السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بالرغم من عبور البلاد إلى بر الأمان 2023 مصر فى مواجهة «الزلازل» الإقليمية

مع اشتعال الأوضاع الإقليمية والعالمية، كانت مصر حاضرة بصورة فعَّالة ومؤثرة فى جميع المحافل الدولية كواحدة من أهم الدول المؤثرة فى منطقة الشرق الأوسط والعالم ككل، خصوصًا بعد اشتعال الوضع على حدودها الشرقية بعد حرب غزة، واشتعال حدودها الجنوبية فى السودان، وأيضًا مع استمرار التوتر فى  ليبيا.. فكانت الدبلوماسية المصرية هى العامل المؤثر القوى لإفشاء السلام مرة أخرى فى إقليم مشتعل يحاط بها من جميع الاتجاهات، وكانت مصر هى الرقم الصحيح فى معادلة التوافقات بين وجهات النظر الدولية والإقليمية لتقارب وجهات النظر وحماية شعوب المنطقة العربية من فيضان الدم الذى أصاب الأشقاء خلال عام ملىء بالأحداث الدامية.



وكان عام 2023، بمثابة اختبار صعب للدبلوماسية المصرية مرة أخرى، ورغم ما تعانيه البلاد من أزمة اقتصادية فرضت نفسها على العالم منذ أكثر من ثلاثة أعوام بفضل جائحة كورونا ثم الحرب «الروسية - الأوكرانية»؛ فإن البلاد استطاعت أن تقف أمام أهم الاختبارات الصعبة ونجحت بصورة قوية لاحتواء أبناء وطنها العربى وقدَّمت العديد من المساعدات الإنسانية لأصحاب الأوطان المأزومة، كما عملت على تقديم مبادئ التقاربات الإقليمية لـ«تصفير» المشكلات مع دول شهدت الأعوام الماضية بعض التوتر فى العلاقات الثنائية، وهو ما يؤكد أن مصر دائمًا وأبدًا تسعى إلى السلام وهو أحد أهم المبادئ الأساسية التى قامت عليها الدبلوماسية المصرية منذ عقود.

 

فى فبراير 2023، أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى دخول مصر فى مرحلة جديدة من الأمن والسلام والانتعاش الاقتصادى بعد إعلانه نجاح البلاد فى القضاء على الإرهاب خلال الندوة التثقيفية الـ37 للقوات المسلحة، احتفالًا بيوم الشهيد، وكان من المتوقع وفق جميع التحليلات السياسية والاقتصادية أن الإدارة المصرية نجحت فى العبور بالبلاد إلى بر الأمان وأن مخططات الدولة المصرية للتوجه إلى الجمهورية الجديدة أصبحت حلمًا يرى النور فى المستقبل القريب.

 

لكن جاء عام 2023 بالعديد من الأزمات غير المتوقعة الضاربة بأرجاء دول الشرق الأوسط شرقًا وغربًا بين حروب متتالية وأزمات إنسانية طاحنة واجهها الأشقاء العرب فى المغرب وسوريا بعد مواجهة موجة من الزلازل المدمرة، ثم حرب غزة وأزمة مضيق باب المندب وأثره على الملاحة فى قناة السويس هذا بخلاف أزمة سد النهضة التى أعلنت الدولة المصرية عن انتهاء مسار المفاوضات بعد فشلها على مدار أعوام.. سلسلة من الأزمات الخارجية واجهتها الإدارة المصرية ولا تزال تواجهها وتواجه تبعاتها التى لم تنته بعد.. فكان 2023 عام الاختبار الصعب والنتيجة ما زالت مبهمة.

حراك سياسى داخلى.. مصر على خطى المستقبل

حراك سياسى داخلى، وأزمة اقتصادية ضاغطة، وتقاربات إقليمية لافتة، وزلازل تضرب أرجاء الإقليم العربى وتحاصر جميع أرجاء الحدود المصرية... هكذا كان عام 2023 لمصر الذى كان من المفترض أن يحمل أملًا جديدًا من التعافى بعد تداعيات الأزمات العالمية المتفاقمة منذ جائحة كورونا ثم الحرب «الروسية- الأوكرانية» لكن تفجُّر الأزمات ظل «عرضًا مستمرًا» ليلقى بمزيد من التبعات والأعباء على مصر والمصريين.

حملت الأشهر الأولى من 2023 أملًا فى عام أكثر هدوءًا، مع إعلان الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى فى فبراير الماضى، بدء الدولة مرحلة جديدة بعد نجاحها فى القضاء على الإرهاب، وهو ما عاد الرئيس لتأكيده فى أبريل الماضى بوضوح أكبر، عندما أكد أن «الإرهاب انتهى فى مصر»، مشددًا على أنه «لن يسمح برفع سلاح إلا سلاح الدولة».

ثم بدأت الدولة تشهد مزيدًا من الحراك السياسى بعد انطلاق «الحوار الوطني» فى مايو الماضى، وشهد تفاعلًا ونقاشات أكدت وجود قوى سياسية وحزبية فى البلاد وأن الدولة تسير بخطى سريعة نحو الديمقراطية وتحقيق حلم الجمهورية الجديدة.

وامتد الحراك الداخلى حتى الربع الأخير من العام، بعد الإعلان عن تنظيم الانتخابات الرئاسية 2024، قبل نهاية العام، وتنافس فيها أربعة مرشحين فى مقدمتهم الرئيس السيسى، وبدت النتيجة، حسب كثير من المراقبين، «محسومة»، لكن الرهان لم يكن على شخصية الفائز بقدر ما كان الترقب الأكبر على نسبة المشاركة فى الاقتراع، والتى جاءت بنسبة غير مسبوقة من المصريين أمام العالم كله.

أزمات إقليمية وتصفير المشكلات

تزامن الحراك السياسى الداخلى فى مصر مع موجة من التقاربات الإقليمية المصرية لـ«تصفير» المشكلات مع دول شهدت الأعوام الماضية بعض التوتر فى العلاقات الثنائية، وكانت فى مقدمتها تركيا، التى كان استئناف ورفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين واحدة من العلامات المميزة لهذه الفترة، ويعتبر عنوانًا بارزًا لتطورات ملف العلاقات الإقليمية للقاهرة بعد عقد كامل من الجفاء لم يخل من توتر.

جاء التقارب بين القاهرة وأنقرة عقب انفراجة مفاجئة فى نهاية 2022، عقب لقاء الرئيس السيسى نظيره التركى رجب طيب إردوغان، على هامش حضورهما افتتاح كأس العالم لكرة القدم فى قطر، ثم تسارعت وتيرة التقارب بين الدولتين حتى وصلت إلى مرحلة ترفيع مستوى التمثيل الدبلوماسى إلى درجة السفير، فضلًا عن لقاءات متكررة بين رئيسى البلدين على هامش قمم إقليمية ودولية، دون أن تصل بعد إلى مرحلة تبادل الزيارات الرسمية.

كما برزت مؤشرات لانفراجة فى العلاقات «المصرية - الإيرانية» والتى قد تنهى عقودًا من الجمود، وتكررت لقاءات وزيارات لوفود رسمية، والتقى الرئيسان المصرى والإيرانى على هامش القمة العربية - الإسلامية الطارئة فى الرياض فى 11 نوفمبر الماضى، وعلى الرغم من أن العلاقات لم تصعد - رسميًا - درجة أكبر من اللقاءات؛ فإنه من الممكن أن يشهد العام المقبل خطوة جديدة فى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

اشتعال الحدود

من جهة أخرى، ورغم تلك المؤشرات الإيجابية لهذا العام، كان على الجانب الآخر انفجار عدد من الأزمات الإقليمية المتتالية.

ففى أبريل الماضى، اندلعت على نحو مفاجئ الحرب السودانية بين قوات الجيش النظامى بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، والدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، الأمر الذى تسبب فى ضغوط أمنية واقتصادية وإنسانية على مصر، التى وجدت نفسها فى مواجهة حرب طاحنة، على جبهتها الجنوبية.

وإلى جانب المشكلات الاقتصادية التى تعانيها، واجهت القاهرة خسارة شريك استراتيجى واقتصادى مهم، حيث تصل نسبة التبادل التجارى بين القاهرة والخرطوم نحو 18.2 % وفقًا للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، فضلًا عن تدفق ما يقارب نصف المليون نازح سودانى باتجاه الحدود المصرية، أُضيفوا إلى نحو 4 ملايين سودانى يقيمون منذ سنوات على الأراضى المصرية.

 

كما فرضت الأزمة تبعات أمنية على القاهرة التى فتحت جسرًا عاجلًا بريًا وبحريًا وجويًا لإجلاء رعاياها من الداخل السودانى، كما ساهمت مصر فى إجلاء آلاف من الرعايا الأجانب عبر أراضيها.

وحاولت مصر تقريب فرقاء الوطن الواحد واستضافت فى يوليو الماضى قمة إقليمية ضمت قادة دول جوار السودان، بحثًا عن حلول لأزمة متشابكة الأبعاد والتداعيات بالنسبة إلى مصر. 

انفجار جديد 

وقبل أن ينتهى العام، وبينما كانت مصر تعيش حالة احتفالية واكبت الذكرى الـ50 لانتصارات حرب أكتوبر 1973، تفجرت أزمة أخرى على الجبهة الشرقية للبلاد، بعملية «طوفان الأقصى» التى قامت بها حركة حماس فى 7 أكتوبر 2023 ضد أهداف إسرائيلية، فى أكبر عملية تنفذها فصائل المقاومة الفلسطينية فى تاريخها، لتجد مصر نفسها فى قلب العاصفة، وفى مواجهة تداعيات مباشرة على أمنها القومى.

وأدت هذه الانفجارات المتتالية على الحدود المصرية الى تفجير أزمات جديدة فى مصر فكانت الضغوط الإقليمية سواء فى الجنوب (السودان) أو فى الشرق (غزة)، «كبيرة وثقيلة» على مصر سواء أمنيًا أو اقتصاديًا.

وتوقعت وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتمانى، تأثر اقتصاد مصر بتداعيات الحرب الدائرة الآن بين إسرائيل وغزة، الأمر الذى أدى إلى خفض تصنيفها الائتمانى.

وعدّت «ستاندرد آند بورز»، أن «السيناريو الأساسى الحالى هو أنه من المرجّح أن يقتصر إلى حدّ كبير على إسرائيل وغزّة». وتابعت: «لكن نظرًا للحدود مع غزّة وسيطرتها على معبر رفح، فإن مصر تتأثر بشكل مباشر».

ورجّحت الوكالة أن يؤدى النزاع الراهن إلى تراجع عدد السياح فى مصر، ما قد «يمارس ضغطًا إضافيًا على الاقتصاد المصرى».

كما أظهرت دراسة حديثة للأمم المتحدة، أن التكلفة الاقتصادية لحرب إسرائيل على قطاع غزة، على الدول العربية المجاورة، لبنان ومصر والأردن، قد ترتفع إلى ما لا يقل عن 10 مليارات دولار خلال عام 2023 فقط، وتدفع أكثر من 230 ألف شخص إلى براثن الفقر.

وبحسب الدراسة التى أجريت بتكليف من برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، قد تصل تكلفة الحرب بالنسبة للدول الثلاث من حيث الخسائر فى الناتج المحلى الإجمالى إلى 10.3 مليار دولار أو 2.3% من الناتج المحلى، ويمكن أن تزيد إلى ضعفى هذا العدد إذا استمرت الحرب 6 أشهر أخرى.

ولم يتوقف الأمر عند الأزمة الاقتصادية فقط، فقد أدى اشتعال الحروب على الحدود المصرية الى تفجير أزمة جديدة وهى أزمة اللاجئيين.

وقد أعلنت المنظمة الدولية للهجرة، أن هناك زيادة ملحوظة فى عدد المهاجرين منذ عام 2019، مبررة الزيادة بعدم الاستقرار الذى طال بلدانًا مجاورة منها السودان، وجنوب السودان، وسوريا، وإثيوبيا، والعراق، واليمن، والتى بحث مواطنوها عن ملاذ آمن فى مصر.

وأعرب خبراء ومسئولون عن مخاوفهم من أن تدفع الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة مزيدًا من اللاجئين إلى مصر، خاصة فى ظل مطاردة الاحتلال الإسرائيلى للفلسطينيين ودفعهم إلى النزوح تجاه جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر، وهو ما حذرت منه القاهرة مرارًا.

وأوضحت الناطقة باسم مفوضية شئون اللاجئين فى مصر كريستين بشاى أن أكثر من 338 ألف شخص اضطروا إلى الفرار من السودان إلى مصر؛ بسبب النزاع الدائر بين الجيش السودانى والدعم السريع، منذ منتصف أبريل؛ ما أدى إلى تواصل عدد كبير من الوافدين الجدد من السودان مع المفوضية لتسجيلهم كلاجئين. 

وأضافت، فى تصريحات صحفية، إن مصر تستضيف أكثر من 420 ألف لاجئ، وطالب لجوء من 59 دولة بحسب إحصاءات نوفمبر، يشكل السودانيون الأغلبية منهم، يليهم السوريون، ثم جنوب السودان وإريتريا.

والعدد الذى ذكرته كريستين هو المسجل فقط فى المفوضية، من إجمالى 9 ملايين مهاجر ولاجئ من 133 دولة، بينهم نحو 4 ملايين سودانى، و1.5 مليون سورى، ومليون يمنى، ومليون ليبى، وتشكل الجنسيات الأربعة 80 % من المهاجرين المقيمين فى مصر، بحسب بيانات المنظمة الدولية للهجرة.