة صورا تظهر انفجارات هائلة واشتعال النيران جراء هذه الغارات.
وقال المتحدث باسم جماعة الحوثيين محمد عبدالسلام، إن الهجوم الإسرائيلى على محافظة الحديدة غرب اليمن لن يزيد الجماعة إلا إصرارا وثباتا فى مساندة قطاع غزة، وتوعد بعمليات «تقض مضاجع» تل أبيب ردا على الهجوم.
ماذا حدث؟
وفقا لصحيفة «فاينانشال تايمز»، قصفت طائرات إسرائيلية عدة أهداف بما فى ذلك البنية التحتية للطاقة فى مدينة الحديدة الساحلية اليمنية ردا على هجوم بطائرة بدون طيار نفذه الحوثيون أسفر عن مقتل شخص فى تل أبيب فى اليوم السابق.
وقالت قوات الدفاع الإسرائيلية، إنها ضربت «أهدافا عسكرية» فى الميناء، ردا على الهجمات المتكررة ضد إسرائيل من قبل الحوثيين المدعومين من إيران منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس فى غزة العام الماضى.
ماذا قال الحوثيون؟
وقال المتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام، إن الضربات أصابت «منشآت مدنية ومستودعات نفط ومحطة كهرباء» فى الحديدة، وإن «هذا العدوان الوحشى لن يزيد إلا من تصميم الشعب اليمنى وقواته المسلحة الباسلة».
ويشار إلى أنه قبل هجوم يوم الجمعة على تل أبيب، انفجرت طائرة بدون طيار بعيدة المدى فوق وسط المدينة، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة 10 آخرين، لم تكن هجماتهم على إسرائيل قاتلة، حيث أسقطت القوات الأمريكية أو أنظمة الدفاع الجوى الإسرائيلية معظم القذائف.
وفيما يخص الهجمات البحرية فيشار إلى أن الحوثيين يؤكدون دوما أن هجماتهم تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل أو الولايات المتحدة أو بريطانيا كجزء من دعمهم لحركة حماس فى حربها ضد إسرائيل فى قطاع غزة والتى اشتعلت منذ السابع من اكتوبر 2023.
واستهدفوا أكثر من 70 سفينة بإطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار فى حملتهم التى أسفرت عن مقتل أربعة بحارة، واستولوا على سفينة واحدة وأغرقوا اثنتين منذ نوفمبر 2023.
رسائل الضربة
ليس من الواضح حتى الآن، ما إذا كانت إسرائيل نفذت الهجوم بمفردها بشكل كامل أم لا، فقد أكد مسئولون أمريكيون لقناة 12 الإسرائيلية، أن إسرائيل شنت الهجوم فى اليمن (على ميناء الحديدة) بمفردها بدون تدخل عسكرى أمريكى.
كما نقلت نيويورك تايمز عن مسئولين أمريكيين، قولهم إن إسرائيل تصرفت بمفردها فى قصف اليمن بدون تدخل عسكرى أمريكى.
وفى محاولة منها لتبرير الهجوم على ميناء يعتمد عليه اليمنيون فى توفير أكثر من 70 % من حاجياتهم، قال مسئول إسرائيلى كبير لموقع أكسيوس إن ميناء الحديدة يمثل بنية تحتية إرهابية وهدفا عسكرى مشروعا، وإن الحوثيين يستخدمونه للحصول على الأسلحة حسب زعمه.
وفيما يبدو تفسيرا لسبب اختيار الهدف (منشآت تخزين النفط) قال وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف غالانت فى بيان «إن النيران المشتعلة حاليا فى الحديدة يمكن رؤيتها فى جميع أنحاء الشرق الأوسط والمغزى واضح».
وأضاف: إن إسرائيل قصفت الحوثيين فى اليمن لتوجيه رسالة معينة بعد أن ألحقوا الضرر بمواطن إسرائيلى.
ميناء الحديدة
ويعتبر ميناء الحديدة الذى استهدفه الهجوم الإسرائيلى من أبرز الموانئ المطلة على البحر الأحمر، ويقع شمال خط الاستواء على خط عرض 14درجة و50 دقيقة شمالا، وخط طول 42 درجة و56 دقيقة شرقا، وتؤكد المصادر اليمنية أنه يرتبط بقناة ملاحية بطول 11 ميلا بحريا، وعرض 200 متر، وحوض للاستدارة بقطر 400 يصل الميناء بمناطق انتظار.
وتعد مدينة الحديدة باليمن والتى تم استهدافها من قبل اسرائيل هى منطقة استراتيجية بالبحر الأحمر وبها مخازن نفط، وبالتالى ضربها هو أمر غاية فى الصعوبة، وأعرب محللون عن اندهاشهم من أن الحوثيين لم يتصدون لهذه الضربة، وتوقعوا أن تتطور الأمور إلى حرب إقليمية، وستبقى الأمور فى إطار قواعد اشتباك محددة.
تصاعد التوتر
وأعربت مصر فى بيان صادر عن وزارة الخارجية، عن متابعتها بقلق بالغ للعملية العسكرية الإسرائيلية على الأراضى اليمنية، والتى تزيد من تصاعد حدة التوتر الحالى على جميع الجبهات.
وشددت مصر على أهمية تكاتف الجهود الدولية من أجل صون أمن واستقرار المنطقة، محذرةً مما سبق أن أشارت إليه من مخاطر توسيع رقعة الصراع فى المنطقة على إثر تطورات أزمة قطاع غزة، وبما سيدفع الإقليم بأسره إلى دائرة مفرغة من الصراعات وعدم الاستقرار.
ودعت مصر جميع الأطراف لضبط النفس والتهدئة، وتجنب الانزلاق لفوضى إقليمية، مطالبة جميع الفاعلين على المستويين الإقليمى والدولى للاضطلاع بمسئولياتهم من أجل إنهاء الحرب الإسرائيلية فى غزة باعتبارها السبب الرئيسى فى ارتفاع حدة التوتر والتصعيد الإقليمى الحالى.
وأعادت مصر، التأكيد على موقفها الراسخ والداعى إلى الوقف الفورى لإطلاق النار فى قطاع غزة، والسماح بنفاذ المساعدات الإنسانية بدون أية عوائق إلى القطاع، وذلك على ضوء أن تلك هى الخطوة الرئيسية والضرورية لاحتواء التوتر، والركيزة الأساسية لإقرار التهدئة الشاملة فى المنطقة، وحفظ الأمن والاستقرار الإقليمى.
تواصل المسيرات
وفى مؤشر على تكتم إسرائيل على حجم الأضرار جراء الهجمات بالصواريخ والمسيرات التى نفذتها جماعة الحوثى، قال محلل الشئون العسكرية بالموقع الإلكترونى لصحيفة «يديعوت أحرونوت» رون بن يشاى، إن «الأخطاء البشرية والأعطاب الفنية كانت وستظل موجودة بشكل رئيسى فى الحرب المكثفة التى يشنها ضد إسرائيل مبعوثو إيران، من جميع اتجاهات الهجوم المحتملة».
وزعم بن يشاى أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية تمكنت من اكتشاف واعتراض أكثر من 200 طائرة بدون طيار وصواريخ تم إطلاقها من اليمن، ويضيف «لكن علينا أن نعترف أنه ليس لدينا إجابة جيدة وكاملة للمشكلة العسكرية التكنولوجية المتمثلة فى أن المسيرات تشكل تهديدا لإسرائيل».
ويعتقد المحلل أن المسيرات المتفجرة التى يطلقها حزب الله وجماعة الحوثى أو الميليشيات العراقية، ستتواصل وتضع إسرائيل أمام الكثير من التحديات، كونها طائرات لها القدرة على المناورة والاختفاء من الرادار بطريقة لا يمكن اكتشافها، وأحيانا ترتفع للحظة قبل أن تسقط وتنفجر على أهدافها.
هل تتوسع الحرب؟
وتحت عنوان «المسيرة المتفجرة بتل أبيب تمثل مرحلة جديدة فى حرب 7 أكتوبر»، كتب المحلل العسكرى فى صحيفة «هآرتس» آموس هرئيل، مقالا استعرض من خلاله المؤشرات والدلالات لقصف تل أبيب من اليمن، واحتمال توسع الحرب الشاملة وخيارات إسرائيل أمام هجمات الحوثى، وإمكانية توظيفها للضغط على إسرائيل لفك الحصار عن قطاع غزة.
وبحسب تقديرات المحلل العسكرى فإن الهجوم بالمسيرة المتفجرة يعنى إعلانا للحوثيين أن تل أبيب ستكون من الآن فصاعدا هدفا مركزيا لهجماتهم، قائلا إنهم: «عدو شرس يصعب ردعه، وإنهم يستثمرون الكثير من الجهد فى الحرب النفسية، وهم مجهزون بأسلحة بعيدة المدى ومتطورة نسبيا تدريجيا، والتى توفرها لهم إيران».
وقال المحلل العسكرى إن إسرائيل تستطيع -من حيث المبدأ- ضرب أهداف باليستية لجماعة الحوثى من الجو»، لكنه يستدرك بالسؤال «ما هى القيمة المضافة لمثل هذه التحركات والضربات من جانب إسرائيل بعد الهجمات الغربية».
ويعتقد المحلل العسكرى أن إسرائيل لديها أولويات، وتحتاج أيضا إلى توزيع مواردها القتالية على ساحات أخرى، والتى يبدو بعضها حاليا أكثر إلحاحا، مثل الحرب مع حماس، والأكثر من ذلك احتمال نشوب حرب شاملة مع حزب الله المدعوم من إيران ومجموعة من الميليشيات فى العراق وسوريا، وبالتالى فإن «غارات إسرائيلية على مواقع فى اليمن تبقى هامشية وثانوية ومجرد محاولة رد اعتبار».