السبت 19 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث .. استدعاء (الضرورة) للأستاذ هيكل من بين الكتب إلى ساحة الحرب فى غزة (3) ماذا تريد إسرائيل من مصر؟

الطريق الثالث .. استدعاء (الضرورة) للأستاذ هيكل من بين الكتب إلى ساحة الحرب فى غزة (3) ماذا تريد إسرائيل من مصر؟

أسئلة «اللحظة الحرجة» أو سيناريوهات «حافة الأزمة»، هى المضمار الحقيقى لاختبار قدرات الصحفى، يكشف فيها عن مهارته فى طرح أسئلة فارقة تشغل الرأى العام داخل مجتمعه، ثم يستعرض فيها براعته فى اصطياد الإجابات النموذجية عليها، غير مسموح له بالعجز أو التردد، هذه هى «قواعد الاشتباك» فى الصحافة، تعلمناها من الأساتذة الكبار الذين نقلوا المهنة من كنف الدعاية المهين إلى براح الوعى الرصين.



 على خطى الأستاذ

وإذا جاز لى أن أستعير من الأستاذ هيكل بعض منهجه، وأستلهم من روحه التى تطاردنى وتلاحقنى منذ أن قررت استدعاء أفكاره فى حلقات «الضرورة»، بحثًا بين تجارب التاريخ عن ملامح المستقبل لعلها تُهدىء من روعة الحاضر، وتردده بين المصير والقرار.

لو قدر للأستاذ أن يشاركنا اللحظة، ويحيا معنا الأجواء التى تمر بها مصر ومحيطها الإقليمى منذ أن جرى «طوفان الأقصى»، وغادر بنا قطار الشرق الأوسط إلى محطة مجهولة، فقد كان سيطرح مثل هذه الاسئلة:

> هل نفد الصبر، وما الذى تملكه مصر من أوراق التصعيد ضد الممارسات الوحشية لجيش الاحتلال الإسرائيلى؟

> هل تلغى مصر «معاهدة السلام»؟

> هل يمكن أن تتبدل العلاقة بيننا وبين إسرائيل من سلام إلى حرب؟، وما مدى استعداد الجيش المصرى لهذه المواجهة العسكرية؟

> هل ما تزال القاهرة تملك أى من مقومات الردع القانونى أو الدبلوماسى القادرة على كبح جماح التطرف الإسرائيلى، وإيقاف حالة الشراهة العسكرية التى أصابت حكومة الحرب فى تل أبيب؟؟

وأخيرًا، «ماذا تريد إسرائيل من مصر؟»، ولعله السؤال الجامع لكل استفهامات المشهد الحالى، خاصة بعد ما جرى قبل أيام على الحدود المصرية الفلسطينية عند مدينة رفح من اشتباك أسفر عن سقوط شهيد مصرى.

 الوثائق الإسرائيلية

نعود بتوقيت الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل إلى العام الأول من القرن الميلادى الثالث، والذى جعل الأستاذ وصفه عنوانا لكتابه «عام من الأزمات»، والذى صدر كجزء من سلسلة «كلام فى السياسية» التى جمعت مقالاته المنشورة فى المجلة الشهرية الشهيرة والمهمة «الكتب.. وجهات نظر»، والتى كانت تصدر عن دار الشروق ويترأس تحريرها الصحفى الكبير أيمن الصياد وتوقفت مطلع العقد الماضى.

وكان الأستاذ قد قضى صيف ذاك العام (عام 2000)، فى إحدى القرى السياحية الفارهة بمنطقة الساحل الشمالى، وكما وصف فى كتابه فقد حاصره كنز من الوثائق الإسرائيلية، فى تجربته الأولى معها، رغم أنه من الحريصين الدؤوبين على جمع كل ما تيسر من وثائق يمكنه الحصول عليها فى أى مكان فى العالم، وهى الكنز المعلوماتى الذى جعل كتبه ومقالاته ثروة تاريخية تستحق الاقتناء، رغم بعض محاولات التشويه والتكذيب أحيانا لبعض ما نشره الأستاذ، لكن أى منها لم تنل أبدا منه، ولا من الإرث العظيم الذى تركه للأجيال وللمهتمين بتاريخ مصر والعالم العربى.

مصراييم

يقول الأستاذ: «يبدو من مجمل الوثائق أن ديفيد بن جوريون مؤسس الدولة فى إسرائيل وأول رئيس للوزراء فيها بعد الإعلان عن قيامها، كان مسكونا طوال الوقت ببلد اسمه مصر أو مصراييم كما كان ينطق الاسم ويكتبه بالعبرية، وشعوره نحو هذا البلد لا يتغير ولا يتبدل وأن تأرجح بين القلق الشديد والكراهية العميقة، وهو يتذكر ويستعيد فى إشاراته إليه ما ورد فى التوراة المتداولة فى إسرائيل من نعوت وأوصاف تمس مصر وشعبها، وهى نعوت وأوصاف متمادية فى معظم الحالات إلى درجة الشتم المقزع والسب!»، ويحذر الأستاذ فى كتابه إلى خطورة خلطة بن جوريون التى يمزج فيها الأساطير بالتاريخ، خاصة بعد أن تطورت إلى استراتيجية كاملة تتعامل بها إسرائيل مع مصر.

وينقل هيكل بعض من وقائع وردت فى محضر اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلى فى جلسته يوم 29 مايو سنة 1949، والتى خصصها بن جوريون لمناقشة سياسية عامة حول الأوضاع فى ضوء ما ظهر من فشل كل المحاولات لاستكمال اتفاقيات الهدنة المعقودة فى رودس فى يناير وفبراير سنة 1948، ويستهل رئيس الوزراء الإسرائيلى حديثه قائلا: «الآن يلزمنا أن نضع سياسة للمدى الطويل مع العرب. فكلنا يعرف أنهم مصممون على عدائنا. ولذلك فإن السلام معهم بعيد. ولكنى أريد أن أقول إن هذا ليس بالضرورة كارثة لنا، وبالعكس قد يكون مفيدا ونافعا»، ويعود ويؤكد فى أكثر من موضع عدم أهمية السلام مع العرب، مؤكدًا أنه «ليس هناك خطر حقيقى يهدد إسرائيل من جانب العرب»، ثم يبدأ فى استعراض مواقف الدولة العربية بشكل تفصيلى حتى يصل إلى مصر.

 غزوة عظيمة

يواصل الأستاذ إبحاره فى الوثائق الإسرائيلية فى كتابه «عام الأزمات»، ويواصل بن جوريون كلامه وفقا لمحضر اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلى، قائلا: «مصر مسألة أعقد. فى الوقت الحالى لا خطر منها، لكنها فى المستقبل خطر محتمل. الحقيقة أن مصر هى ما يجب أن نتحسب له. لماذا؟، لأن مصر هى الدولة الحقيقية الوحيدة فى العالم العربى حتى الآن، وهذا يجعلها تهديدا كامنا. إن المصريين لا يفهمون أننا لا نريد شيئا عندهم. كل ما نريده منهم أن يبقوا وراء حدودهم وأن يفعلوا هناك ما يشاءون»، ويكمل رئيس الوزراء المؤسس: «مصر بلد كبيرة. ونحن ليست لنا مطالب فيها. وبيننا وبينها حاجز حقيقى من صحراء واسعة. وقد كانت الطرف الذى سعينا إلى اتفاق أكيد معه، ولو كنا فعلنا ذلك لكان هذا الاتفاق غزوة عظيمة».

 وراء الحدود

واليوم بعد 45 عامًا من توقيع «معاهدة السلام» بين مصر وإسرائيل التى احتضنتها الولايات المتحدة الأمريكية، ووقعها الرئيس السادات فى 26 مارس سنة 1979 مع رئيس وزراء إسرائيلى آخر، هو مناحم بيجن، ليحقق لبلاده «الغزوة العظيمة» كما تمناها مؤسس الدولة والتى حُبست بها مصر وراء حدودها وفق الاستراتيجية المؤسسة لدولة إسرائيل، والتى كانت تنص وفق مجموعة وثائق نشرها الأستاذ هيكل، على أنه «عندما تقبع مصر وراء حدودها وتترك إسرائيل وشأنها، فإن إسرائيل سيتحتم عليها أن تحجز لنفسها كل المزايا المتوافرة استراتيجيا لمصر، والتى دفعت نابليون لوصفها بأنها «أهم بلد فى الدنيا»، وهى: الموقع المتوسط بين قارات العالم، والبرزخ الواصل بين البحرين، بحيث يمكن أن تحفر إسرائيل قناة تضاهى قناة السويس».

وختامًا، هل بعد هذه السنوات تحقق ما أراده بن جوريون من غزوته العظيمة، وربحت إسرائيل من السلام مع مصر كما تخيلت؟، هل تم حبس مصر حقًا وتراجع دورها كأهم بلد فى الدنيا لصالح الدولة العبرية؟.

إن الإجابة عن الأسئلة الأخيرة والموجود إجاباتها بين سطور المقال، وبين ما طوته السنوات التالية لمعاهدة السلام من أحداث انتهاء بالتوتر الحالى بين البلدين، كلها تكشف ما تريده إسرائيل من مصر وتفضحه، وتؤكد صدق نبوءة الزميل العزيز أحمد الطاهرى التى نشرها بعد ساعات قليلة من «طوفان الأقصى» فى السابع من أكتوبر الماضى وأثارت دهشة متابعيه وقتها، عندما كاد أن يصرخ على «الفيس بوك» وهو يؤكد أن: «الهدف مصر».