
ياسر الغسلان
الشعوب وأمريكا.. أزمة الغرور والأخلاق
هناك سؤال دائمًا ما يدور فى الأذهان، لماذا معظم شعوب الأرض لديها مشكلة عويصة مع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، لماذا دائمًا ما تتهم أمريكا بأنها السبب الرئيسى لكل بلاء أو مصيبة تحدث فى العالم سياسية كانت أم إنسانية وخصوصًا إذا كان الحديث عن التقلبات المتكررة أو المآسى المستمرة منذ عقود فى العالم العربى؟
هذه الأسئلة لابد أنها شغلت الدارسين والمحللين مثلهم مثل السياسيين والشعوب العربية، وفى المقابل فإن أمريكا نفسها تعى هذه الأسئلة وتتعامل معها بين الحين والآخر وفق الهوى السياسى وبناء على المزاج العام لمن يحكم البيت الأبيض ومن يسير أجندات مراكز الأبحاث، إلا أنها تعيد صياغتها فى سؤال مفاده لماذا يكرهنا العالم والعرب والمسلمون على وجه التحديد، وفى كل الحالات فإن الأجوبة بحكم أنها تنبع من بشر كل واحد منهم لديه ميوله وعقده ومواطن قوته فإن الإجابة القاطعة والشافية لمثل هذه الأسئلة يصعب حصرها فى عامل واحد أو عدة عوامل ما لم نفرق ما بين طرفى النقيض فى هذه المعادلة المتناقضة بطبيعتها.
دعونا نحاول الإجابة على الأسئلة واضعين فى عين الاعتبار الفرق الشاسع بين مواقف الطرفين، لا لكى نبرر لطرف حقه الأخلاقى على الآخر بل فقط لنحاول أن نفهم السبب، والذى بدوره هو الآخر قابل للتحليل وللنفى أو القبول، وإزاء ذلك نقول أن السبب الذى يدفع معظم شعوب العالم للنظر لسياسات أمريكا بتأزم وشك نابع من موقف العاجز عن التغيير باستقلالية إلا بحدود محدودة، ففيتو أمريكى واحد قادر على أن يحطم كل قرارات العالم بما فيها ما يراه العالم العربى أنه حقه، بل حتى إن وقف العالم كله مع العرب فى حقه، فإن أمريكا قادرة على أن تقتل كل قرارات الإدانة وتضع أوراقها وملفاتها فى توابيت أدراج أضخم منظمة دولية لحقوق الدول والبشر والأمن العالمى.
السبب الآخر هو أن الشعوب تنظر للسياسة وقراراتها وتحالفاتها وتجاذباتها من منظور أخلاقى، وكأنهم يتعاملون مع مدير فى مكتب أو جار فى حى أو قريب فى أسرة، البوصلة الأخلاقية هى المسطرة التى تتحكم فى أفئدتهم، يحبون ويكرهون وفق عاطفتهم الحية وبالتالى فإن أى قرار سياسى يتجاوز المبادئ الأخلاقية من الناحية العملية فهو قرار منبوذ يصعب القبول به، وهنا تكمن المشكلة العويصة والتى مفادها أن السياسة بطبيعتها كائن هلامى غير أخلاقى، لا يخضع لمنطق البشر أصحاب الضمير بل مسطرته هى المصالح وتحقيق الأهداف فى المقام الأول ثم ليأتى من بعد ذلك الطوفان.
بمعادلة بسيطة يمكن القول أن الشعوب وهم بطبيعة الحال بشر تحركهم المبادئ والقناعات، والقناعات تحركها المشاعر، والمشاعر بوصلتها الأخلاق، بينما السياسة والسياسيون وهذا ينطبق على أمريكا كذلك هم أساسًا أدوات لتحقيق أهداف، والأهداف تحركها المصالح، والمصالح لا تخضع ولم تخضع أبداً للأخلاق، وإن ادعى من ادعى أنه مثال للمثل والمبادئ والأخلاق.
على الجانب الأمريكى فإن السبب وراء سؤال لماذا يكره العالم أمريكا منبعه قناعة الأمريكى بالعموم وإن كانت قناعة باتت فى تراجع فى السنوات الأخيرة خصوصًا بين اليسار وشباب المدن الكبرى أن أمريكا دولة لديها ما يسمى بـ الاستثنائية الأمريكية (American exceptionalism) وهو الاعتقاد بأن الولايات المتحدة مميزة وفريدة ومثالية مقارنة بباقى دول العالم، وبالتالى فإن جميع دول العالم تحسدها على موقعها وقوتها وتفرد نظامها الاقتصادى والعسكرى والسياسى الذى جعل منها أقوى دولة فى العالم.
باختصار الشعوب لديها إشكال مع سياسات أمريكا لأنها تشعر بالضعف ولأنها تحكم على السياسة بمسطرة الأخلاق، بينما أمريكا وبعقليتها المغرورة التى لا تعترف بالأخلاق كمعيار للعمل ترى موقف الشعوب تجاهها أنه ببساطة غيرة وحسد!