
ياسر الغسلان
لماذا نقرأ ؟
لم أكن من الأطفال الذين يحبون القراءة أو مطالعة الكتب، بل كنت أفضل قضاء الوقت مع الأصدقاء فى لعب الكرة، مثل معظم الأطفال حول العالم، يمارسون مشاغباتهم ويعيشون فى اللحظة، لم أكن مميزًا أو مهتمًا بتنمية العقل، فالطاقة الحركية التى يزرعها الله فى الصغر تكون فى غالب الأحوال هى المحفز للتعبير عن الذات أكثر من الطاقة الذهنية التى تبدأ فى الظهور والنمو مع مرور الوقت.
أما اليوم فكثير منا يقرأ مثلاً للتسلية، فمجلة من هنا وحساب من هناك نتابع ونقرأ ما يكتب لنمضى به بعض الوقت فى الترفيه وربما زرع ابتسامة أو ضحكة، ونحن نقرأ كذلك لنستعرض أمام أقراننا بما قرأنا، فنردد ما تعلمناه ونحاول أن نظهر أمامهم بأننا ملمون ليُنظر لنا بتميز وإعجاب يشبع غرورنا الإنسانى.
نحن نقرأ لنتعلم مما قرأنا ونطبقه فى حياتنا، فمن كتب التخصص الجامعى لنصائح الحياة السعيدة وكيف نجهز طبق الملوخية كلها أوجه تكون القراءة السبب الرئيسى لنستطيع أن نناور ونمضى بحياتنا اليومية بالشكل الذى نريد، كما أننا نقرأ لنكتشف ماهى الحقيقة وأين هى الحقيقة فيما يقال لنا، فالإنسان السلبى هو ذاك الذى يأخذ كل شئ وأى شئ باعتباره حقيقة مسلم بها، أما هؤلاء الذين تحركهم نزعة الفضول ورغبة معرفة الأمور كما هى فهو لن يجد طريقة أفضل من القراءة والمقارنة والبحث لاكتشاف مواطن تلك الحقيقة الغائبة.
وفى عالم متغير ومتقلب ومتصارع فإننا نقرأ لنكتشف ما يدور حولنا، ولماذا يحدث ما يحدث ولماذا وصلنا لما وصلنا إليه وكيف لنا أن نخرج من المأزق أو نخطوا صعوداً نحو الأفضل، فلا يصح أن نعيش فى عالم دون أن نكون مدركين ما يدور ما حولنا، فالإنسان الحى هو الذى يعلم مكانه مما يدور حوله، وكيف له أن يكون عنصرًا فاعلًا فى إحداث التغيير الإيجابى فى حياته فى المقام الأول وبعد ذلك يحاول أن يحدث الفارق فى محيطه.
نحن نقرأ ونقرأ ونقرأ من أجل أن نصل لتلك المرحلة التى بإمكاننا أن نفهم فيها الأفكار المجردة، نحاول أن نحاكى الفلاسفة فى تصوراتهم وتوصيفاتهم لما تعنيه الأخلاق مثلاً دون الحاجة للاعتماد على إسقاطات الأمثلة لنفهم الفكرة، ننمى عقولنا ونشبعها بحثاً، فالطريق المجرد يتطلب عقلية تفكر بتجرد وهذا منالٌ صعب، سعيد ومحظوظٌ من يصل إليه.
نحن نقرأ لنؤكد من خلال فهم عقولنا ما تؤمن به قلوبنا، فالإيمان الذى لا يسنده اقتناع عقلى يسهل جداً تغييره إن هو وضع فى بيئة ذات أبعاد أخلاقية أو فكرية مختلفة، فالمؤمن بقناعة العقل مثله مثل العقل المدرك المؤمن هما الأشخاص الذين يقفون أمام تحديات الأفكار كالصخور التى لا تنحتها عوامل تعرية الزمان وتقلبات الأفئدة والمحيط بكل تأثيراته.
نحن نقرأ لتجنب أخطاء الماضى، فنقرأ التاريخ لنتعلم ولنتدبر ولنبتعد عن تكرار ما قام به أسلافنا من أخطاء ومن مآسى ونكسات، وفى الوقت ذاته نتعلم من هذا التاريخ التجارب التى ثبت الدهر أنها كانت لحظات مضيئة فى تاريخ البشرية فنحاول أن نستلهم منها ونعيد تدويرها بالشكل الذى يناسب هذا الزمان، لنخلق بها لحظاتنا المضيئة.
نحن نقرأ لملايين الأسباب، كل إنسان منا له أسبابه، وما ذكرته فى الأسطر السابقة ليست إلا أمثله بسيطة ربما يتفق حولها الكثيرون وقد يختلف حولها آخرون، كل واحد منا له تجاربه وأسبابه، ولكن بعد أن وصلت معى أيها القارئ الكريم لهذه الكلمات الأخيرة وبعد أن تنهى آخر حرف من هذا المقال أقترح عليك أن تسأل نفسك «لماذا أنا أقرأ» فقد تكتشف حقيقة جديدة عن نفسك.