الإثنين 24 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
استدعاء (الضرورة) للأستاذ هيكل من بين الكتب إلى ساحة الحرب فى غزة (4) مستقبل القضية بين «المقاوم» الفلسطينى و«المفاوض» الإسرائيلى

استدعاء (الضرورة) للأستاذ هيكل من بين الكتب إلى ساحة الحرب فى غزة (4) مستقبل القضية بين «المقاوم» الفلسطينى و«المفاوض» الإسرائيلى

تضعنا الحوادث الجارية فى منطقتنا العربية ومحيطها الإقليمى منذ السابع من أكتوبر الماضى فى مأزق كبير، فالحاضر وحصاده المر يغلق أمام القضية الفلسطينية كل أبواب المستقبل، ويجبرها على البقاء رهينة لفعل «المقاومة» العشوائية والتى تعثرت خطواتها وأصابتها ضربة قاسمة بعد «طوفان الأقصى»، ولن تسكت إسرائيل أصوات المدافع قبل أن تقضى على كل فرص التمرد والنضال فى غزة والضفة. ولن تُبقى دولة الاحتلال أمام الفلسطينيين إلا قبول فتات «المفاوضات» التى تجرعوا من ورائها نكبات لا تقل خسائرها عما تكبدوه طوال 75 عامًا بفعل السلاح.



بين المقاوم والمفاوض، تترقب القضية الفلسطينية مستقبلها وتبحث عن مصيرها، تهرول داخل العقل العربى بحثًا عن طريق آخر يجنب الشعب الفلسطينى فاتورة المقاومة الباهظة والتى حولت «الطوفان» الأخير إلى نكبة جديدة. طريق غير مسار المفاوضات المذل، الذى تريده إسرائيل على غرار «لعبة المتاهة» المعروفة فى مجلات الأطفال، مع تعديل بسيط بإغلاق كل سبل الخروج، كى تبقى القضية معلقة إلى الأبد.

لكن، هل من طريق ثالث؟

لا نملك للقضية غير الأحلام، فى ظل واقع مظلم يقودنا إلى الهلاك، لهذا فظنى أن الشعب الفلسطينى البطل لن تعييه الحيل، وسيجد يومًا سبيلًا يصل به إلى بر أمان وسلام، وسترسو السفينة الفلسطينية فى فجر يوم جديد على شاطئ الدولة الكاملة وستكون القدس العربية عاصمتها.

>حائط المقاومة

الأستاذ محمد حسنين هيكل فى «سلام الأوهام.. أوسلو- ما قبلها وما بعدها»، الكتاب الثالث من مؤلفه التوثيقى الضخم «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل»، استهل صفحات الكتاب بعبارة شهيرة قالها الرئيس جمال عبد الناصر للزعيم الفلسطينى ياسر عرفات فى أول لقاء بينهما: «أريد رصاصة فلسطينية واحدة كل يوم يدوى صوتها فى الأرض المحتلة».

لكن أبو عمار الذى حفظ عهد ناصر وناضل من أجل قضيته لأكثر من 20 عامًا، سقط فى نهاية المطاف فى فخ «سلام منقوص» ومراوغ، نصبه له الإسرائيليون بمباركة أمريكية.

خان الزعيم الفلسطينى ذكاؤه وظن أنه ينقذ قضية بلاده، لم يتخيل أنه بتوقيع اتفاقية أوسلو الشهير فى تسعينيات القرن الماضى، قد قضى على الصورة المثالية للمقاومة الفلسطينية وخلق أشرس انقسام بين فصائلها وداخل الشعب الفلسطينى، وجعل القضية أسيرة موائد المفاوضات ووساطات لا تنتهى من أجل أن يمنح المفاوض الإسرائيلى وقتما يشاء، ما لا يثمن ولا يغني.

>الأستاذ بين ميتران وبيريز

ينقل الأستاذ هيكل فى كتابه «عام من الأزمات» ما رواه له الرئيس الفرنسى فرانسوا ميتران من بعض تفاصيل حواره مع شيمون بيريز السياسى الإسرائيلى المعروف (ورئيس دولة إسرائيل 2007: 2014)، حيث سأله ميتران: «هل لديكم ما تقدمونه لعرفات بعد هذه المخاطرة التى أقدم عليها باتفاق أوسلو». ورد عليه بيريز بـ«أنهم لم يفكروا بعد».

وطبقًا لرواية الرئيس ميتران، فإنه حين طلب من شيمون بيريز مزيدًا من الشرح، سمع منه ما معناه «أنهم يحتاجون وقتًا طويلًا يأخذون فيه الفلسطينيين إلى مائدة المفاوضات ثم يعودون بهم من قرب المائدة ويطرحون عليهم صيغًا واسعة مفتوحة لكل الاجتهادات ثم يأخذونهم معهم إلى تمارين فى الصياغة قد تكون مفيدة فى تعليمهم دون أن تكون بالضرورة مؤدية إلى اتفاق معهم ثم إنهم يعرضون عليهم وساطات ووسطاء يذهبون بأفكار ومقترحات ويتركونهم يذهبون إلى واشنطن ثم يعودون من واشنطن، ثم يكون من هذا الجهد كله أن يؤقلم الطرف الفلسطينى نفسه تدريجيًا على كيفية تخفيض سقف توقعاته».

المتاهة التفاوضية السابقة، كاشفة للمنهج الإسرائيلى فى المفاوضات، ورغم أن تاريخ الواقعة كان عام 1993 إلا أنها تتطابق مع جميع جولات المفاوضات التى خاضها الفلسطينيون مع دولة الاحتلال الإسرائيلى، والتى لن يكون آخرها جولات مفاوضات الهدنة المتصلة منذ اندلاع طوفان الأقصى فى عام 2023، والتى تعلق إسرائيل فشلها دائمًا فى رقبة حماس، رغم أن القاصى والدانى يدرك أن المفاوض الإسرائيلى يجلس على مائدة التفاوض دائمًا وداخله هدف رئيسى هو تدويخ الجالس أمامه فقط.

>الوثائق الإسرائيلية

ويعلق الأستاذ هيكل على ما نقله له ميتران قائلًا: «كان المعنى واضحًا وقد جاء إلى ناطقًا وفصيحًا وبلسان رئيس الجمهورية الفرنسية.. لكنى نسبت التخطيط فيه وقتها إلى سوء نوايا شيمون بيريز.. وكان على أن أنتظر سنوات طويلة حتى أعرف أثناء «سياحة صيف فى قراءة للوثائق الإسرائيلية» أن المصمم الحقيقى لهذا الأسلوب فى إدارة الصراع مع العرب كان بن جوريون، وكل ما فعله بيريز أنه استلهم تنويعة منه وطبقها فى إدارته للمفاوضات مع الفلسطينيين: التدويخ عن طريق الاستنزاف السياسى».

وقد نقل الأستاذ فى موقع سابق من كتابه، نص ما ذكره ديفيد بن جوريون فى اجتماع لمجلس الوزراء الإسرائيلى: «نحتاج مع العرب إلى (مفهوم فى الحرب جديد)، رأيى انه يجب أن يكون حرب استنزاف متواصلة ونشيطة فى جميع المجالات وهذه يجب أن تكون سياسية ونفسية واقتصادية وعسكرية اذا اقتضى الأمر، شرط أن نعرف أن للسلاح حدودًا فى حالاتنا مع العرب».

ويكمل رئيس الوزراء الأول لدولة الاحتلال الإسرائيلى: «الأفضل لنا أن نصل بهم إلى حيث يسقطون من الإعياء ما دمنا لا نستطيع أن نفرض عليهم بالسلاح قبول وجودنا»، ويلح بن جوريون على فكرة السقوط المعنوى الذى يصل بهم إلى فقدان الثقة.

ويقول الأستاذ هيكل فى فقرة بعنوان «ثوابت»: «يشعر أى قارئ للوثائق الإسرائيلية طوال الوقت بأن سياسة الدولة اليهودية تمشى على خطوط ثابتة محددة لا تتأثر بتغيير الحكومات، ولا بحلول مسئول خلفًا لمسئول سبقه فى منصب من المناصب الكبرى فى الدولة. ثم يستنتج قارئ الوثائق من كل ما يراه وأمامه أن هذه الخطوط السياسية الثابتة والمحددة ليست فى اختصاص الأحزاب المتصارعة على الساحة السياسية فى إسرائيل ولكنها منقولة إلى قوة أخرى يتجلى نفوذها واضحًا فى كل موقف وتظهر بصمات أصابعها على كل قرار».

>ذيل الماضى

وأختم سياحة الصيف التى قام بها الأستاذ فى الوثائق الإسرائيلية فى عام 2000، بتحليله لعلاقة التاريخ بالحاضر والمستقبل، والذى تأثر فيها بالفكرة التى طرحها دين أتشيسون وزير الخارجة الأمريكى فى عهد الرئيس هارى ترومان، والذى اختار عنوانًا موحيًا لمذكراته «الحاضر عند مرحلة الخلق الأولى»، ويرى هيكل أن التكملة المنطقية بعده «والمستقبل عند مرحلة الطفولة».

ويرى الأستاذ وأتفق معه، أن التاريخ ساحة دراسة قصدها المعرفة الواسعة، وليس ساحة محكمة مطلبها العقاب الصارم. أو كما قال: «التاريخ ليس ذيل الماضى بقدر ما هو مقدمة المستقبل».>