الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ما هكذا تورد الإبل

ما هكذا تورد الإبل

فى الوقت الذى أصبحت فيه مسألة الضرب فى المدارس من الأساليب المنبوذة عالميًا وعربيًا منذ سنوات، فجرت المهندسة آمال عبدالحميد عضو مجلس النواب فى البرلمان المصرى مفاجأة من العيار الثقيل، عندما قدمت طلب إبداء اقتراح برغبة إلى المستشار حنفى جبالى رئيس المجلس موجهًا إلى الدكتور رضا حجازى وزير التربية والتعليم، لإعادة النظر فى آليات عودة هيبة المعلم داخل المدارس فى مصر لأداء رسالته، وكأن سيادتها لم تر على ما يبدو لإعادة هذه الهيبة سوى عودة أسلوب الضرب بالعصا الذى كان يستخدم فى مدارسنا فى وقت سابق، بعد أن جرّبنا الأساليب التربوية الوافدة إلينا من الغرب حسب قولها، فكانت النتيجة أجيالًا لديها انفلات أخلاقى، ساهم فى تهميش وإضعاف دور المدرس التربوى، وفقدانه لهيبته فى نفوس الطلاب فى مصر، بعدما جردناه من الكثير من الصلاحيات والوسائل التهذيبية، ومنها الضرب بالتأكيد حسب مقترح نائبة الشعب، لم يفت سيادتها أن تدلل على صحة مقترحها عندما ذكرت أن الكثير من النظم التربوية فى مختلف الدول الغربية والعربية، بعدما ألغت أسلوب الضرب بالعصا داخل مدارسها نهائيًا رجعت فى قرارها، مشيرة إلى استطلاع رأى أجرته بريطانيا مؤخرًا تبين أن 78 % من أولياء الأمور يؤيدون «الضرب بالعصا داخل المدارس» مع التلاميذ المشاغبين.. ثم عادت واستطردت: «أننى من الجيل الذى أدرك زمن العصا فى المدارس، ومع ذلك ما زلنا نحمل الاحترام والتقدير والدعاء لكل من علمنا، فهو أسلوب جعل المعلم ذا سلطة وهيبة ومكانة؛ فتخرج الأطباء والمهندسون والطيارون والعلماء والمبدعون من تحت تلك اليد التى ما برحت ترفع العصا كلما حصل تقصير أو سوء سلوك داخل الفصل أو فناء المدرسة.. وشددت على أن وراء كل طالب منفلت أبًا مهملاً، ووراء كل طالب غير منضبط ولى أمرٍ فاشل، ولن تستقيم العملية التربوية والتعليمية ما لم نستعيد دور المدرسة وهيبة المعلم».



حتى هنا انتهى مقترح نائبة الشعب الذى أثار جدلًا واسعًا بين المصريين عبر وسائل التواصل الاجتماعى، فقد أيده قليلون، تحت زعم أنه يدعو للتركيز ويمنع ظاهرة التسرب التى يعانى منها التعليم المصرى، بينما انتقده العديد من المعلقين، معتبرين أنه بعيد كل البعد عن المبادئ التربوية الحديثة التى تركز على بناء شخصية الطلاب، وتشدد على أهمية راحتهم النفسية، بل إن البعض وصفه بأنه أسرع وسيلة لمزيد من التدهور فى العملية التعليمية بأكملها. وهذا تحديدا ما يجعلنى أتوجه بعدة استفسارات أو أسئلة (سمها كما تشاء عزيزى القارئ) لعلها توضح لى ولغيرى سبب تقديمها هذا المقترح.

أولا: هل سيادتك استخدمتِ العصا فى ضرب ابنك أو ابنتك حتى يهابوك ويحترموا سيادتك؟ وهل تعلمين أن هذا الزمن يختلف تمامًا عن الزمن الذى تطالبين بعودته؟، خاصة أن عصر الثورة والتكنولوجيا يحيط بنا من كل اتجاه ويؤثر بالتبعية على تصرفات وسلوكيات أبناء هذا الجيل، الذى يقوده المحمول والكمبيوتر.

ثانيا: هل تعلمين أن علم النفس التربوى يؤكد أن الضرب من أخطر أنواع العقاب وأكثرها ضررًا بالنسبة للطفل لأنه يؤدى إلى مجموعة من النتائج السلبية ومنها على سبيل المثال، الامتناع المؤقت عن فعل السلوك ،ولكنه لا يقتلعه من جذوره لأنه ليس قائما على الاقتناع ولكن على الخوف فإذا زال الخوف عاد السلوك كما كان، ومع تكرار العقاب البدنى يتكيف الطفل مع هذا النوع من العقاب وبمرور الوقت يفقد هذا المثير أهميته ويعتمد الطفل على سلوك اللامبالاة وعدم الاكتراث بل أحيانا إلى المباهاة بتحمل العقاب؟.

ثالثا: هل تعلمين أن العقاب البدنى يعود الطفل على الخوف وهو من أكثر معوقات الإبداع والابتكار، كما يجعله يتعود على القسوة والتعامل بالعنف وإلحاق الضرر المادى بالآخرين، وبالتالى فإن اللجوء للعقاب البدنى يؤسس للعنف كأسلوب حياة، ويجعله عرضة لمشاكل وأمراض اجتماعية كفقدان الثقة بالنفس، بخلاف المشاكل الصحية التى تصل فى بعض الأحيان إلى التبول اللاإرادى. وفى النهاية يعد أسلوب الضرب دليل فشل دامغا على عدم صلاحية هذا المعلم للقيام بتعليم الطلاب لأنه لا يمتلك من المعرفة والخبرة والمهارات التربوية ما يمكنه من جذب اهتمام الطلاب وحل مشاكلهم التعليمية ومساعدتهم على التعلم ويلجأ إلى الضرب كوسيلة لحمل الطلاب على فعل ذلك بأنفسهم لأنه لا يستطيع أن يساعدهم فيه؟

جميعها أسئلة أعتقد جازمًا أنها غابت عن سيادتك، وإلا ما فوجئنا باقتراحك الذى كان يجب عليك قبل أن تقدميه، أن تستشيرى خبراء وأساتذة التعليم وعلم النفس، فمؤكد كنتَ ستستفيدين منهم ومن علمهم وخبرتهم، خاصة أن هناك العديد من وسائل الردع والعقاب التربوية التى تغنى عن استخدام العنف التى تجعل من التعليم عملية ممتعة ومرتبطة بواقع الطلاب واهتماماتهم، والتى يجب أن يعرفها ويعمل على أساسها كل من يتعرض للعملية التعليمية فى مصر، ولكنها غابت عنك للأسف.