الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. متى وكيف وهل.. أسئلة الساعة فى «الشرق الأوسط»  غزة.. ولعبة «تريك تراك»

الطريق الثالث.. متى وكيف وهل.. أسئلة الساعة فى «الشرق الأوسط» غزة.. ولعبة «تريك تراك»

تتخبط منطقة «الشرق الأوسط» فى ظلام هالك بحثًا عن طوق نجاة، ولا تزال القضية الفلسطينية لقيطة، حائرة، بين ساسة لا يحملون عقولًا وعسكريين بلا قلوب. استدعت غزة كل العذاب، ويسدد شعبها الطيب المسكين الفواتير كلها وحده، وتقدم المدينة الباسلة من دماء أبنائها قرابين لا تشبع الشراهة الصهيونية التى تسعى إلى المزيد. متى سيتوقف القتال؟، وكيف ستدار غزة بعد انتهاء المعارك؟، وهل هناك أى فرصة للحديث مرة أخرى عن السلام؟، هذه بعض أسئلة الساعة فى العالم العربى. 



اليوم الموعود

ويتحول صخب الإعلام ومحلليه، وساعات التغطية المتصلة التى تلاحق الأحداث إلى «همهمات» غير مفهومة، تهتز معها رؤوس الأشهاد كأنها تحوى إجابات، لكن الألسنة تتجمد، فلا أحد يقدر على نطق ما يريح البال، وسط بحور الدماء يتعطل حتى الخيال، ومن يملك زخمًا معلوماتيًا كمن عاش بعقل فارغ، كلاهما يترنح من ثقل الأيام وتلاحق الأحداث ولا يستطيع التخمين أو حتى قراءة الطالع، الجميع يدرك أن القضية ستبقى معلقة، فما جرى فى الشهور الثلاثة الماضية، هو كارثة إنسانية لن يزيل آثارها وقف القتال تحت أى مسمى، كان هدنة أو نهاية الحرب.

ورغم انشغال العالم بـ«اليوم التالى» الذى لا يأتى، إلا أنه لم ينجح أحد فى وضع تصور واضح له، كما لم يفلح أى من خبراء التحليل الاستراتيجى أن يخبرنا عن موعد هذا اليوم، الذى يعد أكبر معضلات هذه الحرب، وما يزال لغزًا يحير العالم، وأشك أن قادة إسرائيل أنفسهم يعرفون موعدًا له، وربما هذا ما دفع البعض للبحث عن مستقبل هذه الحرب بين صفحات الماضي. 

مقال قديم ومجلة أمريكية

قبل أسابيع، استهل الكاتب اللبنانى الكبير سمير عطا الله مقاله اليومى الذى يزين الصفحة الأخيرة من صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية قائلا: «أعادت مجلة «نيويوركر» نشر «رسالة من غزة» بعث بها موفدها «إيه جى ليبلنغ» العام 1957 وفيها رسم مفصل لمدينة صغيرة أصبحت الآن كبرى مدن فلسطين، نترجمها هنا لأهميتها التاريخية البالغة على حلقات». تساءلت فى نفسى ما الجديد الذى سيكشفه لنا هذا المقال القديم جدا، والذى دفع مجلة بحجم «نيوريوركر» لإعادة نشره، وتجذب كاتبا كبيرا بقيمة عطا الله ليشغل زاويته الخاصة التى يطل بها على جمهور، ويترجم لنا هذه الحلقات التى استمر فى نشرها لأيام ستة. 

مضيت خلالها أتابع ما ينشره الكاتب الكبير لعلى أخرج بشيء ذى قيمة أو نفع من هذا المقال الذى يرصد حياة أهل غزة بعد فترة قصيرة احتلت فيها قوات الاحتلال الإسرائيلى القطاع خلال مشاركتها فيما سمى وقتها بـ «العدوان الثلاثى» على مصر، والمقال يثنى على هذه الفترة مقارنة بما عاشه أهل القطاع فى ظل الإدارة المصرية له منذ نكبة 1948، وبالطبع الناقل صحفى أجنبى مفهوم دوافعه، ومن حكوا لهم رأيهم هم من أجادوا التحدث معه بلغته.

وهو ما توضحه الفقرة التالية: «طلبت من رجل يتحدث الإنجليزية قليلًا أن يصف روتينه اليومي. وقال: «أستيقظ فى الصباح وأتجول فى القرية ولا أنظر إلى أى شيء». وأضاف: «ثم أجلس خارج كشك القهوة، حتى عندما لا يكون لدى المال لشراء القهوة، وأستمع إلى الراديو. كما أننى ألعب لعبة (تريكتراك)».

غزة.. تريك تراك

ابتسمت عندما قرأت اسم تلك اللعبة الشهيرة TricTrac أو العصفورة، والتى كانت أبرز ما رصده مراسل أجنبى موفد من مجلة عريقة إلى غزة عام 1957، وبعيدا عن ضعف المقال (بمقاييس زماننا) وعدم فهمى لاستدعاء «نيوريوركر» و«الشرق الأوسط» لها فى هذا التوقيت وكأنهما يستبقان حدوث أمر يتعلق بمستقبل القطاع، لكنى توقفت كثيرا أمام اللعبة، وهى لمن لا يعرفها لعبة شعبية يتبارى فيها الصبية بأدوات خشبية (مدببة) يحاولون قذف قطعة من الخشب بعيدًا بضربة عصا سريعة، ثم يحاول لاعب آخر إعادتها إلى مكانها الأول بنفس الطريقة وبأقل عدد من الضربات وهذه اللعبة معروفة فى كثير من مناطق الريف فى مصر.

وظنى أن هذا هو حال غزة، أصبحت مثل عصفورة هذه اللعبة أو القطعة الخشبية المدببة التى يقذفها لاعب ليلحق بها آخر ويحاول إعادتها إلى وضعها، منذ أن خرج منها جيش الاحتلال فى عام 2005، مصيرها معلق بين دمار وإعمار، ما بين موت وحياة، تنتقل بينهما بضربة عصا موجعة، مؤلمة فى الحالتين، كم مرة تكرر الأمر خلال 18 عامًا؟، كم سقط من الشهداء؟، هل تتحمل حماس الفاتورة كاملة؟، أم أن أطراف أخرى يجب أن تقف مع إسرائيل فى قفص محكمة العدل الدولية، وفى كل الأقفاص التى تستحقها دولة الاحتلال وجيشها وشعبها بعد أن حولوا القطاع إلى لعبة، يلهون بها أمام العالم؟!، أسئلة أخرى تنضم إلى القائمة التى تبحث أيضًا عن إجابة. 

إسرائيل ترفض

تتلاعب الولايات المتحدة بمشاعر الفلسطينيين والعرب بحديثها المعسول عن السلام وحل الدولتين، بينما تناقض الصور القادمة من غزة كل ما يقال، والذى لا يفلح فى تجميله إلحاح أنتونى بلينكن وزير الخارجية الأمريكى بجولاته المكوكية (الدعائية) إلى الشرق الأوسط على طريقة هنرى كسينجر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، الراحل عن عالمنا قبل أسابيع، والذى ترك إرثًا من المراوغة لا يتطور بنمط التعامل الأمريكى مع العلاقة بين العرب وإسرائيل، وهو الأسلوب ذاته الذى تتبعه الإدارة الأمريكية الحالية، وسابقيها من الإدارات التى اهتمت أغلبها بما يجرى فى الشرق الأوسط واستثمرته كل وفق أجنداتها السياسية. 

وكانت الحكومات الإسرائيلية المختلفة تبدى نوعًا من التجاوب مع الآراء الأمريكية، وهو ما لا نلمحه هذه المرة بين بايدن ونتنياهو، فكل المقترحات لا تلقى إلا تجاوبا محدودًا وبعضها يواجه بالرفض الصريح، فيما تنذر المناقشات الدائرة فى الداخل الإسرائيلى باتساع دائرة الحرب، يؤيدها ما يجرى على الأرض من عمليات، فيما ينثر بلينكن زهور السلام بين العواصم العربية، فى مشهد لا يقل فى بؤسه عن مشاهد الدمار فى غزة، وتكتمل به ملامح المأساة. 

غزة تقاوم

لا نملك لأبطال غزة العزة إلا الدعاء، يعزينا احتساب تضحياتهم عند الله، ونستدعى فى الختام ما يواسينا فيهم من كلمات الأديب الفلسطينى الراحل محمود درويش عن المدينة الخالدة: «نظلم غزة حين نحولها إلى أسطورة لأننا سنكرهها حين نكتشف أنها ليست أكثر من مدينة فقيرة صغيرة تقاوم»، ويضيف: «ليست أرقى المدن وليست أكبر المدن. ولكنها تعادل تاريخ أمة»، ويقول مختتما:«ونظلم غزة لو مجدناها لأن الافتتان بها سيأخذنا إلى حد الانتظار، وغزة لا تجىء إلينا، غزة لا تحررنا».