السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ماكلتش رز و كدهوّن!.. رز مفلفل

ماكلتش رز و كدهوّن!.. رز مفلفل

كم شعرت بفرحة طفولية وحالة من البهجة وأنا أقف أمام الكاشير فى السوبر ماركت الكبير وقد علت على وجهى ابتسامة عريضة أحاول أن أجعلها تبدو هادئة كحكيم هندى متواضع وأنا أحتضن كيس الرز البسمتى الضخم إلى صدرى بمنتهى الحرص والسعادة فلأول مرة فى حياتى أشترى رز بسمتى وقد تملكنى شعور بالنشوة وربما التعالى الذى يصل لدرجة الغرور لقدرتى على كسر الروتين الزوجى كما نصحتنى الدكتورة اعتماد خبيرة الصحة الزوجية كخطوة مهمة للتعافى من الرتابة الزوجية القاتلة للمشاعر والإحساس والحواس الخمسة وليكن استبدال الرز الأبيض بالرز البسمتى بداية التغير الذى يمنح حياتى الزوجية قبلة الحياة.



 

وكدهون وقفت فى زهو أمام الكاشير ادفع ثمن الرز البسمتى غالى الثمن والذى يكاد يكون ضعف ثمن الرز المصرى ولدى شعور خفى بأن عيون جميع الزبائن تتجه لى مباشرة وتنظر بانبهار شديد لهذا الرجل المقدام الذى قرر أن يفكر خارج الصندوق ويفاجأ زوجته فى مطبخها بأنه يمتلك القدرة على التغير وقد استبدل الرز الأبيض الذى طلبته هى بشكل روتينى بالبسمتى ذلك القادم من بلاد تركب الأفيال وبعد أن وقفت مكانى طويلا أفكر وأفكر وأطلق بداخلى أسئلة جدلية من نوعية لماذا أظل طوال عمرى أشترى رز أبيض للبيت وآكل الرز البسمتى فى المطاعم دون أن أفكر فى كسر هذا الروتين ؟؟ ماذا سوف يحدث إذا طبخت زوجتى اليوم لضيوفنا رز بسمتى بدلا من رز مصرى ؟؟ فمنذ لحظة اكتشافى الأولى بأن هناك فى هذا العالم الكبير نوعًا آخر من الرز بحبة طويلة ورشيقة كأنها بطلة رياضية غير تلك الحبة الصغيرة المدملكة التى اعتدت على تناولها فى منزل جدتى ومرورا بمنزل أمى ووصولا لمنزل زوجتى فجميعهن يفضلن استخدام الرز المصرى وينظرون للبسمتى على أنه دخيل على الثقافة المصرية الأصيلة فى محاولة منه كى ينافس الرز المصرى فى عقر داره، ولكن هيهات فالست المصرية وعية بكل تلك المؤمرات والهجمات الاستعمارية التى تستهدف العبث بمطبخها العريق وعليه تجاهلته معظم السيدات المصريات احترامًا لمكانة الرز المصرى فى قلب ووجدان كل مصرى شرب من نيلها ومشى فى شوارعها وغنى أغانيها وأكل من رزها الأبيض وبالتالى أصبح دخول الرز البسمتى للبيت أشبه بالمحرمات واكتفيت أنا بتناوله على استحياء فى بعض المطاعم وبخاصة تلك التى تقدم وجبات سورية فى اتفاق غير معلن بينى وبين زوجتى بعد السماح بدخوله إلى منزلنا المصرى الهوا والهوية وكدهون أخذت كيس الرز البسمتى فى حضنى وسرت وحدى سعيدًا راقص الخطوات تنعشنى خيالاتى تثيرنى أحلام يقظتى وأنا أرى طبق كبسة الرز البسمتى باللحمة والخضار يحتل مشهد الصدارة على سفرة منزلى العامر بعزومة الإفطار العائلى حيث تتوحد الأسرتان (أسرتى وأسرة زوجتى) فى هذا اليوم التاريخىّ كل عام لتناول الأطعمة التقليدية وأكاد أرى نظراتهم النهمة للطبق الجديد على أسرتنا وأكاد أسمع أصواتهم المنبهرة من جمال المفاجأة، فأسرعت الخطى حتى أصل للمنزل فى أسرع وقت ممكن حتى تتمكن زوجتى من إعداد أكثر من طبق يعتمد على تنويعات مختلفة من ذلك البسمتى وربما تبتكر بخبرتها فى عالم المطبخ أصنافًا جديدة وأخيرًا وصلت المنزل وعلى صوتى بمرح مفتعل وأنا أزف البشرى لزوجتى العزيزة أخيرًا أصبح فى بيتنا رز بسمتى وسوف تكون هذه أول خطوة لكسر الروتين الزوجى كما نصحتنا بذلك دكتورة اعتماد فى آخر جلسة علاج معنا ولن نتوقف فسوف تلحقها تغيرات عديدة بعد ذلك وقبل أن تواصل هتافاتى الصبيانية استوقفتنى نظراتها الحادة لى وكأنى دخلت عليها بزوجة جديدة ستحل مكانها هى شخصيًا فقررت استخدام سلاح الصمت التام والتجاهل للقضاء تمامًا على معناوياتى وقتل أى محاولة منى لإقناعها بتقديم طبق جديد خارج قائمة مطبخها واستمرت فى تقطيع اللحمة إلى قطع متناهية الصغر حتى كادت أن تطيح بإصبعها الأصغر من شدة غضبها من تصرفاتى الهوجاء كما وصفتها بعد ذلك وهكذا استقبلت زوجتى العزيزة مفاجأتى السعيدة بقدر كبير من الفتور والنفور والعبوس الذى يصل لمرحلة إطلاق البوز لحظة إعلانى عن كيس الأرز البسمتى بسذاجة الأزواج الأبرياء على أمل أن تشاركنى الإحساس الرائع بالتغيير وكسر المعتاد، ولكن هيهات فقد أظهرت عداءً كبيرًا تجاه ذلك القادم الجديد على مطبخها والذى يحاول أن يزاحم الرز المصرى فى مملكته ورفعت رأسها بكل شموخ ووطنية وصرخت فى وجهى إيه ده يا منعم هو أنا ناقصة كركبة؟؟ فوقفت مصدومًا من رد فعلها الحاد وقد أخرستنى الصدمة فامتلأت عينى بدموع متحجرة ترفض بكبرياء أن تسقط وأنا أردد بداخلى كلمة كركبة كركبة! بينما هى تواصل الهجوم بمنتهى الحماس والإقدام: أنا مش طلبت منك تجيب الرز بتاعنا إلى ربنا خلقه؟ فهمست لها بصوت مجروح ماهو الرز البسمتى برضه ربنا إللى خلقه وهنا صرخت فى وجهى وهى تشيح لى بسكينة اللحمة:: هاعمل إيه أنا بالرز البسمتى ده؟؟ ما تقولى إيه إلى ممكن أعمله النهاردة بالبتاع إللى أنت جايبه ده؟؟ لا والنهاردة بالذات يوم العزومة تعمل فى كده يا منعم؟؟ وقبل أن اتفوه بكلمة أدافع بها عن موقفى الهش وكل تركيزى مع حركة سكينة اللحمة التى تستخدمها فى التعبير عن غضبها المتصاعد فواصلت مرافعتها دون أن تنتظر منى أى إجابة لأسئلتها المتلاحقة وهى تكاد تبكى بالفعل؛ يعنى هاعمل محشى ورق عنب بالرز البسمتى بتاعك ده (الرز البسمتى ده مش بتاعى وربنا) علشان يفط من ورق العنب ويقع وتبقى فضيحة قدام مامتك؟؟ حاولت على استحياء أن أشرح لها وجهة نظرى فى تقديم طبق مختلف عن التقليدى ونسعد بها القريب والبعيد ولكنى فشلت فى أن أوقف اندفاعتها فقالت مستكملة تهكمها على الزر البسمتى ده بقى إلى هتعمل به طاجن الرز المعمر؟؟ ولا الرز المفلفل إلى بتأكله مع الملوخية الخضراء؟؟ ثم استدارت لى فجأة قائلة: إنت عايز تضرب سمعتى فى العلبتين يا منعم؟؟ ده مافيش ست فيكى يا مصر تعرف تفلفل الرز زى ما أنا بفلفله وهنا خرجت منى ضحكة غير مقصودة من ثقتها بقدرتها الكبيرة على فلفلة الرز فنظرت لى شذرًا وقالت: تنكر أن وزنك زاد عشرين كيلو واحنا لسه فى شهر العسل من الرز المفلفل بتاعى؟؟ ولا خلاص زهقت منه وعايز تغير؟؟ خلاص الرز المفلفل بتاعى مش عاجبك دلوقتى وداخل علىَّ برز بسمتى مبسوط أوى؟؟ يالا يا منعم شيل الحاجات دى ياحبيبى ورجعها بسرعة مافيش وقت والمدفع هايضرب وأنا لسه ما خلصتش طبيخ روح رجعه وهات لى الرز بتاعنا وعيش عيشة أهلك وبلاش تطلعات مالهاش لازمة كفاية عطلة وهنا خرج المارد النائم بداخلى وصحت بأعلى صوت: لن أنزل مرة أخرى ولو عايزة رز مصرى خلى أم إبراهيم تجيب لك إلى أنت عايزاه ولكن أنا مش هاتنازل أبدًا مهما يكون عن الرز البسمتى بتاعى ولن أقف مكتوف الأيدى تجاه السخرية من كل محاولاتى للقضاء على الروتين الزوجى والفردى فسوف أتركها هى فى مملكتها تصنع المحشى ورق العنب والرز المعمر والرز المفلفل وسأبقى أنا هنا أصنع مجدى الشخصى مع الكبسة بالرز البسمتى فلقد أصبح الأمر سهلا الآن مع وسائل التواصل المتعددة وصفحات الطبيخ الكثيرة واخترت بالفعل اتباع صفحة لوزة اللهلوبة فى صنع المكبوسة بالرز البسمتى وتجاهلت تمامًا أنها توجهه حديثها كله للسيدات من دون الرجال واستعددت بالورقة والقلم لكتابة الخطوات بمنتهى الدقة والحرص خصوصًا وأنا فى هذا الموقف الصعب والذى سيتحدد عليه أكون أو لا أكون وبقيت أنتظر الست لوزة تبطل رغى وتدخل فى الموضوع وتحدد الخطوات ولكن دون جدوى، فظلت تحكى عن جارتها الآروبة إلى جاية من الخليج وعلمتها طريقة الكبسة بطريقة اقتصادية وقبل ما تقول التفاصيل وصتنا بالصلاة على النبى وطلبت من كل المتابعين كتابة البلد المقيمين بها وأنا أفقد أعصابى تدريجيًا، فالوقت يمر والضيوف قادمون والمدفع سينطلق ولوزة اللهلوبة لسه بترغى فى كلام عبثى ممل وتستظرف بحكايات ساذجة حتى كدت أن أفقد عقلى بسبب هذه اللوزة حتى هداها الله فجأه وقررت تخبرنا بسر الكبسة ومن ناحيتى التزمت بكل الخطوات التى ذكرتها بالحرف دون زيادة أو نقصان وانتظرت حتى تترك زوجتى المطبخ ودخلت بعدها متجاهلا نظراتها الساخرة من مجهودى وصبرى على رغى لوزة اللهلوبة وبهدوء المحارب المحنك أشعلت فرن البوتاجاز ووضعت صنيتى بمنتهى الحرص وجلست بجوارها أتابعها حتى استوت واحمرت وفتحت رائحتها حتى طغت فى كل أرجاء المكان ووقفت فخورًا بانجازى الصغير وكدهون وانطلق مدفع الإفطار وهل الأهل والأحباب من كل مكان وامتلأت السفرة بالمحمر والمشمر والرز المفلفل طبق زوجتى الشهير وعندما اكتمل النصاب واستعد الجميع لتناول الإفطار قدمت بطبقى المميز الكبسة بالرز البسمتى جانبًا بجنب مع رز زوجتى المفلفل فتخاطفته الأيادى وأولهم يد زوجتى الحبيبة والتهمه جميع أفراد الأسرتين فى لحظات سريعة تاركين الرز المفلفل وحيدًا منبوذًا ولم يتبق شىء لى فى الطبق مما دفعنى للصراخ باكيًا فى وجوههم جميعًا: أنا ما أخدتش رز بسمتى يا هناء.