تنافس المنشطات والمخدرات بحجم مبيعات سيبلغ 140 مليار دولار فى 2024 المكملات الغذائية بيزنس بطعم الخطر
فاتن الحديدى
تبدو فكرة العلاج السحرى مستقرة فى العقل الجمعى لغالبية الشعوب، شربة الحاج داوود، ومرهم ودهان رجوع الشيخ لصباه، والتى تحولت فى عصرنا إلى السيلينيوم والبيتا والحسك وحبوب الكولاجين والكرياتين وحقن تبييض البشرة.. تصنف المكملات الغذائية، بكل أشكالها على أنها أطعمة ومأكولات، وبالتالى لا تخضع لشروط تصنيع الأدوية الصارمة، ولا تمر بالأبحاث ولا الفحص التى تمر بها المستحضرات الطبية، فهى لا تعالج الأمراض ولا هى بديل لروشتة الطبيب، لكنها وسيلة كسب عظيمة يقدر الخبراء عالميًا حجم مبيعاتها بـ139.38 مليار دولار 2024، ومن المنتظر أن تصل 173.69 مليار دولار عام 2029 لتنافس مبيعاتها الضخمة عالميًا المنشطات والمخدرات.
تقدم شركات المكملات الغذائية ادعاءات بنفعها وفاعليتها بناء على شهادات عدد قليل من الأشخاص، تفتقر إلى الدليل العلمى، ويبدو الأمر كأن صانعى وبائعى المكملات أصحاب المصلحة المادية فى الترويج لمنتجاتهم، معتادون على تطبيق قاعدة «إذا كان الأمر يبدو رائعًا بدرجة لا تصدق فهو غالبًا كذلك ولتذهب صحة الناس لا يهم».
وتنشط عصابات المنتجات المقلدة والمغشوشة لزيادة الأمر خطورة، بمكونات منتهية الصلاحية وتحتوى على الزرنيخ والرصاص والزئبق، تسبب تشوهات الأجنة وفشل كبدى وكلوى.
ارتفاع الطلب
ترجع الزيادة فى حجم مبيعات المكملات الغذائية بشكل أساسى، إلى روتين المستهلكين المحموم ومستويات التوتر، وارتفاع أمراض نمط الحياة، مثل السمنة والسكر وضغط الدم، لذا فالمكملات الأكثر مبيعًا هى المنشطات الجنسية وتجديد الخلايا والتغذية الرياضية.
ويعود ارتفاع الطلب على المكملات الغذائية وانتشارها عالميًا خاصة منتجات الصحة المناعية وظهور فيروس الكورونا، مما شجع على إطلاق العديد من المنتجات تقوى المناعة، تقف وراء هذه المنتجات شركات وكيانات عملاقة تعتمد استراتيجيات مبتكرة للوصول لأكبر عدد من المستهلكين بأسعار منافسة ووهم المفعول السحرى لكل هواجسك وآلامك.
أمريكا
أمريكا هى أكبر سوق للمكملات التى تحتوى على فيتامينات وعبوات الفيتامينات نظرًا لكثرة الأمراض الناتجة عن القلق ونظرة الناس لأنفسهم ورغبتهم فى الوصول للدرجة القصوى السوبر فى مقاومة الأمراض والشيخوخة ومسايرة نمط الحياة السريع.
أظهرت دراسات طبية فى 2022 نشرتها مجلة ميديكال سوسايتى ارتفاعًا ملحوظًا فى الاستهلاك للمكملات الغذائية بنسبة 25 % عن العقد الماضى، خاصة مع تزايد تكاليف الرعاية الطبية، ويتناولها 75 % من البالغين بشكل منتظم.
ومن المنتظر أن يسجل سوق المكملات الغذائية نموًا سنويًا مركبًا، قدره 4.5 % خلال الفترة المتوقعة من 2024-2029.
مصنعو المكملات الغذائية منتجاتهم معفاة من الحصول على إجازة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لبيعها والترويج لها، لهذا فالإدارة لا يمكنها مراقبة المنتجات حتى غير الآمنة أو مضللة إلا بعد طرحها بالأسواق بفترة كافية وحتى بعدها قد تكتفى بفحص الملصقات، والنشرة الداخلية للعبوة.
سوق أوروبا
فى أوروبا يقدر حجم سوق المكملات الغذائية بـ21.64 مليون دولار فى 2024، وزادت بعد قيام شركة بروكتر آند جامبل بإطلاق خط جديد للمكملات الغذائية، ومن المنتظر أن يصل إلى 30.33 مليون دولار بحلول عام 2029.
وتعود زيادة استهلاك أوروبا للمكملات النباتية والطبيعية خاصة البروبيوتيك بسبب الدعاية الضخمة التى تصورها عصا سحرية لتعزيز نمط حياة أكثر صحة وجمالاً، معززة للمناعة والحفاظ على الصحة العامة والقلب والجلد والمظهر الشبابى.
تسعى الشركات الكبرى والكيانات الضخمة إلى زيادة حجم المستهلكين، بمداعبة أوهام القوة والمظهر الشاب.
أغلب هذه المنتجات لا تخضع لأى تسعيرة أو رقابة صحية، وفى حال وجود مضاعفات لدواء يتم مقاضاة الشركة العالمية وليست المستوردة، مما يساعد على التمادى لسلامة موقفهم القانونى.
لكن ماذا وراء هذه الأغلفة والعبوات الملونة؟ يؤكد الأطباء أن أغلبها عديمة النفع وبعضها شديد الخطورة وأن الشركات تدفع الكثير من الأموال لمنع نشر أى سلبيات عن المنتجات.
مشاكل صحية
هناك عدة طرق يمكن أن تسبب بها المكملات الغذائية مشاكل صحية، ففى عام 2018، تم سحب منتجين من مكمل السيلينيوم بسبب احتوائه على تركيز أعلى من المسموح بـ 250 مرة، مما أصاب بعض المستهلكين بتشنجات عضلية وآلام بالمفاصل وسقوط ملحوظ للشعر.
فى الصيف الماضى عثر على فيتامينات ومعادن للتخسيس منتجة من شركة فى نيويورك تحتوى على هرمونات ذكورة مما أدى لظهور أعراض رجولية على النساء اللاتى تعاطينها مثل خشونة الصوت واضطراب الدورة الشهرية.
كما اكتشفت بالأسواق مكملات بروتينية لتقوية العضلات تسبب العقم والعجز الجنسى.
وتوصل الباحثون فى جامعة أونتاريو إلى أن كثيرًا من المنتجات العشبية المشهورة تحتوى أعشابًا ليست لها علاقة بالعشبة الأصلية.
والمكملات التى تحتوى على البيتاكاروتين، تبين أنها خطر لو كان الشخص مدخنًا لأنه سيكون عرضة للإصابة بسرطان الرئة.
والمصابون بمرض كرون الهضمى لا تمتص أمعاؤه الفيتامين بـ12، أما المكملات المحتوية على فيتامين ك فهى تثبط عمل مضادات الاكتئاب وحبوب منع الحمل، ومضادات الأكسدة مثل فيتامين سى وهـ تقلل من فعالية العلاج الكيماوى لمرضى السرطان.
وأثبتت الأبحاث أن تناول فيتامين بى3 بإفراط يجعل النساء خاصة بعد الأربعين عرضة للإصابة بسرطان الثدى.
وتم اختبار فعالية أقوى منتجات التخسيس مثل مكمل سى إل إيه لمدة عام، ولم يخسر المرضى سوى كيلوجرام واحد من الدهون!
وأخيرًا تبين أن ورق الكركم الأخضر وليس الجذور وليس المسحوق والأقراص هى الفائدة الوحيدة لنبات أثار الكثير من الجدل فى الفترة الماضية الأقراص قد تصيب مستهلكها خاصة من لديه حساسية الجلوتين بمشاكل صحية قد تهدد حياته.
حمض النيكوتين
تقول البروفيسيرة «الينا جون» أستاذة الكيمياء والعقاقير بجامعة ميسورى «بعض الناس يتناولون المكملات والفيتامينات لأنهم يفترضون أن لها فوائد إيجابية على الصحة، لكن لا يعرف سوى القليل منا كيفية عملها فى الجسم».فعلى سبيل المثال يستخدم المكملات التى تحتوى على النيكوتيناميد ريبوسيد أو حمض النيكوتين فى تعزيز فيتامين بى ومحاربة الشيخوخة، لكنه سلاح ذو حدين من الممكن أن يسبب مشاكل صحية جمة مع زيادة الجرعات قِسْ على ذلك حبوب الكولاجين المستخدمة لعلاج مشاكل الشعر والأظافر وحقن الجلوتاثيون والكرياتين لنمو العضلات والتى قد تتسبب فى فشل كلوى لا علاج له.
تستحوذ مكملات تقوية الذاكرة والمساعدة على تركيز طبقًا لاستطلاعات الرأى بنسبة 25 % من البالغين بعد الخمسين، وتتضاعف النسبة لنفس الفئة بالنسبة للمكملات المعززة للقوة الجنسية، وكالعادة لا تشترط هيئة الغذاء والدواء بأمريكا إثبات فعاليتها ما دامت لا تقول إنها تعالج مرضًا بعينه.
فى الوقت نفسه يؤكد الخبراء أن الجرعات الزائدة من مكمل الكافيين، تمنع الدماغ من قبول مادة الأدينوزين الكيميائية، مما يسبب اضطرابًا بكيمياء المخ وتسبب بزيادة ضربات القلب وأن فنجان قهوة كاف وآمن أكثر.
ينطبق الكلام على الأوميجا3 الذى لم تثبت له فائدة تذكر لا فى تحسين الذاكرة ولا مكافحة الخرف وأن تناول الأسماك والمنتجات البحرية بانتظام هو الأفضل.
وأثبت العلماء أنه لا يوجد أى إثبات علمى كون نبات الجينسينج يجدد شباب الخلايا أو يعزز الذاكرة.
وتباع أحيانًا هذه المكملات بصورة مجمعة، منتجين فى قرص واحد هذه المكملات المركبة أكثر خطورة مع تناولها بجانب أدوية حتى لو كانت مسكنات فقد تسببت هذه المكملات الغذائية والعشبية ما يقرب من120 ألف مكالمة لمراكز مكافحة السموم بالولايات المتحدة عام 2023 احتاج أكثر من 10 % منهم للعلاج فى مستشفيات.
وينصح الأطباء مرضى السرطان تحديدًا بالتخلى عن أوهام المكملات الغذائية لأن أغلبها وبالإثبات تسبب مشاكل صحية وعدم فعالية علاجاتهم الطبية.
