الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحشاشين أم الحشاشون؟!

الحشاشين أم الحشاشون؟!

بلا شك أن مسلسل «الحشاشين» هو دراما تاريخية مهمة ومثيرة جمعها كاتبها «عبدالرحيم كمال» من ملفات وأضابير التاريخ القديم بدأب محمود لا يخلو من ضبابات تمتزج فيه الحقائق بالخيالات والمحتوى الوثائقى بالتناول الإبداعى فى تضافر جيد بين الرؤية الفكرية والتسلسل الدرامى.. بإخراج متميز وإضاءة موحية يكشف عن ممارسات الحشاشين الإرهابية التى روعت العالم فى القرن (11).. ودشنت عقائد القتل والاغتيال بوحشية.. وكشفت عن جذور الكتائب وجماعات التكفير التى تصاعدت ممثلة فى الإخوان والقاعدة وطالبان.. والتكفير والهجرة وداعش. وكشفت المعالجة الدرامية عن تلك الهالة التى روجت لخرافة تقديس أفراد تلك الطائفة لبطلها وقائدها الدموى «حسن الصباح» وقدراته الخارقة والأسطورية، وأساتذة التاريخ قدموا روايات متنوعة وجادة فى هذا الشأن ازدانت به الكتب والمراجع المختلفة.. وصفحات «روزاليوسف» العتيدة فى أعدادها السابقة، ولكن تبقى هناك قضية ملحة متصلة بالتعبير الفنى والدرامى للعمل أثارت جدلًا محتدمًا يستحق الاهتمام ولا ينبغى تجاهله يذكرنا بالجدل الأدبى والفنى والسياسى والذى كان شائعًا بين المثقفين فى مرحلة الستينيات ويعنى بالثنائيات المرتبطة بالتباين أو التناقض مثل «الشكل والمضمون – الإطار والمحتوى – الفن والواقع – الاشتراكية والرجعية – الأصالة والمعاصرة – الحداثة وما بعد الحداثة – الفصحى والعامية» والحقيقة فيما يتصل بمسلسل «الحشاشين» الذى يجنح إلى العامية يمثل مفاجأة ومبادرة ربما تكون الأولى من نوعها فى السرد الفنى للدراما التاريخية والدينية.. ينبغى علينا أن نقرر بوضوح أنها لا تمثل تجديدًا فى الشكل ولا فى حرية الاختيار للكاتب للصيغة التى يعالج بها الموضوع.. ذلك أن للبناء الدرامى أبجديات وأصولًا ومناهج متصلة بفن كتابة السيناريو ترتبط بلغة خاصة تميزه عن باقى الفنون هى أنه فن «زمانى مكانى» يحتوى على مقدمة منطقية ورسم للشخصيات الدرامية تعبر عن الفترة الزمنية التى تقع فيها الأحداث.. والبيئة المحيطة والطبقة الاجتماعية والسلوك النفسى والأخلاقى للشخصيات والصورة المرئية والحوار الدرامى لصيق الصلة بطبيعة الصراع الخارجى والداخلى للمجتمع المعاش، وبالتالى فإن ارتباط اللغة الدرامية بالعامية الدارجة مع الصورة المرئية فى حالة هذا المسلسل يخلق نوعًا من التناقض والإحساس بالغربة لأنه يبدو مفصولًا عن طبيعة البيئة المحيطة فيفقده هويته ناهيك عن تصور خاطئ أن دور الحوار فى البناء الدرامى مقصور على مجرد التعليق على الأحداث.. ولا يشمل دورًا إبداعيًا خلاقًا وبليغًا يحتضن من خلاله مفردات اللغة الجميلة والفريدة العربية من جناس وطباق.. وتشبيه واستعارة وكناية ورموز وإيحاءات.. وإسقاطات وتورية وسجع وتلميحات وجرس ومعانٍ عميقة وحكمة بليغة ومأثورات لها دلالات مهمة ويتسق مع عصر يتوجه شعراء عظام ومنهم «عمر الخيام» الذى ظهر فى الأحداث باهتًا، وجدير بالذكر أن الحوار فى المسلسل لا يمثل عامية براقة أو شيقة أو جذابة.



أما التبرير الذى جاء على لسان البعض من أن استخدام العامية كان هدفه سهولة تحقيق رسالة المسلسل للعامة فإنه بالطبع ليس هو هدف الفنون فى الانسياق إلى الهبوط بالمستوى الفنى الذى يتماهى مع قدرات المتفرج ومعارفه وثقافته.. بل على العكس السمو بتنمية عقله ومداركه ووجدانه وذائقته.