مؤتمر الفرصة الأخيرة.. إصرار «مصرى» لحل الأزمة السودانية.. لا تنازل عن سلام مستدام
داليا طه
استضافت مصر مؤتمر القوى المدنية السودانية فى محاولة منها إلى تقريب وجهات النظر بين القوى السياسية السودانية ودعم الجهود الرامية إلى تمكينهم من التوصل إلى رؤية سودانية خالصة تنهى الأزمة.
ولأن استقرار السودان والمحيط الأفريقى لمصر يعد أحد أهم مرتكزات الأمن القومى المصرى، فإن الدول المصرية التى بذلت الكثير من الجهود لاحتواء الأزمة والحيلولة دون الدخول فى نفق الحرب الأهلية المظلم، كانت ولا تزال تساند الدولة السودانية، على نحو ما طالب الرئيس عبدالفتاح السيسى الأطراف السودانية بتغليب لغة الحوار والتوافق الوطنى، وإعلاء المصالح العليا للشعب السودانى الشقيق. وتمتلك الدولة المصرية رؤية لحل الأزمة، وتتضمن التوصل لوقف شامل ومستدام للإطلاق النار وبما لا يقتصر فقط على الأغراض الإنسانية، وترى الدولة المصرية وجوب الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية فى السودان، والتأكيد على أن الأزمة فى السودان أمر يخص الأشقاء السودانيين، وتؤكد مصر احترامها لإرادة الشعب السودانى.
وتشمل رؤية مصر فى عدم التدخل فى شئون السودان الداخلية، وعدم السماح بالتدخلات الخارجية فى أزمة السودان، وضرورة التنسيق مع دول الجوار لتدارك التداعيات الإنسانية للأزمة ومطالبة الوكالات الإغاثية والدول المانحة بتوفير الدعم اللازم لدول الجوار.
وظلت مأساة إنسانية ممتدة لأكثر من عام ونصف، خلفتها الحرب الدائرة فى السودان، ولعبت مصر الشقيقة الكبرى للسودانيين دورا محوريا فى إنهاء هذه المأساة وكانت ولا تزال محط جميع الوفود والقوى السياسية السودانية الباحثة عن وقف الحرب وإحلال السلام والاستقرار، ووضع حد لمأساة يرزح تحتها ملايين السودانيين منذ اندلاع الأزمة السودانية منتصف أبريل 2023، وحتى اليوم تأمل القوى السياسية السودانية فى وقف الاقتتال ويعولون على التحرك المصرى.
وتطرق القوى السياسية السودانية أبواب القاهرة من أجل وقف الحرب وإنهاء الأزمة فى السودان، وذلك ثقة فى صدق الجهود المصرية التى تعاملت مع الأزمة السودانية منذ البداية وفق مبدأ دبلوماسية الأشقاء وحسن الجوار، وكانت السبب الأبرز الذى دفع فرقاء السودان من قادة الجيش السودانى والدعم السريع وأنصارهم، للجوء للقاهرة لوضع حد لنزاع خلف مأساة إنسانية لملايين السودانيين، وأسال دماء أكثر من 15 ألف شخص حتى اليوم وفق احصائية للأمم المتحدة.
ولم تتوقف الجهود المصرية الرامية إلى حل الأزمة السودانية منذ وقت طويل حيث استضافت القاهرة فى يوليو 2023 مؤتمرًا لقادة دول جوار السودان السبع لبحث سبل إنهاء الحرب والتداعيات السلبية للصراع على دول المنطقة، واستضافت قوى الحرية والتغيير فى يوليو من نفس العام، واجتماع اخر بالقاهرة فى نوفمبر 2023، واستضافت المؤتمر العام الثانى للكتلة الديمقراطية فى مايو 2024.
وتهدف استضافة مصر للمؤتمر إلى توفير المناخ الملائم للحوار بين مختلف القوى السودانية للبدء فى عملية تفاوضية تنتهى بسلام مستدام تشارك فى الحفاظ عليه جميع الأطراف السودانية، ووصولا إلى تشكيل حكومة مدنية لإدارة المرحلة الانتقالية.
ويعبر انطلاق مؤتمر القوى السياسية السودانية فى العاصمة الإدارية بشكل واضح عن انخراط مصر القوى فى المساعى الرامية لحل الازمة فى السودان، وتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية المختلفة، للوصول إلى رؤية سودانية خالصة تحقق مصالح الشعب السودانى.
ويشير الحضور الكثيف من مختلف ممثلى القوى السودانية والشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين إلى الثقة فى جهود الدولة المصرية لحلحة الازمة والحفاظ على مقدرات الدولة السودانية وتحقيق طموحات شعبها.
جميع المناقشات الدائرة فى العاصمة الإدارية تجريها الأطراف السودانية، بينما يقتصر الدور المصرى على توفير المناخ الملائم وتسهيل هذه المناقشات حتى يتم الحوار بالشكل الإيجابى للخروج برؤية سودانية تحظى بدعم المواطن السودانى وتحقق ما يصبو إليه من آمال، ودون أى إملاءات أو ضغوط من أطراف خارجية.
ويعد مؤتمر العاصمة الإدارية خطوة بناءة وإيجابية تؤسس لانعقاد مؤتمر دستورى شامل يتم الإعداد والترتيب له بصورة شفافة ومحايدة، ويشارك فيه الجميع وفق معايير متفق عليها بغرض وقف الحرب وإنقاذ البلاد.
وقف الحرب
وناقش المؤتمر، الذى عُقد تحت شعار «معًا لوقف الحرب»، ثلاثة ملفات لإنهاء النزاع، تضمنت «وقف الحرب، والإغاثة الإنسانية، والرؤية السياسية للحل». وعدّ البيان الختامى، اجتماع القوى السياسية «فرصةً قيمةً؛ إذ جمع لأول مرة منذ الحرب الفرقاء المدنيين فى الساحة السياسية، وطيفًا من الشخصيات الوطنية وممثلى المجتمع المدنى»، توافقوا جميعًا على «العمل لوقف الحرب». غير أن البيان لم يوقع عليه جميع المشاركين، وأرجعت قيادات بتجمع «الكتلة الديمقراطية»، التحفظ، إلى «رفض الجلوس المباشر فى المرحلة الحالية مع (تنسيقية تقدم)، لتحالفها مع (قوات الدعم السريع)، وعدم إدانتها للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والسلب والنهب التى تقوم بها تلك القوات».
ومنذ اندلاع الحرب بالسودان، فى أبريل 2023، لم تجتمع المكونات السياسية والمدنية، المشكلة لتجمعَى «تنسيقية القوى المدنية» (تقدم)، وقوى «الكتلة الديمقراطية والحراك الوطنى السودانى»، فى ظل تباين رؤى الطرفين تجاه حل الأزمة؛ كون الأخيرة تدعم صراحة الجيش السودانى، فى حين تطالب «تقدم» بوقف الحرب وعودة السلطة لمدنيين، دون الإعلان عن دعم أى طرف.
واعتبر وزير الخارجية المصرى بدر عبدالعاطى، أن «مؤتمر القاهرة أول مناسبة يجتمع فيها ممثلو القوى السياسية والمدنية فى السودان فى مكان واحد»، مشيرًا إلى أن المؤتمر «يعكس حرص مصر الشديد على توحيد مواقف القوى السياسية والمدنية، للعمل معًا على وقف الحرب»، مضيفًا أن هذا «الهدف الأساسى لمصر»، وأن «المسؤولية تقع على الأطراف السودانية بأن يضعوا مصلحة بلادهم فى المقام الأول».
وأوضح عبدالعاطى أن «أجندة مصر واضحة بخصوص الوضع فى السودان»، وتتضمن «الحفاظ على وحدة وسيادة السودان وسلامة أراضيه، والحفاظ على أرواح السودانيين التى تراق يوميًا».
وقال إن «مصر لم تحضر المشاورات التى عُقدت فى المؤتمر، حيث إن اللقاءات ضمت السودانيين فقط، كهدف أساسى أن تكون العملية السياسية سودانية خالصة دون تدخل خارجى».
وقلل الكاتب والمحلل السياسى السودانى الهندى عز الدين، أحد المشاركين فى مؤتمر القاهرة، من رفض توقيع بعض الحركات المشاركة على البيان الختامى، وقال «ليس له تأثير على نتائجه»، مشيرًا إلى أنه «يجب على الأطراف المشاركة تجنيب أجنداتها السياسية، والبحث عن المشتركات لدفع مسار الحوار السياسى»، معتبرًا رفضهم التوقيع «محاولة لفرض رؤيتهم على باقى الأطراف».
فى المقابل، يرى أمين عام الجبهة الشعبية السودانية جمال عنقرة، أن مؤتمر القاهرة «لم يحقق الغرض منه، ولم يحقق أرضية مشتركة بين الفرقاء السياسيين المشاركين فيه»، مشيرًا فى تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «جزءًا من القوى السياسية الداعمة للجيش السودانى لم يحضر المؤتمر، كما أن مشاركين لم يوقعوا على البيان الختامى... كنا ننتظر استعادة الثقة بين القوى السياسية».
وشدد البيان الختامى للمؤتمر، على «ضرورة الوقف الفورى للحرب، ومراقبة الوقف الدائم لإطلاق النار، ووقف العدائيات»، كما أكد «ضرورة الالتزام بـ(إعلان جدة) والنظر فى آليات تنفيذه وتطويره لمواكبة مستجدات الحرب».
جهود مستمرة
الجهود المصرية مستمرة لتحقيق هدف التوصل إلى الرؤية السودانية لحل الازمة، وان مصر تمارس هذا الدور انطلاقا من علاقاتها التاريخية بالسودان والاواصر المتعددة التى تربط بين البلدين، وحرصها على امن واستقرار المنطقة فى مواجهة كل ما يهددها من نزاعات تهدد بفقدان مكتسباتها ومقدرات شعوبها.
وعلى الصعيد الإنسانى، لم تتخل مصر عن أشقاءها، بل فتحت أبوابها للشعب السودانى للفرار من جحيم الحرب، وما خلفه من مشاهد دمار وترويع، حيث أعلنت مصر استقبال أكثر 95 ألف نازح سودانى منذ اندلاع الحرب حتى مايو 2023، من منفذى قسطل وأرقين، وقامت وزارة التضامن الاجتماعى من خلال جمعية الهلال الأحمر المصرى بالتنسيق مع نظيرتها السودانية واللجنة الدولية للصليب الأحمر والسفارة المصرية فى السودان ومع جميع أجهزة الدولة للوقوف على تطورات الأحداث أولا بأول وتقديم جميع أشكال الإغاثة الإنسانية والطبية والاجتماعية والتى شملت استقبال جميع العالقين وإنهاء جميع الإجراءات المالية بأيسر السبل.