خريطة دينية للارتقاء بحياة المواطن ـ 4 ـ التربية الإيجابية لخلق جيل يقود الوطن

محمد مشعال
فى ضوء مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، للارتقاء بجودة حياة المواطن والأسرة بشكل عام من خلال ضبط معدلات النمو المتسارعة، والارتقاء بخصائص السكان، واتساقا مع واجبها الوطنى تجاه المجتمع، صدر بالشراكة بين كلٍّ من المجلس القومى للسكان والأزهر الشريف والكنيسة المصرية دليل ديني لإلقاء الضوء على قضايا السكان فى المجتمع، وتصحيح المفاهيم، وبعد اتفاق كامل نصت عليه الأديان السماوية وأظهرت أن الإنسان نعمة وأن تنميته هى أهم رسالة ولا خلاف عليها.
يتضمن الجزء الرابع من الدليل الدينى للتوعية الأسرية الذى صدر بالشراكة بين كلٍّ من المجلس القومى للسكان والأزهر الشريف والكنيسة المصرية، العديد من قضايا الأسرة والسكان من منظور دينى بهدف نقل رسائل قوية وفعالة لزيادة الوعى والتشجيع على التغيير الإيجابى.
من المسلمات أننا حين نربى الطفولة إنما نصنع المستقبل، فالطفولة هى بذرة الرجولة، فالأمم الواعية المتحضرة، الحريصة على حرية أوطانها وعزتها، وعلى نهضتها وازدهارها هى الأمم التى تضاعف عنايتها بثروتها البشرية، وفى طليعة ذلك الطفولة والشباب.
والتربية الإيجابية، هى التربية الواعية الوسطية بالتوازن بين العواطف والعقلانية، وتتمثل فى تنمية مهارات الطفل المختلفة من خلال الأسرة والمجتمع وفق القيم والمبادئ الدينية.. وبخلاف التربية التى تبنى على أساليب القمع والإجبار وتلغى شخصية الطفل.
إن دور الآباء والأمهات والمعلمين يجب أن يكون كبيرا من ناحية تربية الأطفال؛ فكثير من أطفال اليوم بسبب التربية السلبية يعانون من كثير من المشاكل النفسية والاجتماعية، وهذا يؤثر على حياتهم بطريقة سلبية لا تمكنهم أن يعيشوا حياتهم بطريقة طبيعية.. وقبل التربية يجب معرفة حقوق الأبناء التى وضحها الدليل الدينى للتوعية الأسرية والتى تتمثل فى:
حسن اختيار أمه وأبيه
على الزوجين حسن اختيار بعضهما، لما فى ذلك من الأثر الكبير على الأبناء، فصلاح الوالدين صلاح للأبناء، ولهذا أرشد النبى صلى الله عليه وسلم الوالد إلى حسن اختيار الزوجة، فقال: «تنكَح المرأَة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك».
وأرشد الوالدة أيضا إلى حسن اختيار زوجها؛ فقال:«إِذَا أَتاكم مَن ترضون خلقه ودينه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد عريض».
وفى الكتاب المقدس: «امرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللالئ».. وفيه أيضا: «امرأتك مثل كرمة مثمرة فى جوانب بيتك وبنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك».
تحريم قتله بالإجهاض
وحسن تسميته
إن إهلاك النفس من أشد أنواع الإفساد فى الأرض.. وقد اتفق الفقهاء على أن الجنين إذا تكون ونفخت فيه الروح أصبح نفسا معصومة، ويجرى عليه ما يجرى على سائر الأنفس من الأحكام المتعلقة بالقصاص إذا أجهض، وقد حكم النبى صلى الله عليه وسلم بذلك.
من الأصول المرغوب فيها الجمال؛ فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: «إِنَ الله جميل يحب الجمال».. ولأجل هذا الجمال كان النبى يدعو إلى التسمى بالأسماء الحسنة، وينهى عن الأسماء القبيحة، فقد كانت سنته التسمية بالأسماء الحسنة وتغيير الأسماء القبيحة.
فقد قال صلوات الله وسلامه عليه: «إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم».. ومن ثم فيجب على الوالد أن يختار اسما جميلا لولده؛ حتى لا يكون فى نفس الولد شىء من اسمه، وليكن فى اسم البنت ليونةً وجمال.
النفقة
من الحقوق اللَازمة للأبناء على آبائهم النَّفقة، وقد أمر النبى بذلك، فقال: «اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول».. فيبدأ الإنسان بالنفقة على مَن يعول من زوجة وأولاد، بل جعلها النبى صلى الله عليه وسلم من أفضل أنواع الجهاد فى سبيل الله.
والنفقة أيضا تضمن الرعاية الطبية للأولاد، والحفاظ عليهم من الأمراض، والحرص على نظافتهم، والوقاية لهم من أسباب المرض فعلى الوالدة أن تتبع نظافة أطفالها وأن تقوم على رعايتهم، وعلى الوالد أن يساعدها فى ذلك؛ ويدخل فى ذلك تحصين الأطفال من الأمراض المعدية.
أما عن الأسس الصحيحة فى تربية أطفالنا؛ لكى نحصل على عائلة أفضل تعيش فى سعادة، فقد حددها الدليل التوعوى فى بعض الأسس.
الاحترام وتحمل المسئولية
يقوم الوالدان بأسمى شىء فى العلاقات بين أفراد المجتمع؛ وهو زرع الحب والاحترام والعطف فى الأولاد؛ من خلال تمثيل ذلك عمليا معهم، وذلك لأن هذه الأخلاق تزرع بالأفعال أولا، وتنتقل إلى الأولاد عن طريق القدوة الصالحة، فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا».. فتشير تلك النصوص المقدسة إلى الآلية الأولى من آليات التربية الإيجابية.
إن الأسس التى تزرع فى الطفل صغيرا تؤثر فيه كبيرا؛ فالتعليم فى الصغر كالنقش على الحجر، وإنا نجد كثيرا من الشباب اليوم لا يستطيعون تحمل المسئولية، بل إن بعض المتزوجين كذلك؛ بسبب غياب هذا الأمر عنهم منذ صغرهم، فيجب على الآباء غرس المسئولية فى أطفالهم ومن ثم يكبر الولد وقد علم أن المسئولية تحتم عليه حفظ الأسرار، وقضاء الحاجات، وغير ذلك مما يتحمله الكبار.
أبضا غرس الاعتزاز بالنفس فى الطفل يخرج طاقاته الكامنة، والتى من خلالها يستطيع أن ينفع نفسه وأسرته والمجتمع الذى يعيش فيه، ولن يكون ذلك إلا بتشجيع الأبوين لولدهما الصغير، وإشعاره بدوره، وإعطائه الفرص للتجربة والتعلم، وثقافة الاختبار تهدف إلى تربية النموذج منذ صغره على القيادة والريادة.
استقلال شخصيته والانتماء
كثيرا ما نرى الآباء يتسلطون على أبنائهم، فيتدخلون فى شئونهم غير عابئين بما يخصهم، وقد حثَّ النبى صلى الله عليه وسلم على الحفاظ على شخصية الأبناء واستقلالها، وأمر بضرورة إعطائهم مساحة من الاختيار، ولكنه مع ذلك أمرهم بضرورة الحزم عند وجود الخطأ، وبعض الناس يقصر الحزم على الضرب، وهو فهم خاطئ؛ فالحزم أمر واسع آخر شيء فيه الضرب والعقوبة، ويكون الحزم بنهيه عن الأخلاق الذميمة، وإرشاده إلى الخصال الحميدة.
من الأسس التى يتربى عليها الولد الانتماء، وهذا الانتماء يكون للأسرة الصغيرة؛ وهى: العائلة، ويكون للأسرة الكبيرة وهى: المجتمع والوطن، فينشأ الوالد وبين عينيه أفضال الأسرة عليه.