السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فظاعة الحرب فى فلسطين توسع زخم الاحتجاجات ضد إرهاب تل أبيب التوحش الإسرائيلى ضد غزة منذ طوفان الأقصى يختلف كمًا ونوعًا عن جولات العنف السابقة

فى مقال كتبه الكاتب فيجاى براشاد فى مجلة كاونتر پانش الأمريكية قال فيه إن محاولات تقييد الصورة الداعمة للنضال الفلسطينى والمناهضة لجرائم الاحتلال الإسرائيلى لم تنجح فالاهتمام العالمى بالقضية خاصة بين الشعوب فى الدول الغربية يتوسع، وأن حالة التوحش التى انتهجتها تل أبيب هو ما رفع من زخم الاحتجاجات الجماهيرية الضخمة فى العالم ضد الإرهاب الإسرائيلى.



 

يتأثر مئات الملايين من الناس فى جميع أنحاء العالم تأثرًا عميقًا بفظاعة الحرب الإسرائيلية على فلسطين. وقد شارك الملايين فى المسيرات والاحتجاجات الرافضة للمذبحة الإسرائيلية الأمريكية فى غزة والعديد منهم يشتركون بالتظاهر لأول مرة فى حياتهم.

كذلك، وسائل التواصل الاجتماعى وبجميع لغات العالم تقريبا، أشبعت بمواقف إدانة إسرائيل ومناصرة فلسطين. يركز البعض على قتل الأطفال الفلسطينيين المتعمد، ويركز آخرون على الاستهداف المجرم للبنى الصحية التحتية فى غزة، ويشير آخرون إلى إبادة ما لا يقل عن 400 أسرة أى أكثر من 10 فى كل عائلة استشهدوا. ولا يبدو أن الاهتمام العالمى الواسع يتضاءل مع الفلسطينيين. وقد مرت العطلات، لكن الاحتجاجات والمشاركات ظلت ثابتة وضخمة. ولم تنجح أى محاولة من قبل شركات وسائل التواصل الاجتماعى لتحويل الخوارزميات ضد الفلسطينيين، ولم تنجح أى محاولة لحظر الاحتجاجات، حتى رفع العلم الفلسطينى. وفشلت الاتهامات بمعاداة السامية ورفضت مطالب إدانة حركة حماس. وهذا مزاج جديد، نوع جديد من الموقف تجاه النضال الفلسطينى خاصة بين الشعوب فى الدول الغربية.

وخلال 75 عامًا من الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين، لم يكن هناك هذا الحجم من الاهتمام المستمر بقضية الفلسطينيين والتوحش الإسرائيلى الممارس عليهم. فقد شنت إسرائيل 8 حملات قصف على غزة منذ عام 2006، وقامت ببناء غير قانونى بالكامل ضد الفلسطينيين فى القدس الشرقية والضفة الغربية جدار الفصل العنصرى والمستوطنات ونقاط التفتيش. وعندما قاوم الفلسطينيون، سواء من خلال العمل المدنى أو الكفاح المسلح واجهوا عنفًا هائلاً من قوات الاحتلال الإسرائيلى. ومنذ أن توافرت وسائل التواصل الاجتماعى، انتشرت صور مآسى فلسطين من استخدام الأسلحة المحرمة دوليا من ضمنها الفوسفور الأبيض ضد المدنيين فى غزة، إلى عمليات اعتقال وقتل الأطفال الفلسطينيين فى جميع أنحاء الأرض المحتلة. لكن أيا من أعمال العنف السابقة لم يثر هذا النوع من الاستجابة من جميع أنحاء العالم مثل الاستجابة على التوحش الإسرائيلى المستمر على غزة منذ أكثر من 100 يوم.

إن التوحش الإسرائيلى ضد غزة منذ أكتوبر 2023 يختلف كما ونوعا عن جولات العنف السابقة التى انتهجتها تل أبيب. فالقصف الجوى والبرى والبحرى تركز على المناطق السكنية دون أى اهتمام بحياة المدنيين، حيث ازداد عدد الضحايا يومًا بعد يوم بمعدل لم يسبق له مثيل من قبل، إضافة إلى إجبار الفلسطينيين لإخلاء جماعى غير قانونى من منازلهم ودفعتهم أكثر فأكثر جنوبا نحو الحدود مع مصر.

ومع ذلك، انتهك الإسرائيليون وعودهم بمناطق آمنة قاموا بقصفها بشكلٍ متعمد، وكان لا بد أمام هذا الحجم من الإرهاب والتوحش الإسرائيلى من وصف هذه الأفعال بجريمة الإبادة الجماعية. وفى أوائل الشهر الجارى، كانت قد قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلى أكثر من 1 % من مجموع السكان الفلسطينيين فى غزة فى حين تم تهجير أكثر من 95 %.

لم يشهد العالم هذا المستوى أو النوع من العنف المستخدم على الفلسطينيين فى أى حرب معاصرة، لا فى العراق حيث تجاهلت الولايات المتحدة معظم قوانين الحرب، ولا فى أوكرانيا حيث عدد القتلى من المدنيين أقل بكثير على الرغم من أن الحرب مستمرة منذ عامين. إن زخم الاحتجاجات الجماهيرية الضخمة فى العالم ضد الإرهاب الإسرائيلى شجع حكومة جنوب أفريقيا لتصدر المدافعين عن الفلسطينيين ورفع قضية قانونية فى محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بتهمة ارتكابها لجريمة الإبادة الجماعية. ويوثق الملف المكون من 84 صفحة الذى قدمته حكومة جنوب أفريقيا العديد من الفظائع التى ارتكبتها إسرائيل وأيضًا والأهم من ذلك، كلمات كبار المسئولين الإسرائيليين، جمعت فى 9 صفحات وهم يدعون إلى نكبة ثانية، وهو المصطلح الذى يشير إلى نكبة الفلسطينيين عام 1948، حيث أقتلعوا من ديارهم على يد العصابات الصهيونية.

كلمات تقشعر لها الأبدان، صدرت عن عدد كبير من المسئولين الإسرائيليين، الذين لم يتورعوا عن إظهار اللغة العنصرية بوصف الفلسطينيين بالحيوانات ووصف غزة بالغابة. وقال وزير الأمن الإسرائيلى يوآف جالانت فى 9 أكتوبر الماضى إن إسرائيل تفرض حصارا كاملا على غزة، لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود. كل شىء مغلق. نحن نحارب الحيوانات البشرية، ونتصرف وفقًا لذلك. بهذا، إلى جانب طبيعة وحجم القصف الإسرائيلى يكفى استخدامه كمعيار لتوجيه اتهام الإبادة الجماعية لحكومة بنيامين نتنياهو، التى لم تستطع خلال جلسة الاستماع فى محكمة العدل الدولية من الرد بشكل موثق على دعوى جنوب أفريقيا.

وعلى مدار العامين الماضيين، منذ بداية الحرب فى أوكرانيا حتى الآن كان هناك تراجع سريع فى مصداقية الغرب، ولا سيما لدول منظمة حلف شمال الأطلسى الناتو وخاصة أمام شعوب ودول الجنوب العالمى الذين تروعهم صور التوحش الإسرائيلى فى غزة والتصريحات العنصرية لوزراء حكومة تل أبيب المدعومة بالكامل من حكومة الولايات المتحدة والعديد من حكومات الدول الأوروبية مما يثير هذا الغضب الجماهيرى المستمر والمتعاظم فى كل أرجاء البسيطة. ومنذ بداية الكساد الكبير الثالث فى عام 2007، فقد الشمال العالمى ببطء سيطرته على الاقتصاد العالمى وعلى التكنولوچيا والعلوم، وعلى المواد الخام، فى حين عمق الأثرياء فى الشمال العالمى فسادهم بدفع الضرائب وحولوا حصة كبيرة من ثرواتهم إلى ملاذات ضريبية واستثمارات غير منتجة. ترك هذا الشمال العالمى مع عدد قليل من الأدوات للحفاظ على القوة الاقتصادية، بما فى ذلك عن طريق القيام باستثمارات فى الجنوب العالمى. وقد تولت الصين هذا الدور ببطء، حيث كانت تعيد تدوير الأرباح العالمية إلى مشاريع البنية التحتية فى جميع أنحاء العالم. 

وبدلا من الاعتراض على مبادرة الحزام والطريق الصينية على سبيل المثال، من خلال مشروعها التجارى والاقتصادى الخاص، سعت كوريا الشمالية إلى عسكرة ردها بإنفاق ضخم، لتكون إلى جانب دول حلف الناتو التى تضخ على الإنفاق العسكرى ثلاثة أرباع مجموع ما تنفقه كل دول العالم.

ويستخدم الشمال العالمى اليوم، أوكرانيا وتايوان كأدوات لاستفزاز روسيا والصين فى صراعات عسكرية من أجل إضعافهما بدلا من تحدى قوة الطاقة الروسية المتنامية والقوة الصناعية والتكنولوچية الصينية من خلال التجارة والتنمية. ومن الواضح لغالبية الناس، أن الشمال العالمى هو الذى فشل فى معالجة الأزمات فى العالم، سواء كانت أزمة المناخ أو عواقب الكساد الكبير الثالث. لقد حاولت استبدال لغة ملطفة بالواقع، باستخدام مصطلحات مثل تعزيز الديمقراطية والتنمية المستدامة والوقفة الإنسانية، ومن وزير الخارجية البريطانى اللورد ديڤيد كاميرون ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، الصيغة السخيفة لـوقف إطلاق نار مستدام. والكلمات الفارغة ليست بديلاً عن الأفعال الحقيقية. إن الحديث عن وقف إطلاق نار مستدام أثناء تسليح إسرائيل أو الحديث عن تعزيز الديمقراطية مع دعم الحكومات المناهضة للديمقراطية ما هو إلا نفاق الطبقة السياسية فى الشمال العالمى. ويقول الإسرائيليون إنهم سيواصلون حرب الإبادة الجماعية هذه مهما استغرقت من وقت. ومع مرور كل يوم من هذه الحرب، تتدهور شرعية إسرائيل، ولكن وراء هذا العنف نفسه تكمن النهاية الأعمق بكثير لشرعية مشروع حلف الناتو الذى تبدو لائحة تعريفاته للأخلاق ملطخة بدماء الفلسطينيين الأبرياء.

ومن ناحية أخرى، قال الكاتب أوين چونز بصحيفة الجارديان إن النخب السياسية والإعلامية الغربية متواطئة فى كابوس غزة، وإنها فقدت آخر بقايا السلطة الأخلاقية إلى الأبد. وأوضح الكاتب أن الرئيس الأمريكى چو بايدن قدم إجابة محددة الأسبوع الماضى فى البيان الذى أصدره بمناسبة مرور 100 يوم على بدء الرعب الحالى، حيث أظهر حقيقة تعاطفه مع محنة الأسرى لدى حركة حماس ومع أسرهم المصابة بالصدمة، لكن لم يصدر عنه أى ذكر للفلسطينيين. ومع ذلك فإن عدم اهتمام السياسيين ووسائل الإعلام بإخفاء ازدرائهم للحياة الفلسطينية ستكون له نتائجه الكبيرة، مع أنه ليس بالأمر الجديد، كما يرى الكاتب؛ إذ لو لم تتجاهل الدول القوية فى العالم بهذه الوقاحة 3 أرباع مليون فلسطينى طردوا من ديارهم قبل 76 عاما، مع قتل حوالى 15 ألفا منهم بعنف، لما زرعت بذور هذا الحصاد المر اليوم. وتساءل أوين چونز كم من الناس يعرفون أن 234 فلسطينيا قتلوا فى العام الماضى قبل السابع من أكتوبر على يد القوات الإسرائيلية فى الضفة الغربية وحدها.

وتابع أنه لو كانت هناك بعض القيمة لحياة الفلسطينيين، لربما لم تكن لتحدث عقود من الاحتلال والحصار والاستيطان غير القانونى والفصل العنصرى والقمع العنيف والمذابح الجماعية. وربما توقع البعض أنه بعد هذه المذبحة القاتلة، سوف ينهار السد فى نهاية المطاف لأن قتل 10 آلاف طفل بعنف وبتر أرجل أو نزع كلى آخرين دون تخدير، أمور من شأنها أن يثير مشاعر قوية، كما أن إجراء عمليات قيصرية بدون تخدير وموت الخدج بسبب انخفاض حرارة الجسم والإسهال من شأنهما أن يثيرا اشمئزازا لا يمكن إيقافه. ومع أن التوقعات بأن ربع سكان غزة قد يموتون فى غضون عام واحد بسبب تدمير إسرائيل لنظام الرعاية الصحية وحده، ويفترض أن يؤدى ذلك إلى مطالبة عالية الصوت لإنهاء هذا الظلم إلا أنه لم يتحرك أحد.

 

ووفقًا للكاتب، فليس التقليل من قيمة الحياة الفلسطينية أمرا افتراضيا، بل هو حقيقة إحصائية، حيث تقول دراسة جديدة للتغطية فى الصحف الأمريكية الكبرى، إن وفيات الإسرائيليين تذكر بمعدل 16 مرة أكثر من وفيات الفلسطينيين، وإن المصطلحات الإنسانية مثل الأم أو الزوج كانت تستخدم فى كثير من الأحيان أقل بكثير لوصف الفلسطينيين، فى حين أن المصطلحات العاطفية مثل مذبحة تستخدم للضحايا الإسرائيليين. وكل هذا سيكون له تأثير عميق، كما يرى الكاتب؛ إذ يجب أن ننسى أى ادعاءات غربية مستقبلية حول حقوق الإنسان والقانون الدولى، لأن قسمًا كبيرًا من العالم ينظر إلى هذا التبرير الذاتى بازدراء، ويعتبره مجرد خدعة لتعزيز المصالح الاستراتيچية للدول التى أصبحت غنية على حساب بقية العالم، بعد قرون من الاستعمار الذى اتسم بالإبادة الجماعية وحمامات الدم الأخيرة مثل حرب العراق، وحتى تسليح إسرائيل ودعمها وهى تمارس القتل الجماعى فى غزة. وتابع بأنه لا يجب أن تشعر النخب السياسية والإعلامية الغربية بالذعر لحال الدول الأخرى بل لما يحدث من الانهيار الأخلاقى فى دولهم، وذلك لأن رفض معاملة الفلسطينيين كبشر جعل كابوس اليوم لا مفر منه، ومزق الادعاءات الأخلاقية المستخدمة لتبرير الهيمنة الغربية على العالم بشكل دائم، مع عواقب لن تفهم إلا بعد فوات الأوان.