الثلاثاء 2 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث .. استدعاء (الضرورة) للأستاذ هيكل من بين الكتب إلى ساحة الحرب فى غزة (5) لبنان.. «رهين» حزب الله.. بين مصاعب «الانسحاب» وأطماع «أرض الميعاد»

الطريق الثالث .. استدعاء (الضرورة) للأستاذ هيكل من بين الكتب إلى ساحة الحرب فى غزة (5) لبنان.. «رهين» حزب الله.. بين مصاعب «الانسحاب» وأطماع «أرض الميعاد»

تابعت الأسبوع الماضى مندهشا الغضب اللبنانى (الرسمى) المتأجج بسبب تقرير صحفى (قيل إنه مفبرك) نشرته صحيفة «ديلى تلجراف» البريطانية عن تخزين أسلحة تخص «حزب الله» فى مطار بيروت الدولى، لكن ما لم يستوعبه عقلى طوال السنوات الماضية هو الصمت اللبنانى تجاه أخبار كثيرة (صحيحة) عن جماعة «حسن نصر الله» المهيمنة على الدولة اللبنانية، حتى أمست كل دوائر القرار مسلوبة القرار، فى دولة بلا رئيس مشتتة الآراء والولاءات، ومقسمة الهويات، يجمعها حدود مؤقتة، وكأنها تتجهز لمستقبل تعد ملامحه فى عواصم أخرى أقربها تل أبيب وطهران.



 

فى كتابه الثالث «سلام الأوهام» الجزء الأخير من عمله الضخم «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل» والصادر عن «دار الشروق» سنة 1996، يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل فى تحليله لموقف المقاومة الفلسطينية فى لبنان فى أجواء الحرب الأهلية نهاية سبعينيات القرن الماضى: «أن هناك إرادة دولية وكذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية التى طالما اعتبرت لبنان مركز خدمات اساسية فى مجالات حيوية مثل المال والإعلام والمعلومات بما فى ذلك نشاط المخابرات، لن ترضى فى خاتمة المطاف أن يسقط هذا الموقع فى يد من تعتبرهم أكثر العناصر تطرفا فى العالم العربى».

كان هذا مسارا رئيسيا سمح فى زمانه لإسرائيل أن تغزو لبنان وتحاصر العاصمة بيروت فى واحدة من أشهر حروب المدن فى التاريخ المعاصر، طُردت بعدها المقاومة الفلسطينية إلى تونس ستة 1982، فهل تكررها إسرائيل اليوم مع حزب الله؟، وهل اللحظة الاقليمية والدولية مواتية لينفذ جيش الاحتلال خططه المؤجلة ويبعد «فصيل الرضوان» وباقى فصائل الجناح العسكرى لحزب الله خلف نهر الليطانى بعيدا عن الخط الأزرق الذى فصل بين الطرفين فى وجود قوات من الأمم المتحدة «اليونيفيل» منذ قرار مجلس الامن 1701 الذى أنهى الحرب عام 2006، والتى كان الحزب قد أسماها بعملية «الوعد الصادق».

 خريطة إسرائيل الكبرى

إن لبنان على بعد خطوات من السقوط الأخير فى الفخ الإسرائيلى، أو حلم نتنياهو وعصابته من المتطرفين.. هم لن يدمروها ويصنعوا منها «غزة» آخرى كما عبر السكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن مخاوفه من التصعيد الأخير بين الاحتلال والحزب الذى تجاوز كل «قواعد الاشتباك» وبات أقرب إلى مواجهة حاسمة.

إن لبنان درة الشرق الأوسط وأجمل بلاده على الطريق ليكون «جولان» جديدة، بقعة اخرى تلتهمها دولة الاحتلال الصهيونى وتضمها إلى حدودها، أو مشروع دولتها الكبرى الذى ظهرت خريطتها واضحة معلقة على كتف جندى إسرائيلى من جيش الاحتلال خلال المعارك فى غزة.

إنها تلك الصورة الشهيرة لجندى يحمل على كتفه خريطة إسرائيل الكبرى» مطرزة على بزته العسكرية أسفل علم بلاده، والتى تداولتها المواقع الإلكترونية وتطبيقات التواصل الاجتماعية، وذكرت بها العالم الغارق فى همومه وحروبه وأزماته، والذى لم تجرؤ أى من وسائل إعلامه التى تدعى المهنية على طرح المسألة للنقاش العام، وإنعاش الذاكرة الدولية بقصة «إسرائيل الكبرى» أو «أرض الميعاد» التى تطمع فى أن تلتهم داخلها عدة دول عربية، حيث جرى زرع تلك الفكرة الخبيثة وتأصيلها دينيا منذ سنوات فى نفوس كل الإسرائيليين، لتٌبقِى على حالة الاستنفار والكراهية لكل العرب وفى مقدمتهم الفلسطينيين، ولبنان على طريق هذا الأعداء باعتبار أن «حزب الله» هو آخر أصوات المقاومة ضد إسرائيل وأول خطوات المواجهة المرتقبة بين دولة الاحتلال وإيران.

 ماذا قدم الحزب؟

وفى أحد لقاءتى التليفزيونية الأخيرة تساءلت مستنكرا عما فعله حزب الله لمنع مجازر الإبادة الجماعية ضد أهل غزة؟، وهل الفاتورة الباهظة لمعارك الاستنزاف التى خاضها الحزب طوال الشهور التسعة الماضية مع جيش الاحتلال وسددها الشعب اللبنانى حققت اى نتيجة لصالح الشعب الفلسطينى، أم أنها كانت حرب لخدمة أچندة أخرى؟

واتفقت معى فى الرأى الكاتبة السورية عالية منصور فى مقالها الأخير «لبنان الخاسر الأكبر وقعت الحرب أم لم تقع»، والمنشور بمجلة «المجلة» السعودية قبل أيام، حيث تقول: «تريد طهران أن تحارب إسرائيل حتى آخر طفل عربى، ويريد «حزب الله» أن يحارب حتى آخر لبنانى، لا دعما لفلسطين بل لتقوية موقف إيران فى مفاوضاتها مع الغرب. ألم يصرح وزير الخارجية الإيرانى بالإنابة على باقرى قبل أيام بأن خلافات بلاده مع الولايات المتحدة «ترجع للحصة التى خصصوها لنا. نحن لم نقبل بذلك ونسعى للحصول على حصتنا فى المنطقة». لا هم يخجلون من الإفصاح عن نياتهم، ولا عملاؤهم فى المنطقة يخجلون من تدمير بلادهم خدمة لمصالح إيران».

 أمريكا والحرب فى لبنان

فيما استندت صحيفة «الجارديان» البريطانية مطلع الأسبوع الماضى فى افتتاحيتها المعنونة بـ«إسرائيل وحزب الله: عاصفة تعرض المنطقة للخطر»، إلى تصريحات لوزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، قال فيها: «لا أعتقد أن أيًا من المتحاربين المحتملين يريد بالفعل رؤية حرب أو صراع يتوسع».

وفى السياق ذاته، تأرجحت مواقف وتصريحات أعضاء فى الإدارة الأمريكية حول عملية إسرائيلية فى الجنوب اللبنانى، واحتار معها الرأى العام العالمى حول قدرات إدارة بايدن على نزع فتيل هذه الحرب الكارثية التى تهدد أمن منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع، فى وقت استمر كل ما يصدر عن البيت الأبيض ويتعلق بدعم إسرائيل على ثباته، محسوما لصالحها بلا أدنى تراجع.

ويشخص لنا الأستاذ هيكل بعض جوانب المشكلة الراهنة فى مقال قديم له بعنوان «الماضى لا يعود ولا يستعاد»، والمنشور فى كتابه «المقالات اليابانية»، حيث يقول: «يعرف كل دارس لتاريخ الصراعات أن الانسحاب هو أصعب المناورات التى يمكن أن يقوم بها طرف فى صدام بالسلاح أو بالسياسة.. فالهجوم دائما أسهل ولو نسبيا، وهو يحتاج إلى شروط موضوعيه عديده أهمها الجرأة بالفعل والفكر، وأما الانسحاب فإنه يحتاج إلى الحكمة فى تقدير الموقف والجسارة فى التعامل مع الحقائق. إن الدول تحتاج إلى أن تتعلم درس الانسحاب بأكثر مما يحتاج الأفراد فدرس الانسحاب بالنسبة للأفراد يكون فى العادة محصورا، وأما بالنسبة للدول فإنه يتداخل مع عناصر كثيرة بينها الكبرياء الوطنى والراى العام الداخلى والهيبة الخارجية وضغوط المؤسسات والمصالح المؤثرة على القضاء وعلى المزاج الوطنى أو الإقليمى وربما الدولى».

 لولا الجسر الجوى

واختم بكلمات دالة -ربما ظاهريا تكون بعيدة عن المقال لكنى أراها فى صلب الموضوع- استوقفتنى خلال قراءاتى لمجموعة من الوثائق الأمريكية التى رفعت عنها السرية من وكالة الاستخبارات المركزية والأرشيف الوطنى بمناسبة مرور ٥٠ عاما على أحداثها، ونشرها مؤخرا موقع «إندبندنت عربية»، جاء فيها منسوبا إلى وزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كيسنجر، قوله: «إن الإسرائيليين لم يكونوا فى وضع يسمح لهم بمساعدة أنفسهم دون التدخل الأمريكى النشط ففى شهر أكتوبر، كانت إسرائيل فى وضع يائس، وهى من الناحية الفنية فازت ببعض الانتصارات، لكنها خسرت الحرب استراتيجيا، لأنه قبل السادس من أكتوبر كان أمن إسرائيل مضمونًا من خلال اقتناع الجميع بأن إسرائيل قادرة على الفوز فى أى حرب، وأنها ستنتصر بسرعة، دون مشكلة إعادة الإمداد إلا بعد الحرب، لذلك لم يكن عليها التفاوض، لكن هذا التقييم الإسرائيلى تحطم بالكامل بسبب الحرب، فقد كانت إسرائيل فى حالة يائسة بسبب نفاد الإمدادات بعد الأسبوع الأول من الحرب، ولولا الجسر الجوى لكانوا قد خسروا».