دوائر العولمة قبلت باليسار بدلاً من اليمين القومى: كيف صعد اليسار للحكم فى بريطانيــــا وفرنســـا؟
إيهاب عمر
تعقد الانتخابات العامة البريطانية كل أربع سنوات بينما تعقد الانتخابات البرلمانية الفرنسية كل خمس سنوات، ولكن من النادر أن تشهد تلك الانتخابات «دراما سياسية» وأيديولوجية كما جرى فى بريطانيا وفرنسا خلال صيف 2024.. وإذا كان الشعب البريطانى قد اختار السير كير ستارمر رئيس حزب العمال لترؤس الحكومة البريطانية، فإن الأقدار اختارت ريشى سوناك ليدفع ثمن أخطاء 14 عامًا من بقاء حزب المحافظين فى السلطة حيث تناوب على رئاسة الحكومة البريطانية ما بين عامى 2010 و2024 خمسة رؤساء من المحافظين هم ديفيد كاميرون وتريزا ماى وبوريس جونسون بالإضافة إلى ليز تراس وأخيرًا ريشى سوناك.
لماذا صعد اليسار؟
تفاجأ الغرب بوجود جناح لليمين القومى داخل حزب المحافظين عام 2016 على وقع الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى «بريكست»، حيث تزعم هذا الجناح عمدة لندن السابق بوريس جونسون، علمًا بأن اليمين القومى أو أنصار القومية الإنجليزية هم من قاد عملية التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبى وهكذا وجد الغرب نفسه فجأة أمام قائد للبريكست من داخل الثنائية الحزبية الكبرى التى تحكم بريطانيا منذ قرابة المئة عام.
لم يكن مطلوبًا أن ينجح الخروج البريطانى، أو أن يصعد القوميون الإنجليز إلى سدة الحكم فى بريطانيا، وهكذا عرقلت عملية خلافة بوريس جونسون لديفيد كاميرون عام 2016 وجاءت تريزا ماى على رأس الوزارة البريطانية واكتفى جونسون بمنصب وزير الخارجية.
ولكن وزارة ماى لم تصمد، فقدم جونسون والقوميون استقالتهم من وزارة ماى، وبعد عام من استقالته سقطت وزارة ماى وصعد جونسون إلى سدة الوزارة البريطانية فى 24 يوليو 2019.
نجح جونسون فى إنهاء الفوضى السياسية فى بريطانيا، أتم اتفاق بريكست مع الاتحاد الأوروبى ونفذ الخروج البريطانى بنجاح، دعا إلى ثانى انتخابات برلمانية بريطانية مبكرة على التوالى وفى 12 ديسمبر 2019 قاد القوميين الإنجليز ومؤيدى بريكست حزب المحافظين لفوز تاريخى على حزب العمال وحزب الليبراليين والحزب الوطنى الإسكتلندى، ثم رمم العلاقات البريطانية الأمريكية أو المعسكر الإنجلوساكسونى مستغلًا علاقته الحسنة بالرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
ولكن فكرة ذهاب بريطانيا إلى اليمين القومى لم تكن مقبولة لدى الدوائر التى تحكم الغرب من خلف الستار، شبكات المصالح الغربية التى تدير العولمة النيوليبرالية الرأسمالية، وهكذا تم افتعال الأزمة تلو الأخرى لحكومة جونسون، ولكنه نجا من التحقيقات البرلمانية وتاليًا من محاولة سحب الثقة داخل مجلس العموم.
مع رحيل ترامب من البيت الأبيض فى يناير 2021 خسر جونسون الدعم الأمريكى لحكومته، أتت إدارة جو بايدن وعلقت مباحثات تاريخية مع لندن كانت تسعى لاتفاق تجارى تاريخى يعوض بريطانيا عن خسائرها التجارية جراء بريكست، رغم أن جونسون نجح فى إبرام عشرات الاتفاقيات حول العالم ولكن الاتفاقية مع الأمريكان كانت كفيلة بتحسين الاقتصاد البريطانى أمام عواصف جائحة كوفيد والإغلاق الكبير عام 2020 ثم متحورات كورونا وما تلاها من الركود العالمى والتضخم الدولى ثم الأزمة الاقتصادية الناجمة عن اندلاع الحرب الأوكرانية عام 2022 وبدء هستيريا الفيدرالى الأمريكى لرفع الفائدة والعقوبات الغربية على روسيا التى تضرر منها الغرب بأكثر مما تضررت منها روسيا.
فى صيف 2022 رتبت المخابرات الأمريكية مع الدولة العميقة فى بريطانيا انقلابًا ناعمًا، حيث تسابق الوزراء فى حكومة جونسون لتقديم استقالتهم، وشل الحكومة البريطانية، وخلال الفترة ما بين يوليو وسبتمبر 2022 قدم ما لا يقل عن 50 وزيرًا استقالتهم بوجه بوريس جونسون، البداية فى 5 يوليو 2022 على يد وزير الخزانة ريشى سوناك وساجد جاويد وزير الصحة قادة التمرد على جونسون ثم توالت الاستقالات حتى لم يجد جونسون حكومة يدير بها البلاد فقدم استقالته وغادر منصبه فى 6 سبتمبر 2022، ومن أجل ضمان عدم عودته لرئاسة حزب المحافظين تعرض جونسون لموجة من الضغوط أدت إلى استقالته من مقعده البرلمانى فى يونيو 2023.
وينص النظام السياسى البريطانى على أن يتم انتخاب رئيس الحزب من أعضاء الحزب داخل مجلس العموم، ومع عدم وجود مقعد برلمانى لجونسون وتقاعده عن الحياة البرلمانية فإن جونسون لم يعد قادرًا على العودة لرئاسة حزب المحافظين.
رفضت الولايات المتحدة الأمريكية خلافة ليز تراس لجونسون، وساهمت واشنطن فى إسقاط وزارة الــ44 يومًا التى ترأستها ليز تراس، وهكذا صعد ريشى سوناك للسلطة فى بريطانيا فى 25 أكتوبر 2022.
لم تهدف الولايات المتحدة ومن يدير الغرب بصعود سوناك سوى ما حدث فى انتخابات 2024، أى أن تنهار شعبية المحافظين ويتم سحقه فى البرلمان، والسبب يعود إلى أن البرلمان المنتخب عام 2019 معبأ بالقوميين الإنجليز، حيث قاد جونسون اليمين القومى داخل حزب المحافظين لتسيد مجلس العموم عام 2019.
والحل كان أن يخرج 251 نائبًا من مجلس العموم البريطانى فى أقسى هزيمة يتعرض لها حزب المحافظين منذ تأسيسه، حيث تبقى 121 نائبًا فحسب لا تجد فيهم رجل دولة واحدا قادرا على ترميم حزب المحافظين، ما يعنى عمليًا أن الحزب سوف يمر بمرحلة انتقالية حتى يجد الزعامة القادرة على إعادته إلى السلطة، وهكذا سقط الجناح القومى داخل الحزب لصالح الجناح المحافظ التقليدى.
كل ما تطلبه الأمر هو تعيين رئيس للحزب ضعيف بقدر ريشى سوناك، كما أن اختيار سياسى من أصول هندية جعل القوميين يصوتون لحزب الإصلاح بقيادة ميجيل فاراج آخر رموز قادة بريكست الموجودين على الساحة بعد تقاعد بوريس جونسون.
ولعل ميل حزب المحافظين إلى أجندة تمكين الأقليات هو ما جعل الشعب البريطانى يختار حزب العمال ذا التاريخ العريق فى تمكين الأقليات، فما الحاجة إلى اختيار نسخة مقلدة من سياسات حزب العمال طالما النسخة الاصلية مرشحة للحكم؟ هذا المنطق هو الذى جعل الشعب الاسكتلندى بدوره ينتخب حزب العمال على حساب الحزب الوطنى الاسكتلندى.
فالحزب الإسكتلندى فى الفترة الأخيرة عمل على إسقاط أنصار القومية الإسكتلندية وقام بتصعيد الباكستانى حمزة يوسف رئيسًا لحكومة إسكتلندا ما بين عامى 2023 و2024.
هكذا تم إسقاط أنصار القومية الإنجليزية فى حزب المحافظين البريطانى عبر تصعيد الهندى ريشى سوناك وإسقاط أنصار القومية الإسكتلندية فى الحزب الوطنى الإسكتلندى عبر تصعيد الباكستانى حمزة يوسف، صعد أنصار العولمة فى كلا الحزبين وفى الوقت ذاته رأى أنصار القومية الإنجليزية والإسكتلندية أنه لم يعد هناك فائدة من انتخاب الحزبين فسقط الحزبان أمام حزب العمال البريطانى الذى استطاع أن يكتسح دوائر اسكتلندية لم يصل إليها منذ عقود، كل هذا نتيجة يأس القوميين الإسكتلنديين من انتخاب الحزب الوطنى الذى بدأ يعزف عن فكرة تنظيم استفتاء لإسكتلندا للخروج من بريطانيا.
أدى ريشى سوناك وحمزة يوسف المطلوب منهما بدقة، انهيار تام فى شعبية الأحزاب التى ترأساها، يطلق على أمثال سوناك ويوسف لقب «هنود العولمة»، مثل صادق خان وكمالا هاريس وغيرهم من المهاجرين من أصول هندية ويلعبون اليوم أدوارًا مهمة لتمكين العولمة أمام صعود القوميين.
الحرب على اليمين القومى فى إنجلترا وإسكتلندا أمر منطقى على ضوء تخوف شبكات المصالح الغربية من النزعة القومية الرافضة لهيمنة العولمة على الدولة الوطنية حول العالم، والنتيجة أن الغرب بكل صرامة سحق حزب المحافظين ودمره وجعل شعبيته فى أسوأ حال حتى لا يتم التمكين للقوميين الإنجليز عبر الحزب.
121 نائبًا للحزب فحسب فى مجلس العموم لا يصلح أى منهم لرئاسة الحزب أو قيادته فى الانتخابات العامة المقبلة، ما يعنى عمليًا أن الحزب ينتظر الانتخابات المقبلة من أجل زيادة حصته بمجلس العموم ثم انتخاب زعيم قادر على إعادة الحزب للسلطة وهى أمور لن تحدث قبل عام 2032 على الأقل.
الفشل الوحيد لدوائر العولمة هو عدم قدرتهم على الدعوة لتصويت ثان على بريكست وإعادة بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبى، لأن الدعوة إلى تصويت ثان بحق الاتحاد الأوروبى يعنى بالتبعية إعطاء الحق لمن يطالب باستفتاء ثان لاسكتلندا بالاستقلال عن بريطانيا، وحتى الآن فإن لندن غير واثقة من قدرة حلفائها فى إسكتلندا على لجم القوميين الإسكتلنديين.
ولكن شبكات المصالح الغربية (دوائر العولمة) لجأت إلى حل آخر تمثل فى معاقبة بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبى منذ عام 2016، ما جعل التيار القومى فى عموم أوروبا يعدل من خطته، بعد أن كان القوميون فى إيطاليا وفرنسا يخططون للخروج من الاتحاد الأوروبى، أصبح «الدرس البريطانى» أمامهم والحل لم يعد الخروج من الاتحاد الأوروبى بل السيطرة على الاتحاد الأوروبى وتحويله من اتحاد قارى موال للعولمة إلى منتدى للقوميات الأوروبية ينسقون فيما بينهم من أجل التحرر من الهيمنة الأمريكية والصعود بـ«أوروبا الوطنية» بدلًا من «أوروبا العولمة» إلى مصاف القوى العظمى والمساهمة مع روسيا والصين فى لعبة كسر النظام العالمى إحادى القطب.
اللعبة علنية فى فرنسا
وإذا كانت اللعبة فى بريطانيا بحاجة إلى تحليل مطول، فإن اللعبة فى فرنسا كانت علنية للغاية، إذ دعا الرئيس إيمانويل ماكرون لانتخابات برلمانية مبكرة، وفى الجولة الأولى فى 30 يونيو 2024 اكتسح اليمين القومى الانتخابات الفرنسية، وبدا واضحًا أن فرنسا ذاهبة إلى اليمين القومى بعد إيطاليا والنمسا والمجر وهولندا والسويد وفنلندا إضافة إلى اليمين المحافظ الذى يحكم فى اليونان والبرتغال وقبرص، وأنظمة حليفة لروسيا لا تنتمى إلى اليمين المحافظ أو القومى فى صربيا وسلوفاكيا.
يدرك ماكرون جيدًا أن شبكات المصالح الغربية قبلت تمرده الهادئ على العولمة مقابل أنه حائط صد أمام اليمين القومى، وأنه هو من هزم مارين لوبان فى الانتخابات الرئاسية عامى 2017 و2022، وأنه من قاد حزب النهضة (حزب الجمهورية إلى الأمام سابقًا) للفوز على اليمين القومى فى الانتخابات البرلمانية الفرنسية عامى 2017 و2022، وبالتالى فإن سقوطه أمام اليمين القومى يعنى أن مجده السياسى أمام محكمة العولمة قد انتهى.
لذا لجأ ماكرون إلى ما أطلق عليه اليمين القومى الفرنسى لقب «انقلاب إدارى»، إنها هندسة الانتخابات أو التلاعب المقبول والقانونى بالديمقراطية، قرر ماكرون انسحاب مرشحيه أمام مرشحى ائتلاف اليسار فى دوائر معينة مقابل انسحاب مرشحى اليسار أمام مرشحى ائتلاف ماكرون فى دوائر تم اختيارها بعناية، وذلك حتى لا تنقسم الأصوات بين كتلة اليسار وكتلة ماكرون لصالح مرشح كتلة اليمين القومى، انسحب 220 مرشحًا من كتلتى اليسار الجديد وكتلة ماكرون.
والنتيجة أن كتلة اليسار بعد أن كانت فى المرتبة الثانية تقدمت إلى المرتبة الأولى فى جولة الإعادة يوم 7 يوليو 2024 بينما تقدمت كتلة ماكرون من المرتبة الثالثة إلى المرتبة الثانية وتراجعت كتلة اليمين القومى من المرتبة الأولى للمرتبة الثالثة.
قبلت دوائر العولمة بل قبل ماكرون نفسه أن يذهب البرلمان لليسار الجديد بدلًا من اليمين القومى، ولكن عمليًا لا أحد فائًزا فى الانتخابات بعد لعبة ماكرون فى الجولة الثانية، هو برلمان مغلق لا توجد فيه كتلة ذات أغلبية واضحة لتشكيل الوزارة وتدخل فرنسا مارثون طويلاً من التفاوض السياسى من أجل تشكيل وزارة منبثقة عن هذا البرلمان لذا لا عجب أن رفض ماكرون استقالة رئيس وزرائه جبريال اتال وكلفه بالاستمرار فى منصبه لحين قيام فرقاء البرلمان الفرنسى بالاتفاق على حكومة وبرنامج حكومى ورئيس جديد للحكومة.
بدأ ماكرون حياته ناشطًا ثم سياسيًا فى الحزب الاشتراكى الفرنسى، بل وكان وزيرًا فى عصر الرئيس الاشتراكى فرنسوا أولاند، مساحات التفاهم بين ماكرون واليسار الفرنسى كبيرة إضافة إلى أن دوائر العولمة ترى أن اليسار حليف لها وحائط صد أمام المد القومى لذا قبلت دوائر العولمة بصعود اليسار فى بريطانيا وألمانيا والدانمارك وإسبانيا والمكسيك دول أمريكا اللاتينية وحتى الولايات المتحدة الأمريكية حتى لا يصعد اليمين القومى فى موجته العالمية التى تجتاح المشهد السياسى الدولى، ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991 أصبح اليسار مجرد جماعات وظيفية تشكل يسار العولمة الأمريكية وتحالفت مع العولمة فى الكثير من المعارك بل إن أيديولوجيا الصوابية السياسية التى تعد فكر العولمة اليوم ما هى إلا أيديولوجيا يسارية.
اليسار الفائز فى الانتخابات الفرنسية يطلق عليه اليسار الجديد تميزًا عن المدارس اليسارية السابقة، والحاصل أن الأزمة الاقتصادية العالمية (2008 – 2013) التى أفرزت اليمين القومى هى ذاتها التى أفرزت اليسار الجديد، وهو يسار يرى أن جميع المدارس اليسارية الحالية حول العالم لا تعبر عن صحيح اليسار وعن صحيح الأفكار الماركسية وأنه يجب العودة إلى صحيح أفكار كارل ماركس.
ينتمى إلى اليسار الجديد كلً من أيد ميلباند وجيرمى كوربين رئيسى حزب العمال البريطانى فى زمن مكوثه بالمعارضة بوجه رؤساء الوزراء المحافظين كاميرون وماى وجونسون، وينتمى إلى اليسار الجديد حزب سيريزا اليونانى الذى شكل الوزارة فى أثينا أكثر من مرة بالإضافة إلى حزب بوديموس الإسبانى الذى قبل بالدخول فى ائتلاف حاكم مع حزب العمال الاشتراكى الاسبانى لمنع صعود اليمين القومى الإسبانى واليمين القومى الكتالونى.
فى فرنسا ظهر اليسار الجديد على يد جان لوك ميلونشون وصنع حزب فرنسا الأبية، وعلى ضوء انهيار اليسار الفرنسى أمام صعود القوميين، فإن باقى فيالق اليسار قررت التحالف تحت قيادته، وهكذا انضم الحزب الشيوعى الفرنسى والحزب الاشتراكى الفرنسى وحزب الخضر إلى جان لوك ميلونشون فى تحالفه لخوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
ويعتبر تاريخ جان لوك ميلونشون ملخصًا للكثير من المحطات البشعة للتاريخ الاستعمارى الفرنسى، إذ أن فرنسا الاستعمارية سعت لتوطين الأوروبيين فى الجزائر والمغرب إبان الاحتلال الفرنسى، وبدء الاستيطان الإيطالى والإسبانى والفرنسى لشمال غرب إفريقيا ولاحقًا تم تجنس كل أبناء الاستيطان الأوروبى بالجنسية الفرنسية.
جان لوك ميلونشون هو ابن الاستيطان الإيطالى والإسبانى لطنجة المغربية، ليست لهم أصول فرنسية بل إيطالية وإسبانية، أبصر الأراضى الفرنسية بعمر الحادى عشر وانتسب لليسار التروتسكى نسبة للسياسى الماركسى ليون تروتسكى وزير دفاع الاتحاد السوفيتى واحد قادة ثورة البلاشفة الروس والحرب الأهلية الروسية ومن مؤسسى الاتحاد السوفيتى.
ورغم عدائه التاريخى مع «النيوليبرالية» ودعمه للقضية الفلسطينية وحقوق الأجانب واللاجئين فى فرنسا، فإن الغرب رأى أنه لا يشكل خطرًا على فرنسا مثلما الحال إذا ما صعد اليمين القومى بقيادة مارين لوبان.
ولكن لماذا قبلت لوبان بهذه اللعبة بل وعمدت إلى تهدئة القوميين؟ يعود ذلك إلى الخلافات بين كتلة اليسار، إذ بينما حزب فرنسا الأبية بقيادة جان لوك ميلونشون لا يميل للتحالفات الحزبية فإن الاشتراكيين والشيوعيين والخضر ليس لديهم مشكلة فى التحالف مع حزب الجمهورية إلى الأمام الماكرونى، كما أن اليسار ذو نفس قصير فى الحكم بينما هو بارع فى المعارضة لذا رأت لوبان أن صعود اليسار الجديد إلى السلطة اليوم سوف يساهم فى حرقه سريعًا ولتصبح مارين لوبان هى الحل فى أقرب انتخابات برلمانية ورئاسية.
مستقبل الأزمة
مثلما كير ستارمر ليس هو الحل لمشاكل بريطانيا فإن جان لوك ميلونشون ليس حلًا لمشاكل فرنسا، واليسار سواء «اشتراكى أو ليبرالى أو جديد» ليس حلًا لمشاكل فرنسا وبريطانيا، ودوائر الغرب تدرك ذلك جيدًا ولكنها لعبة النفس الطويل وعض الأصابع لحين تفكيك واضمحلال موجة اليمين القومى والمد القومى الإنجليزى والإسكتلندى والفرنسى، ظفر ماكرون بفرصة للبقاء بأعجوبة والسيطرة على مجلس الوزراء والجمعية الوطنية (البرلمان) لفترة من الوقت وقد يذهب إلى انتخابات برلمانية مبكرة هى الثانية على التوالى فى حادثة لم تحدث فى تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة، وقد يستطيع التعايش مع حكومة ائتلافية من هذا البرلمان لحين الانتخابات الرئاسية الفرنسية فى 2027.
ختامًا يعيش العالم حربا شعواء بين القوميين والنيوليبراليين، حرب سياسية وأيديولوجية لها آثار واضحة على جميع مفردات العالم اليوم.