الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطرف الثالث.. كتاب عمره 56 عامًا يبشرنا بالوقوف أمام محكمة «العدل الدولية»  اقتراح «دولة فلسطين».. متى وأين وكيف؟

الطرف الثالث.. كتاب عمره 56 عامًا يبشرنا بالوقوف أمام محكمة «العدل الدولية» اقتراح «دولة فلسطين».. متى وأين وكيف؟

«إن من أكبر نقاط الضعف فى الموقف العربى إزاء قضية فلسطين،  أنه لا يوجد لدى العرب جميعًا،  رسميين وغير رسميين،  أى تصور كامل أو شبه كامل للحل النهائى لقضية فلسطين».



الكلمات السابقة للأستاذ أحمد بهاء الدين، من كتابه «اقتراح دولة فلسطين.. وما دار حوله من مناقشات»،  الصادرة طبعته الأولى عن (منشورات دار الآداب» اللبنانية فى يناير سنة 1968.

والعنوان كان لمقال شهير نشره الصحفى الكبير (رحمه الله) فى مجلة «المصور» فى أكتوبر من عام 1967، بعد أشهر قليلة من النكسة، قصد به بهاء تنشيط الوعى العربى الجريح، وطرح ما كان وقتها جريئًا، لحد أنه أثار عاصفة من المناقشات الجادة والحادة، استدعت جمعها فى كتاب، تحول إلى وثيقة شاهدة على عصرها، تؤرخ لنا أول مناقشة ناضجة (ومتأخرة)، لاقتراح ربما يبدو اليوم عاديًا، بل يتم تسويق إحدى نسخه العصرية لـ«دولة فلسطين» على أنها طوق نجاة للقضية، والأمل الأخير الذى ربما ينقذها من بين أنياب الاحتلال الصهيونى الغاشم.

حل الدولتين

حيث يأتى طرح حل الدولتين فى سياق التضليل الإعلامى الذى تمارسه أمريكا علينا كى تعمينا (وتلهينا) عما يجرى فى غزة من جريمة إبادة للشعب الفلسطينى وسحق لإرادته التى أبدًا لن تلين، وهى فكرة تبلورت مع أفكار أخرى تمت صياغتها وتكثيف عرضها ومناقشتها للقفز على الحدث ونقل ثقل الاهتمام لـ«اليوم التالى» للحرب والذى طال انتظاره، ولا يبدو له حتى الآن موعد أو ملامح.

وكنت قد حصلت على نسخة أخرى من كتاب الأستاذ بهاء، من جناح «دار الهلال»  فى معرض الكتاب بعد أن فقدت نسختى الأولى التى اشتريتها قبل سنوات، والتهمت صفحات الكتاب الصفراء الكالحة التى يفوح منها تراب سنوات تجاوزت النصف قرن،  لكنها تبدو طازجة رغم ما تشعه من ألم يلمع فى سطورها التى خلدت ذكريات وحوادث قاسية، وصولاً إلى محطتنا الحالية التى تجسد فيها العجز العربى والدولى فى عدم القدرة على إيقاف المجزرة المستمرة فى غزة والتى تحصد أرواح الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطينى.

المقاومة هى الأصل

ومن بين كبار مفكرينا العرب الذين طرحوا رؤيتهم للنقاش فى هذا الكتاب القديم،  لمحت اسم الأستاذ غسان كنفانى أيقونة النضال والأدب الفلسطينى الذى اغتاله الموساد الإسرائيلى سنة 1972، والتقطت هذه السطور من رده الذى جاء تحت عنوان «المقاومة هى الأصل»، والذى استهله قائلاً:  «سيبدو اقتراح أحمد بهاء الدين حول إعادة خلق دولة فلسطين فى الأردن وغزة للكثيرين وكأنه وضع الحصان وراء العربة، أما أنا فأعتقد أن المشكلة أصعب من ذلك لأنها مزدوجة. وإذا كان الوقت الآن هو الوقت المناسب لفتح الدفاتر القديمة كى يسهل علينا التعرف على الدفاتر الجديدة،  فإن أسوأ ما فى تلك الدفاتر هو أن عرب فلسطين،  والعرب عمومًا،  رفضوا اقتراحًا مثل هذا الاقتراح عام 1948. وفى 15 مايو من ذلك العام حين أعلنت إسرائيل فى منتصف الليل تشكيل حكومتها الأولى لم يكن يخطر على بال أى عربى أنه لو أعلن العرب فى تلك الليلة حكومة فلسطينية لتغير الكثير مما حدث فى العشرين سنة اللاحقة».

إعلان الدولة

اندهشت لأن الأديب الكبير لم يشر لما جرى فى «المؤتمر الفلسطينى» الذى عقد فى غزة فى أكتوبر عام 1948، وأعلن فيه الاستقلال وإقامة حكومة عموم فلسطين؟، ربما لأن هذه الحكومة توارت مع الوقت خلف الإدارة المصرية لقطاع غزة حتى انتهاء هذا الدور المصرى فى أعقاب نكسة 1967، كما أن خلافًا عربيًا كبيرًا أثير حولها منذ تأسيسها، رفضًا لفكرة إعلان حكومة على جزء لا كل الأراضى الفلسطينية، وهو ما حرم هذه الحكومة التى ترأسها أمين الحسينى من أن يكون لها أثر واضح فى مسار القضية، لدرجة أن سيرتها سقطت من كل المناقشات التى دارت حول اقتراح «دولة فلسطين»، إلا فى مرة وحيدة وصفت بالحكومة «الوهمية». 

أما الاستقلال (الثانى) والذى أعلنته منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات من المنفى فى 15 نوفمبر 1988، فى الدورة 19 للمجلس الوطنى الفلسطينى المنعقدة فى الجزائر العاصمة، وقد كتب وثيقة هذا الاستقلال الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش.

دولة مراقب

واختلفت نتائج «الاستقلال» بين التاريخين 1948، 1988 بسبب وجود قيادة فلسطينية قوية تدير المسألة، وكان أبوعمار فى ذاك الوقت فى أوج مجده السياسى مسنودًا على زخم الانتفاضة الفلسطينية الأولى والتى مثلت درة المقاومة السلمية فى تاريخ القضية وسميت بـ«انتفاضة الحجارة».

حيث أوصلنا هذا الاستقلال وإعلان الدولة إلى مسار السلام المضطرب فى عقد التسعينيات من مدريد إلى أوسلو، وصولاً إلى ميلاد ما سمى «السلطة الفلسطينية» بعد اتفاق «غزة-أريحا»، قبل أن يتعثر مسار السلام ويدخل نفقًا مظلمًا لأكثر من ربع قرن من الزمان لم يخرج منه حتى اليوم.

وخلال هذه السنوات قطعت السلطة الوطنية الفلسطينية طريقًا طويلاً للحصول على اعتراف أممى بمسمى «دولة فلسطين»، وتحقق ذلك فى الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012 عندما تم رفع مستوى تمثيلها من «كيان» إلى «دولة مراقب»، حصلت على موافقة 138 دولة من أصل 193 عضوًا فى الأمم المتحدة.

ما أخذ بالقوة

وتختلف جغرافية الدولة فى اقتراح الأستاذ بهاء، عما آلت إليه اليوم حدود فلسطين والمناقشات حولها، والتى لا يملك أى من المتشدقين بحل الدولتين، ملامح واضحة لها أو تصورًا لسبل الضغط على الإسرائيليين لتغيير عقيدتهم الراسخة برفض وجودها.

إن مناقشات العام 1968، بين الأستاذ بهاء وصفوة من المفكرين الفلسطينيين والعرب، حول اقتراح دولة فلسطين كانت أيضًا هروبًا للأمام وقفزًا على جراح النكسة، وكان حوارهم (فضائيًا) لا مجال لتحققه ليس فقط لأن أرض فلسطين وقتها قد تم احتلالها بالكامل، ولكن لأن الأيام والحوادث والخلافات من بعدهم وحتى اللحظة التى نقف فيها اليوم وما زلنا نتسول حقًا أصيلاً، قد أثبتت صحة القول الخالد للرئيس جمال عبدالناصر: «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة».

تحذير الأستاذ بهاء

ولا أستطيع أن أختم قبل أن أنقل لكم هذه السطور المهمة من كتاب الأستاذ أحمد بهاء الدين، المنشور عام 1968، حيث قال: «هناك اقتراح آخر تدعو إليه إسرائيل، بإنشاء كيان فلسطينى من الأراضى التى احتلتها بعد 5 يونيو، يكون له استقلاله الداخلى، ولكنه مرتبط مع إسرائيل فى السياسة الخارجية والدفاع والاقتصاد. إن هذا الاقتراح الإسرائيلى أخطر وأسوأ مما لو قالت إسرائيل بجعل الأراضى المحتلة جزءًا كاملاً من إسرائيل!  لأن ضم الأراضى المحتلة لإسرائيل يضم عدة مخاطر تخشاها إسرائيل. منها تغير نسبة السكان، وأنهم سيطالبون بحقوق سياسية واقتصادية مساوية لحقوق المواطن الإسرائيلى، أى أن إسرائيل لن تكون إسرائيل.

أما الاقتراح الآخر الذى تدعو له إسرائيل بكيان قائم بذاته ولكنه تابع لإسرائيل، فهذا حل أشبه بنظام التفرقة بين السود والبيض فى جنوب إفريقيا، ليس تفرقة عادية ولكنه خلق مجتمعين متجاورين، أحدهما يستعمر الآخر ويستغله ويبقيه فى درجة أقل منه، مع إبقاء الحاجز المطلق بين المجتمعين».

وما حذر منه بهاء قبل 56 عامًا هو ما تنظره محكمة العدل الدولية هذه الأيام فى جلسات استماع حول «العواقب القانونية للاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية منذ عام 1967» والتى قدمت مصر فى إحدى جلساتها مرافعة تاريخية، ألقتها ياسمين موسى المستشارة القانونية بمكتب وزير الخارجية سامح شكرى.