بعلم الوصول.. من طلاب الجامعات إلى البيت الأبيض: «الديمقراطية الأمريكية» منتهية الصلاحية!

داليا طه
انتشرت احتجاجات طلاب الجامعات ضد الدعم الأمريكى لحرب إسرائيل فى غزة كالنار فى الهشيم. وفى آخر إحصاء، شهد أكثر من 200 حرم جامعى مظاهرات مستمرة. وبدءًا من الأسبوع الماضى فى جامعة كولومبيا فى نيويورك، أقام الطلاب مؤخرًا مخيمات احتجاجية فى بعض الجامعات. وبعد عشرة أيام، أصبحت المخيمات تملأ ما يقرب من أربعين جامعة. الأمر الأكثر إثارة للدهشة ليس فقط كيفية انتشار هذا الجهد، ولكن أيضًا التنوع المذهل للطلاب المشاركين، حيث انضم العرب الأمريكيون إلى كل عرق وعقيدة.
وتسارع الجامعات الأمريكية، من كولومبيا إلى كاليفورنيا، إلى مواجهة المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين والمنددة بالحرب الإسرائيلية على غزة، مع تصاعد الإجراءات التأديبية، ودخول السنة الجامعية فى حالة من الاضطراب مع اقتراب العام الدراسى من نهايته.
لقد كانت القيادة الطلابية صارمة وبليغة فى مطالبتها بوقف إطلاق النار وإنهاء الإبادة الجماعية فى غزة. كما دعا الكثيرون جامعاتهم إلى سحب الأموال من الكيانات المساهمة فى المجهود الحربى الإسرائيلى.
لاحظ مراقبون محترمون أن المتظاهرين كانوا سلميين ومنظمين، وإن كانوا مزعجين بشكل متعمد - ففى بعض الأحيان احتلوا مواقع الحرم الجامعى المركزى وهتفوا كما يفعل المتظاهرون.
موعد نهائى
وفى جامعة كولومبيا فى نيويورك، ارتفعت حدة التوترات، حيث بدأ المسئولون فى توقيف الطلاب الذين رفضوا مغادرة المخيم حيث يعتصم المحتجون المؤيدون للفلسطينيين عن الدراسة.
وقال المتحدث باسم الجامعة بن تشانج، إن المحادثات مستمرة مع المتظاهرين الذين بقوا فى حديقة الحرم الجامعى، وحددت الجامعة الساعة الثانية بعد ظهر يوم الاثنين كموعد نهائى لإنهاء المظاهرات وفض المخيم لإفساح المجال أمام التحضير لاحتفالات التخرج المرتقبة فى 15 مايو، لكن المتظاهرين ظلوا فى مكانهم حتى بعد الموعد المحدد، حسبما نقلت «بلومبرغ».
وكان أفراد من شرطة نيويورك، على أهبة الاستعداد بالقرب من حرم جامعة كولومبيا للتدخل إذا طَلب منهم مسئولو الجامعة ذلك.
واتخذت إدارة الجامعة نهجًا أكثر حذرًا، وتجنبت التدخل بالقوة لتفادى تكرار سيناريو الأسبوع الماضى، عندما طلبت رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق دخول ضباط شرطة نيويورك إلى الحرم الجامعى.
رد قوي
وشهد المتظاهرون فى جامعة تكساس فى أوستن ردًا قويًا من سلطات إنفاذ القانون المحلية وشرطة الولاية، حيث عمد بعضهم مرتدين معدات مكافحة الشغب، إلى تفريق المتظاهرين بعد تهديدات بالاعتقال بتهمة التعدى على ممتلكات الغير والسلوك غير المنضبط.
وأظهرت المشاهد المتوترة، التى تم نقلها على مواقع التواصل الاجتماعى، مشاحنات بين الضباط والمتظاهرين، حيث استخدمت قوات الشرطة، فى بعض الحالات، رذاذ الفلفل لتفريق المتظاهرين.
وفى جامعة كاليفورنيا، بدا الوضع أكثر هدوءًا لكنه لا يزال متوترًا، حيث شاركت مجموعة من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس فى إضراب، داعين الجامعة إلى قطع العلاقات المالية مع إسرائيل والشركات التى تدعم تدخل الجيش الأمريكى فى المنطقة.
وقررت السلطات الأمنية، عدم التدخل فى الاحتجاجات، على خلاف نهاية الأسبوع عندما تدخل ضباط الحرم الجامعى لفصل مجموعات المتظاهرين.
اتفاق نادر
إلى ذلك، توصلت جامعة «نورث ويسترن» فى إيفانستون بولاية إلينوى، إلى اتفاق مع المتظاهرين لإخلاء أحد المخيمات، وتجنب المواجهات التى شهدتها الجامعات الأخرى.
وأعلن رئيس جامعة «نورث ويسترن» مايكل شيل، هذا الاتفاق عبر رسالة بريد إلكترونى، إلى المنتسبين للجامعة، والتى تنص على الإزالة الفورية للخيام ومكبرات الصوت والتزام المتظاهرين بسياسات الجامعة. وفى المقابل، سمحت الجامعة بمواصلة المظاهرات فى الحرم الجامعى حتى الأول من يونيو.
وبموجب الاتفاق فإن المشاركة فى الاحتجاجات، تقتصر على الطلاب وموظفى الجامعة، كما يتضمن التزام الجامعة بتمويل اثنين من أعضاء هيئة التدريس الفلسطينيين الزائرين سنويًا، وتقديم منح دراسية لخمسة طلاب جامعيين فلسطينيين طوال سنواتهم الأكاديمية. بالإضافة إلى ذلك، ستقوم الجامعة بتوفير وتجديد مبنى مجتمعى لطلاب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمسلمين.
وقال شيل فى رسالته: «تمت صياغة هذه الاتفاقية من خلال العمل الشاق الذى قام به الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين يعملون بشكل وثيق مع أعضاء الإدارة للمساعدة فى ضمان عدم حدوث أعمال العنف والتصعيد التى شهدناها فى أماكن أخرى هنا فى جامعة نورث ويسترن».
وانتشرت فى أنحاء العالم صور لشرطة مكافحة الشغب أثناء تدخلها فى حرم جامعات عدة، بعدما استدعاها رؤساء هذه المؤسسات التعليمية، ما أعاد إلى الأذهان أحداثًا مماثلة فى الولايات المتحدة خلال حرب فيتنام.
«هاميلتون» رمز
وأعلن الطلاب المتظاهرون فى جامعة كولومبيا الاستيلاء على مبنى «هاميلتون هول»، وهو مبنى بالقرب من الحديقة الجنوبية للحرم الجامعى، مما يزيد من احتمال حدوث المزيد من الاضطرابات فى المؤسسة الجامعية العريقة. وذلك بعد ساعات من شروع الجامعة فى توقيف الطلاب الذين رفضوا مغادرة الاعتصام المؤيد للفلسطينيين، عن الدراسة.
وجاء فى بيان نشرته المجموعات الطلابية ، أن المتظاهرين «أخذوا الأمور بأيديهم»، مضيفًا أن الطلاب يخططون للبقاء هناك حتى تنفصل جامعة كولومبيا ماليًا عن إسرائيل. وأظهر مقطع فيديو نشرته المجموعة صفوفًا من الطلاب يدخلون المبنى حاملين حواجز.
وفى وقت سابق من المساء، بدأت إدارة كولومبيا فى إيقاف دراسة الطلاب الرافضين لمغادرة مخيم الاحتجاج، بعد فشل أيام من المفاوضات فى التوصل إلى حل. وبقى العشرات من المتظاهرين المتحدين فى المخيم على الرغم من تحذيرات الجامعة.
عقوبات وتوقيفات
وفى المقابل، أصدرت جامعة نيويورك بيانًا، قالت فيه، إن الجهود المبذولة لتهدئة الاحتجاجات من خلال الحوار «تعثرت»، ما أجبر الإدارة على اللجوء إلى سلاح العقوبات.
وقالت الجامعة إن «الطلاب لم يستجيبوا، وبقوا فى الموقع»، وأضافت: «بناء على ذلك، وللأسف، تمضى جامعة نيويورك قدمًا فى الإجراءات التأديبية».
وتسعى إدارات الجامعات الأمريكية جاهدة، لاستعادة النظام قبل بدء موسم التخرج فى الأسابيع المقبلة، بهدف تجنب موقف مماثل لما حدث فى جامعة جنوب كاليفورنيا.
وأدت احتجاجات فى جامعة كاليفورنيا، التى يقع مقرها فى لوس أنجلوس، إلى إلغاء حفل التخرج الرئيسى المقرر، واعتقال أكثر من 90 طالبًا، الأسبوع الماضى.
وقالت جامعة كولومبيا، إنها بدأت إجراءات توقيف الطلاب الذين تحدوا الموعد النهائى الذى وضعته لإخلاء حديقتها الغربية، مما يزيد من حدة التوترات بشأن المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين.
وتسعى جامعة نيويورك إلى إخلاء آخر مخيم الاعتصام، قبل انطلاق الدراسة المقرر فى 15 مايو الجارى، لكن اعتبارًا من الساعة 5:15 مساءً بالتوقيت المحلى يوم الاثنين (1 مساءً بتوقيت جرينتش)، كانت الخيام فى حديقة كولومبيا لا تزال موجودة ولم يتحرك المتظاهرون، الذين تقول الجامعة إنهم ينتهكون سياسات عديدة.
إلغاء امتحانات
ألغت جامعة السوربون فى العاصمة الفرنسية باريس المحاضرات والامتحانات بسبب تظاهرة داعمة لفلسطين داخل الجامعة وخارجها.
وبعد أن تدخّلت الشرطة لفضّ اعتصام طلابى كان داخل الحرم الجامعى، توجّه مُحتّجون إلى الجامعة، وهم يهتفون «فلسطين حرة» عند بواباتها.
وذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية أنّ الاعتصام انتقل إلى الشارع أمام الجامعة، حيث «تزايد عدد المشاركين فيه بدلًا من إخماده وفق ما كان مأمولًا».
ونشرت وسائل إعلام فرنسية ونشطاء مقاطع فيديو تُوثّق فضّ الشرطة الفرنسية الاعتصام، بعد وقت قصير من إقامة عشرات الطلاب مخيمًا فى حرم الجامعة.
ورفع المتظاهرون علمًا ضخمًا لفلسطين أمام الجامعة. كما أطلقوا هتافات مؤيدة لفلسطين بعدما جلسوا أمام مبنى الجامعة، وندّدوا بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وهتف الطلاب المتظاهرون: «إسرائيل قاتلة والسوربون شريكتها فى جرائمها بغزة»، وخاطبوا غيرهم من الطلاب قائلين: «لا تنظروا إلينا، بل انضموا إلينا فى الاعتصام».
ودعا العديد من السياسيين الفرنسيين، منهم ماتيلد بانو رئيسة الكتلة النيابية لحزب «فرنسا الأبية» اليسارية، على وسائل التواصل الاجتماعى، أنصارهم للانضمام إلى احتجاجات السوربون.
وقال طلاب السوربون المعتصمون: «نحن هنا استجابة لدعوة الطلاب من جامعتى هارفارد وكولومبيا».
وبعد أيام من احتجاجات مماثلة فى كلية العلوم السياسية فى باريس، يُعتبر الاحتجاج فى جامعة السوربون أحدث إشارة إلى أنّ المظاهرات فى الجامعات الأمريكية تمتد إلى أوروبا.
كما اتسعت شرارة الاحتجاجات الطلابية فى الولايات المتحدة الأمريكية لتصل إلى جامعة ماكجيل، إحدى الجامعات الرائدة فى كندا، تعبيرًا عن تضامنهم مع الشعب الفلسطينى.
ورفع طلاب فى جامعة ماكجيل، لافتة كتبت عليها عبارة «لن نسمح لجامعتنا بأن تكون شريكة فى الإبادة الجماعية»، مطالبين بدعم الشعب الفلسطينى .
وأمام الحرم الجامعى بمدينة مونتريال أقام طلاب مخيمًا للتعبير عن دعمهم لفلسطين، مطالبين جامعتهم بـ«إنهاء استثماراتها المالية فى الشركات التى تدعم الهجمات الإسرائيلية على غزة»، وسط تعزيزات أمنية كبيرة خارج أسوار الحرم الجامعى.
فخ انتخابى
وتسلط هذه الاحتجاجات الضوء على «التحديات السياسية التى لا يزال بايدن يواجهها جراء دعمه غير المشروط لإسرائيل مع محاولة تحقيق توازن دقيق بين إدانة معاداة السامية فى الجامعات ودعم حق الطلاب فى الاحتجاج»، وفقا لصحيفة واشنطن بوست.
وفى حين يضغط الطلاب على جامعاتهم للتخلى عن أى علاقات مع إسرائيل وعلى إدارة بايدن من أجل وقف لإطلاق النار، قال حلفاء لبايدن واستراتيجيون ديمقراطيون إن الاحتجاجات محصورة إلى حد كبير بكليات النخبة، وقالوا إنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت معارضة الدعم الأمريكى لإسرائيل، خاصة بين الديمقراطيين الشباب، ستؤثر بشكل كبير التأثير على آفاق بايدن الانتخابية، وفق واشنطن بوست.
لكن فى الوقت ذاته، فإن كبار مساعدى البيت الأبيض يراقبون عن كثب التقارير بشأن الاحتجاجات، ما يعكس مدى أهميتها لسباق الرئاسة، وفقًا لشخص مطلع على الوضع تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته للصحيفة.
وقال البيت الأبيض ومنظمو حملة إعادة انتخاب بايدن إنهم يركزون على إدانة معاداة السامية وضمان شعور الطلاب اليهود بالأمان فى الحرم الجامعى، مع تسليط الضوء أيضًا على التمييز ضد العرب وإعادة التأكيد على حق الاحتجاج ومعالجة القضية الفلسطينية.
لكن رغم الاهتمام العام بهذه التظاهرات الطلابية، قال مساعدو بايدن إنهم لا يعتبرونها تصعيدًا للاحتجاجات التى اندلعت منذ بدء الحرب فى أكتوبر، ويعتقدون أنها لم تكن موجهة نحو الرئيس شخصيًا.
ويواجه الرئيس الديمقراطى منذ أشهر انشقاقًا داخل القاعدة التقدمية لحزبه، التى تشعر بالغضب لأنه لم يفعل المزيد لوقف حرب إسرائيل على حماس فى غزة.