السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فى سابقة تاريخية أحفاد مانديلا ينادون بحقوق فلسطين

فى سابقة تاريخية اتجهت أنظار العالم نحو محكمة العدل الدولية فى لاهاى على مدار يومين 11 و12 يناير؛ للنظر فى الدعوى التى قدمتها جنوب إفريقيا متهمة فيها إسرائيل بارتكاب جرائم حرب فى حق الفلسطينيين بقطاع غزَّة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية كما تُعَرِّفها معاهدة چنيف 1948 أنها إبادة جماعية وتطهير عِرقى فى الوقت نفسه.



 

وفى الدعوى المؤلفة من 84 صفحة أشارت جنوب إفريقيا إلى أن جيش الاحتلال عمل على وقف تقديم الأغذية الأساسية والمياه والأدوية والوقود وتوفير الملاجئ والمساعدات الإنسانية الأخرى لسكان القطاع.

وأشارت حملة الاتهامات أيضًا إلى حملة القصف المستمرة التى دمرت مئات الآلاف من المنازل، وأجبرت نحو 1.9 مليون فلسطينى إلى النزوح، وأسفرت عن استشهاد أكثر من 23 ألف شخص وفقًا لبيانات السلطات الصحية فى غزَّة.

مرافعة تاريخية

بدأ الفريق القانونى لجنوب إفريقيا فى بناء قضيتهم من أجل اتخاذ تدابير مؤقتة، قائلين إن إسرائيل «أظهرت نَمطًا منظمًا من السلوك يمكن من خلاله استنتاج الإبادة الجماعية».

وبدأت عديلة حسيم، محامية جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، بتوضيح ما أسمته «أعمال الإبادة الجماعية» التى ترتكبها إسرائيل، مع التركيز على قتل المدنيين الفلسطينيين، وإلحاق الأذى الجسدى الخطير بهم، وفرض ظروف لا يمكنها الحفاظ على الحياة، والهجمات العسكرية على نظام الرعاية الصحية فى غزَّة.

وذكرت أن «الفلسطينيين فى غزَّة يُقتَلون بالأسلحة والقنابل الإسرائيلية من الجو والبر والبحر. كما أنهم مُعَرضون لخطر الموت المباشر بسبب المجاعة والمرض، بسبب تدمير المدن الفلسطينية، ومحدودية المساعدات المسموح بدخولها، واستحالة توزيع المساعدات مع سقوط القنابل.

وقالت: «هذا يجعل الحياة مستحيلة». 

وتضمنت تصريحاتها لقطات فيديو للظروف الصعبة على الأرض فى غزَّة، بما فى ذلك شاحنة مساعدات يكتظ بها المدنيون اليائسون. وقالت: «لا شىء سيُوقف المعاناة إلا بأمر من هذه المحكمة».

واستشهد وفد المحامين أمام محكمة لاهاى بنيلسون مانديلا ومارتن لوثر كينج فى شرح دفاعه عن الفلسطينيين. وقال فوسى مادونسيلا، سفير جنوب إفريقيا لدى هولندا، إن السياسات الإسرائيلية، بما فى ذلك القوانين التمييزية «المؤسّسية»، وفرض «الفصل العنصرى» و«الإفلات من العقاب على مدى عقود» قد «شجّعت» إسرائيل.

وقال وزير العدل الجنوب إفريقى رونالد لامولا، وهو عضو آخر فى الوفد، نقلًا عن نيلسون مانديلا، الرئيس السابق للبلاد: «نحن جزء من إنسانية واحدة»ـ وأضاف: «إن العنف والدمار فى فلسطين وإسرائيل لم يبدأ فى 7 أكتوبر 2023»، فى إشارة إلى اليوم الذى هاجم فيه مسلحو حماس إسرائيل، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1200 شخص. لقد عانى الفلسطينيون من القمع والعنف المنهجيين على مدى السنوات الـ 76 الماضية.

واستشهدت جنوب إفريقيا بكلمات مسئولين إسرائيليين كبار كدليل على «نية الإبادة الجماعية» ضد الفلسطينيين فى غزَّة، مما يفتح قضية تحظى بمتابعة وثيقة يمكن أن تحدّد مسار الحرب. ومن المقرّر أن تدلى إسرائيل، التى نفت بشدة جميع الاتهامات، بتصريحاتها أمس الجمعة.

وقال المحامى الجنوب إفريقى تمبيكا نجكوكايتوبى إن المسئولين الإسرائيليين استخدموا عمدًا وبشكل منهجى لغة تجردهم من الإنسانية لتطبيع خطاب الإبادة الجماعية، وإرسال رسالة إلى الجنود الإسرائيليين على الأرض.

واستشهد نجكوكايتوبى بإشارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى مقاطع الكتاب المقدس، بالإضافة إلى تصريحات وزير الدفاع الرئيس الإسرائيلى كما سلط الضوء على مقطع فيديو قال إنه يظهر جنودًا إسرائيليين يرددون لغتهم ويحتفلون بالهجمات. وحث محامون، يمثلون جنوب إفريقيا، محكمة العدل الدولية فى جلسة الخميس، على إصدار أمر لإسرائيل بوقف العنف فى غزَّة، فى ختام أولى جلسات الاستماع فى قضية تاريخية يمكن أن تحدد مسار الصراع.

 العزلة أو الاستسلام

ومع هذه المرافعة التاريخية لجنوب إفريقيا ضد إسرائيل يبقى التساؤل الأهم؛ ما هو مصير تل أبيب حال صدور حكم الإدانة؟ ووفق ما أكده أحد القضاة داخل محكمة العدل الدولية، وكذلك حقوقيون وقانونيون، حال أدان قرار المحكمة إسرائيل سيكون أمامها وأمام حلفائها خيار من اثنين؛ إمّا أن تقبل تنفيذ القرار، وتلتزم بوقف القتال أو بتوصيل المساعدات وتجنب استهداف المدنيين فى غزَّة، أو أن تلجأ المحكمة- فى حال عدم القبول بالقرار- إلى مجلس الأمن الذى لا يعول عليه طبعًا بسبب الدعم الأميركى لإسرائيل، لكن يبقى قرار المحكمة ذات وزن قوى أمام المحافل الدولية بمجرد صدوره من أعلى هيئة قضائية دولية.

وعن الفرق بين محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، ومقرهما فى لاهاى، فالأولى تحكم فقط بين الدول، وتقدم الدعاوى أمامها باسم الدول، ولا تصدر مذكرات اعتقال، فى حين محكمة الجنايات تحكم على الأفراد، ومن حقها إصدار مذكرات الاعتقال ضد الأفراد. 

وإذا صدر القرار من محكمة العدل الدولية بإدانة إسرائيل، فسيشكل ذلك ضغطا على محكمة الجنايات لتتحرك «اسميًا»، أى تعلن عن أسماء المسئولين الإسرائيليين الذين يرتكبون الجرائم فى غزَّة، وتوجه لهم استدعاءات ومحاكمات.

ووفق محللون فإن القضية ستكون مؤثرة على الرأى العام العالمى وُصناع القرار، وأن القرار الذى ستتوصل إليه محكمة العدل الدولية قد يكون محرجًا للولايات المتحدة بشكل كبير وإلى حلفاء إسرائيل فى الغرب.

أعداء السامية.. الورقة الرابحة

نقلت وسائل إعلام غربية أن إسرائيل تعلن فى دفاعها على اللعب بسلاح «أعداء السامية» فى مواجهة ما تم طرحه فى محكمة العدل الدولية، ولأن ما يجرى فى المحكمة هو عبارة عن ذروة الحراك الدبلوماسى والسياسى والإعلامى العالمى.. وباعتبار أن الملف الذى قدمته دولة جنوب إفريقيا لم يكتفِ فقط بإعطاء حقائق على الأرض بخصوص ما يجرى فى قطاع غزَّة بالصورة والكلمة، وإنما هناك رصد لتصريحات المسئولين الإسرائيليين منذ بداية الحرب، ومنها ما يدعو لإلقاء قنبلة نووية على غزَّة، وأخرى تدعو إلى محو قطاع غزَّة بالكامل واحتلاله وإقامة مستوطنات فيه وتهجير سكانه.

وفى تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، أوضحت فيها أن تل أبيب ستعمل على ثلاثة محاور فى مرافعتها أمام محكمة لاهاى؛ الأول أنها ستقول إنها اضطرت إلى هذه الحرب بعد ما تصفه «بمذبحة 7 من أكتوبر»، والثانى ستزعم أن الاقتباسات المرفقة بالشكوى التى رفعتها جنوب إفريقيا أخرجت من سياقها، وأن من قالها ليسوا من صناع القرار فى إسرائيل، وثالثا إنها تحارب حركة حماس، التى صُنّفت حركة إرهابية فى عدد من الدول، على ما اقترفته فى السابع من أكتوبر ولا تحارب الشعب الفلسطينى..

وقد عملت إسرائيل على إرسال القاضى السابق فى المحكمة العليا الإسرائيلية، أهارون باراك؛ للمشاركة فى جلسة الاستماع أمام محكمة العدل الدولية؛ حيث وافق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو على تعيين أهارون باراك، البالغ من العمر (87 عامًا) وأحد الناجين من الهولوكوست، فى لجنة القضاة الإسرائيلية.

وفى أول تعليق من قِبَل حكومة الاحتلال بعد مرافعة جنوب إفريقيا، أصدرت الخارجية الإسرائيلية بيانًا قالت فيه: «نحن أمام أكبر استعراض نفاق عالمى» وإن «ما يجرى هو محاولة لمحاكمة الضحية». أمّا زعيم المعارَضة يائير لابيد، فقال إن محكمة العدل الدولية «تحاكم الضحايا، ولا تحاكم الجناة»، وأن هذا المحفل ما كان يجب أن تذهب إليه إسرائيل، وهو الموقف نفسه الذى ردده نواب ووزراء من حزب الليكود الحاكم.

من جهة أخرى، أعلن مئات من الإسرائيليين عن انضمامهم إلى دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، ووقّع أكثر من 200 إسرائيلى، بمن فيهم عضو الكنيست من حزب «الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة» عوفر كاسيف، عريضة لدعم دعوى جنوب إفريقيا تم تقديمها إلى محكمة العدل الدولية فى لاهاى متهمًا حكومة بنيامين نتنياهو بالدعوة إلى «التطهير العرقى» والإبادة الجماعية فى ظل الحرب على قطاع غزَّة.

وحسب ما ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الاثنين الماضى، أن الدعوى تضمنت تأكيد أن المواد التى تظهر فى الدعوى مروعة وذات مصداقية. وإن إسرائيل تتخذ بالفعل إجراءات منهجية ودقيقة للقضاء على سكان غزَّة وتجويعهم والتنكيل بهم وتهجيرهم، وتنفذ سياسة محو خيارات العيش، مما يؤدى إلى قتل ممنهج لقطاعات كبيرة من السكان، وكبار الأكاديميين والكتّاب والأطباء، والطاقم الطبى والصحفيين والمواطنين العاديين..

 الموقف العربى

وقد شارك عدد من السفراء العرب فى لاهاى، بجلسة سماع فريق جنوب إفريقيا القانونى ضد إسرائيل بشأن ارتكاب إبادة جماعية فى غزَّة بمحكمة العدل الدولية.

وكان من بين الحضور السفير المصرى فى هولندا حاتم عبدالقادر، والسفير ضيف الله على سفير الأردن فى هولندا، بالإضافة إلى وفد فلسطينى رسمى ضم سفيرة فلسطين فى مملكة هولندا السيدة روان أبو يوسف، الدكتور السفير عمر عوض الله المستشار القانونى بوزارة الخارجية ومسئول ملف المحاكم الدولية والاتفاقيات فى لاهاى وچنيف، والسفير عمار حجازى مسئول ملف الأطراف المتعددة بالخارجية الفلسطينية.

أمّا عن عدم سعى أىٍّ من الدول العربية لتقديم دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد مجازر إسرائيل فى حربها ضد غزَّة؛ فيرى محللون أن تقديم دعوى قضائية من دولة ليست عربية لمحاكمة تل أبيب يصب فى مصلحة فلسطين، مما يظهر أن القضية ليست مجرد طرف عربى ضد طرف إسرائيلى، إضافة إلى أن جنوب إفريقيا لديها خبرة وتجربة مهمة جدًا فى مسألة اللجوء إلى القانون الدولى..

يُذكر أن محكمة العدل الدولية تضم 5 قضاة يتم انتخابهم من قِبَل الجمعية العامة ومجلس الأمن التابعين لمنظمة الأمم المتحدة، ومن بين القضاة 3 منهم عرب، وهم القاضى المغربى محمد بنونة، والقاضى الصومالى أحمد يوسف، والقاضى اللبنانى نواف سلام.