الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

على خلفية الصراع بين أكبر دولتين عسكريًا واقتصاديًا وصناعيًا رئيس جديد لتايوان أى مصير ينتظر تايبيه والعالـــم!

نقطة تحول قد تشهدها تايوان فى سياستها الخارجية بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الحالية، والتى وصفت بأنها الأكثر إثارة للجدل..انتخابات لم تشغل الصين ولا الولايات المتحدة فقط بل شغلت العالم أجمع نظرًا لما تمثله هذه الجزيرة من أهمية استراتيجية لجمهورية الصين الشعبية، فى الوقت الذى تعدها الولايات المتحدة الأمريكية أداة ضغط سياسية على بكين، وهى المعيار الأساس فى الحكم على العلاقة بين أكبر دولتين عسكريًا واقتصاديًا وصناعيًا فى العالم. 



ففى الساعات القليلة الماضية تمت دعوة ناخبى تايوان إلى صناديق الاقتراع لواحدة من أهم الانتخابات وأبرز الأحداث الجيوسياسية الرئيسية التى تجرى خلال العام الجارى، والتى سيختار فيها المواطنون فى تايوان الرئيس ونائبه و13 عضوًا من أعضاء البرلمان التشريعى.

ويرى مراقبون أنها سوف تشكل لحظة حاسمة بالنسبة إلى سكان الجزيرة التى تتمتع بالحكم الذاتي، ويبلغ تعدادها 24 مليون نسمة، الذين سيقررون الاتجاه الذى ستتخذه تايبيه على مدى السنوات الأربع المقبلة على الأقل؛ إذ تأتى الانتخابات وسط واحدة من أكثر الفترات توترًا فى تاريخ الجزيرة، التى تظل قضية مركزية فى العلاقات المتوترة تاريخيًا بين واشنطن وبكين. 

منافسة شرسة

خلال الأسابيع الماضية دارت منافسة شرسة بين ثلاث قوى رئيسية تصدرت المشهد الانتخابى فى الجزيرة، هى كل من الحزب الديمقراطى التقدمي، الذى يحكم الجزيرة منذ عام 2016؛ وقوة المعارضة الرئيسية فى تايوان والمتمثلة فى حزب الكومينتانج، وحزب الشعب حديث التأسيس فى 2019 والذى يهدف إلى تقديم نفسه كبديل صالح للحزبين السابقين.

قدمت تلك الأحزاب الثلاثة ترشيحاتها للانتخابات الرئاسية متمثلة فى: ثلاثة مرشحين رئيسيين يتمتعون بخلفيات وتوجهات مختلفة إزاء القضايا المحلية والخارجية الشائكة، كما يحمل كل منهم رؤى خاصة به فيما يتعلق بالعلاقات مع بكين والتى تعتبر تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، ما جعل علاقة الجزيرة بالصين تحتل مكانة مركزية فى تحديد اتجاهات التصويت وأجندة المرشحين ومواقفهم هم كل من:

1– نائب رئيس تايوان الحالى «لاى تشينج تي»، والذى يعتبر سياسيًا مؤيدًا للاستقلال، وتعهد بالحفاظ على الحكم الذاتى لتايوان، وكان حزبه، الحزب التقدمى الديمقراطى الحاكم (DPP)، يتحدث بصوت عالٍ عن القومية التايوانية، وتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة. وبصفته نائبًا لرئيسة تايوان الحالية تساى إنج ون، منذ عام 2020، عمل لاى بشكل وثيق معها، ويدّعى مثلها أن تايوان تتمتع بالسيادة بالفعل حتى لو لم يتم إعلان الاستقلال رسميًا.

وبطبيعة الحال، يرفض لاى فكرة أن رئاسته سوف تشكل «ضربة قاضية» لتايوان؛ ففى مقابلة مع بلومبرج فى أغسطس الماضي، شدد على التزامه بالسلام، وأهمية الحفاظ على الوضع الراهن. وفى أواخر الشهر ذاته، أعرب لاى بطريقة مازحة عن رغبته فى «مشاركة الأرز المقلى بالروبيان والشاى مع الرئيس الصينى شى جين بينج»، فيما كان المقصود منه أن يكون بمنزلة بادرة حسن نية. وفى أوائل سبتمبر، صرح لاى بأنه سوف «يحارب من أجل السلام»، كما سيسعى إلى التعاون مع الصين إذا تم انتخابه، فى محاولة لتهدئة التوترات مع البر الرئيسي؛ حتى لا يجر بلاده إلى الحرب.

2– مرشح حزب الكومينتانج «هو يو–إيه»: هو سياسى محافظ، وعمدة مدينة تايبيه الجديدة، ويصور نفسه على أنه الشخص الأفضل لحث بكين على التراجع عن العدوان وإحياء التجارة عبر مضيق تايوان؛ حيث يعارض حزبه استقلال تايوان، بينما يفضل التركيز على توثيق العلاقات مع الصين من أجل تكثيف جهود بلاده نحو التنمية الاقتصادية. وقال «إيه» إنه سيسعى إلى إبرام «اتفاقية سلام» مع الصين، مع الحفاظ على الوضع الراهن فى تايوان دون الاضطرار إلى الدخول فى حرب. وقد عبَّرت قيادة حزب الكومينتانج عن هذا الأمر بوضوح، حينما قالت للناخبين: «صوتوا لصالح الحزب الديمقراطى التقدمى، وسوف يذهب الشباب إلى ساحة المعركة. صوِّتوا لصالح حزب الكومينتانج، ولن تكون هناك حرب على جانبى مضيق تايوان».

3– مرشح حزب الشعب التايوانى «كو وين جي»: هو سياسى معتدل، وكان عمدة تايبيه السابق، دعا إلى تحسين العلاقات عبر المضيق مع الصين، ويسعى إلى استئناف الحوار مع الصين لتعزيز التعاون الاقتصادى معها، ولكن فى ضوء الحفاظ على الوضع الراهن لتايوان.

وقد حاول «جي» تجنب مسألة الاعتراف بإصرار الصين على أن تايوان هى أراضيها، ويفضل بدلًا من ذلك الحديث عن كيف أن «جانبى مضيق تايوان يشكلان أسرة واحدة». وقالت المتحدثة باسمه جنيفر يو يى لي، إنه يريد من الصين وتايوان التركيز على «أوجه التشابه التاريخية والثقافية، وتنحية الخلافات السياسية جانبًا فى الوقت الحالي». والجدير ذكره أن كو يتمتع بجاذبية قوية بشكل مدهش بين الناخبين الذين سئموا المعسكرَين التقليديين: الحزب التقدمى الديمقراطى وحزب الكومينتانج؛ حيث تعد نتائج استطلاعات الرأى الخاصة به قريبة - أو ربما أعلى قليلًا - من مستوى هو يو-إيه.

وتعهد المرشحون الثلاثة بتحسين الأداء الاقتصادى للبلاد، وخلق المزيد من فرص العمل.

تجنب الحرب

يتبنى المرشحون الثلاثة مواقف غامضة بشأن السياسة تجاه الصين، مفضلين مراقبة المشاعر العامة قبل صياغة وجهات نظرهم؛ لتأمين أكبر عدد من الأصوات؛ إذ تعد العلاقة بين بكين وتايبيه أهم قضية مثيرة للجدل فى السياسة التايوانية. ويبدو أن أغلب الناخبين فى تايوان ممزقون؛ حيث إنهم يريدون رئيسًا قادرًا على الإبحار عبر السنوات الأربع المقبلة من المنافسة بين واشنطن وبكين، من خلال تجنب الحرب. 

وفى إطار السعى نحو عودة المحادثات مع بكين، سبق أن أدانت الصين لاى ووصفته بأنه انفصالي؛ وذلك فى ضوء سعيه للسير على خطى تساى رئيسة تايوان المنتهية ولايتها والتى قطعت المحادثات عبر مضيق تايوان عندما تولت منصبها فى عام 2016؛ وذلك لأن حزبها الموالى للولايات المتحدة يرفض تأكيد أن الدولة الجزيرة جزء من الصين، بينما فى المقابل، تعهد «هو» و «جي» باستئناف الحوار مع بكين؛ إذ سيتبنى حزبا المعارضة موقفًا أكثر توفيقيةً تجاه البر الرئيسى، كما يتهم كلاهما الحزب الديمقراطى التقدمى بتعريض تايوان للخطر من خلال كونه «مناهضًا للصين بشكل مفرط»؛ حيث أوضح «جي» فى مقابلة تلفزيونية أجريت مؤخرًا أن بلاده يجب أن تجد «نقطة توازن آمنة» بين بكين وواشنطن، فضلًا عن وعد حزب الكومينتانج بإنهاء الخلاف من خلال العودة إلى «إجماع عام 1992»، وهو اتفاق ضمنى ينص على أن تايوان تُعد جزءًا من الصين.

العلاقات مع الولايات المتحدة

 فى الأشهر الأخيرة، بدا أن البعض فى الولايات المتحدة يظهر الدعم القوى لموقف «لاى تشينج» المؤيد للاستقلال، وخاصة فى الكونجرس الذى من المرجح أن يكثف دعم استقلال تايبيه فى حال فوز «لاي»، كما قد تشجعه واشنطن على تغيير موقف الرئيسة تساى الحذر نسبيًا بشأن القضايا عبر المضيق واعتماد سياسات أكثر حزمًا مؤيدة للاستقلال. وبالرغم من اتباع الولايات المتحدة رسميًا «سياسة الصين الواحدة»، وليس لديها علاقات رسمية مع تايبيه، لكنها تظل أهم داعم دولى لها؛ فقد صرح الرئيس الأمريكى جو بايدن فى يونيو 2022، بأن بلاده ستدافع عن تايوان إذا تعرضت للغزو، ولكن تم التوضيح بعد ذلك بوقت قصير أن الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان.

من ناحية أخرى، أعرب المرشحون عن التزامهم بتقوية العلاقات التايوانية - الأمريكية، سواء من حيث اختيار المرشح «لاي» المبعوث التايوانى السابق إلى الولايات المتحدة ليكون نائبًا له، أو اعتماد «هو يو» على مستشارين مؤثرين من الفصيل المعتدل فى حزب الكومينتانج، يتمتعون بعلاقات جيدة مع واشنطن، بينما لا يضمن «كو وين» للولايات المتحدة مكانتها كمحور بلا منازع فى المثلث الاستراتيجى بين تايوان والصين والولايات المتحدة؛ حيث يؤكد أهمية الحفاظ على علاقات بناءة على قدم المساواة مع كلا الجانبين؛ إذ من المتوقع أن يتعامل مع العلاقات مع كل من واشنطن وبكين بشكل أكثر مرونة، خاصةً أنه غير مقيد بأى أيديولوجية فئوية.

أهمية تايوان للعالم اقتصاديًا

تحت عنوان «لماذا تايوان مهمة للعالم؟»، كتب جدعون راشمان، فى صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، أن تايوان تنتج أكثر من 60 بالمئة من أشباه الموصلات فى العالم وحوالى 90 بالمئة من أكثرها تطورًا، والتى من خلالها يتم تشغيل الأجهزة التى تجعل الحياة الحديثة تعمل، من الهواتف إلى السيارات والآلات الصناعية. ويضع سيناريوهين رئيسيين (بخصوص صناعة الرقائق فى تايوان) حال ما إن أقدمت الصين على خطوة عسكرية بالجزيرة، على النحو التالي:

السيناريو الأول: المصانع التى تنتج الرقائق يمكن أن تُدَمر بسبب الحرب.

السيناريو الثانى: إذا نجت مصانع الرقائق فى تايوان لكنها سقطت تحت السيطرة الصينية، فإن التداعيات الاقتصادية ستكون هائلة.

لافتًا إلى إن التحكم فى أشباه الموصلات الأكثر تقدمًا فى العالم من شأنه أن يمنح بكين قوة تحكم فى الاقتصاد العالمى.