الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. يرويها «حنظلة» المصرى شعرا فى «حدوتة بنت اسمها فلسطين» الحقائق الخمسة «المنسية» التى ذكرتنا بها الحرب على غزة 

الطريق الثالث.. يرويها «حنظلة» المصرى شعرا فى «حدوتة بنت اسمها فلسطين» الحقائق الخمسة «المنسية» التى ذكرتنا بها الحرب على غزة 

أرهقتنا الحسابات المعقدة والمشاعر المرتبكة حول فلسطين، نراقب قصة «الشعب الجبار» الذى لا يعرف اليأس ويقاوم ببسالة طغيان من ظنوا أنهم «الشعب المختار»، نتأرجح بين الفخر والآسى ونحن نرى الشعب الفلسطينى يموت منه فى كل لحظة شهيد.. ليولد من بين صفوفه بطل جديد، يحمل راية المقاومة ويدافع عن الشرف العربى والكرامة العربية، بينما تتابعه الشعوب العربية عبر القنوات الفضائية العربية، تبكيه وتنعيه وتقرأ له ما تيسر، وتتمتم فى آسى وتكتم الغضب إلى موعد قريب.



 

لقد سخنت الدماء فى العروق وجاوزت نقطة الغليان، تحركت رايات النصرة والتأييد فى كل بلاد العرب والمسلمين لمساندة الشعب الفلسطينى «المكلوم» فى محنته الكبيرة (والتى لن تكون الأخيرة)، تصدرت فلسطين من جديد واجهة الاهتمام وأمست أرقام الشهداء والمصابين تتزايد على رأس الأخبار فى كل ساعة، فلسطين قضية العرب والمسلمين الأولى والتى فشلت كل عمليات التجميل السياسى «التطبيعى» فى محوها وتهميشها، عادت لتؤكد للعالم أن القضايا العادلة لا تموت، وأنه لا يضيع حق وراءه مقاوم.

خلال أيام قليلة استعادة القضية مكانتها، وخرجت مظاهرات التأييد لحقوق الشعب الفلسطينى ومنددة بالوحشية الإسرائيلية فى عواصم شتى بمختلف دول العالم الحر، وجدد الصمود الفلسطينى الأمل فى نفوس المقهورين والمظلومين. ومع ارتفاع أعداد الضحايا من الفلسطينيين بشكل يومى تتضاعف أمامها خسائر العدو الإسرائيلى المحتل (الاقتصاد أكثرها إيلاماً)، فتعلو نداءات العقلاء فى المجتمع الدولى والعربى (وفى المقدمة تقف دائماً مصر بأغصان السلام) للمطالبة بالتهدئة والوقف الفورى للقتال والجلوس إلى موائد المفاوضات، لأنها الوسيلة الوحيدة لإيقاف مسلسل الدم.

لقد خلفت الحوادث الجارية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة أثاراً وجراحاً فى العقل العربى المعاصر، وأنارت حقائق لا يليق نسيانها أبداً، وعلى وسائل الإعلام تنشيط الذاكرة العربية بها بصورة مستمرة، ويلخصها النقاط الخمسة  التالية:

- أن القضية الفلسطينية هى قضية العرب الأولى إلى أن يقضى الله أمره فيها.

- أن الصراع العربى الإسرائيلى هو صراع حضارى مستمر بين (كل) العرب فى مواجهة إسرائيل حتى تحل القضية الفلسطينية.

- أن المقاومة المسلحة حق مشروع للشعب الفلسطينى، وقتلاهم شهداء وليسوا إرهابيين أو انتحاريين كما يحلو وصفهم للإعلام الغربى وتابعيه من بعض العرب.

- أن الخلاف السياسى مع فصيل من فصائل المقاومة الفلسطينية، والذى ينتمى إلى تيار الدين السياسى، لا يعنى خلافاً حول القضية، ولا يعول عليه فى التخاذل عن دعمها.

- إن كل الأفكار البالية التى يجرى ترويجها عن الشعب الفلسطينى والصور الذهنية المزيفة التى يسوقه عنه الإعلام الصهيونى، يجب أن يقابلها توسع إعلامى عربى واعى فى تأصيل وترسيخ الصور الحقيقية لهذا الشعب البطل، الذى يستحق دائماً أن نوفيه حقه من التقدير والاحتفاء.

وأخيراً، نذكر بها أبداً ودائماً: القدس عربية.. فلسطينية.

 مقال قديم

عذرا عزيزى القارئ، فالسطور السابقة لا تحمل جديدًا فهى مقاطع نقلتها بالنص ودون أى تغيير أو تعديل من مقال سابق لى نشرته فى منتصف مايو من عام 2021 بجريدة «صوت الأزهر»، بعنوان «الحى الذى أحيانا»، كنت أعلق فيه عما جرى فى حى «الشيخ جراح» الفلسطينى، والذى أصبحت قصته ذائعة التفاصيل بعد أن اشتعلت شرارتها فى الأسبوع الأخير من شهر رمضان المعظم فى ذلك العام، وامتدت مع الأيام وتوسعت حوادثه جغرافياً لتمتد من القدس «المحتلة» إلى غزة «السجينة»، لترسم فصلا بطوليا من قصص المقاومة الفلسطينية الممتدة والمستمرة من قبل هذا التاريخ وبعده، وصولاً إلى «طوفان الأقصى» الزلزال الذى ارتجت معه منطقة «الشرق الأوسط» فى السابع من أكتوبر الجارى، وما زلنا نعانى من آثاره ويسدد عنه الشعب الفلسطينى فى غزة فاتورة رد الفعل الانتقامى الغاشم من قوات الاحتلال الإسرائيلية فى جريمة جديدة تضاف إلى سلسلة جرائمه المستمرة خلال ما يقرب من قرن كامل من الزمان.

تكرار العدوان.. والعجز

عشرات المقالات والموضوعات كتبتها عن القضية الفلسطينية خلال مسيرتى المهنية التى تجاوزت 30 عاماً، أغلبها عن الاعتداءات الوحشية التى تتصاعد فيها الحماقة الإسرائيلية حيث يمارس جيش الاحتلال كل أشكال القهر والذل والمهانة ضد الشعب الفلسطينى، ويقابله صمتاً وعجزاً عربياً ينتقل من جيل إلى جيل، كأنه تراثاً يخشى عليه أصحابه من الاندثار، حتى تضخم اليأس وهيمن على العقول العاجزة وبات سلوكاً تقليديا فى مجابهة وحشية العدو دون أدنى أمل فى التغيير.

إلى أن هل علينا «طوفان الأقصى» فأنار طريق المقاومة المظلم، وأعاد الروح إلى مشروع النضال من أجل الحق والعدل والخير، لهذا احتشدت ضده كل قوى الشر فى العالم لإبادة أبطاله من فصائل المقاومة الفلسطينية.

لقد بلغ الجنون بهم حد التلويح بإبادة قطاع غزة الذى يقطنه أكثر من 2 مليون فلسطينى، هم منذ انفجار الأزمة أرواحهم معلقة انتظارا لطلقات العدو الغادرة تحصدهم، بعد أن تحولت مدنهم وقراهم المحتلة إلى خراب ودمار، انعدمت فيه مظاهر الحياة بعد سلسلة مستمرة من الاعتداءات والجرائم التى تفوقت فيها وحشية الصهاينة على أفران هتلر التى أدعوا أنهم حرقوا فيها كما راج فى أسطورة (الهولوكست) المزعومة التى استثمرتها إسرائيل وأسست عبر مظلوميتها، مشروع الوطن الدائم على أرض الميعاد، فلسطين الذبيحة.. المسروقة من أهلها.

 يا بيوت السويس

مبكرا أدركت أن فلسطين وقصتها ستكون محورا مؤثرا فى حياة بلادى، رغم معايشتى لاحتفاء مصر الكبير بالسلام فى سبعينات القرن الماضى، إلا أننى كنت استشعر خطرا دائما قابعا على حدود مصر، ربما بسبب صورة العدو الغدار الذى رسخته جدتى فى وجدانى، بقصصها المؤلمة عن مدينة السويس أثناء وبعد النكسة حيث كانت تعيش مع أبنائها، وحكايات عن ألم تجربة التهجير الذى عانى منه أهل مدن القناة، بعد أن اضطرتهم ظروف الحرب للنزوح إلى القاهرة والدلتا هرباً من القصف الإسرائيلى الإجرامى للمدنيين، ولم تنس أبدا أن تحكى قصة عمى الذى شارك فى معركة النصر فى أكتوبر 1973 وأخذ بثأرها وثأر كل السوايسة، وتختم وهى تغنى أغنية محمد حمام «يا بيوت السويس» وتتساقط دموعها فى شجن عميق.

 الحدوتة والشاعر «حنظلة»

وفى مطلع الثمانينيات، تابعت عودة ابن خالتى الطالب فى كلية الهندسة بالجامعة العربية فى بيروت، مصابا بـ«شظية» بعد أن نجا من الحصار الإسرائيلى للعاصمة اللبنانية، منه عرفت صورة القائد أبو عمار بلفحته الفلسطينية الشهيرة وهو يخرج إلى منفاه فى تونس «منتصب الهامة»، كما تغنى مارسيل خليفة من أشعار سميح القاسم، فى الأغنية المعروفة التى أصبحت نشيد المقاومة فى كل زمان. 

ويبدو أن حكايات الطفولة قد مهدت الطريق لــ«حنظلة» ليسكن قلبى وقلمى منذ أول إطلالة تعرفت فيها عليه مرسوما فى واحدة من كبريات الصحف العربية، فقادنى الفتى الفلسطينى المتمرد إلى صاحبه ومبدعه فنان الكاريكاتير الفلسطينى ناجى العلى، ومنه عرفت واقع القضية بعد انكسارها فى الشتات.

ثم التحقت مطلع التسعينات بجامعة القاهرة وشاركت فى أغلب مظاهرات الغضب التى خرجت تندد بوحشية إٍسرائيل وجرائمها التى لا تنتهى، برغم أن هذه السنوات وصفت بـ «عقد السلام»، من مدريد إلى أوسلو وصولا إلى كامب ديفيد حيث تصافح عرفات ورابين، ليسقط رمز المقاومة الفلسطينية فى فخ رئاسة السلطة بعد توقيعه ما سمى باتفاقية (غزة- أريحا)، وينال الشرف الأسمى بدخول البيت الأبيض مصافحاً ساكنه بيل كلينتون. ليصل موكب السلام محطته الأخيرة فى منفذ رفح البرى وينتقل أبو عمار إلى غزة ومنها إلى الضفة حيث استقر سنوات، مهدت للانقسام الفلسطينى والانتفاضة الثانية، حتى حاصرته إسرائيل ومات مسوماً، وغابت القضية لكنها أبدا لا تموت.

 فلسطين مصرية

خلال هذه التسعينات كتبت ديوانى الأول بمنطق وخيال «حنظلة» المصرى، ونشرته بعنوان «حدوتة بنت اسمها.. فلسطين»، وأصدرته فى طبعة خاصة عام 1999، قبل أن تصدر طبعته الثانية فى عام 2008 عن مركز الحضارة العربية بالتزامن مع النزوح الفلسطينى الشهير من غزة إلى رفح المصرية فى حادثة شهيرة ما تزال تلقى بظلالها على العلاقات المصرية الفلسطينية.

ومن هذا الديوان أختم بقصيدة «فلسطين مصرية»، المنقسمة إلى رسالتين الأولى نصها...  «سيدتي العذراء مريم ﺍﻟﺒﺘﻮﻝ  

ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﺤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ   

ﺇﻟﻴﻚ ﺃنهى الظلام 

من محمد بن عبدالله ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ 

ﺇﱃ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﺎﻓﺔ  

ﺃﻣﺎ بعد   

ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﻴﻞ قد ﻓﺎﺽ

ﻭﺃﻏﺮﻕ ﺍﻟﻮﺍﺩﻱ فى أﺣﺰﺍﻥ

فابتلت جدران معابد ﺣﺘﺸﺒﺴﻮﺕ    

ﰲ الدير ﺍﻟﺒﺤﺮﻱ  

واعتلت المياه قمة أعمدته

وضاعت ﻫﻴﺒﺔ قدس الأقداس.. بيت ﺍﻟﺮﺏ  

ﻟﻜﻦ المصريين ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ  

ﺇﻥ ﺍﻟﺮﺏ ﺍﺭﺗﻮﻯ بعد الظمأ ﺍﻟﻠﻴﻠﻲ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ   

وأنا أعلم ﻳﻘﻴﻨﺎً بأنه ﱂ ﻳﺮﺗﻮ

ﻓﻘﺪ ناداني ﰲ سانت ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ ﻭﺍﳉﺒﻞ 

ﻭﺃﺑﻠﻐنى ﺃﻥ بنى ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ما ﺯﺍﻟﻮﺍ ﻳﺒﺤﺜﻮﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ

«ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين». 

ﻭﻟﻦ يجدوها». 

وتستمر القصيدة فى رسالتها الثانية تحاكى سابقتها، فكان نصها: 

«سيدتى ﺻﺎﺣﺒﺔ ﺃجمل ﻋﻴﻮﻥ 

ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﺤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻐﺮﺍﻡ  

ﺇﻟﻴﻚ ﺃﺣﻠﻰ الكلام 

ﻣﻦ جالس ﺍﻟﻨﺎﺻﻴﺔ أبو ﺷﺎﻣﺔ  

ﺃﻣﺎ بعد  

ﻻ تصدقى..

ﻓﻜﻞ ﻭﻋﻮﺩ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻛﺎﺫﺑﺔ 

ﻭﻣﻦ طعنك أمس سيستبيحك غدا 

ﻭﻣﻦ غدر ﻻ ﺃﻣﺎﻥ لعهده 

ﻭﻻ حدود ﻭﻻ ﻭﻃﻦ  

سيدتى بنت ﺃﺷﺠﺎﺭ ﺍﻟﻠﻴﻤﻮﻥ ﻭﺍﻟﱪﺗﻘﺎﻝ 

بنت ﺃﺭيحا الياسمينة 

ﺻﻼﺡ الدين.. ﻣﺼﺮﻱ 

عبد ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ.. ﻣﺼﺮﻱ  

ﻭﻟﻦ يحمل لواءك عرباسألى يونيه ﻭﺃﻳﻠﻮﻝ ﺍﳊﺰﻳﻦ 

اسألى جسدك المتعطش إلى حطين

ستجديه مصرياً

سيدتى.. لو خيرونى بين نساء العالم 

لاخترتك.. فلسطين  

سيدتى.. ﻟﻮ ﻭﺿﻌﻮﺍ الشمس ﻋﻦ يمينى ﻭﺍﻟﻘﻤﺮ 

ﻻخترتك.. فلسطين».