السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

انطلاق الأصوام المقدسة.. مصر كلها تعيش أيامها المباركة معًا المصريون يتسابقون لفعل الخير والرحمة مع انطلاق شهر رمضان الكريم والصوم الكبير

فى لقطة فريدة فى دلالتها، يبدأ المصريون جميعًا بعد غدٍ الاثنين أصوامهم المقدسة، فيبدأ صوم شهر رمضان الكريم وهو أهم شهر من شهور السنة لدى المسلمين، وكذلك يبدأ الصوم الكبير، أقدس أنواع الصوم وأهمها فى الكنيسة القبطية.



 

ولقد تصادف أن يصوم الشعب المصرى كله أقدس أصوامه فى نفس الوقت والذى يتسابق كل واحد منهم مسلمًا ومسيحيًا على فعل الرحمة والتوبة وممارسة العبادة والاعتكاف سواء كان فى آخر 10 أيام من شهر رمضان أو فى آخر أسبوع من الصوم الكبير، أو ما يُعرف بأسبوع الآلام.

ولكل شعب من شعوب العالم طبيعة خاصة به، وإذا أردنا أن نختار طبيعة للشعب المصرى أو الأقرب إلى روحه، لن نجد أنسب من «السلام» لنصفه به.

فقد عُرِف عن الشعب المصرى أنه شعب يحب أن يعيش فى سلام وهدوء وطمأنينة وراحة بال، فنجد أن أغلب المصريين ينزعون إلى راحة البال ويرفضون التعصب ويكرهون الطائفية والعنصرية بكل صورها فنحن دائمًا نجد الكاهن وهو يعلق زينة رمضان ويوزع التمور على الصائمين فى الشوارع، وكذلك نجد الأطباق المتبادلة بين الإخوة المصريين طوال هذا الشهر الكريم وغيرها من المظاهر التى تؤكد على السلام والمحبة المتأصلة فى نسيج هذا الوطن الذى ذُكِر فى كل الكتب السماوية، فنجده مذكورًا فى القرآن ومباركاً فى الكتاب المقدس حيث ذكر فى سفر أشعياء النبى «مبارك شعبى مصر»، ولذلك تظل مصر محفورة فى قلوب أبنائها ويحافظون عليها بدمائهم التى لا فرق بين أحد وآخر فيها.

والصوم الكبير فى الكنيسة القبطية له طابع خاص، وأهم ما يميزه أنه يصام صومًا انقطاعيًا حتى انتهاء صلاة القداس والتى تبدأ فى الواحدة ظهرًا ولا تنتهى قبل الرابعة أو الخامسة عصرًا، أى أن المصريين جميعًا يصومون صومًا انقطاعيًا معًا.

إلا أن عدد الأيام تختلف فالصوم الكبير يبدأ فى يوم أربعاء الرماد حسب الطقس اللاتينى، أما حسب الطقس الشرقى يبدأ يوم الاثنين.

وتستمر فترة الصيام حوالى ستة أسابيع قبل عيد القيامة. والغرض التقليدى منه هو إعداد المؤمن من خلال الصلاة، والتوبة، والصدقة وممارسة أعمال الرحمة.

يستمر الصوم الكبير خمسين يومًا، (40 يومًا هى أيام الصوم التى تسبق أسبوع الآلام بالإضافة إلى أسبوع الآلام بما فيه سبت النور وأربعة أيام تعويضية عن أيام الآحاد التى يتم الإفطار فيها).

ويمتنع المسيحيون فى أيام الصوم الكبير عن أكل اللحوم ومنتجات الألبان والأجبان ويؤكل فقط البقوليات والخضروات ويستخدم الزيت فقط.

ويتكون الصوم الكبير فى حقيقته من ثلاثة أصوام مجتمعة معا أولها الأسبوع الأول، والأربعون المقدسة، وأسبوع الآلام.

 والأسبوع الأول هو أسبوع الاستعداد ويعرف بأسبوع هرقل أو أسبوع بدل السبوت.

 ولا تمارسه إلا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وتعتبره الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية أنه انقطاع عن اللحم فقط، وتأكل فيه السمك والبيض والألبان.

أما الأربعون المقدسة فقد كانت الكنيسة الشرقية والغربية حتى أواخر القرن الثالث تجهل الصوم الأربعينى وفى سنة 264 كان هناك الصوم الفصحى وهو أسبوع الآلام فقط [من يوم الاثنين إلى يوم السبت]. تراوح فى القرون الثلاثة الأولى بين يوم واحد وأسبوع قبل الفصح.

 ولكن  مع بداية القرن الرابع بدأ الحديث عن «أربعينية» سابقة للفصح استعدادًا لقبول سر العماد، وكانت تختلف من حيث المدة أو الكيفية حسب اختلاف البلاد.

 وكنيسة الإسكندرية لم تعرف الصوم الأربعينى قبل سنة 330. وتم التعرف عليها من رسائل القديس أثناسيوس الفصحية ففى رسالته الثانية (330) حدد لأول مرة بدء الصوم الأربعينى المقدس، ومدته ستة أسابيع بما فيها أسبوع الآلام.

  ومع نهاية القرن السادس، كانت الكنيسة كلها شرقًا وغربًا تصوم ستة وثلاثين يومًا. مقسمة على ستة أسابيع فى الغرب، وسبعة أسابيع فى الشرق.

  ومن القرن السابع إلى القرن التاسع أضافت الكنيسة الغربية أربعة أيام قبل أسابيع الصوم الستة، فيكمل بذلك الصوم أربعين يومًا. وأضافت الكنائس الشرقية أسبوعًا ثامنًا فى بداية الصوم، وهو ما يدعى «أسبوع هرقل» وبهذا اكتمل الصوم أربعين يومًا.

 وفى القرون الوسطى  سُمح فى الشرق بتناول الطعام بعد انقضاء ساعات الصوم دون النظر إلى عدد الأكلات أو إلى كمية الطعام الذى يُؤكل. وصار فى الغرب وجبة واحدة أساسية فى الظهر، مع السماح بأكلتين خفيفتين فى الصباح والمساء.

  أما فى العصر الحديث: ظلت الكنائس الشرقية الأرثوذكسية متمسكة بالصوم الأربعينى من حيث نظامه ونوع الطعام الذى يُؤكل فيه، بينما مر الصوم فى الكنائس الكاثوليكية بمراحل تطور سريعة ومتلاحقة من حيث نظامه ونوع الطعام الذى يُؤكل فيه.

أما أسبوع الآلام فيعتبر من أقدم الأصوام المسيحية، عرفته الكنيسة شرقًا وغربًا منذ القرون الأولى للمسيحية.

قد قامت الكنيسة بتقسيم أيّام الصّوم الكبير إلى أسابيع سبعة، وحدّدت لكلّ أسبوع اسمًا خاصًّا وحدّدت كلّ أسبوع يبدأ اعتبارًا من يوم الإثنين، وينتهى مع نهاية يوم الأحد.

 الأسبوع الأوّل وهو أحد الكنوز حيث تسعى الكنيسة لتوجيه أبنائها لعبادة الله بدلًا من عبادة المال.

الأسبوع الثّانى هو أحد التجربة. وتعرف فيه الكنيسة المؤمن كيف يتجاوز تجارب إبليس، ويحاربه، ولا ينصاع لإغراءاته وإملاءاته وشهواته، مقتديًا بالمسيح الذى تعرّض للتجربة ثلاث مرّات من قبل الشيطان. 

الأحد الثّالث هو الابن الضّال. فتعلّم الكنيسة أن الله يبحث دائما عن الضال ويسامح الخطاة ويقبلهم من جديد.

أما الرّابع فهو أحد السّامريّة والخامس يعرف بأحد المخلّع حيث شفاه المسيح للمخلّع، الذى أقعدته الخطيئة، كونها هى السّبب الرئيسى فى الأمراض الرّوحيّة منها والجسديّة. 

والأحد السّادس يطلق عليه «المولود أعمى» ويعرف أيضا بالتناصير. وذلك انطلاقًا من المعجزة التى قام بها المسيح بشفاء أعمى أريحا حيث أعاد له البصر وعادة ما يقوم المسيحيون بتعميد أطفالهم فى ذلك الوقت.

 الأسبوع السّابع فهو أحد الشعانين ويحتفل فيه بيوم دخول المسيح إلى أورشليم على ظهر أتان، وذلك تمهيدا لأقدس أسبوع فى العام كله «أسبوع الآلام».

وهكذا نجد أن المصريين دائمًا ما تكون لهم نقطة التقاء سواء كانت رمزية أو فعلية، ولكنهم يستخدمون كل ما تقع أيديهم عليه ليؤكدوا للعالم كله وحدتهم وترابطهم الراسخ والثابت فى جذورهم ودمائهم.