خطة شاملة لتوطين الصناعات الرئيسية وكسر قيود البيروقراطية أمام المستثمرين.. وانطلقت شرارة الثورة الصناعية لمصر

أحمد زغلول
تفرض تطورات الأوضاع الاقتصادية فى العالم بصفة عامة، وانطلاق قطار الثورة الصناعية الرابعة التى تقوم على الأتمتة والذكاء الاصطناعى وسلسلة الكتل (Blockchain) وغيرها من المستجدات التكنولوجية المتلاحقة، على صانع القرار فى بلادنا تغييرًا كبيرًا فى الرؤية وتعجيلًا فى تنفيذ الخطط لتحقيق التنمية الصناعية والاستفادة من المقومات المتاحة لحجز مقعد بين الدول التى أصبحت تمُثّل قواعد صناعية كبرى تفيد العالم، وتجنى ثمار ذلك نموًا اقتصاديًا كبيرًا وتحقيق الرفاهية لمواطنيها.
ويبدو أن هذا التغيير فى الفكر والرؤية قد بدأ فعليًا باستحداث منصب نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية الذى يعكس -فى حد ذاته- تعاظم الاهتمام، فى الوقت نفسه الذى يتم فيه الإعلان عن مستهدفات طموحة بمرتكزات تتمثل فى رفع مساهمة قطاع الصناعات التحويلية إلى 20 % من الناتج المحلى، زيادة نسبة المكون المحلى فى الصناعة إلى 60 % فى المتوسط، إلى جانب رفع مستهدفات التصدير إلى 145 مليار دولار سنويًا مقابل نحو 50 مليار دولار فى الوقت الراهن.
ولا يمكننا هنا فصل إمكانية تحقيق هذه المستهدفات الطموحة دون النظر إلى شخص ومقومات نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية المهندس كامل الوزير، والذى أوكلت إليه أيضًا مَهَمة وزير الصناعة، حيث يُشهد له بالجدية والالتزام.. ودوره فى وزارة النقل ومن قبلها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وإشرافه على مشروعات ضخمة تم تنفيذها من دون تأخير يدلل أنه الاختيار الأصوب لمهمة الولوج إلى عهد جديد من التنمية الصناعية.
وبينما توضح المستهدفات أفق المضمار الذى ستسير فيه الحكومة من أجل تحقيق النهضة الصناعية، فإن هناك محطات مهمة لا بد من تجاوزها على المدى المتوسط لتمهيد الطريق نحو تحقيق انطلاقة كبيرة، وعلى رأس هذه المحطات والتى تمثل تحديًا كبيرًا (البيروقراطية) التى لا تزال تجثم على أنفاس المستثمرين رغم التعديلات التشريعية الكبيرة التى تضمن تيسيرات لا تصل إلى الراغبين فى الاستثمار الصناعى إلا بشق الأنفس.
>القضاء على البيروقراطية
ويعد القضاء على البيروقراطية وإنهاء حالة البطء فى إصدار الموافقات والتراخيص هو الباب الرئيسى لدخول المستثمرين المحليين والأجانب بقوة فى قطاعات الصناعة المختلفة، حيث تبرز مطالب لتوحيد جهات الولاية على الأراضى الصناعية، وتطوير أداء الهيئة العامة للتنمية الصناعية، خاصة فى ملفات إجراءات التراخيص التى تتطلب وقتًا كبيرًا رغم صدور قانون التراخيص الصناعية 15 لسنة 2017.
كذلك يطالب القطاع الصناعى بسرعة البت فى طلبات تخصيص الأراضى التى تتطلب وقتًا طويلا يصل إلى 6 أشهر خاصة للمساحات الكبيرة التى تتجاوز 10 آلاف متر، كذلك فك التشابكات مع الجهات العاملة على الملف الصناعى لأنها تتسبب فى تعطيل الإجراءات.
أيضًا تبرز هنا أهمية الرخصة الذهبية فى تسريع وتيرة إصدار التراخيص والموافقات للمشروعات الصناعية الكبرى أو التى لها أهمية استراتيجية.
والرخصة الذهبية (الموافقة الواحدة) وفقا لنص المادة 20 من قانون الاستثمار الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 2017 والمادتين (42 و43) من لائحة التنفيذية، هى موافقة واحدة على إقامة المشروع وتشغيله وإدارته بما فى ذلك تراخيص البناء، وتخصيص العقارات اللازمة له، ويجوز منحها للشركات بقرار من مجلس الوزراء.
>قانون الصناعة الموحد
تتزايد الحاجة لإصدار قانون موحد للصناعة، وهو الأمر الذى تتبناه حاليًا لجنة الصناعة بمجلس النواب لحل المشكلات التى تواجه القطاع من خلال إجراءات وقواعد واضحة يشملها قانون واحد، وهنا يمثل الحل التشريعى مخرجًا للتشابكات بين الجهات التى تشترك فى فرض الضوابط أو الإجراءات للمشروعات الصناعية المختلفة.
وتبرز أهمية قانون الصناعة الموحد الذى تتبناه لجنة الصناعة بمجلس النواب فى إنهاء التضارب الذى يتسبب فيه تعدد القوانين والجهات المنظمة للقطاع الصناعى، كما أن بعض القوانين التى يخضع لها تعود إلى فترة الستينيات وتم تعديلها عشرات المرات وأصبح بها عوار دستورى.
وتدخل جهات من خارج وزارة الصناعة فى القطاع جعل الأمر يشوبه العوار الدستورى، وأدى إلى البيروقراطية وعدم تشجيع المستثمرين، حيث تتدخل فى المشروعات الصناعية 8 جهات مختلفة، مثل وزارة الزراعة وقطاع الطاقة ووزارة المالية والمحاجر وقطاع الأعمال، وغيرها.
>أيدٍ عاملة مؤهلة
ولا يمكن لنهضة صناعية أن تتحقق دون الأيدى العاملة المؤهلة ذات الكفاءة العالية، وهنا تبرز جهود الدولة فى السنوات السبع الأخيرة لإطلاق مدارس التكنولوجيا التطبيقية التى تضمن توفير الأيدى العاملة لقطاعات صناعية مختلفة مثل السيارات والذهب والإلكترونيات وغيرها، وقد ارتفع عدد هذه المدارس من 3 مدارس فى عام 2018 إلى 71 مدرسة بنهاية عام 2023 بجميع محافظات الجمهورية.

وثمة أهمية كبرى لاستمرار التوسع فى هذه المدارس بجميع المحافظات من أجل تخريج جيل جديد من العمالة القادرة على التعاطى مع سوق العمل والوسائل التكنولوجية الحديثة فى الإنتاج.
وقد تناولت خطة الإصلاحات الهيكلية فى مصر ثلاثة مستويات من التعليم وكيفية تحسين مخرجات العملية التعليمية على تلك المستويات عن طريق توفير دراسات بينية بالتخصصات المختلفة فيما يخص التعليم العالى وذلك لتوفير تخصصات تخدم سوق العمل.
>سمعة المنتج المصرى
تستهدف خطة التنمية الصناعية المساهمة فى تحقيق نمو كبير فى الصادرات خلال السنوات المقبلة، وصولًا إلى 145 مليار دولار سنويًا بحلول 2030، وهذا المستهدف يرتبط بشكل وثيق بالاهتمام بسمعة وجودة المنتج المصرى.
وهنا يبرز اهتمام القيادة السياسية بجودة المنتج المصرى، وذلك ما أكده الفريق كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية، والذى أوضح فى أكثر من مناسبة فى الأيام الماضية اهتمام الرئيس وحرصه على استعادة سمعة المنتجات المصرية محليًا وفى الأسواق الخارجية.
ويتطلب ذلك الأمر تدعيم أداء ودور مصلحة الرقابة الصناعية والتى تتولى القيام بحملات تفتيشية على المصانع والمنشآت للتأكد من التزامها بمعايير الجودة، حيث تضطلع المصلحة بمهمة الرقابة على المصانع وحماية المواطنين من عمليات الغش الصناعى والحفاظ على سمعة المنتج المصرى بالسوقين المحلية والعالمية، وذلك فى إطار حرصها على الارتقاء بجودة وتنافسية المنتج المصرى لتوفير منتجات آمنة بالأسواق المحلية وزيادة مساهمة الصناعة الوطنية فى الصادرات.
كذلك فإن الالتزام بإصدار شهادة مزاولة أو إدارة التصدير يعد من البرامج المهمة التى تخدم التجارة الخارجية بكل أطرافها، ولا بد من التأكيد على الالتزام بها حيث أنها تقف فى وجه عشوائية تداول الصادرات التى أساءت للمنتج المصرى فى السنوات السابقة.

>152 فرصة استثمارية فى المُقدمة
ويأتى فى مقدمة المشروعات والفرص الاستثمارية بالقطاع الصناعى والتى لا بد من الإسراع فى البدء باستغلالها لتحقيق مردود كبير للاقتصاد، ما يصل إلى 152 فرصة تم حَصرها من جانب الحكومة بعد تحليل دقيق لقوائم الواردات، وهذه الفرص طاقتها التشغيلية نحو 47 ألف فرد، وقدرتها الإنتاجية بما يُناهز 3 مليارات دولار وهو ما يُعادل 11 % من الفجوة الاستيرادية والبالغة نحو 25.7 مليار دولار.
وتشمل قائمة تعميق التصنيع الـمحلى مجموعة عريضة من الصناعات فى مجالات شتى، تضم مُنتجات الحديد والصلب والـمُنتجات الورقية، وتصنيع الأدوية والأمصال واللقاحات الطبية، وتصنيع الـمواسير والغلايات، ومُكوّنات وقطع غيار السيارات.
ويساهم هذا التوجه فى تحفيز التصنيع الـمحلى للـمُكوّنات الـمُستوردة للإحلال محل الاستيراد.
وثمة توجه ثانٍ لاستراتيجية التصنيع، ويتمثل فى تنمية الصناعات ذات القدرة التصديرية للأسواق الواعدة، مثل الصناعات الغذائية والنسيجية والهندسية والكيماوية، مع تفعيل دور الأجهزة الداعمة للنشاط التصديرى، مثل صندوق الـمُساندة ومركز تحديث الصناعة، ومكاتب التمثيل التجارى، والهيئات الـمُشرفة على المعارض والـمُؤتمرات الترويجية، ومراكز التدريب الـمُتخصّصة، وينشُد هذا التوجّه الاستراتيجى تسريع وتيرة نمو الصادرات الصناعية بما لا يقل عن 20% سنويًا.
أما التوجّه الثالث، فيتجلى فى إعطاء أولويّة للصناعات الخضراء صديقة البيئة لضمان استدامة التنمية، ومن أمثلتها صناعة السيارات الكهربائية، وصناعة الهيدروجين الأخضر، وصناعة الألواح والخلايا الشمسية، ومحطات مُعالجة مياه الصرف الصحى، وتحلية مياه البحر، وتصنيع الأجهزة الـمُوفّرة لاستهلاكات الـمياه والكهرباء.
وفى هذا التوجه بدأت الحكومة جهودًا كبيرة لا سيما بمجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث وقعت الحكومة والشركات المصرية خلال مؤتمر الاستثمار المصرى الأووربى الذى عُقد مؤخرًا اتفاقات مع شركات أوروبية كبرى باستثمارات تصل إلى 60 مليار يورو فى مجال صناعة الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء.
كذلك فثمة أهمية لتسريع العمل بالـمشروعات الجارى تنفيذها لاستكمالها وتعظيم مردود ما تم استثماره فى الإنشاءات وأعمال البنية الأساسية، مثل ترفيق مدينة الروبيكى للجلود، والـمناطق الصناعية المختلفة، واستكمال مشروعات البرامج والـمراكز التكنولوجية.
>الدعم التصديرى والتمويلي
وتضمنت خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالى الجديد، أرقامًا همة لضمان دعم الصناعة والأنشطة الاقتصادية المرتبطة بإجمالى 40.5 مليار جنيه.
ووفقا لخطة التنمية، شكلت هذه المخصصات 23 مليار جنيه للاستمرار فى سرعة رد الأعباء التصديرية، واستمرار تحمل الأعباء المالية المترتبة على خفض أسعار الكهرباء لقطاع الصناعة، بتكلفة سنوية 6 مليارات جنيه.
وتحمل قيمة دعم الفائدة فى مبادرة التسهيلات التمويلية للقطاعات الإنتاجية «الصناعة والزراعة» بنحو 8 مليارات جنيه، يأتى ذلك بخلاف 1.5 مليار جنيه قيمة الحوافز النقدية للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، ونصف مليار جنيه لدعم استراتيجية صناعة السيارات.
كذلك استمرار تحمل الخزانة عن الصناع والمستثمرين قيمة الضرائب العقارية على المبانى المستخدمة فى ممارسة الأنشطة الصناعية بنحو 1.5 مليار جنيه.
وثمة حوافز مهمة لا بد من استغلالها لجذب المستثمر الصناعى وعلى رأسها إعفاءات ضريبية عدا القيمة المضافة لمدة 5 سنوات وكذلك رد 50 % من قيمة الأرض الصناعية المخصصة فى حالة إنجاز المشروع خلال نصف مدة التخصيص، وكذلك إعفاءات الضريبة قد تصل إلى 10 سنوات فى بعض القطاعات ذات الأولوية التى تساهم فى الحد من فاتورة الاستيراد.
ومن بين الأمور التى لا بد أن تلقى اهتمامًا من وزارة الصناعة خلال الفترة المقبلة الاضطلاع بدور كبير فى التنسيق مع البنوك والجهاز المصرفى بصفة عامة لتوفير التمويلات للمشروعات الصناعية بتيسيرات أكبر، لا سيما وأن بالبنوك سيولة كبيرة فى الوقت الراهن قابلة للإقراض، فلدى البنوك ودائع تزيد على 11 تريليون جنيه، بينما نسب الاقراض للودائع لا تزيد على 50 %.
>الالتزام بمستهدفات استراتيجية الصناعة
وركزت استراتيجية الاقتصاد المصرى للفترة الرئاسية الجديدة 2024-2030 على رفع مساهمة قطاع الصناعات التحويلية إلى 20 % من الناتج المحلى خلال تلك المدة، وتحقيق زيادة سنوية فى معدل نمو القطاع بنسبة 20 % حتى نهاية 2030.
واقترحت زيادة معدل نمو الصادرات الصناعية 20 % سنويا، وزيادة عدد المجمعات الصناعية من 17 مجمعا فى 2023 إلى 32 مجمعًا بنهاية 2030، بالإضافة إلى تعميق الصناعة المحلية بهدف رفع نسبة المكون المحلى إلى 60 % فى المتوسط.
وتستهدف الاستراتيجية عدة أهداف منها، رفع مساهمة الاقتصاد الأخضر فى الناتج المحلى الإجمالى الى 5 % وزيادة مساهمة الصناعة فى توفير من 7 إلى 8 ملايين فرصة عمل ضمن رؤية 2030، وزيادة الصادرات البترولية وغير البترولية إلى 145 مليار دولار سنويًا على مدار 6 سنوات وحتى 2030.
كما وضعت الاستراتيجية رؤية للقطاعات الإنتاجية للسلع كما تستهدف نموا سنويا للصادرات يتراوح بين 15 إلى 25 % وفق مقومات القطاعات الإنتاجية المصرية.
يذكر أنه جرى صياغة الاستراتيجية الوطنية للصناعة المصرية 2030، بناءً على المقومات التى تمتلكها الدولة من مقومات زراعية وتعدينية وصناعية، وكذلك وفق الموقع الجغرافى والاتفاقيات التجارية الدولية التى وقعتها مصر مع الشركاء الدوليين، كما جرى مراعاة البنية التحتية التى تم الاستثمار بها على مدار السنوات الماضية التى أهلت أرضية صلبة لإقامة الأنشطة الاستثمارية والصناعية.
كما راعت الاستراتيجية الموارد البشرية المتاحة وقوة العمل فى مصر وعدد الخريجين سنويًا، من أجل أن تكون الاستراتيجية شاملة كل الجوانب التى تمكن الحكومة من التعامل وفق هذه الإمكانيات.
ولم تغفل الاستراتيجية الوطنية للصناعة المصرية 2030 التحديات التى تواجه الصناعة والتصدير، حيث رصدت 16 تحديًا داخليًا مرتبطًا ببيئة ومناخ الأعمال منها ما يرتبط بالتشريعات ومنها التحديات الإجرائية والمؤسسية التى يمكن أن تواجه القطاعات الإنتاجية والتصديرية.
كما رصدت 10 تحديات خارجية مرتبطة ببيئة الأعمال العالمية والأحداث الجيوسياسية، مثل العوائق غير الجمركية التى يفرضها الاتحاد الأوروبى مثل اشتراطات CBAM وهى آلية تعديل حدود الكربون التى تتطلب منتجات مصدرة تتوافق مع ضوابط الاتحاد الأوروبى الجديدة التى تركز على خفض الانبعاثات الكربونية.>