
ياسر الغسلان
تحليل المخاطر كمنهج شخصى
من خلال متابعتى لكثير من الدراسات والبحوث العلمية التى تجريها مراكز الأبحاث المتخصصة والتى تتناول بالتحليل أحداثا جارية أو تستقرئ أحداثا محتملة سياسية منها واقتصادية وإعلامية واجتماعية، أجد أن مبادئ رسم السيناريوهات الافتراضية المبنية على أسس وأرقام وتحليلات منطقية يعد أساسا فى العملية، خصوصا فى تلك الدراسات التى تستقرئ المستقبل بهدف تطبيق مخرجاتها والسيطرة على العوامل المؤثرة وتحقيق الأهداف المأمولة.
رسم السيناريوهات الافتراضية هذه تتضمن فى أهم مكوناتها عملية (تحليل المخاطر – Risk Analysis) والتى يمكن فهمها على أنها منهج علمى لدراسة العوامل المحيطة بهدف الخروج بتوصيات علمية تساعد متخذى القرارات فى المجالات المختلفة على اتخاذ خطوات عملية مدروسة، تدفع نحو تحقيق النتائج المرجوة، وهى وسيلة حسابية فى الغالب تتبعها كثير من الحكومات فى عملية بناء القرار السياسى، كما تساعد كثيرا من الشركات العملاقة فى وضع سيناريوهات استثماراتها المختلفة وفق المنطق الرياضى فى قياس العوامل السياسية والاقتصادية المحددة والمؤثرة فى النتيجة النهائية، فهى تدرس مثلا التحولات السياسية وقضايا الإرهاب والحروب والأزمات المالية والاقتصادية والبيئية والسياسية، كما تعمل من أجل تحقيق ذلك على استخدام عدد من الآليات منها التحليل المالى والتقييم السياسى وتحليل السمعة وإجراء الاستطلاعات الأمنية ووضع خطط إدارة الأزمات.
وقد تبادر لذهنى نتيجة ما نعيشه فى هذا العصر من أزمات على المستوى الفكرى نتيجة التحولات العديدة التى تحيط بنا والمتمثلة بتعدد مصادر المعلومات والتحولات السياسية من هنا وهناك والتغييرات الإصلاحية الداخلية والخارجية والتحولات الأساسية فى طريقة النظر للمجتمع باعتباره مؤثرًا ومتأثرا بالحالة السياسية والاجتماعية، أقول: تبادر لذهنى أن عملية تحليل المخاطر التى تتبعها الدول والشركات العملاقة بهدف تطوير أدائها أصبحت لزاما علينا نحن الأفراد، وذلك إن كنا نسعى لأن يكون غدنا أفضل من أمسنا، فماذا لو حاول الفرد تطبيق بعضا من الطرق العلمية فى تحليل المخاطر على نفسه بحيث يدرب منذ مراحل دراسته وتكون اهتماماته واتجاهاته بدراسة وتحليل سيناريوهات واقعية لحياته ومحيطه بهدف تحديد مساره المستقبلى الشخصى والمهنى، أليس فى ذلك ضمان بعد توفيق الله فى أن يكون اختياره المهنى ناجحا بصرف النظر عن التأثيرات السلبية والمشاكل المتعلقة بمحيطه والتى ليس بمقدوره تغييرها ولكن بمقدوره إن كان قد خطط وفق تحليل للمخاطر المحتملة تجاوزها وعدم الخضوع لها.
وماذا لو قام كل مسئول فى وزارة أو دائرة على تطبيق تحليلات علمية لمخاطر الأداء على ذاته وعلى مرؤوسيه بكل ما يحيط ذلك من إشكاليات تتعلق بمعوقات اجتماعية ومهنية منها ما أصبح عائقا للتقدم كالإهمال وغياب حس المسئولية ومنها ما تجاوز ذلك بأن أصبح مرضا فتاكا ينهش فى جسد الوطن والمواطن مثل الفساد والمحسوبيات والواسطة المقيتة.
لا أتصور أنها مثالية حينما أقول إن مسألة أن الإنسان بصرف النظر عن خلفياته الاجتماعية لديه القدرة فى السيطرة ولو على جزء من مستقبله بعد توفيق الله بطبيعة الحال، ولن أكون مبالغا حينما أقول إن الفشل والنجاح فى أساسه ينبع من الشخص ذاته بصرف النظر عن محيطه، وإن كان محيطه له تأثير عليه ولكنه يبقى بحدود، فكثير من النوابغ والمتميزين والناجحين والمؤثرين كانوا من خلفيات اجتماعية قد لا تكون مثالية وداعمة بالضرورة لهم، بل ربما على العكس كانت محبطة لهم ومعارضة.
كنت فى الماضى أشك فى مدى إمكانية أن تكون عملية تحليل المخاطر قابلة للتطبيق على الفرد إلا أننى أصبحت مقتنعا الآن بأن النظر للحياة باعتبارها مشروعا يهدف للنجاح والتعاطى مع متغيراته ومؤثراته يجب أن يكون وفق الأسس التحليلية المنطقية، فدراسة وتحليل المخاطر المحيطة بالشباب من الجنسين مثلا من حيث كوننا نعيش أزمات مرتبطة بشح الوظائف وانخفاض مستوى الرواتب لحديثى التخرج قد يدفع تحليل الفرد للمخاطر للتوجه فى مستقبله نحو التخصصات المهنية التى يوجد فيها وفرة وطلب، والتركيز أيضا على بناء الخبرات العملية أثناء مرحلة الدراسة، وذلك من أجل حل إشكالية انعدام الخبرة وبالتالى ضعف الرواتب المتوقع فى السنين الأولى من العمل، ومن أجل اختصار سنين التأهيل العملى والإسراع فى عملية الارتقاء الوظيفى والمالى.