الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ألبوم «استثنائى» لفنان متميز: (آخر قطعة فنية).. لـ«مروان بابلو»

كنت شاهدًا على مدار السنوات الماضية، وقت إصدار الألبومات الغنائية، وتسريبها خصوصًا للفنان «عمرو دياب»، وكأنها أصبحت طقسًا ثابتًا ملازمًا لصدور أعماله الغنائية، لدرجة أن منافسيه فى السوق الغنائية كانوا يتهمونه بأنه يسرب أغانيه عن قصد كنوع من الدعاية لأعماله، ورغم ذلك جمهوره يذهب لشراء النسخ الأصلية.



وها نحن الآن بعد سيطرة ثقافة الديجتال، وشراء الأغانى إلكترونيا، نجد نفس الأمر مع «مروان بابلو» وألبومه الأخير والأهم (آخر قطعة فنية)، حيث الحملات المنظمة من جمهوره لرفع نسب مشاهدات الألبوم على يوتيوب، ونسب استماعه على المنصات الإلكترونية.

>أهمية الألبوم 

تأتى أهمية ألبوم (آخر قطعة فنية) من كثرة حديث «بابلو» عنه، وبسبب قلة عدد إصداراته الغنائية، فهناك حالة تعطش دائما لما يقدمه من جديد، وأيضا بسبب كونه هو «الأب الروحى» لموسيقى الـ«TRAP»، فى مصر، بل إن معظم من يغنى راب حاليا فى الوطن العربى يعتبر متأثرا بشكل أو بآخر بالطريقة التى ابتكرها «بابلو»، بالتحديد فى أغنية (فرى) سواء على المستوى الموسيقى وطريقة استخدام «فلاتر الأوتوتيون» بالشكل الذى يجعل من صوت المغنى كأنه صوت كهربائى، أو عن طريق تصوير الكليب فى شوارع وعشوائيات مصر، لإعطاء حالة من المصداقية.

والأهم من كل ذلك أنه بعد كل هذا النجاح والتأثير فى الوسط الموسيقى «المستقل» قام هذا الفنان الشاب بالاعتزال، وكتب عبر حسابه على إنستجرام قائلاً: «محدش يطلب منى أرجع تانى بعد إذنكم، أنا بتوب لربنا حاليًا، وبتمنى من ربنا إنه يتقبلها منى»، ولكنه عاد مرة أخرى بألبوم (كنترول) ليحقق نجاحًا مدويًا، ثم كالعادة فترة من الغياب، إلى أن صدر ألبومه الأخير (آخر قطعة فنية)، ومن هنا تأتى أهميته.

>حبك الوحيد سبب أوجاعك 

بتأمل الحياة الشخصية لـ«مروان بابلو» نعرف أنه ولد فى عشوائيات الإسكندرية، ولم يكمل تعليمه، ولديه سخط شديد على المجتمع الذى نشأ فيه، وقد عبر عن ذلك فى أغنية (أتارى) ليصف بشاعة الأوضاع الاجتماعية التى نشأ فيها والتى وصفها بـ«المجارى»، وكيف كان يرى الأطفال يقفون أمام أبواب المساجد للحصول على ملابس العيد، ورحلته مع بيع الملابس فى الشوارع، وهروبه من عمال الحى، ودخوله فى المنظومات المالية الشعبية المعروفة بـ«الجمعيات» كمحاولة منه لتكوين نفسه.

«بابلو» كان صريحًا مع نفسه فى اختيار ألفاظه فى التعبير عن آلامه وأسبابه للغناء عندما قال فى هذه الأغنية «من الفقر مليت، من الكبت غنيت».

والآن نحن أمام تجربة جديدة، بعد ما صار «بابلو» واحدًا من نجوم الإعلانات فى مصر، وظهرت عليه علامات الثراء، وأصبح نجمًا غنيًا شهيرًا، فلا يزال ساخطًا على المجتمع الجديد الذى انتمى إليه، ولكنه أيضا لا يزال مكبلًا بالقيود الدينية لدرجة تجعله لا ينظر إلى الفتيات إذا تصادف وجودهن معه فى الأماكن العامة، وكما علمنا من أغانيه السابقة، أنه لا يجيد أى شىء فى هذه الحياة سوى الغناء ولذلك هو مستمر فيه، ولكنه استمرار مرهق له نفسيًا، لأنه يشعر بالذنب الشديد لما يقدمه، وفى نفس الوقت لا يستطيع الابتعاد عنه.

>بداية الألبوم.. أمان

يبدأ الألبوم بالمقدمة (أمان)، وهى كلمة تركية تعنى الاستغاثة بالمولى، ونركز على الكثير من المعانى الدينية التى ستكون موجودة تقريبًا فى كل أغنيات الألبوم والتى يتحدث فيها «بابلو» عن تغير نظرته للمجتمع الموسيقى بعد أن أصبح واحدًا من نجومه، وكما عرفنا من الأغانى السابقة لـ«بابلو»، أنه دخل المجال ليقوم بعمل الموسيقى التى يحبها ويعشقها، ولكنه فوجئ بوسط أشبه بـ«الغابة»، وهى اسم الأغنية التى عاد بها بعد الاعتزال ليعلن فيها عن تغير نظرته للوسط، بعدما تأكد أن البقاء سيكون دائمًا للأقوى، ليعود مجددا ليؤكد على هذا المعنى فى مقدمة الألبوم متسائلًا: «إزاى عايزين ملاك يكبر وسط الشياطين؟».

كما أنه فى هذه الأغنية يتحدث صراحة عن شعوره الذى رواده بالانتحار، ونستمع بعدها إلى صوت فتاة تقول له «روح» بشىء من الهلوسة، وكأنها تجسد صوت المزيكا، التى توجهه بالاستمرار واستكمال مشروعه.

>ضحية

لا يزال «بابلو» يستكمل ما بدأه فى «أمان»، ولكن بنبرة أكثر انكسارًا وضعفًا، ليؤكد أنه غير راضٍ على الوضع الذى وصل إليه، ويحاول أن يقنع نفسه بأنه «ضحية»، حتى يستطيع أن يكمل ما بدأه ولكنه يفشل فى تهدئة أوجاعه النفسية، ثم يعود ويؤكد أن شعوره بحرمانية ما يفعله لا يزال مسيطرًا عليه ليقول: «والموضوع تقيل على قلبى سايب حِمل، تقيل على قلبى مصحينى بليل من عز النوم، ناقر ونقير فى دماغى بيقولوا محتاج دكتور»، ويعود مجددًا لاستخدام التشبيهات الدينية ليقول: «أنا دايمًا On fire»، أى أنه على نار، ثم يعود ليقول: «بحاول أجرى على Wire»، أى إنه يحاول أن يجرى على حبل، فى تشبيه للصورة الذهنية المرتبطة لدى المسلمين جميعًا لمشهد الصراط، هذا الخط الرفيع الممتد على نار، لا يعبر من عليه سوى المؤمنون الصالحون.

>الحلال

اسم الأغنية أيضًا باستعارة دينية، يتحدث «بابلو» فى هذه الأغنية عن تغير شخصيته، وإذا كان يعتبر نفسه ضحية كما قال عن نفسه فى الأغنية السابقة، فقد ترك هذا الدور، وأصبح يشعر بالانتقام، مثلما أكد قائلًا: «ده من كتر اللى حصل فيا، سيبت دور الضحية، وبقيت أرد فى الناس».

>مطفتش

بعد أن قرر «بابلو» الانتقام، وترك دور الضحية كما قال فى (الحلال)، يعبر عن نفسه فى هذه الأغنية، ويقول أنه لايزال يشعر بالخنقة رغم حصوله على «الأخضر» أى «الدولارات»، وأن بداخله صراع لا يريد أن يتوقف، وأن ما يظهر للناس، لا يعبر عما ما يجرى بداخله.

>ليلى ياه

يعود مرة أخرى «بابلو» ليتحدث عن نفسه ويؤكد ذاتية ما يغنيه، وأن أغنياته عبارة عن تعبير واقعه الذى عاشه، وهو ما أكده قائلا: «فى دماغى موسيقى تحكى عن الواقع إللى فيه إتأذيت»، ويؤكد على حالة الانفصام التى يشعر بها وأنه لا يزال شابا تائها فى زحمة الشباب التائهين، وأن ما يفرقه عنهم هو قدرته على استغلال المزيكا للتعبير عن مشاعره، ولكن لا يزال الكثيرون يشعرون بمثل ما يشعر ولكنهم يفشلون فى التعبير.

ثم يعود ليلمح إلى الاعتزال مرة أخرى قائلًا: «كل ما آخد فرصة تانية أحتاج لفرصة تانية»، وكأن اعتزاله كان فرصة للتقرب إلى الله من وجهة نظره، ولكنه أهدرها ويحتاج إلى فرصة أخرى.

>‏DDDD 

اسم التراك مأخوذ من الأربعة حروف الأولى لايقاع «Dub Def Dee Dum» المبنى عليه التوزيع الموسيقى، ويحكى فيه «بابلو» عن نجاحه فى الحصول على الأموال، وبنطرة طبقية يصف مجتمع الأغنياء بـ«الخنازير»، وأنه لم يستطع أن يكون واحدًا منهم، رغم أنه تمنى ذلك كثيرًا فى الماضى.

>ميلوديز

يعترف «بابلو» فى هذه الأغنية أنه لا يزال يتعلم، وأنه لم يصل للنضج الكافى، وأنه مع مرور السنين تزداد خشونته، وأنه ظاهريا للناس إنسان «حر» ولكنه بينه وبين نفسه يعلم أنه بداخله سجن، وأنه لم يكن مخططا لكل ذلك، كان فقط يريد أن يعبر عن نفسه بالأغانى، ويتساءل فى نهاية التراك: «بسأل إيه اللى هيحصل لو ما كانش فيه ميلوديز؟»

>ألاعيب

هو تراك مقسوم إلى نصفين غير متساويين، النصف الأول يتحدث فيه الرابر عن زملائه ويتحداهم، كجزء أصيل من ثقافة الراب، بالحديث عن النفس والتفاخر بالإنجازات.

شششوهى حيلة عبقرية منه لاستخدام خاتمة هذا التراك كـ«Bridge»، للتراك التالى الذى يبدأ بنفس موسيقى خاتمة هذا التراك.

>إيش ليبى إس

يبدأ «بابلو» بنفس الموسيقى التى ختم بيها التراك السابق، ويصف المجال الموسيقى بأنه تجمع لمجموعة من الشياطين يخلو من مفهوم الصداقة، وأنه غير قادر على التكيف مع هذه الأجواء المنافقة.

ثم يقدم واحدة من أقوى أداءاته كـ«رابر» ويستغل موهبته فى «رص» الكلام العربى الممزوج بالإنجليزى بكل سلاسة تامة فى «الفيرس» الذى يأتى مباشرة بعد اللازمة، ليؤكد «بابلو» على موهبته فى مجال الراب، وقدرته على تلوين صوته أثناء «رص» الكلام بشكل بديع.

>المبدأ

واحدة من أقوى أغنيات الألبوم التى يشتبك فيها «بابلو» مع واقعه، وينتقد فيها ما يحدث على تطبيقات «تيك توك»، من «لايفات» يرخص فيها الإنسان نفسه ليحصل على الأموال، باللايك والشير.

>مسرحية

مثلما فعل «بابلو» فى تراك (إيش ليبى إس)، يكرر نفس الأمر هنا، ويبدأ (المسرحية)، بنفس ما أنهى به أغنية (المبدأ)، ويشبه «بابلو» نفسه بأنه يعيش فى مسرحية، ومن الأصوات الموسيقية المستخدمة وأصوات الضحك الموجودة فى تنفيذ التوزيع الموسيقى، نفهم أنه هذه المسرحية «كوميدية»، رغم حالة السوداوية التى تتحدث عنها الكلمات.

ولا يخفى «بابلو» نظرته الطبقية لمجتمع الأغنياء، بل يؤكد عليه قائلا: «حتى اللضا عمو أبو كرش هابشه»، وتشبيه الأغنياء بأصحاب «الكروش»، ليس جديدًا عن ثقافتنا، فكثيرا ما استخدمه «أحمد فؤاد نجم» فى قصائده ومنها (يعيش أهل بلدى) فى وصفه لسكان حى الزمالك الراقية بأنهم أصحاب «كروش».

>هانت «الخاتمة»

مثلما بدأ «بابلو» الألبوم بملحة دينية، ينهيه أيضا بلمحة دينية، ويصارح نفسه ولا يخجل من ضعفه ويغنى قائلا: «عايز أعرف إجابات كل الأسئلة اللى جاتلى فى الطريق، بدعى ربى لما صبرى ينفد إنك يا نفسى تفكرينى، هانت، كل محنة وليها آخر»، ليطرح سؤالًا لم يجيب عنه فى أغانيه.. هل سيقوم بالاعتزال مجددًا؟

>تفاصيل فنية

من الناحية الموسيقية الألبوم معتمدًا بشكل رئيسى على إيقاعات الـ«hip hop»، والـ «TRAP»، والـ «Electro»، ويميل بابلو لاستخدام امؤثرات الموسيقية المعبرة عن معانى الكلمات لاعطاء حالة من الواقعية على أغانيه، فمثلا عندما كان يقول (أمان) ويستنجد بالمولى، كنا نستمع إلى صرخات بشرية، كما نستمع إلى أصوات طلقات النار فى أغنية (الحلال) عندما يتحدث عن الأسلحة، ونستمع إلى ضحكات الجمهور وهو يغنى (مسرحية)، ويستخدم صوت الصرخة فى (ماطفتش) عند حديثه عن النار المشتعلة بداخله.

«بابلو» أيضا برع فى استخدام صوته كـ«second voice» بمؤثرات الـ«Reverb» مع «Timeworks Phazer» وذلك ليس افراطا فى استخدام التقنيات الحديثة، ولكن الغرض من ذلك، هو أن يكون لدينا داخل الألبوم صوتين رئيسيين، الصوت الرئيسى لـ«بابلو» الذى يعتمد فيه على «Auto-Tune»، والصوت الثانوى الذى يستخدم فيه مؤثرات الـ«Reverb» مع «Timeworks Phazer» كتعبير حقيقى عن الصراع النفسى بداخله، فنحن أمام شخصية واحدة يتصارع بداخلها صوتين مختلفين لنفس الشخص، وهذا قمة النضج الفنى.

كيف تخلق ألبومًا متجانسًا موسيقيًا؟

(آخر قطعة فنية)، هو التعريف الحقيقى لكيفية صناعة ألبوم، لدينا قصة انسانية شخصية ذاتية، تبدأ ببداية واضحة، ونهاية غامضة، ولكن لكى نعلم أسباب غموض هذه النهاية، يجب أن نغوص فى تفاصيل باقى الأغنيات التى شكلت التحولات النفسية لصاحب العمل.

هذا من حيث القصة، ولكن من حيث التنفيذ، هناك تدرج طبيعى ومنطقى فى سرد تفاصيل القصة، وكل أغنية وضعت فى مكانها الصحيح، بحيث لو حذفنا أى واحدة منهم، سيختل التوزن الفنى للعمل.

على مستوى السرعات، نحن أمام مغنٍ شاب، يستطيع أن يخلق ألبومًا غنائيًا متقاربًا فى سرعات أغانية، «أمان سرعتها 87»، و«ضحية 78»، «الحلال 121»، «مطفتش 80»، «ليلى ياه 120»، «DDDD 73»، «ميلوديز 80»، «آلاعيب 98»، «إيش ليبى إس 115»، «المبدأ 112»، «مسرحية 117»، و«هانت سرعتها 100».. إذن حالة الترابط ليست فى المواضيع فقط، ولا فى الايقاعات المستخدمة فى التوزيعات الموسيقية، ولكن أيضا فى سرعات الأغانى.

من هنا يعد هذا العمل الغنائى «استثنائى» فى تقديم أغانى متصلة ببعضها البعض، بحيث تنتهى الأغنية بموسيقى، لتبدأ الأغنية التى تليها بنفس الموسيقى التى بدأت بها الأغنية التى سبقتها.>