الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أبرزها تحسين معيشة المواطنين وخفض معدلات التضخم 6 ملفات حاسمة تتصدر أچندة وزراء المجموعة الاقتصادية الجدد

قبل شهر من حلف اليمين للتشكيل الوزارى الجديد، كان الرئيس عبدالفتاح السيسى قد أعاد الثقة فى د.مصطفى مدبولى، ليكلفه بتشكيل الحكومة الجديدة، مُحددًا كذلك معايير واضحة لاختيار الوزراء الجدد وهى أن يكونوا من ذوى الكفاءات والخبرات والقدرات المتميزة. ولم يكن تأكيد الرئيس على معايير الكفاءة والخبرة والقدرة إلا ليقينه أن المرحلة الحالية تنطوى على تحديات لا بد من مواجهتها، وأن بالفترة المقبلة فرصًا لا بد من استغلالها بالشكل الأمثل، كى تعود البلاد إلى مضمار النمو الاقتصادى القوى الذى يضمن تحسين معيشة المواطنين إلى المستويات المُثلى.



وهنا يقع على كاهل وزراء المجموعة الاقتصادية الجدد مهام وملفات بعضها عاجل والآخر يستلزم حلولًا جذرية لتحسين جودة حياة المواطنين ومواجهة التضخم، إلى جانب رفع معدلات النمو الاقتصادى، خفض الدين العام، تحقيق طفرة فى الاستثمار الأجنبى المباشر، ورفع مستويات تعميق الصناعة المحلية، وكذلك رفع عوائد السياحة لمستويات غير مسبوقة. 

أولًا: تحسين معيشة المواطنين وخفض التضخم

ويتصدر أجندة الحكومة الجديدة - لا سيما مجموعتها الاقتصادية- تحدٍّ كبير وهو معدل التضخم، الذى سجل فى الشهور الأولى من العام الجارى مستويات تزيد على 30 %، قبل أن يتراجع نسبيًا إلى 28 % خلال مايو الماضى، حيث يتطلب هذا التحدى جهودًا سريعة وفعالة من أجل النزول به إلى ما دون 20 % خلال السنة المالية الجديدة.

وتشهد السوق المحلية موجة غلاء كبيرة نتجت عن الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية التى يشهدها العالم والمنطقة وأثرت بعنف على الاقتصاد المصرى لا سيما تدفقات النقد الأجنبى وأسعار المواد البترولية والسلع الأولية والمواد الغذائية.

وهناك إجراءات مهمة لمواجهة ارتفاع الأسعار، على رأسها تقوية الأجهزة الرقابية على السوق لا سيما جهاز المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وكذلك جهاز حماية المستهلك، حيث تبرز هنا ضرورة لزيادة الدعم البشرى والتكنولوجى لهذه الأذرع الرقابية لكبح جماح التضخم والسيطرة على جشع التجار.

كذلك  تزيد الحاجة إلى مزيد من منافذ بيع السلع الأساسية بأسعار مقبولة ومدعومة للمواطنين، يضاف إلى  ذلك الالتزام بفتح الاعتمادات وإنهاء إجراءات استيراد السلع الضرورية لخلق معروض سلعى كبير يستطيع تلجيم معدلات الغلاء.

وتوقع صندوق النقد الدولى تراجع معدل التضخم فى مصر بشكل تدريجى مع انحسار شح النقد الأجنبى وفى ظل تشديد السياسة النقدية.

وسيكون من الأمور الضرورية لمواجهة التضخم ترسيخ التعاون مع البنك المركزى الذى يلتزم مؤخرًا بسياسة التشديد النقدى لسحب السيولة الزائدة فى السوق ومساندة جهود الحكومة لخفض التضخم إلى مستويات مقبولة.

كذلك هناك ضرورة للالتزام بخطة إنهاء مشكلة تخفيف أحمال الكهرباء بنهاية العام الجارى 2024، حيث أنه مع زيادة الاستهلاك المرتبطة بالتنمية الكبيرة التى تنتهجها الدولة، بجانب الزيادة السكانية وتراجع انتاج الغاز، تأثر انتظام التيار الكهربائى ولجأت الحكومة إلى تخفيف الأحمال.

وهنا لا بد من الإشارة أنه ليست هناك أزمة توليد طاقة فى مصر فيما يخص النقل أو توزيع الشبكات، ولكنها مشكلة تدبير الوقود؛ حيث تعمل محطات الكهرباء على مكونين أساسيين هما: المازوت والغاز الطبيعيّ، ومن الأمور الضرورية الوفاء باحتياجات توليد الكهرباء بشكل أكثر كفاءة خلال الفترة المقبلة.

كذلك لا بد من العمل على توسيع مظلّة الحماية الاجتماعية لتشمل الفئات الأولى بالرعاية، ومُراعاة التوزيع الكفء للاستثمارات العامة على مستوى الـمحليات وفقًا للمُعادلة التنموية التى تأخذ بعين الاعتبار الفجوات التنموية بين الـمحافظات، علاوة على تنفيذ الـمرحلة الثانية من مُبادرة حياة كريمة الرامية للارتقاء بالأحوال الـمعيشيّة للأُسر الريفية.

كذا فهناك ضرورة لمواصلة الارتقاء بمستويات التشغيل، حيث تستهدف الخطة الاقتصادية للدولة توفير نحو 900 ألف فرصة عمل إضافية فى مختلف القطاعات السلعيّة والخدميّة، بما يَسمح برفع نسبة الـمشاركة فى النشاط الاقتصادى وخَفض معدل البطالة، وهو ما يستلزم جهودًا كبيرة من الحكومة الجديدة.

ولن تستطيع الدولة تلجيم معدلات التضخم وتوفير فرص العمل، إلا بتحقيق معدلات نمو اقتصادى جيدة، وهنا تبرز ضرورة الالتزام بتحقيق مستهدفات الخطة الاقتصادية والاجتماعية لعام 2024-2025، حيث تستهدف تحقيق مُعدل نمو اقتصادى حقيقى فى حدود 4.2% فى عام 24/2025، مقارنة بالـمعدّل الـمنخفِض المقدر للعام المالى المنقضى 23/2024، وقدره 2.9%.

ثانيًا: تعميق الصناعة المحلية وخفض فاتورة الواردات

ومن بين الملفات ذات الأهمية التى تتطلب تحركات قوية من المجموعة الوزارية الاقتصادية وفى مقدمتها وزارتا الصناعة والاستثمار والتجارة الخارجية، ملف تعميق الصناعة المحلية وخفض فاتورة الواردات.

حيث إن أزمة نقص الدولار التى مرَّ بها الاقتصاد المصرى خلال الفترة الماضية نتيجة لكثير من الصدمات الخارجية المُتلاحقة، رغم صعوبتها، فإنها أثبتت حتمية الاعتماد على استدامة الموارد من العملة الصعبة، لا سيما من الصناعة والتصدير اللذين يعدان من أهم الموارد المُدّرة للعملة الأجنبية.

ويتطلب الأمر حوافز حكومية للمصنعين فى القطاعات التى ترى طبقًا للدراسات أنها ستكون مؤثرة فيما يتعلق بإحلال مدخلات إنتاجها بخامات محلية، وكانت وزارة الصناعة قد حددت 9 صناعات كبداية وهى الخشب والأثاث، الصناعات الهندسية، الأغذية، والصناعات الكيماوية، والمنسوجات، والصناعات الدوائية والطبية، والطباعة والتغليف، ومواد البناء، والصناعات المعدنية.

كذلك فإن ثمة ضرورة للإسراع فى صياغة خطة تنفيذيةعملية لتحقيق مستهدفات زيادة الصادارات وفق جدول زمنى مُحدد، حيث كانت الحكومة قد أعلنت فى وقت سابق من هذا العام أنها تستهدف زيادة صادراتها بنسبة تتراوح بين 15% إلى 20% سنويًا.

حيث أن إجمالى صادرات مصر يبلغ 53 مليار دولار سنويًا،  حيث تمت زيادة الأرقام بنسبة من 17-18% سنويًا، ففى عام 2030 سنصل بقيمة الصادرات إلى نحو 145 مليار دولار.

وتشهد الفترة الحالية استقرارًا فى إتاحة الموارد الدولارية، وهو ما يدعم توفير الاعتمادات لإتاحة المعدات والتجهيزات اللازمة للمصانع.

ثالثًا: تحقيق طفرة فى الاستثمار الأجنبى

على رأس الأسباب التى دعت إلى إعادة حقيبة الاستثمار إلى التشكيل الوزراى، سعى الدولة لتحقيق طفرة فى الاستثمار الأجنبى المباشر خلال الفترة المقبلة، فبعد أن تم تمهيد البنية الأساسية التى تعزز من قدرة الدولة على جذب الاستثمارات الجديدة، وعلى رأسها تمهيد الطرق، تطوير الموانئ، إصلاح التشريعات الاقتصادية، طرح مناطق استثمارية جديدة، وزيادة جاذبية المنطقة الاقتصادية المختلفة وفى مقدمتها منطقة قناة السويس، فلم يعد مقبولًا تحقيق نفس أرقام الاستثمار الأجنبى المباشر.

ورغم أن مصر تصدرت الدول الإفريقية فى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة طبقًا لتقرير منظمة الأونكتاد، فإن حجم الاستثمارات الواردة للاقتصاد المصرى ما زالت لا تعبر عن الإصلاحات والتيسيرات الكبيرة الممنوحة، حيث حققت مصر استثمارات خلال العام الماضى بنحو 10 مليارات دولار، فى حين من المستهدف أن يصل هذا الرقم إلى 30 مليار دولار خلال العام المالى الجديد 2024-2025، وهو ما يتطلب جهودًا كبيرة للترويج للفرص الاستثمارية.

كذلك سيكون على عاتق وزارة الاستثمار تسريع برنامج الطروحات الحكومية، لا سيما بعد أن تم ترتيب أولويات البرنامج بوضع البنوك والمؤسسات المالية على رأس الشركات المستهدف طرحها خلال الفترة المقبلة.

ويتضمن ترتيب الأولويات أيضًا، الشركات العاملة فى قطاع الطاقة والنقل والاتصالات بهدف تنشيط البورصة المصرية وزيادة الحوكمة والشفافية والإفصاح، وتستهدف الحكومة، وضع برنامج الطروحات الحكومية، كأحد المحاور المهمة لتعزيز الإيرادات والوصول بالإيرادات غير الضريبية إلى 600 مليار جنيه بنهاية العام المالى 2024/2025.

رابعًا: خفض الدين العام

يعد الدين العام ونسبته إلى الناتج المحلى الإجمالى أحد التحديات المعقدة التى تستلزم خطة وإجراءات حاسمة من الحكومة الجديدة تضمن خفضه إلى مستويات مقبولة خلال الفترة المقبلة.. وتستهدف الموازنة الجديدة للعام المالى المقبل 2024/2025 خفض الدين العام إلى نحو 88.2% من الناتج المحلى الإجمالى للبلاد، ، فيما سيتم لأول مرة فى تاريخ مصر وفقا للتعديلات الأخيرة لقانون المالية العامة الموحد، وضع حد أقصى لسقف دين الحكومة العامة بكل مكوناتها.

كذلك فإن هناك أهمية للنزول بالدين العام إلى نحو 80% من الناتج الإجمالى بحلول يونيو 2027.

ومن بين الإجراءات التى لا بد أن تلتزم بها وزارة المالية خفض الاحتياجات التمويلية التى تتكون من العجز، وإطالة عمر الدين بعد تحسين أسعار الفائدة، كذلك وضع سقف للضمانات التى تصدرها وزارة المالية، ومراقبة حجم الضمانات السيادية الصادرة، والضمانات المطلوبة لما تشكله من التزامات محتملة على الموازنة العامة للدولة.

كذلك تسجيل معدلات نمو مرتفعة وتوجيه نصف إيرادات برنامج الطروحات كما هو مقترح لبدء خفض مديونية الحكومة وأعباء خدمتها، بشكل مباشر، والنزول بمعدلات زيادة مدفوعات الفوائد من خلال اتباع سياسة تنويع مصادر التمويل بين الأدوات والأسواق الداخلية والخارجية.

يضاف إلى ذلك العمل على مراجعة جميع الضمانات المطلوبة والتفاوض على شروطها وخفض رصيد الضمانات السيادية للناتج المحلى الإجمالى على نحو يسهم فى تحقيق المستهدفات التنموية.

خامسًا: العودة لمسار الاكتفاء الذاتى 

من الطاقة

لا تنفصل مستهدفات جذب الاستثمارات وتحقيق التنمية عن تأمين مصادر الطاقة بالشكل المناسب للمصانع والمشروعات الاقتصادية المختلفة، ولذا فإن مستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتى من الطاقة والذى كنا على بعد خطوات قليلة من تحقيقه فى السنوات الماضية، لا بد أن يكون الهدف الرئيسى لوزارة البترول والمجموعة الاقتصادية خلال الفترة المقبلة.

هذا الهدف المهم يستلزم إجراءات على مسارين أولهما تعزيز جهود التنقيب عن الغاز والمواد البترولية فى كافة الامتيازات ومع الشركاء الأجانب، وذلك أيضًا يستلزم تعجيلًا فى صرف ما تبقى من مستحقات الشركات الأجنبية العاملة فى مجال الطاقة لتحفيزها على زيادة حجم الأعمال.

أما المسار الثانى فيتعلق بالإسراع فى توقيع الاتفاقات النهائية لمشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء وتسريع جهود تنفيذ المشروعات للشركات الأوروبية التى أبدت رغبة وأجرت الدراسات ووقعت عقودها، حيث تم توقيع اتفاقات ما بين عقود ومذكرات تفاهم مع الشركاء الأوروبيين فى هذا الشأن خلال الأسبوع الماضى بما يربو على 40 مليار يورو استثمارات.

سادسًا: 30 مليون سائح

رغم المقومات السياحية الكبيرة فى مصر،  فإن إيرادات المقصد السياحى وأعداد السائحين لا تزال لا تتناسب مع هذه القدرات الكبيرة، لذلك فإن الوصول إلى مستهدفات استراتيجية الدولة فيما يتعلق بالسياحة هو ملف يمثل أهمية خاصة لتحقيق تدفقات ضخمة من النقد الأجنبى

وتستهدف الاستراتيجية زيادة الحركة السياحية إلى 30 مليون سائح بحلول عام 2028، من خلال العمل على تحقيق معدلات الحركة السياحية الوافدة إلى المقصد السياحى المصرى بنحو 25% و30% سنويًا، وذلك فى إطار رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030. وهنا يقع على عاتق وزارة السياحة مهام كبيرة على رأسها الترويج للفرص الاستثمارية فى القطاع السياحى، وجذب استثمارات ضخمة جديدة مثل رأس الحكمة ومشروع ساوث ميد الذى سيجرى تنفيذه فى الساحل الشمالى باستثمارات 21 مليار دولار.

كذلك فلا بد من جهود    قوية  للترويج للسياحة المصرية، واستغلال المناسبات والمهرجانات الترفيهية لجذب المزيد من السائحين،  وعلى  رأس هذه المناسبات مهرجان «العالم علمين» الذى يعد أحد أكبر المهرجانات الترفيهية فى منطقة الشرق الأوسط، وتستمر دورته الجديدة فى الفترة من من 11 يوليو إلى 30 أغسطس.

ومما يدعو للتفاؤل فى قطاع السياحة المصرى وقدرته على النمو بقوة تحقيقه أعلى معدل فى أعداد السائحين الوافدين خلال النصف الأول من العام الجارى وبلغ 7.069 مليون سائح، مما انعكس على زيادة أعداد الليالى السياحية، وتحقيق إيرادات قياسية قوامها 6.6 مليار دولار، وتأتى هذه الطفرة رغم التوترات الجيوسياسية، وما يدعمها هو الاستقرار الأمنى والسياسى فى البلاد، والتطور المستمر فى البنية التحتية وتحسين مناخ الاستثمار لجميع الأنشطة الاقتصادية.