الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
البيت الأسود!

البيت الأسود!

كنت أعتقد أن الهالة الإعلامية وشعارات العدالة والحقوق ستجعل من مقر إقامة الرئيس الأمريكى، فى البيت الأبيض، مصدرا لأهم القرارات التى تدعم الحرية والديمقراطية وحقوق الشعوب فى تحديد مصيرها فى كافة أنحاء المعمورة، ولكن اتضح لى ولغيرى من شعوب العالم، أن هذا المبنى العريق الذى يعد مقر إقامة كل رئيس أمريكى منذ عهد الرئيس جون آدامز فى عام 1800، ليس له أدنى علاقة بمثل هذه الشعارات أو الحقوق، فهو فى حقيقة الأمر ليس سوى مقر تصدر منه قرارات تحقق مصالح أمريكا وحلفائها فقط، قرارات فى أغلبها منحازة للدول المقربة من دوائر الحكم فى هذا المبنى، دون النظر الى باقى دول العالم التى تئن تحت وطأة ما يصدر من خلال هذا البيت.. الأمثلة على ذلك كثيرة ولا يمكن أن تعد أو تحصى، وهذا ما يجعله فى نظر العديد من دول العالم «بيت أسود»، وليس أبيض كما يدعى من يقيم فيه، فأغلب القرارات الصادرة منه ظالمة ولا تراعى حرية أو ديمقراطية أو تحديد مصير أو خلافه، فعقب عملية طوفان الأقصى سارع الرئيس الأمريكى بتبنى جل ما يصدر عن إسرائيل بما فى ذلك ادعاءات ملفقة حول قيام مقاتلى حماس بقطع رؤوس أطفال إسرائيليين، وزعم أنه شاهد صورًا تؤكد ذلك. ورغم أن البيت الأبيض ذاته وبعض وسائل الإعلام الأمريكية، التى لا تقل تعاطفًا مع إسرائيل، تراجعت عن تلك التقارير الملفقة، فإن بايدن لم يعتذر عنها حتى الآن. وعندما قصفت إسرائيل المستشفى الأهلى (المعمدانى) فى قطاع غزة، فى 17 أكتوبر الماضى، وهى المجزرة التى خلّفت مئات القتلى والجرحى فى صفوف المدنيين والمرضى الفلسطينيين، سارع أيضا ساكن هذا البيت وبطانته إلى تبنى رواية إسرائيل التى تزعم أن المجزرة نتجت من سقوط صاروخ أطلقته حركة الجهاد الإسلامى، بل وذهب سيادته إلى أبعد من ذلك عندما أخبر رئيس الوزراء الإسرائيلى فى مكالمة هاتفية أنه لو واجهت الولايات المتحدة مثل هذا الهجوم، فإن رده سيكون «سريعًا وحاسمًا وساحقًا»، وهو ما يعنى إعطاء ضوء أخضر لإسرائيل للاستمرار فى الجرائم التى تصل حدَّ الإبادة ضد أكثر من 2.3 مليون من سكان قطاع غزة. ولم تشر إدارة بايدن سواء من قريب أو بعيد إلى الأزمة الإنسانية فى قطاع غزة، خصوصًا بعد أن قررت إسرائيل منع دخول الماء والغذاء والوقود والدواء إليه، وأصدرت تحذيرًا لأكثر من 1.1 مليون فلسطينى من سكان نصف القطاع الشمالى بضرورة النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، وبالطبع لم تفلح كافة الضغوط التى مارستها دول عربية أو حتى أجنبية والمنظمات الإنسانية الدولية من إثناء إسرائيل عن قرارها، نظرا لما لحق بالقطاع من كارثة حقيقية؛ لاعتمادها كليا وجزئيا على دعم ساكن هذا البيت، الذى يعمل على تقويض أيّ جهد دولى يدعو إلى إرساء هدنة إنسانية، يسمح من خلالها بدخول المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع المحاصرين. مستعينا فى ذلك بحق النقض (الفيتو) فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذى يشهره ضد أى مشروع قرار لا يشير بوضوح إلى حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها. والأدهى أنه تقدم فى الحادى والعشرين من الشهر الماضى، بمشروع قرار فى مجلس الأمن ينص على «حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، ووقف تصدير الأسلحة إلى الميليشيات والجماعات الإرهابية التى تهدد السلام والأمن فى جميع أنحاء المنطقة». ناهيك عن دعم عسكرى ومالى لا محدود لخدمة هذا الحليف المغتصب لحقوق أصحاب الأرض الحقيقيين، الذين ذاقوا العذاب والظلم طوال 75 عاما، وأعتقد أن هذا سببه الشغف الشخصى لبايدن بالصهيونية وبإسرائيل، فصاحبنا لا يفتأ أن يعيد تصريحًا أطلقه منذ عقود يتباهى فيه بصهيونيّته، «لا تحتاج أن تكون يهوديًا حتى تكون صهيونيًا».. وهو يكرر دائمًا أنه «لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان علينا أن نخترع إسرائيل».. وقد أعاد تكرار هذه المواقف، فى خطابه فى العاشر من الشهر الماضى، الذى كان الأكثر تماهيًا مع إسرائيل، وتبنّى على نحو مطلق موقفها، وهذا ما جعله يرفض رفضا قاطعا وقف أطلاق النار، كما أن الحسابات الانتخابية التى باتت تؤرق منامه، تجعله يقترب أكثر وأكثر إلى اللوبى الإسرائيلى الذى يسيطر على العديد من مناحى الحياة فى أمريكا، معتقدا أن هذا قد يفيده فى انتخابات الرئاسة القادمة.



لهذا ولغيره كثير أعتقد أن مسمى البيت الأبيض لم يعد يليق بساكنه، بعد أن أثبت أن انحيازه هو وكافة أفراد بطانته، قد يجره إلى الدخول فى حرب إقليمية، من الممكن جدا أن تتحول بين لحظة وأخرى إلى حرب عالمية، وقتها فقط لن يكون هناك بيت أبيض أو حتى أسود.