الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
 الخوف من الحرية!

الخوف من الحرية!

لا أعلم وربما أعلم السبب الذى يدفع البعض للانتفاض غضبًا وتوجسًا وهجومًا فى كل مرة يتطرق الحديث عن الحرية، فتبدأ الأصوات تنعتها بأنها دعوة للانحلال الأخلاقى والفوضى العارمة والانقلاب على كل المبادئ والمُثل التى شكلت وتشكل المجتمعات، فنجد الصغير المغيب مثله مثل الكبير يرفض أى شىء لا يفهمه أو يفهمه بالشكل الذى لقن به أو كبر عليه، فصورة الحرية فى تلك العقلية ترى سلامة محيطها وفق بناء محدد له كما هو الحال فى البناء الأولى للأسرة، حيث جُبل على الاعتقاد بأن الأبناء دائمًا قُصّر وأن تمتعهم بحرية قرارهم تعنى بالضرورة زوال هيبة الأب ونشوب حتمى لصراع واختلاف بين أفراد الأسرة وكسر المثُل التى يؤمن بها أفرادها.



الفرضية التى ينطلق منها هؤلاء تعتقد أن الأبناء قاصرون بالضرورة، وهذه فى حد ذاته أكبر الأخطاء، فالأبناء مثلهم مثل كل أفراد المجتمع يكبرون ويكتسبون فى طريقهم الخبرة، ويصبح كل ابن من أبناء الأسرة أبًا أو أمًا لديهم مسئوليات وواجبات ومعرفة قادرين بها على أن يقارعوا والدهم فى الحجة، وهنا حديثنا ليس عن الاحترام لرب الأسرة، فالمجادلة والنقاش والمشاركة فى اتخاذ القرار لا تقلل من احترامه، حيث أن الأبناء اكتسبوا الخبرة بالعمل والتجربة والعمر وهى الأمور التى أهلتهم للتمتع بحقهم فى حرية اتخاذ قراراتهم، والرأى الذى يقول بأن الابن أو الابنة يجب ألا يقارعوا أباهم حتى عندما يكبر هو رأى ناتج عن العقلية التى ترفض الاعتراف بحق الأبناء فى أن يكونوا حرارًا فى اتخاذ قراراتهم بذرائع تتبدل وفق الظروف والمعطيات، ولكنها تبقى فى كل حالاتها رافضة.

خذ مثلاً الأسرة التى يصبح فيها الأبناء مساهمين فى مصاريف البيت، هل تعتقد بأن الأب يعاملهم بذات الطريقة التى يعامل فيها الأبناء الصغار أو الأحفاد الذين يعتمدون عليه فى كل شىء، بطبيعة الحال الجواب هو لا، فتعامله مع الأبناء الذين يساهمون فى مسؤوليات المنزل يختلف عن غيرهم، فهم اكتسبوا حق أن يكون لهم صوت ويصبح لهم كذلك حرية اتخاذ القرارات فى الأمور التى تسيّر المنزل، فهم فى نهاية المطاف من يقوم بضمان استمرار واستقرار الأسرة من حيث المعيشة والأمان ومساهمون فعليون لم يكن ليكون لهم هذا الدور لولا أنهم على قدر كبير من القدرة والدراية على اتخاذ القرار الصحيح الذى به تمكنوا من جنى المال والمشاركة به.

الحرية التى يخاف منها البعض ليست نابعة فى صلبها بسبب الخوف على الأخلاق والسلم المجتمعى كما يعتقدون أو على استقرار الأسرة كما المثال آنف الذكر، هم اقتنعوا بذلك بسبب التوجيه الذى يخفى قصدًا السبب الأعمق والذى يتعلق فى أساسه بالطريقة التى يجب أن يروا فيها البناء المجتمعى، فالبناء الهرمى للمجتمع هو الذى يجب أن يتكون منه حيث الرأس الآمر والقاعدة المنفذة، والحرية فى هذه التركيبة تعد تهديدًا، فمع الحرية تنشأ الأسئلة وبالتالى المساءلة والرقابة والتدخل فى القرار، وقد قال جون ستوارت مل «على أنى لا أقصد أن يكون الغرض الأساسى من إطلاق الحرية الفكرية هو تكوين كبار المفكرين والفلاسفة، بل تمكين الطبقة الوسطى من تنمية مداركهم وانتهاج آراء مستقلة»، فهو أدرك فى هذه المقولة أن لا حرية حقيقية دون إدراك الطبقة الوسطى لأهميتها لهم.

«إريك فروم» فى كتابه «الخوف من الحرية» يشير إلى أن من يقاوم تطبيق الحرية ومن يفضّل الخضوع للعبودية يتصفان بذات الجذر المرضى، فما بين السادية المتلذذة بإخضاع الضعيف والمازوخية المتلذذة بالخضوع للقوى مشترك هو «اعتماد كل طرف على الآخر للشعور بالكينونة والوجود».