الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ماكلتش رز وكدهوّن!.. رز بلبن

ماكلتش رز وكدهوّن!.. رز بلبن

ولأن رمضان بالنسبة لى هو شهر الكلبظة والوزن الزائد وتناول العديد من الأطعمة الشهية بلا تمييز أو تحديد حتى مطلع فجر اليوم الجديد فقد سيطرت علىَّ رغبة متوحشة مجهولة المصدر تدعونى لتناول رز بلبن محلى بالزبيب والمكسرات والقشطة كما كانت تصنعه أمى الله يرحمها بعد الفطار مباشرة وتقدمه لى بشكل خاص لأنى كنت طفلها المدلل حتى تزوجت وانتهى زمن الدلع إلى الأبد وسط زحمة المسئوليات الزوجية وغير الزوجية إلا أنى من وقت للآخر أحن لأكل أمى وريحة أكل أمى وحلوة أكل أمى ولذلك تملكتنى فى تلك الليلة من ليالى رمضان هذه الرغبة المتوحشة وسيطرت تماما على كل حواسى المعلنة وغير المعلنة حتى قررت أن اقترب بحرص الحكماء من زوجتى العزيزة لحظة اندماجها مع أحداث المسلسل الذى تعيش معه بكل وجدانها وتتفاعل مع أحداثه على أنها حقيقة لا تقبل الجدال بينما تتحول نحن لمجرد خيال عابر فى غرفة المعيشة.



 

فكيف لى إذن أن طلب منها فى تلك اللحظات الحرجة أن تترك أرض المعركة لتصنع لى طبق رز بلبن بحلى بالزبيب والمكسرات ومضاف إليه القشطة لمجرد أنى أحن لأكل أمى؟ وهو طلب لو تدركون مستحيل تنفيذه على المدى القريب أو البعيد حيث إن زوجتى تنفصل فعليا عن الواقع تماما من بعد الإفطار وتتفرغ لمشاهدة أربعة وعشرون مسلسلا كواجب رمضانى قومى لا بد وأن تتجرعهم كلهم بلا استثناءات ولا تقبل التراجع ولا الاستسلام وفى الفواصل الإعلانية تسرع بالاتصال بست الحبايب (حماتى) لمراجعة الأحداث الدرامية معها، وانتقاد موقف كوثر السلبى وتهاونها أمام أنانية زوجها فى المسلسل ولا تنسى بالطبع أن تنظر لى نظرات ليست كالنظرات بوصفى رجلا متهما بأى شىء حتى تثبت براءتى ثم تتذكر أمها فتتركنى مؤقتنا لتبحث مع حماتى سبل علاج المواقف الدرامية على اعتبار أن البطلة هى شيماء ابنة خالتها العزيزة الغالية أو على الأقل فرد من أفراد أسرتها وفجأة تجد أن المسلسل الثانى على وشك أن يبدأ فتنهى مكالمتها مع حماتى سريعا على وعد بتجدد الاتصال مرة أخرى بمجرد نهاية الحلقة أو خلال الفاصل الإعلانى أيهما أقرب وهكذا يستمر الحال إلى وقت السحور ولقد تملكتنى تماما رغبتى فى التهام طبق رز بلبن محشى زبيب ومكسرات وعليه قشطة على طريقة أمى ولا مجال أمامى بزعزعة مراتى خطوة من أمام التليفزيون ولو بشكل مؤقت قد يعوق متابعتها للمسلسلات الرمضانية فالوقت بالنسبة لها كالسيف أن لم تقطعه قطعها والمسلسلات تتوالى الواحدة تلو الأخرى وهى تلهث خلفها من محطة لأخرى وكأنها فى ماراثون للحاق بأكبر عدد ممكن من المسلسلات بعد أن أدت واجبها المقدس تجاه أسرتها قبل الفطار ومن حقها أن تأخد قسطا من الراحة بعد الفطار معلنة بمنتهى الصراحة أنها مش الجارية إلى اشتريتها أنا وأولادى إلى هما أولادها فى نفس الوقت، ومن حقها أن تستمتع قليلا أو كثيرا بأحداث الأربعة وعشرين مسلسلا تليفزيونيا يتخللها تليفوناتها مع حماتى لمراجعة الأحداث الدرامية أولا بأول فكيف إذن أقنع زوجتى بترك مسلسلاتها للحظات لتصنع لى طبق رز بلبن وتعود سريعا لممارسة واجبها الرمضانى التليفزيونى بعد ذلك، ولأن الحرب خدعة فقد قررت أن أدخل لها من باب الاستعطاف واستغلال أطفالى الأعزاء لإقناع ست الحبايب بصنع رز بلبن لهم وليس لى وهكذا عقدت اتفاقا غير معلن مع ليلى ابنتى الصغيرة بمقتضاه تطلب من أمها أن تصنع لها رز بلبن على أنها رغبتها هى لا رغبة أبوها على افتراض أن قلب الأم لا يستطيع رفض طلبات فلذة كبدها مع وعد مؤكد لليلى بأنى سوف أشترى لها فى الغد العروسة ذات العيون الجاحظة التى طالما رفضت شراءها لشكلها المرعب ولكنى قررت أن أقدم القليل من التنازلات حتى تفوز بطبق من الرز باللبن ولكن هيهات فلا صوت يعلو على صوت المسلسلات فى منزلنا فصرخت زوجتى فى وجهة ليلى المزعورة من رد فعل أمها الحبيبة وهى تلقى فى وجهها بحفنة لا بأس بها من الأسئلة المتلاحقة: رز بالبن إيه إلى أنت عايزانى أقوم أعمله لك؟ أنت إيه أصلا إلى مصحيكى لغاية دلوقتى؟ أنت مش عندك مدرسة بكرة الصبح؟هو مافيش عندك أى إحساس بالمسئولية؟ لازم تسهرى وماتعرفيش تصحى بكرة فى ميعاد المدرسة. وتطلعى عينى علشان أصحكى ونطلع نجرى علشان نلحق أتوبيس المدرسة؟ وهنا أشفقت على ابنتى العزيز وتحركت غريزة الأبوة بداخلى خوفا من أن تفضح اتفاقنا السرى كأى عيلة غير مسئولة عن التزامها تجاه أبوها وكدهون فأخذت حبوب الشجاعة وقلت لزوحتى بصوت هامس ينم عن رقة مشاعرى ونبل إحساسى؛ ليلى الظاهر نفسها تاكل رز بلبن والزبيب والمكسرات والقشطة زى إلى جدتها كانت بتعمله لها زمان وها تصحى صايمة يعنى مش ها تاكل ولا هاتشرب لغاية المغرب والبنت لسة صغيرة ومحتاجة أكل مغذى وكالسيوم موجود فى اللبن والرز مغذى جدا لها وهى فى مرحلة النمو. وكدهون يالله بقى قومى اعملى لنا كام طبق من إيدك الحلوة وتدخلى الفرحة قلوب تشتهى الرز بلبن إلا أن قلب روحتى لم يحن ولم يتأثر بأدائى العاطفى الركيك فزغرت لى زغرة قاتلة لا يعرف فحواها غيرى حتى كادت أن تحرقنى بالأشعة تحت البنفسجية المنبعثة من عيونها الحمراء فهربت ليلى من أمامها بأقصى سرعة ممكنة معلنة عدم رغبتها فى تناول الرز بلبن خاصة أنها لا تحب اللبن ولا الرز أصلا وتركتنى فى مواجهة مباشرة مع زوجتى التى اكتفت بتلك النظرات النارية التى كادت أن تحرقنى ورب العرش نجانى ثم عادت لمتابعة مسلسها المقدس وكأن شيئًا لم يكنّ.. وعدت أبحث وأدبر أمرى من جديد. فكيف لى أن أحصل على طبق أو طبيقين من الرز باللبن بدون أن أقدم تنازلات جوهرية لزوجتى وفى نفس الوقت أكسب ودها وكيف لى أن أجد المدخل المناسب لإقناعها برغبتى المتوحشة لتناول رز بلبن بعد الفطار دون أن أثير أعصابها وأفجر بداخلها الشعور بقهر المرأة المعاصرة تجاه جبروت رجل المعاصر متحجر القلب والعقل ويريد منها أن تعاود الدخول إلى المطبخ مرة أخرى بعد يوم عمل شاق ثم أعداد طعام الفطار فى وقت قياسى ليكون جاهزا قبل مدفع الإفطار وهنا لمعت بذهنى فكرة نميسة كى يحن قلبها وتقتنع بأهمية التهام عدة أطباق من الرز باللبن بالنسبة لى قبل السحور فرسمت على وجهى ابتسامة بلاستيكية لطيفة وبصوت حنون قلت لها هل ترغبين فى شرب شاى فى الخمسينية سكر برة؟ فالتفت لى برخامة تحسد عليها ولم ترد على بكلمة فربما لم تفهم جملتى جيدا خاصة أنها لا تمتلك خبرة الجلوس على القهوة الشعبية مثلى وبالتالى لن تفهم مصطلحات الخمسينية والسكر إلى برة وللحق هى لم تهتم أساسا بالاستفسار عن معنى كلامى والمغزى منه لانشغالها بأحداث المسلسل ومستقبل كوثر بطلة مسلسها اللعين فكان على أن أبحث عن وسيلة أخرى أكثر فاعلية وتأثيرا على مشاعر زوجتى فلم أجد أفضل من غسيل الأطباق المتراكمة بالحوض وأنا أعلم مدى كراهيتها لتلك المهمة فتنحنحت وقلت لها بصوت نحاسى رفيع حتى يرق قلبها: أنا هاقوم أغسل الأطباق يا حبيبتى علشان أنت تعبانة من الصبح ولازم تستريحى شوية فنظرت لى حبيبتى بنظراتها الرجاجية ولم تخيل عليها الخدعة فقال لى ببرود: مرات البواب ها تطلع بعد شوية تغسل الحوض وتنضف المطبخ من فضلك سيب الأطباق فى مكانها بدل ما تكسّرها زى ما كسرت طقم الصينى بتاعى أول ما أتجوزنا وكانت ماما ها تروح فيها من قهرتها على الطقم الغالى إلى مالحقتش أتهنى به علشان حضرتك قررت تستقوى وتستعرض عضلاتك وتشيل كل الأطباق فى نفس الوقت فوقع منك على الأرض وأدشش وهنا توقف الزمن بى لحظات ولمعت عينى بدموع صامتة وأنا أقول ياااه ده أنت قلبك أسود للدرجة دى؟ لسة فاكرة حاجة حصلت من خماستاشر سنة يا حبيبتى؟ وبعدين مامتك صحتها زى الفل ما جراش لها أى أزمة صحية من يوم ما اتجوزنا زى ما بتدعى وقبل أن تنفجر زوجتى كأى قنبلة موقوتة تركت لها الغرفة لتعيش مع حكاية كوثر المقهورة من جبروت زوجها وحملت أحزانى بداخلى وهى تهتف بأعلى صوتها: أنا مش هأعمل رز بلبن فى انصاص الليالى لو عايز تأكله اتصل بأى محل يبعت لك دليفرى لكن أنا مش هأعمل حاجة خالص النهاردة فقررت أعمل لها بلوك افتراضى وأن أتجاهل لهجتها الساخرة من رغبتى المتوحشة ولن أطلب رز بلبن من أى محل لأنى أشتاق لطبق بيتى كما كانت تقدمه لى أمى وعليه قررت اقتحام أرض المطبخ كى أصنع بهجتى بنفسى دون الحوجة لإحداهن وكلى إرادة وعزيمة فى طبق رز بلبن كما أشتهى وأتمنى وبالفعل كتبت على جوجل طريقة عمل الرز بالبن وظهرت لى أكتر من صفحة على اليوتيوب اخترت صفحة أطباق لولو الشهية وبدأت تنفيذ خطتى بمنتهى الدقة فغليت اللبن وسلقت الرز. ووضعت على السكر وبعض الإضافات الغامضة. كمان ذكرت الست لولو حرفيا ثم وضعتها فى الفرن وانتظرت بفارغ الصبر خروجها وتخيلت متعتى وأنا أضيف لها المزيد من الزبيب والمكسرات والقشطة وشعرت بروح أمى تحوم فى المكان سعيدة بمهارات ابنها المدلل المستحدثة واعتماده على نفسه لصنع بهجته الخاصة وقبل أن آخذ أول قطمة انطلق أذان الفجر معلنا عن بداية صيام اليوم الجديد وكدهون أنا ما كلتش رز بالبن يا أمى.