السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مزيد من التعقيد .. تطلعات إثيوبيا تشعل غضب جيبوتى والصومال

عقب إعلان إثيوبيا توقيعها اتفاقًا مع «جمهورية أرض الصومال»، تصاعدت المخاوف من انفجار بؤرة توتر جديدة فى منطقة القرن الإفريقى غير المستقرة أصلًا حيث يمنح إثيوبيا منفذًا على البحر من خلال مرفأ فى الجمهورية المعلنة من طرف واحد.



وبينما تتصارع المنطقة مع الأزمات الأمنية والسياسية على جبهات متعددة، فإن سعى إثيوبيا المحتمل إلى إنشاء ميناء بحرى من خلال القوة العسكرية من شأنه أن يضيف المزيد من التعقيد إلى التحديات القائمة بالفعل.

 

بعد الإعلان عن الاتفاق، أعلنت الحكومة الصومالية استدعاء سفيرها فى إثيوبيا للتشاور. وصرح رئيس الوزراء الصومالى حمزة عبدى برى أن بلاده ستدافع عن أراضيها «بشتى السُبل القانونية الممكنة» بعد الاتفاق الذى يمنح إثيوبيا منفذًا على البحر الأحمر من خلال مرفأ بربرة فى أرض الصومال وبربرة ميناء أفريقى على الساحل الجنوبى لخليج عدن، عند مدخل البحر الأحمر المؤدى إلى قناة السويس.

وتتيح المذكرة لإثيوبيا الاستحواذ على حصة غير محددة من الميناء، بعد أشهر على قول أبيى أحمد إن بلاده بحاجة إلى تعزيز حقها فى الوصول إلى البحر، فى تصريح أثار مخاوف فى المنطقة.

 غضب الصومال وجيبوتى

وأكدت الحكومة الصومالية أن «أرض الصومال جزء من الصومال بموجب الدستور الصومالى، بحيث إن الصومال تعتبر هذا الإجراء انتهاكًا فاضحًا لسيادتها ووحدتها»، مؤكدة أن الاتفاق لاغ ولا أساس قانونيًا له. على جانب آخر، أفادت مصادر مطلعة أن الرئيس الجيبوتى قام بتوبيخ السفير الإثيوبى لدى بلاده بسبب إخفائه تفاصيل المفاوضات الجارية مع صومالى لاند.

تم توقيع الاتفاق الإثيوبى بصورة مفاجئة مع زعيم المنطقة الانفصالية موسى بيهى عبدى، بعدما كانت الصومال وأرض الصومال اتفقتا الأسبوع الماضى على استئناف المفاوضات بينهما - بعد جهود وساطة قادتها جيبوتى - لتسوية المسائل العالقة، بعد سنوات من التوتر السياسى والعرقلة.

ولم تحصل أرض الصومال على اعتراف دولى واسع النطاق، على الرغم من إعلانها الانفصال والحكم الذاتى عن الصومال فى عام 1991. وتقول الصومال إن أرض الصومال جزء من أراضيها.

ويفتح الاتفاق - والذى يحمل أهمية سياسية بالغة - المجال أمام احتمال اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كدولة مستقلة فى مرحلة لاحقة. ويشير خبراء إلى أن اعتراف دولة بحجم وقوة وتأثير إثيوبيا يمكن أن يكون له تأثير كبير فى دفع مساعى أرض الصومال نحو الاعتراف الدولى.

وعلى الرغم من ردود الفعل العنيفة على بيانه من جانب جيبوتى وإريتريا والصومال، فقد خفف رئيس الوزراء أبى من لهجته وذكر أن إثيوبيا لن تغزو أى بلد من أجل حلمها فى الوصول للبحر الأحمر. ولكن حتى لو لم يكن لدى أبيى أحمد أى نية الآن لاستخدام القوة العسكرية، فإن كلماته أثارت الاستياء الذى من شأنه أن يزيد من عدم الاستقرار الإقليمى، وخاصة فى الصومال.

 تطلعات إثيوبية

وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإثيوبى أبيى أحمد فى أول أيام العام الجديد عبر منصة إكس أن الاتفاق بين إثيوبيا وجمهورية أرض الصومال التى أعلنت إثر انشقاقها عن مقديشو عام 1991 ولم تعترف بها الأسرة الدولية، «سيفتح الطريق لتحقيق تطلعات إثيوبيا إلى ضمان وصولها إلى البحر وتنويع منافذها إلى الموانئ البحرية»، وأضاف: إن الاتفاق يعزز أيضًا الشراكة الأمنية والاقتصادية والسياسية للطرفين الموقعين.

وذكر رضوان حسين، مستشار الأمن القومى لرئيس الوزراء الإثيوبى، أن مذكرة التفاهم التى وقعها أبيى ورئيس أرض الصومال موسى بيهى عبدى، تمهد الطريق لإثيوبيا للتجارة البحرية فى المنطقة بمنحها إمكانية الوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة على البحر الأحمر.

وقال: إن أرض الصومال ستحصل أيضًا على حصة فى الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة دون أن يدلى بمزيد من التفاصيل. ويشير خبراء إلى أن هذا الجزء من الاتفاق يمثل تقدمًا مهمًا لأرض الصومال من الناحية الاقتصادية بتعزيز قدراتها فى مجال النقل الجو وانفتاحها على العالم.

وتعتمد إثيوبيا - الدولة الحبيسة - على جيبوتى المجاورة فى معظم تجارتها البحرية من صادرات وواردات. وتحاول إثيوبيا من خلال الاتفاق أيضًا الانضمام إلى مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن الذى تأسس عام 2020، ويضم مصر والسودان وإريتريا وجيبوتى والصومال من الضفة الإفريقية للبحر الأحمر، والسعودية والأردن واليمن من الجانب الآسيوى.

ويحذر خبراء من أن هذا الاتفاق يفتح - إن نجح - آفاقًا محتملة أمام إثيوبيا لإنشاء «قاعدة بحرية تحت الإيجار، وذلك بعد أن فقدت ميناءها البحرى (عصب) عقب انفصال إريتريا فى مطلع التسعينيات. ومنذ تلك اللحظة، لم تتوقف جهود أديس أبابا الحثيثة للحصول على منفذ بحرى دائم،خاصة أنها تعد واحدة من أكبر الدول الحبيسة من حيث الكثافة السكانية على مستوى العالم.

ويرى هؤلاء أن إثيوبيا تحاول من خلال عودتها للبحر الأحمر الحفاظ على أمنها القومى بشكل أكثر فعالية مع تعزيز قدرتها على التدخل فى الصراعات والأزمات الكبرى. ولهذا السبب أعرب أبيى أحمد قبل عدة سنوات عن نية بلاده إعادة تأسيس القوة البحرية الإثيوبية التى تفككت مع تحولها لدولة حبيسة، كما سيقطع الطريق على أى محاولة لوقف إمدادات البلاد عبر البر بما تحتاج إليه وهو ما حاولت فعله جبهة تحرير تيغراى.

تقول حكومة الصومال إن الاتفاق الموقع بين إثيوبيا والدولة الانفصالية غير المعترف بها يشكل خطرًا على الاستقرار والسلام فى المنطقة.

وتواجه منطقة القرن الأفريقى بالفعل العديد من الأزمات الأمنية. وتعانى إثيوبيا نفسها من آثار الحرب فى تيغراى وتخوض حاليًا صراعات فى إقليمى أمهرة وأوروميا.

وأشار معهد «ال آى سى» البريطانى للدراسات الإفريقية إلى تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى أبيى أحمد بتاريخ 13 أكتوبر 2023 بأن بلاده تحتاج إلى الوصول إلى ميناء على البحر الأحمر، قائلًا إن هذه الكلمات بمثابة رسالة تجنيد للجماعات الإرهابية فى المنطقة وتعزز عدم الاستقرار فى منطقة لا تستطيع تحمل ذلك، بحسب ما أشار مصطفى أحمد الباحث بالمعهد.

وكان رئيس وزراء إثيوبيا قد أدلى بتصريحات جريئة بشأن تأمين وصول بلاده إلى موانئ البحر الأحمر بأى وسيلة ضرورية، بما فى ذلك القوة العسكرية. وقد يكون لهذه الخطوة آثار كبيرة على منطقة القرن الإفريقى المضطربة بالفعل.

وفى الصومال، تتعثر الحرب التى تشنها الحكومة ضد حركة الشباب، حيث من المقرر أن تخرج قوات بعثة الاتحاد الإفريقى الانتقالية فى الصومال (ATMIS) من الصومال بحلول نهاية عام 2024، فيما لا يبدو أن هناك أفقًا لانتهاء الصراع الدامى فى السودان حيث لقى أكثر من 10 آلاف شخص حتفهم ونزح الملايين، فى حين تواجه إريتريا أزمة إنسانية وسياسية حادة تؤثر سلبًا على سكان الدولة الصغيرة.

وخاضت إثيوبيا والصومال حربًا فى عام 1977 على إقليم أوغادين. وفى عام 2006، تدخلت إثيوبيا عسكريًا فى الصومال لدعم الحكومة الفيدرالية الانتقالية الضعيفة فى البلاد وهزيمة اتحاد المحاكم الإسلامية.

فى هذا الوقت، ظهرت حركة الشباب الإسلاموية التى تتهم من عدة أطراف بالإرهاب على رأسها الولايات المتحدة، بسبب هذا التدخل وغذت من النظرة إلى إثيوبيا على أنها عدو الصومال على المدى الطويل، ونجحت الحركة فى استغلال التاريخ السياسى المضطرب بين الصوماليين والدولة الإثيوبية لحشد وتجنيد المقاتلين فى صفوفها.

وكانت دراسة أجراها معهد دراسات الأمن الدولى (ISS) قد حددت الاغتراب السياسى والهوية الجماعية باعتبارهما الدوافع الرئيسية للشباب الذين ينضمون إلى حركة الشباب فى الصومال.