الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

جسدوا مقولة البابا شنودة الثالث «مصر ليست وطنًا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا»: مواجهة العواصف والثلوج من أجل «الصندوق»

أثبتت انتخابات رئاسة الجمهورية 2024 فى الخارج خلال أيام 1 و2 و3 ديسمبر الجارى، تمسك المصريين بجذورهم ومدى الارتباط بتراب هذا الوطن، مهما كانت المسافات والتحديات، فلتأخذ الالتزامات والارتباطات جانبًا، فليسقط المرض ولو قليلاً حتى تتم المهمة، الآلام لها مسكنات ولا مانع من الذهاب إلى السفارة على جهاز التنفس الاصطناعى حتى يسمع العالم صوت كل مصرى.



هذه المشاهد الحقيقية تمت فى كل أركان المعمورة داخل سفارات وقنصليات مصر فى دول الخليج وأوروبا وأمريكا وكندا والصين والهند ونيوزيلندا والقارة السمراء وصولاً إلى جنوبها وروسيا المترامية الأطراف وأستراليا وأمريكا الجنوبية وتركيا واليابان والكوريتين، هذه هى الحكاية فى 137 سفارة وقنصلية بـ121 دولة حول العالم.

اللجان الانتخابية بالبعثات الدبلوماسية المصرية بالخارج، شهدت خلال أيام الانتخابات المخصصة للمغتربين، إقبالاً كبيرًا من قبل الناخبين المصريين فى جميع أنحاء العالم، إذ احتشد المصريون فى طوابير طويلة بالأعلام واللافتات أمام مقار التصويت فى تمام الـ9 صباحًا بالتوقيت المحلى لكل بلد، رغبة منهم فى القيام بواجبهم الوطنى تجاه بلدهم، وتقديم رسالة للعالم بأن المصريين فى الخارج حريصون على دعم مسيرة الاستقرار والتنمية.

«الصندوق» هو الهدف، يعلمون واجبهم ودورهم تجاه وطنهم وحجم التحديات، ومن أجل ذلك كانت المواجهة بالانتقال وسط عواصف وكتل من الثلوج، بينهم «ذوو الهمم» هم الأصحاء عندما قاموا بتوعية أسرهم بقيمة صوتهم ليرافقوهم إلى مقرات البعثات الدبلوماسية، قاطعين مئات الكيلومترات، وإذا كانت كل الطرق مغلقة فى ظل الطقس الصعب أو بُعد المسافة عن السفارة، فكانت تذكرة السفر عبر الطيران حاضرة للوصول والإدلاء بأصواتهم.

التمسك بالجذور «لافتة» مهمة فى هذه الانتخابات بالخارج، تمثلت فى تهافت المسنين من الرجال والنساء المغتربين فى دول عربية وأوروبية، جاءوا عبر كراسى متحركة، فى رسالة «رد الجميل» داخل مقرات البعثات الدبلوماسية المصرية، ومن بين ما رصد فى هذا الإطار «مسن» شارك على كرسى متحرك فى الكويت، قائلاً: «أنا نزلت عشان مصر.. انزلوا وشاركوا مصر تستاهل كل خير»، وأخرى حضرت إلى السفارة المصرية فى أثينا، متمسكة بالإدلاء بصوتها، لتقول: «لن ننسى مصر صاحبة الفضل علينا»، ومسنة أخرى حضرت على كرسى متحرك إلى السفارة المصرية بالسويد، وسط كتل الثلوج، متحدية برودة الجو وظروفها المرضية من أجل المشاركة، أما المشهد الذى لن يفارق ذاكرة الجميع، فكان من جانب الناخب المصرى المريض الذى حضر إلى مقر السفارة بالكويت بواسطة سيارة إسعاف من المستشفى الذى يتلقى العلاج فيه، يتقدم به المسعفون مستلقيًا على ناقل متحرك، يرافقه جهاز تنفس، ليأخذ جميع الناخبين جانبًا حتى يحقق رغبته التى كلفته كل هذا العناء وهو التصويت لصالح بلاده.

نفس هذه الجذور، التى تعكسها بوضوح، المقولة الخالدة للبابا شنودة الثالث «مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا»، وتتجسد فى مشهد توافد المصريين بالخارج على السفارات والقنصليات حول العالم، ومن بينهم الملك السابق أحمد فؤاد الثانى، الذى أدلى بصوته فى الانتخابات الرئاسية فى السفارة المصرية بالعاصمة السويسرية بيرن.

ومن جديد يثبت «ذوو الهمم» أنهم الأصحاء حقا، فى أكثر من دولة، ومنها الولايات المتحدة، ألمانيا، السعودية، هولندا، فرنسا، الكويت، قاموا بدفع عائلاتهم المقيمين فى مناطق بعيدة عن مقار البعثات الدبلوماسية والسفارات المتواجد فيها صناديق الانتخاب، على الرغم من الثلوج وسوء الأحوال الجوية ومشقة الطريق، والهدف التواجد فى السفارة، على الرغم من أن بعضهم ما زالوا صغارًا، ليس لهم حق التصويت، ولكنهم حثوا أسرهم على المشاركة وتحمل أى متاعب.

«أميرة عبدالحميد» إحدى أبناء الجالية المصرية فى لوس أنجلوس من ذوى الهمم، تقدمت صفوف الناخبين رغم صعوبة حركتها، معبرة عن سعادتها بالمشاركة وسط التيسيرات المقدمة، لتختار المرشح الذى جاء بحقوق أصدقائها فى مصر وفجّر قدراتهم ودمجهم فى المجتمع.

وضمن ذات الصورة، هرول مجموعة من المسئولين بالبعثة الدبلوماسية بالسفارة المصرية بالبحرين، لمساعدة سيدة مصرية من ذوى الهمم، حضرت للمشاركة فى الانتخابات رغم ظروفها الخاصة.

وفى هذا الصدد، قالت المشرف العام على المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة، د. إيمان كريم: إن غرفة العمليات رصدت خلال تصويت المصريين فى الخارج، العديد من المؤشرات الإيجابية داخل اللجان فى السفارات والقنصليات على مستوى دول العالم وأهمها مشاركة الأشخاص ذوى الإعاقة وبشكل إيجابى فى العملية الانتخابية كحق وواجب كفله لهم الدستور والقانون، وأن الصورة التى ظهر بها الأشخاص ذوو الإعاقة فى تصويتهم بالخارج كانت نموذجًا ومثلاً على كفالة الحقوق التى قدمتها الدولة المصرية لهم، وعلى حسهم الوطنى وتمسكهم بالمشاركة الإيجابية، موضحة أن غرفة العمليات رصدت توفر الكراسى المتحركة بالسفارات والقنصليات للتسهيل على الأشخاص ذوى الإعاقة الحركية التصويت فى الانتخابات، كذلك مساعدة الهيئات القنصلية بالخارج للأشخاص ذوى الإعاقة لتسهيل عملية الاقتراع عليهم، هذا بجانب رصد غرفة العمليات بالمجلس أن جميع لجان الانتخاب بالسفارات والقنصليات تقريبًا بالدور الأرضى وأن جميع الصالات والأماكن المخصصة لعملية الاقتراع مهيأة ومتاحة لاستقبال الأشخاص ذوى الإعاقة سواء كانوا على كراسى متحركة أو أصحاب الإعاقات السمعية والبصرية، هذا بجانب وجود عدد من المتطوعين لمساعدة الأشخاص ذوى الإعاقة لإنهاء عملية اقتراعهم.

المرأة «حصن» العائلة ما زالت تعطى دروسًا فى التماسك وحب الوطن، مع نسج الأجواء الدافئة، فكانت فى تحدٍ مع الرجال الذين كانوا يذهبون مع موعد فتح اللجان فى السفارات فى التاسعة صباحًا، فتكون المفاجأة أن هناك «ربات بيوت» فى تواجد مع الزوج والأبناء من السابعة صباحًا، ولكن كان هناك أمر حائر، حول حضور الجدة بأحفادها والأم مع أطفالها، فكان الجواب هو الارتباط بوطنهم وبكل مناسبة تخص مصر وإعدادهم للتواجد مستقبلا عند بلوغ السن القانونية للإدلاء بأصواتهم.

وكشف المغتربون فى الخارج، خلال هذه الانتخابات، عن ضخامة الكتلة التى تتمسك بهذه الأرض، وأنهم حاضرون فى كل مشهد، لدرجة جعلت الكثيرين يظنون أن هذه «الطوابير» فى الكثير من الدول بمثابة انتخابات داخلية تخص هذه البلدان وليست انتخابات لمغتربين، بسبب كثافة التواجد، ليثبتوا أنهم حقًا خير سفراء، يقدمون الغالى والنفيس، وبجانب ذلك، فكان على عكس المتوقع، الحضور الكبير للشباب لاسيما فى دول أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، مما يوضح أن هناك أمورًا وخفايا تحاك تجاه وطنهم تعرفوا عليها هناك وأن ما يثار دائمًا حول استهداف هذا البلد ليس «فزاعة» للاستهلاك الداخلى، ولكنها حقيقة قاطعة.

وفى هذا الإطار، قالت منسق حملة مواطن بالخارج فى نيويورك، إيمان وهمان، إنه كانت هناك بوادر لمشاركة الشباب منذ عقد المؤتمرات والندوات قبل إجراء الانتخابات، ولكن المفاجأة الحضور غير المتوقع بهذا الشكل الكثيف، وهو الأمر الذى كان على نفس المنوال فى الدول الأوروبية، بحسب ما نقل من جانب ممثلى الجاليات المصرية فى أوروبا.

فيما أكد أعضاء الجالية المصرية بالكويت، أن أكثر من 80 % من الحاضرين فى الطوابير من الشباب وكل ما يرغبون فيه، هو رد الجميل لمصر، مشيرين أنه خلال 3 انتخابات رئاسية فى الكويت، لم يكن كثافة الحضور الشبابى بهذا الشكل.

وفى نفس السياق، أكد السفير رجائى نصر، سفير مصر لدى ماليزيا، على وجود إقبال كثيف من الشباب المصرى فى ماليزيا على التصويت بالانتخابات الرئاسية، مشيرًا إلى حرص الطلاب الذين يدرسون فى الجامعات هناك على الحضور لمقر السفارة للتصويت قبل وبعد مواعيد الدراسة بالكليات، فضلاً عن قدوم مبعوثى الأزهر الشريف من أماكن بعيدة بجانب مجىء العائلات مع أطفالهم رافعين علم مصر، وأيضًا تواجدت بعثة منتخب مصر للهوكى المشارك فى كأس العالم المقام بماليزيا منذ التاسعة صباحًا من أول أيام الانتخابات، مؤكدين أن مسك بداية مشاركتهم بالبطولة، هو التصويت فى الانتخابات.

وقد عمل «المغتربون» خلال أيام الانتخابات فى الخارج بمقولة أن لـ«التصويت 7 فوائد» من بينها أن هناك واجبًا نحو الوطن وأن هذه المناسبة يجب أن يكونوا حاضرين فيها، يحركهم التمسك بحقوقهم الممزوجة بمتابعتهم لما يهدد وطنهم وحدوده من عدة مخاطر، يرصدون جيدًا ما تحاط به بلادهم، على قناعة بقيادة لها مواصفات كفيلة بحماية الأمن القومى مدركين قيمة الأرض، وفى إطار فوائد «التصويت»، وجد المصريون فى الخارج أن هذه المناسبة بالتواجد فى جنبات السفارات والقنصليات مشاهدين علم البلاد مرفرفًا وسط أبناء الوطن المغتربين، بمثابة زيارة معنوية سريعة لأرض مصر فى ظل التزامات تمنعهم من الحصول على ختم الوصول.

أجواء الاحتفالات واستدعاء الفلكلور المصرى كان حاضرًا فى عدة أماكن وضحت ما بين حضور ناخبين أو أبنائهم بملابس فرعونية فخورين بهذا الزى الذى يبحثون بشأنه عن أى مناسبة لارتدائه، وأيضًا تواجد الجلباب بقوة فى ظهور ناخبين لا سيما فى دول الخليج من الواضح أن مسقط رأسهم إما من محافظات الصعيد والوجه البحرى، حيث إنهم مشتاقون لهذه الملابس والظهور بها، بينما انتشرت فى التجمعات الانتخابية الأغانى الوطنية التى كانت من جانب المنظمين داخل السفارات أو القنصليات وأيضًا من جانب مواطنين قاموا باستخدام مكبرات صوت داخل السفارة بعد الحصول على الإذن بذلك من جانب المسئولين، رغبة منهم فى إضافة الأجواء الاحتفالية فى هذه المناسبة.

ومع تصدر المرأة المصرية للمشهد، فكان الاستعداد الاحتفالى أيضًا على طريقتها، إعمالاً بأن هذا الحدث بمثابة مناسبة سعيدة، ولذلك لم تخلُ لجنة فى سفارة أو قنصلية من «الزغاريد» تعبيرًا عن الفرحة بالمشاركة، وبجانب ذلك، قامت مجموعات من السيدات والفتيات فى الكثير من العواصم بتجهيز حلويات وعصائر ومشروبات ساخنة لتكون فى كل تجمع داخل السفارة، واضعات فى اعتبارهن أن هناك من سيأتى من الناخبين للإدلاء بأصواتهم من مناطق بعيدة أو من العمل، وأنه من الضرورى أن يجدوا مأكولات سريعة من المطبخ المصرى.

المسافات البعيدة فى بلدان مترامية الأطراف، كانت عقبة تجاوزها المصريون بالخارج، لاسيما فى قارة أستراليا، الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، روسيا، السعودية، الصين، بجانب الاصطدام بالعواصف والثلوج مثلما كان فى ألمانيا، النمسا، هولندا، فرنسا.

رئيس الجالية المصرية فى روسيا، أيمن العيسوى، أكد أنه رغم برودة الجو ودرجة الحرارة تحت الصفر والمسافات البعيدة للوصول إلى السفارة المصرية، إلا أن التواجد الكبير من أبناء الجالية، كان دليلاً على حب المصريين لوطنهم.

وفى كندا، سيرًا على الثلوج، جاء المصريون من أماكن بعيدة إلى السفارة المصرية فى أوتاوا، حريصين على المشاركة وسط حشد ضخم من المواطنين الذين حرصوا على الإدلاء بأصواتهم، وهو ما قاله «عادل بولس - أحد أعضاء الجالية المصرية فى كندا»، موضحًا أن هناك من حضروا فى هذا الطقس السيئ بمسافة ذهابًا وعودة لمدة 10 ساعات وكان هدفهم رفع علم مصر.

وتابع: «عندما تنادينا مصر، يجب أن نكون حاضرين، لنثبت للجميع أن المغتربين فى أنحاء العالم بجانب دولتهم، منذ 10 سنوات لم يكن لنا حق التصويت، أما الآن مع هذا الحق حضر الجميع ليقوموا بواجبهم المندمج مع الفرحة والسعادة وتمسك الكثير من الناخبين بالحضور بأطفالهم فى ظل هذا الطقس، رغبة منهم فى التأكيد على أن لهم الشرف بأنهم مصريون ويوضحون لهم خطوات التصويت، ليقوموا بهذا الدور عندما يسمح لهم بالتصويت فى الانتخابات القادمة عند بلوغ السن القانونية». 

وفى برلين، عبر أسقف الكنيسة القبطية بشمال ألمانيا الأنبا داميان، عن شعور المغتربين المصريين فى ألمانيا بفخر كبير للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات بالرغم من موجات البرد والثلوج وطول المسافات وصعوبة الانتقال إلا أن الواجب الوطنى هو الأهم، واستكمل:  «نعلم حجم حضارة بلدنا التى لها وجود فى الخريطة السياسية فى العالم أجمع، لذلك شعرنا بالمسئولية وبكل سرور حضرنا للقيام بواجبنا».

فيما أوضح السفير محمود زايد، سفير مصر فى أستراليا، أن انتخابات الخارج أظهرت حرص المصريين على التصويت، مما يعكس الانتماء لوطنهم، لافتًا إلى أن أستراليا قارة كبيرة، وثلثا الجالية المصرية فى أستراليا من الممكن أن يتنقلوا عبر وسائل المواصلات على الرغم من بعد المسافات، وهناك من حضروا عبر السفر بالطيران مما يؤكد على الرغبة فى المشاركة وتمسك المغتربين بالانتماء لوطنهم.