
محمد جمال الدين
مجرمو الحرب الجدد
قائمة مجرمى الحرب تحتوى على العديد من الأشخاص، ويتم تحديدهم أو تعريفهم عقب محاكمات نوربنبيرج التى تلت الحرب العالمية الثانية، فضلًا عن الاتفاقيات السابقة التى حددتها مؤتمرات لاهاى لعامى 1899 و1907، وميثاق بريان كيلوج عام 1928، واتفاقيات جنيف لعام 1929 وعام 1949. اتفاقيات جميعها تتحدث عن انتهاكات قوانين الحرب، وبصفة عامة تعتبر محاكمة بيتر فون هاجنباخ، الذى حُوكم سنة 1474 فى النمسا وحكم عليه بالموت لقيامه بأعمال وحشيّة فى وقت الحرب، أول محاكمة حقيقية على جرائم الحرب. تلى ذلك محاكمات لشخوص آخرين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية، تشمل القتل والإبادة والتعذيب والتهجير والإبعاد والاستبعاد والإرهاب والاعتقال غير الشرعى والاضطهاد، لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية، سواء كانت فردية أو جماعية، ويلحق بهذه الأعمال الشبيهة بها التى تقترف ضد المدنيين كما يحدث فى المناطق المحتلة من أرض فلسطين الغالية. على يد رئيس وزراء دولة الكيان الصهيونى بنيامين نتنياهو مجرم حرب العصر الحديث بامتياز، الذى تنطبق عليه جميع المعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية فى هذا الشأن، لينضم بذلك إلى ذات القائمة التى تضم الزعيم النازى السابق أدولف هتلر، الذى يتحدث اليهود عن اضطهاده لهم ليل نهار، علمًا بأن رئيس وزرائهم تفوق فى إجرامه على هتلر النازى. ما أقوله أكده وأخذ به المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، رغم الضغوط والتهديدات التى نالت من الرجل وقضاة محكمته، من قبل قادة الدول الغربية، وعلى رأسهم أمريكا بالطبع، التى وصف رئيسها قرار المحكمة بأنه (مشين) لأن ما تقوم به إسرائيل فى أرض فلسطين المحتلة لا يمثل إبادة جماعية، وهو بالمناسبة نفس النهج الذى اعتمده أعضاء الكونجرس الأمريكى على حد السواء ديمقراطيين وجمهوريين، حتى وصل تبجحهم إلى التهديد بإصدار قانون يتيح لهم معاقبة قضاة المحكمة الجنائية الدولية، إذا أصدرت أوامر الاعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه. بلطجة لا تليق بدولة عظمى، تدعى بين الوقت والآخر أنها قلعة للديمقراطية والحريات، وتخشى من تطبيق العدالة التى لم تأخذ بها يومًا حتى بين مواطنيها، ولكن عندما يتعلق الأمر بعميلها فى الشرق الأوسط ترفع راية الرفض والعصيان والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور لكل من يُخالف الحقيقة أو يُطالب بتحقيق العدل الغائب، الذى لا يطبق سوى على دول العالم الثالث التى ترفض التبعية والانصياع لرغبات العم سام. ولكن هيهات، فنتنياهو الذى صار الآن سفاح غزة، سيُحاكم مثلما حوكم الرئيس اليوغسلافى سلوبودان ميلوسيفيتش، الذى حوكم بتهم ارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب أمام محكمة فى لاهاى. وإمعانًا فى الصلف والغرور من قادة دولة الكيان ورغم قرار المدعى العام، انتقد وزير الخارجية يسرائيل كاتس بيان المدعى العام، الذى ذكر نتنياهو وجالانت إلى جانب قادة حماس، اعتبر البيان وصمة عار تاريخية ستبقى فى الذاكرة إلى الأبد، ووصف الإعلان بـ (الفاضح)، وأنه يرقى إلى مستوى «هجوم مباشر على ضحايا 7 أكتوبر، معلنًا أن إسرائيل ستشكل لجنة خاصة ومركز قيادة فى الوزارة لمحاربة جهود المدعى العام للمحكمة لإصدار أوامر اعتقال، وستشرع فى تنفيذ حملة دبلوماسية ضد إعلانه، ومن أجل ذلك أضاف أنه سوف يعتزم التحدث مع وزراء خارجية الدول الكبرى، وفى جميع أنحاء العالم حتى يعارضوا قرار المدعى العام، ويعلنوا أنه حتى لو صدرت هذه الأوامر، فإنهم لا يعتزمون تطبيقها على قادة إسرائيل. من ناحيته وصف الوزير فى حكومة الحرب الإسرائيلية، بينى جانتس، خطوة المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية بأنها جريمة تاريخية، كما اعتبرها «عمى أخلاقى وتشويه للعدالة، وإفلاس أخلاقى صارخ»، على أساس أن حربهم الدائرة منذ أكثر من 8 أشهر الحرب الأكثر عدالة، وهنا أنا لا أستغرب مثل تلك التصريحات التى كان من ضمنها أن جيش الدفاع يراعى كل المعايير الأخلاقية فى هذه الحرب، ولم يقل لنا هذا أو ذاك عن ماهية هذه المعايير التى راح ضحيتها أكثر من 35 ألف شهيد معظمهم أطفال ونساء، وأكثر من 80 ألف جريح، كان آخرها القصف المتعمد لخيام النازحين فى مدينة رفح الفلسطينية، الأمر الذى أسفر عن سقوط المئات من القتلى والمصابين بين صفوف الفلسطينيين النازحين العزل، فى انتهاك جديد وسافر لأحكام القانون الدولى الإنسانى، وبنود اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية الأشخاص المدنيين فى وقت الحرب، ثم يعودون ويتحدثون عن الأخلاق والقيم والإنسانية، التى ضاقت بهم وبأمثالهم.
وعمومًا سواء نجحت ضغوط أمريكا ومن يسير على دربها، فإن المدعو نتنياهو ووزير دفاعه ما هما سوى مجرمى حرب جدد وجبت محاكمتهما، وإن لم يتم ذلك عاجلا، فالزمن كفيل بمحاكمتهما أجلا، لأنه ما زال هناك فى العالم الحر شرفاء يتسمون بالإنسانية والأخلاق، يسعون بدأب لتطبيق القانون بين الجميع من أجل دعم وضمان سيادة القانون الدولى.>