الأحد 8 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

سؤال يفرض نفسه.. هل تُفضل دول الخليج عودة «ترامب» إلى البيت الأبيض أم استمرار «بايدن»؟

تترقب دول الخليج ما سوف تتمخض عنه الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة فى الخامس من نوفمبر المقبل، والتى سوف تقرر نتيجتها من يسكن البيت الأبيض، ويحكم الولايات المتحدة الأمريكية لفترة رئاسية تمتد لأربع سنوات قادمة، ففى مثل هذه الأوقات التى تسبق الحسم تدور فى أروقة الحكم، والدوائر السياسية والنخب الثقافية فى دول الخليج عدة تساؤلات تطرح نفسها بقوة وإلحاح، من شاكلة هل تفضل الدول الخليجية، عودة الرئيس الأمريكى السابق الجمهورى «المتهور» دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أم تريد أن يستمر الديمقراطى «الخرف» جو بايدن على رأس الإدارة الأمريكية؟، وما الذى تنتظره هذه الدول من دونالد ترامب فى حال فاز بالانتخابات وعاد إلى البيت الأبيض، وهل هو الرئيس الأصلح والأنسب لها فى هذه المرحلة؟، بعدما تخلصت دول الخليج من ارتباطها الكامل بالولايات المتحدة الأمريكية وأسست لعلاقات استراتيجية متكافئة مع كل من الصين وروسيا فى إطار سياسة ممنهجة تتعدد فيها الأقطاب.



الاتفاق النووى مع إيران ينهى سبعين عاما من العلاقات الخليجية الأمريكية

على مدى سبعين عاما كانت دول الخليج تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية شريكًا استراتيجيًا وركيزة أساسية لاستتباب الأمن فى منطقة الخليج، منذ اتفاق كوينسى الذى وقعه الملك عبدالعزيز آل سعود مع الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت فى الإسكندرية يوم 14 فبراير 1945، حتى توقيع الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما للاتفاق النووى مع إيران فى أكتوبر 2015، والذى به دشنت واشنطن استراتيجية جديدة على إثرها بدأت فى التخلى عن أصدقائها التقليديين من دول الخليج، والانسحاب تدريجيا من منطقة الشرق الأوسط، وجاء الموقف الأمريكى السلبى الذى اتخذه الرئيس السابق دونالد ترامب حيال الهجمات الإيرانية بطائرات مُسيّرة وصواريخ كروز على المنشآت النفطية التابعة لشركة أرامكو فى بقيق وخريص (شرق السعودية) عام 2019، ليعمق من الهوة ويزيدها اتساعا مع دول الخليج التى كانت تراهن دائما على الموقف الأمريكى التقليدى فى الانحياز إلى جانبها قبل أن يخذلها الحزبان، الديمقراطى فى عهدى باراك أوباما وجو بايدن، والجمهورى فى عهد دونالد ترامب الذى نجا من محاولة اغتيال مطلع الأسبوع الماضى تقربه أكثر من كرسى الرئاسة والجلوس مجددا فى البيت الأبيض.

تفوق الجيل الحاكم فى الخليج على نظيره فى الولايات المتحدة 

لم يعد خافيا على دوائر صنع القرار فى العالم أن جيلا جديدا من الشباب الواعى المدرك لجميع التحديات والمحددات التى تفرضها ضرورات الأمن القومى والإقليمى لدول الخليج، هذا الجيل « المتعلم فى أرقى الجامعات هو الذى يدير دفة الحكم فى دول تتمتع بثروات لا تنضب، وتعانى من ويلات أحقاد لا تنتهى»، بات يدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد هى تلك الدولة التى أبرم معها الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود اتفاق كوينسى قبل نهاية النصف الأول من القرن العشرين، أى قبل سبعة عقود، فمن يترأسها فى الدورات السابقة إما أهوج ك«أوباما» أو متهور ك «ترامب» أو خرف ك «بايدن» وهذه نظم حكم لا يمكن لدول الخليج التعويل عليها أو الارتكان إليها، ولذا لم تكن العلاقات الخليجية الأمريكية جيدة فى عهد الثلاث رئاسات السابقة اذ شهدت توترات عدة لأسباب أمنية وسياسية واستراتيجية واقتصادية مختلفة، منها ما يتعلق بالاتفاق النووى مع إيران، وحجم الدور الإيرانى فى المنطقة، والخلافات الجذرية حول حل القضية الفلسطينية، وما يتعلق بسياسات تسعير النفط داخل منظمة أوبك، فضلا عن شماعة حقوق الإنسان التى تشهرها أمريكا كلما ومتى شاءت لابتزاز العديد من الدول، ورغم كل هذا الخلاف الحدى منها والجوهرى، فإن دول الخليج العربى استطاعت أن تحافظ على علاقات متوازنة مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، حتى مع تغير القيادات داخل البيت الأبيض، إلا أن التفاهم والعلاقات المتوازنة، لا يمنع حدوث توترات، وقد سبق أن عبرت دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية عن عدم ارتياحها فى أكثر من مرة طيلة السنوات الماضية بشأن ما تعتبره تراجعًا فى التزام واشنطن بأمن شركائها فى المنطقة، وهو ما دفعها إلى توطيد علاقاتها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية بموسكو وبكين، بسبب سياسات بايدن السلبية التى دفعت المملكة إلى ابرام اتفاق تطبيع مع إيران برعاية صينية وهو ما يعنى أن المملكة أدركت أهمية أن يكون لها سياستها الخارجية المستقلة دون التقيد بالمصالح الأمريكية. 

الخليج أكثر ميلا وارتياحا لعودة ترامب

ورغم أن الدوائر الخليجية لا تعلن صراحة رغبتها فى من يفوز فى الانتخابات الأمريكية المقبلة، إلا أنها فيما يبدو أكثر ميلا وارتياحا لعودة الرئيس السابق دونالد ترامب، أولا لأن دول الخليج تفضل الرؤساء الجمهوريين على الديمقراطيين، كما أن هذه الدول تعرف ترامب جيدًا، وأجادت تطويعه والتعامل معه، وتفاعلت معه، وتعاونت مع إدارته، وترى فى أن عودته للحكم تصب فى مصلحة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، باعتبار أن رئاسته الولايات المتحدة عام 2016، ساهمت «من وجهة نظر البعض» فى تخفيف بعض مخاوف الدول الخليجية التى نشأت عن تردى سياسات الرئيس باراك أوباما فى الشرق الأوسط، كما أنه اتخذ موقفا معاكسا لسلفه الرئيس أوباما وأعلن من جانبه عام 2018 خروج بلاده من الاتفاق النووى مع إيران، وهذا يصب فى مصلحة دول الخليج التى أعلنت مرارا رفضها للمشروع النووى الإيرانى، كما اختار ترامب الرياض لتكون وجهته الأولى للسفر خارج الولايات المتحدة الأمريكية وعدَها أحد المرتكزات الأساسية لاستراتيجيته تجاه الشرق الأوسط، واعتبرها شريكًا استراتيجيًا مهمًا للولايات المتحدة فى الحفاظ على الاستقرار الإقليمى والأمن الاقتصادى العالمى، وبالمقارنة بين سياسات ترامب وبايدن، فإن دول الخليج ترى أن هناك تفاوتا كبيرا جدًا بين الرئيسين، فقد كانت أول دولة سافر إليها ترامب بعد توليه الحكم هى المملكة، وكسر بذلك الكثير من البروتوكولات الأمريكية، فى المقابل كان تعامل بايدن مع المملكة فى بداية حكمه سلبيًا ثم تراجع عن كل مواقفه وعاد للتفاهم معها بعد إدراك حاجته الماسة للتعاون والتنسيق معها فى العديد من الملفات والقضايا.

لكن من وجهة نظر البعض الآخر فإن عودة دونالد ترامب للرئاسة ربما ستؤدى إلى توتر أكثر للعلاقات الأمريكية مع دول الشرق الأوسط، بسبب أهوائه الشخصية فى الإدارة، فضلًا عن الدعم المطلق الذى يمكن أن يقدمه ترامب لإسرائيل فى حربها على غزة، والذى قد يفوق بمراحل الدعم المقدم من إدارة جو بايدن، وهو ما قد يتسبب فى إشعال الأزمات بشكل أكبر، ويدفع نحو توترات أكثر مع دول الخليج.

دول الخليج تجيد تطويع الرؤساء الأمريكيين

لقد برهنت المملكة العربية السعودية ومن خلفها دول الخليج على إجادتها لفن تطويع الإدارات الأمريكية المتعاقبة بصرف النظر عن هوية الرئيس أو أيديولوجيته السياسية، يمينًا أو يسارًا، ديمقراطيا، أو جمهوريا فجميعهم شربوا من معين اللوبى الصهيونى، ومن يستحضر أو يقرأ تصريحات بايدن قبل الانتخابات الرئاسية ومن قبله ترامب ثم التراجع عنها بعد الجلوس على مقعد الرئاسة فى البيت الأبيض يدرك أن الوزن الاستراتيجى الذى تمثله دول الخليج لا يستطيع أى رئيس تجاهله مهما كانت مواقفه وتصريحاته الحدية ضد المملكة ودول الخليج التى يطلقها أمام ناخبيه فى الهواء الطلق والتى سرعان ما يبدأ فترته الرئاسية بالتوجه الى المملكة فى رسالة اعتذار مباشرة لا يخطئها أحد.