الأحد 8 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الجيش الإسرائيلى يزعم استهداف محمد الضيف: المواصى ملجأ الغزاويين الأخير لم تعد آمنة

نددت دول عربية وإقليمية بهجوم إسرائيل على منطقة تصنفها آمنة فى جنوب قطاع غزة وهى المواصى وأودى بحياة ما لا يقل عن 100 فلسطيني وذلك بعد استخراج حوالى 400 مصاب وقتيل من تحت الأنقاض، غير الإصابات الأولى التى وصلت إلى أكثر من 300 آخرين. وزعمت إسرائيل أنها استهدفت قائد كتائب القسام الجناح العسكرى لحركة حماس محمد الضيف، فى غارة جوية على منطقة مواصى خان يونس بجنوب قطاع غزة، وهو ما وصفته الحركة الفلسطينية بأنه ادعاءات كاذبة. كما زعم الجيش الإسرائيلى أن الهجوم استهدف أيضا قائد كتيبة خان يونس رافع سلامة، واصفا القياديين فى حماس بأنهما من العقول المدبرة لهجوم السابع من أكتوبر. 



أدانت مصر والأردن الهجوم الإسرائيلى، وهو الأقوى منذ عملية النصيرات الشهر الماضى التى أودت بحياة أكثر من 270 شخصا، وأصابت مئات آخرين. وطالبت الخارجية المصرية إسرائيل فى بيان بالكف عن الاستهانة بأرواح المواطنين المدنيين العزل، والتحلى بالمعايير الإنسانية الواجبة التزاما بأحكام القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى. وحذر البيان المصرى من أن هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم، ولا يمكن القبول بها تحت أى مبرر من المبررات، وأن مثل هذه الانتهاكات ضد الفلسطينيين تضيف تعقيدات خطيرة على قدرة الجهود المبذولة حاليا للتوصل إلى التهدئة ووقف إطلاق النار، وتزيد من المعاناة الإنسانية للفلسطينيين.

وبدورها قالت حركة حماس، إن إعلان إسرائيل استهداف قيادات للحركة فى منطقة مواصى خان يونس، ادعاءات كاذبة من أجل التغطية على حجم المجزرة المروعة. وأوضحت الحركة، فى بيان، أن الجيش الإسرائيلى ارتكب المجزرة فى منطقة صنفها بأنها آمنة ودعا المواطنين للانتقال إليها، مضيفة أن طائرات ومدفعية ومسيرات الاحتلال استهدفت بشكل مكثف ومتتالى خيام النازحين بمختلف أنواع الأسلحة». وتابعت: ادعاءات الاحتلال حول استهداف قيادات إنما هى ادعاءات كاذبة، وهذه ليست المرة الأولى التى يدعى فيها استهداف قيادات فلسطينية، ويتبين كذبها لاحقا، وإن هذه الادعاءات الكاذبة إنما هى للتغطية على حجم المجزرة المروعة.

ونشر الجيش الإسرائيلى صورة جوية للموقع، وقال إن إرهابيين يختبئون بين المدنيين فى الموقع، على حد زعمه. وأضاف فى بيان: موقع الهجوم منطقة مفتوحة محاطة بأشجار وعدة مبانى وملاجئ. فيما قال مسئول عسكرى إسرائيلى لصحفيين إن المنطقة ليست مجمع خيام، إنما مجمع عمليات تديره حماس، وإن عدة مسلحين آخرين كانوا هناك لحماية الضيف، بحسب زعمه. من جانبه، قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت إن الوزير يجرى مشاورات خاصة فى ضوء التطورات فى غزة، ولم يتضح كيف ستؤثر الضربة على محادثات وقف إطلاق النار الجارية فى الدوحة والقاهرة. كما أمر جالانت بزيادة الاستعداد العملياتى على جميع الجبهات بعد محاولة استهداف محمد الضيف فى مواصى خان يونس. وتم نقل كثير من المصابين فى هجوم المواصى إلى مستشفى ناصر القريب الذى قال مسئولوه إنه صار مثقلا ولم يعد قادرا على العمل بسبب شدة الهجوم الإسرائيلى، ونقص حاد فى المستلزمات الطبية.

ومع بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، طلب الجيش الإسرائيلى من سكان شمال القطاع ومدينة غزة التوجه إلى منطقة مواصى خان يونس باعتبارها منطقة آمنة، واليوم بعد حوالى 10 شهور على الحرب لا يزال الجيش يحدد المواصى هدفا للنزوح مع مهاجمة أو معاودة الهجوم على أحياء فى شمال القطاع، وأغلب الظن أنه يريد لها أن تكون مكانا ينزح إليه النازحون إلى رفح قبل هجوم محتمل على المدينة التى تكدس فيها مليون ونصف المليون فلسطينى.

وظلت المنطقة هادئة حتى بدأ النازحون بالتدفق إليها مع بداية الهجوم البرى على غزة، حين تم بناء مخيم للاجئين فى المنطقة. يوجد بها اليوم عدد من النازحين لكنه قليل فى ظل غياب الخدمات، وهناك مخاوف مرتفعة اليوم، من تدفق كبير للنازحين هناك إذا ما نفذ الجيش الإسرائيلى تهديداته باقتحام رفح. وعمليا لا تتسع المواصى لنحو مليون و300 ألف نازح فى رفح. وفى وقت سابق، رفضت الأمم المتحدة اعتبار المواصى منطقة آمنة، قائلة إن المنطقة تعوزها الظروف الأساسية للأمن والحاجات الإنسانية الأساسية الأخرى. وكانت المواصى تشتهر بأراضيها الخصبة ومياهها العذبة وزراعتها المزدهرة، حتى وصفت بأنها سلة غذاء قطاع غزة، فاستغل الاحتلال وفرة المياه، ووضع يده بالقوة على أراضى زراعية واسعة، وعمل على تكثيف الإنتاج الزراعى الذى كان يتم تصدير جزء كبير منه إلى أوروبا. وعقب اتفاق أوسلو عام 1993، تولت إدارة المنطقة قوات مشتركة من الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، تولت قوات الاحتلال المهام الأمنية فـى منطقة المواصى، بينما تحملت السلطة الفلسطينية المسؤولية عن النظام الداخلى للفلسطينيين والشئون المدنية، وهو الأمر الذى أتاح للعائلات الفلسطينية التى تسكن المنطقة القدرة على مزاولة عملها فى الزراعة.

وقالت القناة 13 الإسرائيلية إن قوات الجيش نفذت هجمات غير عادية فى خان يونس جنوب قطاع غزة، شملت ما لا يقل عن 5 قنابل ثقيلة تزن طنا للقضاء على الضيف وسلامة. وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت إنه تم إلقاء 5 قنابل ضخمة، بعضها خارق للحصون، تحت الأرض، فوق المكان الذى كان الضيف موجودا فيه. وقالت إذاعة الجيش إن 8 قنابل ألقيت هناك نتيجة يقين استخباراتى بوجود الضيف فى الموقع المستهدف، بينما كانت التقديرات تؤكد أن الضيف لن يبقى لفترة طويلة فى المجمع، وكانت النافذة الزمنية قصيرة جدا. وقال مسئولون إسرائيليون كبار: لقد حاولنا القضاء على الضيف فوق الأرض، وتحققت الفرصة. لكن الفلسطينيين، بمن فى ذلك الرئاسة الفلسطينية وحماس والمكتب الإعلامى الحكومى فى غزة، اتهموا إسرائيل بارتكاب مجزرة جديدة فى منطقة المواصى.

ووفقا لصحيفة يديعوت أحرونوت فقد أتت معلومات فى وقت متقارب عن مكان الضيف وسلامة من وحدة خاصة تابعة لهيئة الاستخبارات العسكرية أمان والشاباك. وقالت القناة 14 الإسرائيلية إنه بعد منتصف الليل أتصل رئيس الشاباك والسكرتير العسكرى برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وأبلغاه بالوضع، وطرح نتنياهو عدة أسئلة، بما فى ذلك إذا كان هناك مختطفون إسرائيليون حول الضيف ونائبه، وعندما تم نفى المعلومة، أعطى الضوء الأخضر للتنفيذ. ورغم أن نتنياهو لم يعلق على الهجوم، لكنه لمح إلى دوره فى هذا النجاح لو تم، باعتبار أنه صادق سلفا على تصفية كبار قادة حماس. وذكر مكتبه أن رئيس الوزراء نتنياهو أصدر بالفعل فى بداية الحرب توجيها دائما بتصفية كبار مسؤولى حماس، وتم إطلاعه على جميع التطورات قبل الهجوم على المواصى وبعده. كما أعلن مكتبه أنه سيجرى تقييما للوضع مع جلسة ستضم جميع المسئولين الأمنيين لمناقشة التطورات والخطوات المقبلة. وقبل ذلك، كان جالانت أعلن أنه أجرى تقييما للوضع العملياتى مع رئيس الأركان هرتسى هاليفى، ورئيس الشاباك رونين بار. والتقييمات التى ترأسها نتنياهو وجالانت متعلقة أيضا بمستقبل الحرب. وتم أخذ قرار استهداف الضيف رغم التقدم فى مفاوضات وقف النار، ويعتقد الإسرائيليون أن هذا التقدم ساعدهم بطريقة أو بأخرى. وقال مصدر أمنى إن الضيف ربما قرر الصعود فوق الأرض فى ضوء المفاوضات المتقدمة للصفقة. ووفقا لمراقبين فى إسرائيل، فإنه فى هذه المرحلة ما زال من السابق لأوانه معرفة ما ستكون عليه العواقب على الصفقة.

ومع تصاعد العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، عقب طوفان الأقصى التى وقعت فى السابع من أكتوبر 2023، أدت الضربات العسكرية الإسرائيلية على جميع مناطق القطاع، إلى سقوط آلاف الضحايا من المدنيين، وعشرات الآلاف من الجرحى. وتتابعت بيانات عسكرية لقوات الاحتلال منذ 18 أكتوبر الماضى، تدعو سكان القطاع بالتوجه جنوبا نحو المناطق المفتوحة غرب خان يونس، وتحديدا إلى منطقة المواصى التى قالت إسرائيل إنها منطقة آمنة، سترسل إليها المساعدات الدولية عند الحاجة. وبدأ النازحون بالتدفق إلى المنطقة التى وجهوا إليها، ولكنهم لم يجدوا عند وصولهم مأوى أو مساعدات إنسانية، إذ لا تعتبر المواصى مؤهلة لإستقبال نازحين، سواء من حيث كفاءة البنية التحتية وتوافر الخدمات، أو من حيث كفاية المبانى السكنية. واضطر القادمون إلى المنطقة للتكدس فى مناطق قاحلة ضيقة فى العراء، وفى ظروف تفتقر للشروط الأساسية للحياة البشرية، حيث لا تتوفر مياه أو كهرباء أو دورات مياه، ولا مساعدات إنسانية لا تكفى الأعداد المتزايدة من النازحين.

وتتحول منطقة مواصى خان يونس الساحلية فى جنوب قطاع غزة شيئا فشيئا إلى رفح جديدة، بعد أن تكدست فيها أعداد هائلة من النازحين لتمتلئ الأراضى الزراعية والمستوطنات الإسرائيلية السابقة، أو ما يطلق عليها المحررات، والشوارع الرئيسية والفرعية وشاطئ البحر بالخيام التى وصل عددها إلى 1200 خيمة. ومشاهد الخيام المتلاصقة والمناطق المكتظة بالنازحين كانت ترتبط فى وقت سابق بمدينة رفح، التى فر إليها ما يزيد على مليون فلسطينى هربا من القصف الإسرائيلى الذى طال كل مناطق قطاع غزة، لكن مع توالى نزوح مئات الآلاف من المدينة الحدودية فى اتجاه المواصى خان يونس، التى كانت تستوعب أصلا أعدادا كبيرة من النازحين، يشعر الفلسطينيون بأن رفح أخرى انتقلت إلى هذا الشريط الساحلى الضيق. وعلى الرغم من تشابه مشاهد التكدس بين المواصى ورفح، لكن الفارق كبير على صعيد البنية التحتية والخدمات العامة، فرفح مدينة تتوفر فيها مقومات الحياة العادية، وإن كانت محدودة، مثل الطرقات الممهدة وشبكات المياه والصرف الصحى والاتصالات والمؤسسات الصحية والإغاثية وغيرها.

وذكرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن حوالى 300 ألف فلسطينى تم تهجيرهم قسرا من رفح، لكن الأعداد الحقيقية تبدو أكبر من ذلك مع توجه عشرات الآلاف إلى مواصى خان يونس أو مدينة خان يونس التى سوى الجيش الإسرائيلى غالبيتها بالأرض.

وفى نهاية أكتوبر الماضى طلب الجيش الإسرائيلى من السكان فى مدينة غزة وشمالها الانتقال لمنطقة المواصى الواقعة جنوب القطاع، مشيرا إلى أنه سيتم توجيه المساعدات الإنسانية الدولية إليها فى حالة الضرورة. وإسرائيل تعمل خلال العملية العسكرية الحالية على تقسيم قطاع غزة إلى عدد من المربعات من أجل تنفيذ عمليات عسكرية خاصة، والتى ستكون مبنية على معلومات استخباراتية من أجل تحرير الأسرى الإسرائيليين؛ وما يتم تنفيذه عسكريا فى قطاع غزة هو بروتوكول هانيبال الإسرائيلى والذى يقضى بأن يكون الجندى قتيلا فى يد العدو أفضل من أن يكون أسيرا على قيد الحياة؛ كما أن دعوة الجيش الإسرائيلى تأتى فى سياق الحرب الدعائية والنفسية ولترهيب سكان قطاع غزة تمهيدا لتجميعهم وحشرهم بالقرب من الحدود مع مصر؛ والمواصى منطقة مفتوحة ويسهل على إسرائيل العمل فيها عسكريا، على عكس المناطق الأخرى فى قطاع غزة المكتظة بالسكان والتى يجد الجيش الإسرائيلى صعوبة للعمل فيها؛ بسبب تقارب الأبنية السكنية.