السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فاصل إعلامى.. سنتيمترات قليلة تفصلـك عن الموت

تذكر كيف كانت القيادات تفرز وجود الأصدقاء والأقرباء والجيران من المجندين بنفس السلاح جنباً إلى جنب حتى يحمل المجند أخاه أو قريبه أو صديقه أو جاره، فى لفتة إنسانية كبيرة.



انتصف نهار أحد أيام الحرب، والمجندون والضباط تحت نيران القصف العشوائى للعدو فى وحداتهم، يتطلعون لوصول «التعيين» للحصول على وجبة الغذاء المرتقبة، حيث يتناوب إحضارها المجندون، حان دوره، فلوّح مغادرا الموقع طالباً من جاره ورفيق دربه إعداد المكان حتى يعود بالطعام.

لم تكد اللحظات تمر حتى عاد ليجد الفوضى الكبيرة تعم المكان إثر إصابته بقذائف العدو وصديقه أشلاء ممزقة.

غالب حزنه وغضبه الشديد مقررًا عدم العودة لقضاء عطلته المعتادة مع الأحباب والأهل والأصدقاء هرباً من مواجهة جيرانه أهل الشهيد.

طالت غيبته وانقطعت أخباره، وظن الأب أن ابنه ربما سقط شهيداً فصبر واحتسب وحمد الربّ.

ثم دبت الحياة فى قلوب أفراد الأسرة، بعدما عاد أخيراً لقضاء عطلته القصيرة مستترا بظلام الليل قبيل الفجر، راجياً منهم إبقاء أمر عودته وذهابه طىّ الكتمان، حفاظا على مشاعر أهل رفيقه الشهيد.

أعوام مريرة قضاها المجندون والضباط منذ النكسة كللت أخيراً بالنصر.

ذهبت الحرب بصواب بعضهم من هول ما رأوه فلزموا المصحات النفسية.

فيما وجد بعضهم هائما على وجهه فى مشهد جرى اعتياده.

ترعرع جيل جديد فى القرية قبالة أحد تلك المشاهد، بطلها أحد هؤلاء الضباط النبلاء وقد أصيب بلوثة أثرت على حركته وتركت نظرة الفزع ملازمة لوجهه ما تبقى من حياته.

ربما فقد ذلك السبيل رفيقاً أو عزيزاً أو جاراً، أو لم ينل الفرصة للدفاع عن أرضه وأهله.. من يدرى؟

عبر المجند ضمن الموجات الأولى، وكثيراً ما كان يسمع صوتاً مألوفاً للأذن، إذ يجرى حواراً بين القائد وأحد مجندى سلاح الإشارة مستفسراً عن الاتصال بأحد أفراد القادة من مجموعات الاقتحام فى الخطوط الأمامية حول دشم العدو ونقاطه الحصينة فيرد المجنود: تمام يا فندم. ناديناه وكررنا النداء مرارا وتكرارا، فلم يستجب، إذ نال شرف الشهادة وضعت الحرب أوزارها وأعاد ورفاقه النصر والكرامة والأرض لأحضان الوطن مجدداً.

حصل بعدها على ميدالية تذكارية وترقية لدرجة عسكرية أعلى من شهادة كفاءة ليترك الجبهة عائدا لحياته المدنية بعدما أكلت الحرب ثمانية أعوام من عمره، قضاها بين أحبابه الجدد وأصدقائه من رفاق السلاح، ليفارقهم حزينا بعد أن سمع منادياً:

المجند/ عبدالمقصود محمد عبدالمقصود!

تمام يا فندم!

تذكرة قطار ذهاب.. بلا عودة.. مع السلامة.