الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
خطر تكوين تفكير جديد

خطر تكوين تفكير جديد

الحراك التصحيحى سمة من سمات المجتمعات الحية، والنقد الذاتى أحد الأوجه المهمة لعملية الإصلاح يقابلها الركون والجمود تجاه الموروث والنظرة الشوفينية للذات باعتبارها وصلت للكمال والتفوق.



فى هذا العالم الذى نعيش فى واقعه الغريب المشتت ما بين مدنية وحضارة من جهة وما بين رجعية وتخلف من جهة أخرى، دائما ما يكون التحدى الماثل أمامه هو كيف نأخذ بأنفسنا من حالة التخلف إلى حالة التحضر واللحاق بركب التقدم الإنسانى، فهناك من يعود ليكرر مقولة اجترار الماضى والتاريخ وكأنه ما زال واقعًا وما بين من يريد الانعتاق من ذلك الماضى السحيق ليأخذ منه فقط ما يساعد على إعادة هندسة الحاضر والمستقبل بشكل يتناسب مع الواقعية والطموح الذى يدعى أنه يملكه.

فى عالمنا العربى هناك ملامح واضحة لمحاولات الارتقاء بالذهنية الجمعية والخروج بها من واقعها المتحجر فى أنماط التفكير التى ورثها من تاريخ من يقرأه بتجرد يكتشف فيه أنه ليس بذلك اللمعان الذى نقنع أنفسنا به، تلك المحاولات طالما اعتبرت تهديدًا للـ(الوضع الراهن) الذى يجب أن لا يمس، فهو الذى يعطى الأنظمة السياسية فسحة الاستقرار ويمنح المنظومة الدينية عصى النظام والجوقة الفكرية آلات التدجين السياسى والدينى، فتشن الحملات المستعرة ضد من يحاول أن يحدث شيئًا من حراك فى التفكير فيما تسمى بالمسلمات والتى فى غالبها ليست كذلك إلا من منطلق تفسير تراثى أو ظرف تاريخى لا علاقة له بنص صريح أو تشريع واضح، وتنظم المساعى الجماعية يجمع من أجلها كل طبال ومنادٍ لشيطنة تلك المحاولات ومن يقف وراءها باستخدام أدوات الشيطنة المعتادة من قبيل عبارات المس بالدين أو الوحدة الوطنية أو التقاليد وهى كلها إتهامات يقذف بها فى الهواء، ولمَ لا؟! فهذه الاتهامات هلامية يصعب إثباتها والجمهور المدجن سيردد ما يسمعه خوفًا أو جهلا، فلو كان هذا المجتمع لديه أدوات التفكير التى حتمًا كانت ستنتج من محاولات التصحيح والنقد الذاتى لما وجد هؤلاء المشيطنِون البيئة الصالحة لتمرير اتهامات فارغة لا أساس لها.

تكوين تفكير جديد وطرح الأسئلة المحفزة له فى نظر أصحاب الحجة الهزيلة والمهزوزة يعتبر سلاحا أخطر من السيف يجب تحطيمه، ومحاولة إعادة فهم التاريخ والموروث وتجريده من خزعبلات الأنظمة السياسية والظروف التاريخية قنابل نووية قادرة على الفتك بواقع بنى فى جله على أوهام ولكنها أوهام تخدم مصالح من يستغفل الشعوب ويمرر عليهم ما يراه باعتباره الحل الوحيد وأكرر الحل الوحيد الذى به يكمن الاستقرار والرفاهية، على الرغم من أن لا رفاهية حقيقية يعيشها الإنسان ولا استقرار بمعناه الأشمل يتمتع به. أتعجب كلما قرأت أو سمعت عن هجوم منظم موجه لدولة أو مؤسسة أو شخص فقط لرأى عبروا عنه أو قرار صدر منهم يراه المهاجمون أنه خارج على المألوف، وأعود فلا أتعجب من ذلك، فديدن العقلية السائدة للأسف تهاب الخروج عن النص أو التجديد أو الإصلاح الجذرى أو الشجاعة فى النقد، عقلية تريد أن يكون الجميع أصحاب لون واحد، فإن كان أبيض فهو طليق فى طريقه للجنة وإن كان أسود فهو المعتقل السجين المؤكد له مصير الجحيم.

لنتذكر بأن من حقق استقلال الدول من الاستعمار كانوا أشخاصًا أعادوا النظر بالوضع الراهن حينها، ومن أعطى الحقوق فى مجتمعات تفشى فيها الظلم هم هؤلاء الذين أعادوا كتابة القوانين وعملوا على تطبيقها، ومن جرد الإنسان من الإيمان بالخزعبلات هم المصلحون والفلاسفة والمفكرون الذين استخدموا العقل لطرح الأسئلة ليعودوا بالإنسان لاستخدام العقل الذى هو أصلا أساس التكليف..