السعودية تدفع تجاه نجاح المفاوضات بين الشرعية اليمنية والحوثيين والإخوان يحاولون عرقلة المفاوضات مفاوضات مسقط بين الشرعية اليمنية والحوثيين تؤجل حسم الملفات المهمة
صبحى شبانة
تسع جولات، وعشر سنوات من الحرب بين الشرعية اليمنية والحوثيين لم تكن كافية للوصول إلى حل الصراع الدامى فى اليمن «السعيد» بشماله وجنوبه، وجاءت المفاوضات التى احتضنتها العاصمة العمانية مسقط الأسبوع الماضى برعاية سعودية وعمانية لتعمق من الهوة الواسعة بين الأطراف المتصارعة فى اليمن ولتضيف حلقة أخرى ضمن سلسلة طويلة من المفاوضات التى لم تنجح فى مراعاة الأطراف اليمنية مصالح الشعب اليمنى والقواعد التاريخية والإنسانية والجيوسياسية والديموغرافية التى تفرضها الشراكة والعيش المشترك فى الوطن الواحد، لقد انقضى أكثر من ثلاثة عشر عاما على ثورة اليمنيين التى اندلعت فى يوم 11 فبراير 2011 ضد نظام الرئيس الأسبق على عبدالله صالح. لكن اليمن الموحد لم ينته إلى دولة مستقرة وديمقراطية كما كان يحلم بها الثوار حينها، بل تشظت الدولة اليمنية وتفتت إلى مناطق نفوذ محكومة من أطراف تخوض حربا ضروسا لم تنته منذ أواخر 2014، وصار اليمن مقسّما بين الحكومة المعترف بها دوليا، وميليشيا الحوثيين، والمجلس الانتقالى الجنوبى والقوات المشتركة، بالإضافة إلى كل من تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، ولا يزال يشهد اليمن صراعًا مسلحًا طويل الأمد منذ أن سيطر المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على العاصمة صنعاء، مما أجبر الحكومة المعترف بها دوليًا على الانتقال إلى مدينة عدن الساحلية الجنوبية كعاصمة مؤقتة.
واختتمت الشرعية اليمنية التى يقودها رشاد العليمى الأسبوع الماضى جولة من المفاوضات فى العاصمة العمانية مسقط مع جماعة الحوثى، كما يدعون بتحقيق اختراقات مهمة فى ملف المختطفين، فى الوقت الذى يقول فيه مراقبون إن الطرفين ما كانا ليتوصلا إلى هذه الاختراقات لولا ضغوط خارجية، خاصة ما تعلق منها بوفد الحكومة الذى يبدو أنه تخلى عن ملف إطلاق سراح القيادى الإخوانى محمد القحطان. ولم يكن التخلى عن موضوع القحطان تنازلا تلقائيا من وفد الحكومة بل هو جزء من ضغوط دولية لإزالة العقبات التفصيلية التى يمكن أن تعرقل التوصل إلى تسوية للملفات الخلافية مقدمة لتسوية شاملة.
وتسعى المملكة العربية السعودية من جانبها إلى التوصل إلى تفاهمات واضحة بين الأطراف المتصارعة فى اليمن والشرعية اليمنية تكون مقدمة لوقف الحرب فى اليمن، والتى تعنى تخلص السعودية من أحد أهم الأعباء التى واجهتها فى السنوات الأخيرة، فى وقت تسعى فيه الرياض لتوظيف كل إمكانياتها فى إنجاز المشاريع الكبرى التى تضمنتها رؤية المملكة 2030 التى هندسها ووضع أسسها ولى العهد الأمير محمد بن سلمان.
وزير الخارجية السعودى، الأمير فيصل بن فرحان، استبق المفاوضات وأكد أن الأوضاع فى اليمن لا تزال صعبة، خاصة على الصعيد الاقتصادى، وأن هناك حاجة ماسة للانتقال إلى حالة أفضل، متمنيا نجاح المفاوضات والوصول إلى حل المعضلة اليمنية ووقف التناحر بين الأطراف اليمنية المتصارعة فى اليمن.
وقال إن خارطة الطريق اليمنية جاهزة وأن السعودية مستعدة للعمل وفقًا لها، وأعرب عن أمله فى أن يتم التوقيع على هذه الخارطة فى أقرب وقت ممكن.
ورغم إعلان الحكومة اليمنية اختتام جولة المشاورات فى العاصمة العمانية مسقط مع جماعة الحوثى، وتحقيق اختراقات مهمة فى ملف المختطفين والمخفيين قسرا، إلا فإن جولة المفاوضات لم ُترض المجلس الانتقالى الجنوبى، ولم تنل بنفس القدر رضا حزب الإصلاح المتخوف بدوره من ذهاب الشرعية إلى إنجاز تفاهمات سرية مع الحوثيين لا تراعى مصالح الحزب بما فى ذلك سيطرته على محافظة مأرب النفطية ونفوذه السياسى والأمنى والاقتصادى داخلها، وقد حاول حزب الإصلاح الإخوانى بما له من نفوذ داخل الشرعية وباستخدام قوته الإعلامية التشويش على جولة مفاوضات مسقط متهما الوفد الحكومى بسوء إدارة عملية التفاوض والتنازل عن حقوق أساسية للأسرى والمعتقلين، ولم يستدع المجلس الانتقالى الجنوبى للمشاركة فى تلك الجولة ما جعله يؤكد عدم تعامله مع نتائجها فى الوقت الذى رأت فيه دوائر سياسية جنوبية أن تغييب الانتقالى الجنوبى عن اجتماعات مسقط مقصود وفيه رسالة واضحة تشير إلى أن الجهات الراعية للمفاوضات لا تريد مشاركة المجلس بوفد منفصل حتى لا يعتبر ذلك بمثابة اعتراف بمسار الانفصال الذى يسعى إليه، كما أنها تعمدت تغييب ممثلين عنه فى الوفد الحكومى حتى لا يؤثر وجوده فى مسار التفاوض ويطرح مطالب تتعارض مع توجه عام يقوم على التقريب بين الحوثيين والشرعية.
من جانبه أكد المتحدث باسم الفريق الحكومى المفاوض وكيل وزارة حقوق الإنسان ماجد فضائل، أن المشاورات التى احتضنتها العاصمة العمانية مسقط حققت بعض الاختراقات المهمة فى ملف المختطفين والمخفيين قسرا، على أن تعقد جولة تكميلية قادمة خلال شهرين، يسبقها تبادل كشوفات المحتجزين والمختطفين والتقارب حولها برعاية هانس جروندبرج، المبعوث الأممى إلى اليمن واتهم فصائل الحوثيين بالعمل على إفشال أى تبادل فى هذه الجولة، كونهم لا يقيمون للأسرى وعائلاتهم وزنا.
كما أعلنت من جانبها جماعة الحوثى، استكمال مشاورات مسقط بعد الاتفاق على بعض النقاط أهمها حل الإشكالية بشأن أحد قيادات حزب الإصلاح محمد القحطان، وتبادل بعض قوائم الأسرى، مضيفة نظرا لضيق الوقت تم الاتفاق على استئناف المفاوضات بعد شهرين، وتظهر تصريحات الطرفين تخليهما عن ملف محمد القحطان الأسير لدى الحوثيين منذ حوالى تسع سنوات مؤقتا وأن تأجيله سيفسح المجال لتمرير تفاهمات جزئية أخرى بدل الوقوف عند نقطة خلافية حساسة.
وواكب المفاوضات تراشق حاد بين كل من رئاسة الوفد الحكومى اليمنى المفاوض الذى يمثل الشرعية اليمنية التى يقودها رشاد العليمى وقيادة حزب التجمّع اليمنى للإصلاح، الذى يمثل الذراع اليمنية لجماعة الإخوان المسلمين الذى يمتلك تمثيلا قويا داخل الشرعية وواصل حزب الإصلاح شنّ حملته على جولة المفاوضات متّخذا من قضية القيادى فى صفوفه محمد قحطان الأسير لدى الحوثيين منذ حوالى تسع سنوات ذريعة لتلك الحملة، وهاجم الحزب الأداء الحكومى فى مفاوضات مسقط،
ونظرت عدة دوائر يمنية إلى ردود حزب الإصلاح على ما رشح عن مفاوضات مسقط
باعتبارها انعكاسا لموقف مسبق من الجولة التفاوضية ومخاوف قياداته من أن تتجاوزه الأحداث بأن تنجز الشرعية اليمنية اتفاقات مع الحوثيين على حساب الحزب ودون أخذ مصالحه فى الاعتبار.
واتهم ناشطون يمنيون مؤثرون الموقف الرسمى لحزب الإصلاح الإخوانى من مشاورات مسقط بأنه غير مفهوم، وأن الحزب يلجأ إلى شبكات التواصل ووسائل الإعلام للتعبير عن سخطه من أداء فريق التفاوض الممثل للتحالف الذى يعتبر الإصلاح أحد مكوناته الرئيسية، عوضا عن حل أيّ إشكالات متعلقة بتشكيل الفريق ومدى استيعابه لممثلين عن الحزب ولوجهات نظره ومطالبه واعتراضاته فى إطار الآليات الداخلية للتحالف المنضوى فى إطار مجلس القيادة الرئاسى والحكومة المعترف بها دوليا.
ولا يعرف على وجه الدقة عدد الأسرى والمعتقلين لدى الجانبين حاليا، لكن خلال مشاورات فى ستوكهولم عام 2018 ّقدم وفدا الحكومة وجماعة الحوثى قوائم بأكثر من 15 ألف أسير ومحتجز، وكانت كل من الحكومة اليمنية وجماعة الحوثى قد أعلنتا الاتفاق على تبادل القحطان، مقابل 50 أسيرا من الحوثيين، وفى أبريل 2023 نفذت الحكومة اليمنية وجماعة الحوثى صفقة تبادل، تم بموجبها إطلاق نحو 900 أسير من الجانبين، بوساطة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة، بعد مفاوضات ثنائية فى سويسرا.>