السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بسبب الفساد وهجرة الأثرياء «جيش الفقراء» سلاح «زيلينسكى» الأخير ضد روسيا!

بعد فشل الهجوم المعاكس الأوكرانى فى عام 2023، تجد العاصمة الأوكرانية كييف نفسها عند مفترق طرق كبير، حيث تواجه خيارات صعبة. ويبدو أن مطلب الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى نهاية العام الماضى الذى يتعلق بحشد حوالى نصف مليون جندى خلال الأشهر القليلة القادمة يظهر مدى التصميم واليأس. وعلى الأرجح، أنه سيجعل السياسة الداخلية فى أوكرانيا تبدو أكثر انقساما ولكن سيمنح زيلينسكى بعض الوقت لإعادة النظر فى المرحلة الأخيرة للعبته هناك.



 

ومنذ بدء الحرب فى أوكرانيا فى فبراير 2022، كان عدد القوات المسلحة الأوكرانية يصل إلى حوالى المليون جندى مع تواصل التجنيد بصورة منتظمة لتعويض الخسائر فى ميدان المعركة. وفى ظل هذا الوضع، يشكل هدف تجنيد نصف مليون جندى زيادة مهمة تقدر بـ50 % فوق الحد الأدنى المذكور سابقًا وهناك العديد من الأسباب المحتملة لذلك كما تقولها «آسيا تايمز» أولها، الإشارة إلى مدى الخسائر الحقيقية على الجبهة خلال السنة الماضية، فقد تعرضت أوكرانيا لمستويات عالية من الاستنزاف نتيجة الهجمات الروسية المعاكسة، بما فيها على طول الامتداد الطويل لخط الجبهة فى منطقة دونباس.

وثانيها أن هناك قلقا متزايدا حول استدامة الدعم الغربى وربما أن كييف تتوقع الحاجة إلى تعويض النقص المتوقع للإمدادات الغربية للأسلحة والذخائر عن طريق زيادة الموارد البشرية على الأرض. 

وثالثها، يبدو أن التجنيد الأخير الذى قامت به روسيا لـ170 ألف جندى جديد يجعل إجمالى عدد قواتها المسلحة حوالى 1.3 مليون جندى ولذلك فإن إعلان زيلينسكى ربما وببساطة محاولة لإيجاد التعادل بين الطرفين المتحاربين فى ميدان القتال فيما يتعلق بتعداد الجنود. 

وتشير هذه الأسباب الثلاثة أيضا إلى القلق بسبب الهجوم الروسى الجديد المحتمل هذا العام 2024. وبغض النظر عن الأهداف النهائية لهذه الحرب، فإن مطالبة موسكو الإقليمية بكامل مناطق لوهانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا الأوكرانية تعتبر أحد الأهداف الأكثر واقعية، والتى لم تتحقق حتى الآن. ومع تزايد القوة العسكرية الروسية نسبيا فإن حرمان الرئيس الروسى ڤلاديمير بوتين من هذا النجاح الذى يريده أن يتحقق قبل الانتخابات الرئاسية فى مارس القادم سيتطلب جهودا دفاعية أوكرانية كبيرة للغاية.

والحاجة للمزيد من المجندين، بدورها تعنى ضمنا أن القيادة الأوكرانية أقل اهتماما حاليا بالآفاق الاستراتيچية، ولكنها مدفوعة بالحاجة إلى تعبئة كل الموارد المتاحة لهذا الجهد. ويشير مشروعا القانون التكميليان المتعلقان بالتعبئة اللذان قدمتهما الحكومة إلى البرلمان فى 30 ديسمبر 2023، إلى أن زيلينسكى ودائرته الداخلية جادون فى هذا الشأن. وفى الوقت نفسه، إذا تم اعتماد هذا النهج الجديد للتعبئة وتنفيذه، فسيضيف أيضا ضغطا كبيرا على مؤسسات الدولة والمجتمع الأوكرانيين، المنهكين أساسا. وكما أكد كبار المسئولين الأوكرانيين علنا فإن الخطوط الأمامية تفتقر فى الواقع لعدد كبير من المتطوعين وبناء عليه تقترح الحكومة طرح إجراءات قسرية لضمان استمرار التعبئة. 

وتتراوح هذه الإجراءات بين الغرامات العالية لمن يتهربون من الخدمة ومصادرة العقارات وتجميد الحسابات البنكية الخاصة، وإلغاء منح جوازات السفر الأوكرانية للاجئين الأوكرانيين فى الخارج. وستصبح الفئة الأخيرة، وهى اللاجئون فى الخارج بصورة خاصة بمن فيها نحو 600 ألف شخص فى عمر الخدمة العسكرية يعيشون فى دول الاتحاد الأوروبى هى الهدف الرئيسى للتعبئة لكييف. وسيقوم زيلينسكى بمخاطبتهم مباشرة بالقول عليكم أن تقرروا ما إذا كنتم لاجئين أو مواطنين. وبصورة موازية، سيكون هناك المزيد من الجهود لتحسين الاقتصاد الأوكرانى الذى يعانى من الحرب كما أعلن رئيس الوزراء الأوكرانى دينيس شميهال. وستصاحب التعبئة المخطط لها استراتيچية اقتصادية جديدة لزيادة العبء الضريبى على المواطنين الأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، بينما سيتم خفض الإنفاق الاجتماعى بشكل جذرى.

وتعميق الانقسام الاجتماعى فمثل هذه الإجراءات ضرورية من وجهة نظر استراتيچية، خصوصا إذا أرادت أوكرانيا استعادة زمام المبادرة فى ميدان المعركة، ولكن إذا أخذنا كل هذه الإجراءات التى اتخذتها الحكومة مجتمعة، نجد أنها تنشط النقاش والانقسام الذى يدور فى المجتمع الأوكرانى حول العدل الاجتماعى، والفساد، والعقد الاجتماعى بين النخبة والمجتمع. وأصبح مستوى الثقة العامة فى النخب منخفضا بالفعل، ويتجه نحو المزيد من الانخفاض، وبات يجرى النظر إلى الحرب على نحو متزايد باعتبارها حربا يخوضها الفقراء. وإضافة إلى ذلك، فإن الاتجاهات الديموجرافية فى المجتمع الأوكرانى أصبحت تشير إلى تفاقم التوقعات، فعلى المدى البعيد هناك أعداد متزايدة باستمرار من الناس الذين يعيشون فى فقر. وانخفض متوسط العمر المتوقع للرجال من 65 عاما إلى 57 عاما. وفى الوقت نفسه، تصاعدت هجرة السكان الأكثر مهارة ونشاطا على المستوى الاقتصادى منذ بدء الحرب، وهذا يترك الفئة الأكثر فقرا كى تتحمل أعباء الحرب، بينما هى تنظر إلى مستوى معيشتها وهو يتهاوى إلى الحضيض.

وتتناقض التعبئة القسرية، والحد من حقوق السكان وحرياتهم، والمزيد من الاضطراب الاقتصادى والمصاعب الاجتماعية، بصورة حادة، مع ما ينظر إليه على نطاق واسع باعتباره نمط حياة يغذيه الفساد لنخبة راسخة، وغير خاضعة للمساءلة. وقد لا يكون زيلينسكى نفسه مرتبطا بشكل مباشر حتى الآن بهذا، كما أن عدم نجاحه النسبى فى استئصال الفساد لم يلحق الضرر بشكل كبير بشعبيته بعد، ولكن العديد من الأشخاص فى الدائرة المقربة منه متورطون فى ممارسات الفساد. وإذا لم يكن هناك أى شىء آخر، فإن السياسات الداخلية الأكثر انقساما، بما فى ذلك بين النخب العسكرية والسياسية، ستؤدي إلى تقويض قدرة أوكرانيا على الصمود وفعاليتها القتالية من الداخل وهو ما سيصب فى مصلحة روسيا.

ولهذا، فإن أوكرانيا بحاجة إلى عقد اجتماعى جديد بين النخب والمجتمع تماما كما هى بحاجة إلى إعادة تقييم لاستراتيچيتها العسكرية، ولكن كلتا الحالتين غير مرجحتين. ويصر زيلينسكى ووزير خارجيته ديميترو كوليبا، على أن هناك طريقا نحو النصر وأنه ليس لديهما خطة بديلة ويظهر هذا الموقف الذى لا ينطوى على أى تراجع جليا فى خطط التعبئة الحالية، ولكن إضافة مزيد من الرجال لا يشكل استراتيچية، وفى أفضل الأحوال ربما يكون جزءا من استراتيچية. ولتبرير التضحيات المؤكدة التى يطلبها زيلينسكى من المجتمع الأوكرانى، عليه أن يطرح هدفا أكثر وضوحا ومباشرة، كما أن مجرد تكرار فكرة التحرير الكامل لأوكرانيا سيتم النظر إليه عاجلاً أم آجلاً فى أوكرانيا، وفى العواصم الغربية الشريكة باعتباره خيالا منفصلا بشكل خطر عن الحقائق الموجودة على الأرض.