الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. استدعاء (الضرورة) للأستاذ هيكل من بين الكتب إلى ساحة الحرب فى غزة (6) الشرق الأوسط بين ترامب وبايدن.. «فى انتظار حمامة»

الطريق الثالث.. استدعاء (الضرورة) للأستاذ هيكل من بين الكتب إلى ساحة الحرب فى غزة (6) الشرق الأوسط بين ترامب وبايدن.. «فى انتظار حمامة»

فى عام 2001، وصفت مجموعة رئاسية أحوال «الشرق الأوسط» فى تقريرها الذى وضع أمام الرئيس الأمريكى الجديد (جورج بوش الابن) بأنه: «بحور مضطربة تتلاطم فيها العواصف»، وقارنه الأستاذ محمد حسنين هيكل مع وصف آخر لهنرى كيسنجر المفكر السياسى الأشهر والوزير الأمريكى الأسبق قال فيه بأن المنطقة: «صخرة هاوية من قمة جبل»، ولا أدرى أى الوصفين لمنطقتنا المشتعلة سيكون أمام الرئيس الأمريكى رقم (47)، الذى سيبدأ ولايته مطلع العام القادم 2025 بعد انتخابات تبدو أنها ستكون تكرارا لما جرى فى الانتخابات الأخيرة، منافسة بين كهلين، حال بقاء الرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن ممثلا للحزب الديمقراطى، وهو أمر أصبح غير محسوم بسبب تعثره أمام غريمه اللدود دونالد ترامب فى أول مناظرة رئاسية استضافتها شبكة «سى إن إن» الأمريكية قبل أسبوعين.



وربما يكون «الشرق الأوسط» قد تجاوز كلا الوصفين «الصخرة الهاوية» أو «البحر المضطرب وعواصفه» فى العام الأخير من ولاية بايدن، عام «البطة العرجاء» كما توصف السنة الرابعة من ولاية كل رئيس أمريكى، العام الذى تفجرت مع بدايته الحرب فى غزة، وما صاحبها من تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران واتساع جبهات المواجهة بينهما، وهو ما شكل ضغطا كثيفا على إدارة بايدن، وتسبب فى تراجع كبير لشعبيته خلال شهور الحرب العشرة، مكن ترامب من تجاوزه فى استطلاعات الرأى الأخيرة، ليسقط بايدن رهينة لضغوط قوية تحاصره كى ينسحب من المنافسة.

الزمن الأمريكى ينتهى

يلمس سائر سكان الكوكب تراجعا ملحوظا للنفوذ الأمريكى واقتراب «سيدة العالم» من خط النهاية، وكأننا نعيش لحظة السقوط الإمبراطورى الأخير، والذى ظهرت ملامحه فى قوسى بداية ونهاية عهد بايدن وفترة ولايته، المشهد الأول؛ كان مزيجا للقطات تظهر اقتحام أنصار ترامب للكونجرس، تتقاطع مع مشاهد الانسحاب المهين للقوات الأمريكية من أفغانستان، وأما قوس النهاية فهو يجمع صورا متعددة للأداء الأمريكى المخزى فى «الحرب على غزة»، تتخلله لقطات للاعتداء على المتظاهرين فى الجامعات الأمريكية الكبرى من قبل شرطة بلادهم، بلد الحريات وتقديس حقوق الإنسان.

لهذا كان ضروريا أن نتجول فى كتاب الأستاذ هيكل، «الزمن الأمريكي: من نيويورك إلى كابول» الصادر فى يناير 2002، وهو مرجع مهم لمن يرغب فى قراءة تحليلية موسعة حول الامبراطورية الأمريكية، وتاريخ نشأتها وعوامل قوتها وسر عظمتها ومكامن الضعف فيها.

وأنقل عن الأستاذ ما ختم به فصله الأول والذى أظنه مدخلا مثاليا للتعامل مع المسألة الأمريكية.. عربيا، حيث يقول هيكل: «إن فهم أمريكا.. أو محاولة فهمها ضرورة حيوية (للتعامل) معها دون (خوف) يصنعه الجهل ودون (خفة) يصنعها الوهم. فالعداء لأمريكا - وهو أسهل المواقف فى هذه الأزمنة- خطأ كبير لا تُحتَمَل مخاطره والوقوع فى غرام أمريكا خطأ أكبر لا تُحتَمَل خسائره. ثم إنه ليس معقولا أن تنتقل السياسة فى العالم العربى من مباراة فى العداء لأمريكا إلى مباراة فى الولاء لأمريكا لأن حقائق الحياة أعقد من ذلك، وأيضا ضروراتها».

كونداليزا والشرق الأوسط

وأنتقل بكم إلى التقرير الخطير الذى وضع أمام رئيس أمريكى جديد فى مطلع قرن كان وقتها جديدا أيضا، ومنه تشكلت ملامح أولية لاستراتيجية الأمن القومى الأمريكى فى مرحلة جديدة لها تبلورت بصورة أوضح بعد أحداث (11 سبتمبر 2001) والتى كان التقرير سابقا لها بشهور قليلة، ويقول هيكل: «وفيما يتعلق بالشرق الأوسط تدخلت السيدة كونداليزا رايس فطرحت نيابة عن رئيسها ثلاث ملاحظات: الأولى؛ أن أزمة الشرق الأوسط تحتاج فيما ثبت بالتجربة إلى معجزة، والثانية؛ أن رؤساء أمريكيين سابقين اقتربوا من الأزمة ولم يأخذوا منها إلا حرق أصابعهم، والثالثة؛ أن الرئيس (جورج دبليو بوش) لا يعتبر نفسه صانع معجزات يحول قطعة الحجر إلى رغيف خبز.. كذلك فهو لا يريد أن يحرق أصابعه».

وفى مطلع ولاية كل منهما عامى 2017، 2021 خص ترامب ومن بعده بايدن، «الشرق الأوسط» بكلمات قليلة ومختصرة ضمن استراتيجية الأمن القومى، التى طرحا فيها تصوراتهما لعلاقة بلادهما بدول المنطقة، ولم تختلف توجهات كل منهما فيما قاله فى السابق عما ظهر خلال مناظراتهما الرئاسية الأولى، فقد أكدا فى الماضى حرصهما الصارم على أمن إسرائيل وما زالا، وبالطبع تحدث كلاهما عن تحقيق التكامل مع دول المنطقة لمواجهة الخطر الإيرانى، الذى تزايد اليوم واتسعت رقعة مواجهته بعدما انفلت زمام الأمور فى المنطقة بعد طوفان الأقصى. 

حاول ترامب أن يعقد «صفقة القرن» لينهى الصراع العربى - الإسرائيلى، فيما حاول بايدن الفوز «باتفاقية التطبيع بين إسرائيل والسعودية»، وأن يدمج المصالح ويزاوج السلام بالاقتصاد مع الأمن الإقليمى. وكلا المحاولتين فشلتا ولم تحرزا أى تقدم فى مسيرة السلام، وبقى الصراع مستمرا واشتعل مع بايدن بالحرب فى غزة والتى مهدت الطريق لترامب نحو ولاية جديدة.

فى انتظار حمامة

مع تفاقم الأوضاع فى غزة وتأرجح آمال الهدنة وتلاشى فرص وقف نهائى لجرائم جيش الاحتلال الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، تدوى صرخات الاستغاثة القادمة من كل مدن غزة والضفة، وتطغى على كل الأحداث الأخرى فى الشارع العربى وبات إقليم الشرق الأوسط كله يبحث عن أى أمل فى نجاة لهذا الشعب المسكين، وللأسف لا يزال كثيرون ينتظرون صهوة الأمل على جواد «الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية»، وهو سراب وخديعة يشارك فيها الجميع، ربما ليريحوا ضمائرهم من دم الشعب الفلسطينى ضحايا الإجرام الصهيونى المستمر طوال أكثر من 75 عاما.

استوقفنى فى كتاب الأستاذ، الذى أشرت له عنوان فرعى موحيا: «فى انتظار حمامة»، استهله الأستاذ موضحا أن سطوره التالية هى ملحق تمت إضافته فى اللحظات الأخيرة على التقرير الرئاسى الذى وضع أمام الرئيس الأمريكى الجديد (بوش الابن)، وجاء فيه ما يلي: «ليست هناك على الأفق فى الظروف الراهنة فرصة لحل دائم. ليس هناك أى سبب للقلق على أمن إسرائيل. ليس هناك أمل كبير يمكن تعليقه على مقترحات تتردد هذه الايام عن وقف إطلاق نار وعن مراقبين على مواقع مراقبه، وعن ترتيبات من نوع وقف الاستيطان، لأنه ليس بين المسئولين فى إسرائيل من يريد أن يسمع عن مثل هذه الترتيبات أو يكررها قولا (مجرد قول) على لسانه». 

وقد عادت «الحمامة» تحمل فى فمها غصن الزيتون بعد الطوفان العظيم، فاستبشر بها سيدنا نوح وأدرك أن سفينته تقترب من شاطئ النجاة وفق ما ورد فى الكتاب المقدس. وظنى أن الأستاذ هيكل قد قصد «حمامة السلام» فى عنوانه، والتى ينتظرها البعض حالمين بعودتها رغم اختلاف الطوفان وأهدافه، مغفلين أن إسرائيل ذبحت «الحمامة» بخنجر إيرانى مسموم ونثرت دماءها العطرة على تمثال البطل الفلسطينى «ظريف الطول»، وبكل حماس حرقت السفينة بكل ركابها من شعب الله المسكين من أهل فلسطين.

ولا تزال الصورة على وضعها لم تتغير، صورة تفضح الاحتلال الإسرائيلى وبشاعته، وتطرح كل يوم ألف سؤال، متى وكيف وأين سيجد أهل غزة والضفة أبسط حقوق الحياة على هذه الأرض؟.