
ياسر الغسلان
اللطف فى هذا العالم الافتراضى
لا بُدّ أن نعترف أن وسائل التواصل الاجتماعى أفقدتنا إلى حد كبير السيطرة على معدل اللطف الذى فى داخلنا، فأصبحنا نتعامل مع الناس من خلال لوحة مفاتيح أجهزتنا وفق الأحكام التى نطلقها على هذا وذاك من خلال ما نقرأ لهم، فإن كان ذلك الشخص الذى لا نعرفه شخصيًا يكتب على هوانا أغدقنا عليه كلمات وعبارات الثناء النابعة من اللطف والتهذيب الذى فينا حتى وإن كان لا يستحق بالضرورة هذا الشعور الطيب، وإن كان ما سطرته أنامله لا يتوافق مع مواقفنا أو قناعاتنا أغرقناه بكل عبارات القدح والتحقير، فنخرج من دواخلنا أسوأ ما فينا ونغرق أنفسنا فى وحل الكراهية والبغض.
الإنسان بطبيعته خُلق وبداخله المشاعر الطيبة، يكفيك أن ترى رد فعل أى إنسان مَهما كان متوحشنًا أو غير منضبط أخلاقيًا عندما يحدق فى وجه طفل يبتسم له دون سبب، أو عندما تتحرك مشاعر الإنسان مَهما كان قويًا ومتحكمًا بذاته عند رؤية مُسن فقد القدرة على التجاوب مع العالم أو سيدة تبكى حرقة على فقدان، كلها ردّات فعل تكشف أن الإنسان بطبيعته طيب، واللطف عنصر أصيل فى داخل كل واحد منا، لدينا القدرة على تحفيز عوامل نموّه ولدينا القدرة على طمسه واستبداله بأبشع ما فينا.
أعلم أن الظروف التى تحيط كل واحد منا قد تكون السبب فى تنمية الشعور بأى من الاتجاهين المتناقضين، ولكن يبقى السؤال الأهم: هل الظروف هى التى تتحكم بنا أَمْ نحن مَن يجب أن يتحكم بالظروف أو لنقل التحكم بأنفسنا حيال تعاطينا مع تلك الظروف؟.
خذ مثلًا عندما يواجه أى واحد منا موقفًا صعبًا أو أزمة ما، هل يمكن أن يقبل عقلنا المنطق الذى يقول إن علينا أن نخضع لتلك الظروف ونستسلم أَمْ أن علينا مواجهتها والعمل على تجاوزها نفسيًا وبكل القدرات التى نملك، بطبيعة الحال الحل الثانى هو الذى سيتفق حياله الأغلبية؛ لأن اليأس من تغيير الواقع يعنى الاستسلام والإنسان بطبيعته لا يستسلم بسهولة، انظر فقط لردة فعل الإنسان الطبيعية عندما يتهدده الموت، سيجزع ويعمل كل ما بوسعه لإنقاذ نفسه والحفاظ على حياته.
إذن نحن مَن يتحكم بمشاعرنا ونحن مَن يتحكم بحياتنا ونحن الملامون عندما نترك للظروف أن تسيطر علينا فتحول اللطف الذى فى داخلنا إلى نقيضه، فلو كنا أسرَى حقيقيين لمحيطنا لما كان الإنسان يرغب فى أن يكون أفضل ويستسلم قانعًا لواقعه، فلا يبحث عن ترقية وظيفية أو معيشة تنعم بالرفاهية، أو علاقات اجتماعية تزرع فى داخله الشعور بالانتماء والألفة.
فى المرة المقبلة التى تقرأ لأحدهم رأيًا أو موقفًا لا يناسبك وقبل أن تفعّل قبح الكلام والشعور، فكر قليلًا فى نفسك وتذكر أن بعض أفكارك قد لا تناسب غيرك وقد يراها البعض تمامًا كما ترى أنت آراء الآخرين، فعامل الناس باللطف ليعاملوك بلطف، ولا تعتقد أن هناك أمرًا مَهما عظم فى تقديرك يستحق أن تفقد من أجله الشعور باللطف الذى وهبك إياه الله والذى إن حافظنا عليه وفعلناه باستمرار سنكون أسعد وأكثر قدرة على إسعاد الآخرين، ولا تنسى أنك لو كنت تسمع ذلك الكلام الذى لم يعجبك من شخص يقف أمامك فغالبًا لن تعامله بذات الطريقة الفظة التى قد تعامله فيها من خلف لوحة مفاتيح وفى بيئة تسيطر فيها على ظروفها، وليكن قدوتك فى ذلك الرسول الأعظم الذى لو كان فظًا غليظ القلب لانفض الناس جميعًا من حوله.